Approach and Studies of the Verses of Names and Attributes - Al-Dar Al-Salafiyyah Edition
منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات - ط الدار السلفية
Publisher
الدار السلفية
Edition Number
الرابعة
Publication Year
١٤٠٤هـ - ١٩٨٤م
Publisher Location
الكويت
Genres
محاضرة آيَات الصِّفَات الَّتِي أَلْقَاهَا فَضِيلَة الشَّيْخ مُحَمَّد الْأمين بالجامعة الإسلامية ١٣ رَمَضَان سنة ١٣٨٢
الْأَسْمَاء وَالصِّفَات نقلا وعقلا الْحَمد لله رب الْعَالمين وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على نَبينَا مُحَمَّد ﷺ وعَلى آله وَأَصْحَابه وَمن تَبِعَهُمْ بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدّين أما بعد فَإنَّا نُرِيد أَن نوضح لكم مُعْتَقد السّلف وَالطَّرِيق الَّذِي هُوَ المنجي نَحْو آيَات الصِّفَات أَولا اعلموا أَن كَثْرَة الْخَوْض والتعمق فِي الْبَحْث فِي آيَات الصِّفَات وَكَثْرَة الأسئلة فِي ذَلِك الْمَوْضُوع من الْبدع الَّتِي يكرهها السّلف اعلموا أَن مَبْحَث آيَات الصِّفَات دلّ الْقُرْآن الْعَظِيم أَنه يتركز على ثَلَاثَة أسس من جَاءَ بهَا كلهَا فقد وَافق الصَّوَاب وَكَانَ على الإعتقاد الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ النَّبِي ﷺ وَأَصْحَابه وَالسَّلَف الصَّالح وَمن أخل بِوَاحِد من تِلْكَ الأسس الثَّلَاثَة فقد ضل وكل هَذِه الأسس الثَّلَاثَة يدل عَلَيْهَا قُرْآن عَظِيم
1 / 9
أحد هَذِه الأسس الثَّلَاثَة هُوَ تَنْزِيه الله جلّ وَعلا على أَن يشبه بِشَيْء من صِفَاته شَيْئا من صِفَات المخلوقين وَهَذَا الأَصْل يدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى لَيْسَ كمثله شَيْء [الشورى ١١] وَلم يكن لَهُ كفوا أحد [الْإِخْلَاص ٤] فَلَا تضربوا لله الْأَمْثَال [النَّحْل ٧٤] الثَّانِي من هَذِه الأسس هُوَ الْإِيمَان بِمَا وصف الله بِهِ نَفسه لِأَنَّهُ لَا يصف الله أعلم بِاللَّه من الله ءأنتم أعلم أم الله [الْبَقَرَة ١٤] وَالْإِيمَان بِمَا وَصفه بِهِ رَسُول الله ﷺ الَّذِي قَالَ فِي حَقه وَمَا ينْطق عَن الْهوى إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى [النَّجْم ٣ ٤] فَيلْزم كل مُكَلّف أَن يُؤمن بِمَا وصف الله بِهِ نَفسه أَو وَصفه بِهِ رَسُوله الله ﷺ وينزه ربه جلّ وَعلا عَن أَن تشبه صفته صفة المخلوقين وَحَيْثُ أخل بِأحد هذَيْن الْأَصْلَيْنِ وَقع فِي هوة ضلال لِأَن من تنطع بَين يَدي رب السَّمَوَات وَالْأَرْض وتجرأ على الله بِهَذِهِ الجرأة الْعَظِيمَة وَنفى عَن ربه وَصفا أثْبته لنَفسِهِ فَهَذَا مَجْنُون فَالله جلّ وَعلا يثبت لنَفسِهِ صِفَات كَمَال وجلال فَكيف يَلِيق بمسكين جَاهِل أَن يتَقَدَّم بَين يَدي رب السَّمَوَات وَالْأَرْض وَيَقُول هَذَا الَّذِي وصفت بِهِ نَفسك لَا يَلِيق بك وَيلْزمهُ من النَّقْص كَذَا فَإِنَّهُ أؤوله وألغيه وَآتِي بِبَدَلِهِ من تِلْقَاء
1 / 10
نَفسِي من غير استناد إِلَى كتاب وَسنة سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم وَمن ظن أَن صفة خَالق السَّمَوَات وَالْأَرْض تشبه شَيْئا من صِفَات الْخلق فَهَذَا مَجْنُون جَاهِل ملحد ضال وَمن آمن بِصِفَات ربه جلّ وَعلا منزها ربه عَن مشابهة صِفَاته لصفات الْخلق فَهُوَ مُؤمن منزه سَالم من ورطة التَّشْبِيه والتعطيل وَهَذَا التَّحْقِيق هُوَ مَضْمُون قَوْله لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير [الشورى ١١] فَهَذِهِ الْآيَة فِيهَا تَعْلِيم عَظِيم يحل جَمِيع الإشكالات ويجيب عَن جَمِيع الأسئلة حول الْمَوْضُوع ذَلِك لِأَن الله قَالَ وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير بعد قَوْله لَيْسَ كمثله شَيْء وَمَعْلُوم أَن السّمع وَالْبَصَر من حَيْثُ هما سمع وبصر يَتَّصِف بهما جَمِيع الْحَيَوَانَات فَكَأَن الله يُشِير لِلْخلقِ أَلا ينفوا عَنهُ صفة سَمعه وبصره بادعاء أَن الْحَوَادِث تسمع وتبصر وَأَن ذَلِك تَشْبِيه بل عَلَيْهِم أَن يثبتوا لَهُ صفة سَمعه وبصره على أساس لَيْسَ كمثله شَيْء فَالله جلّ وَعلا لَهُ صِفَات لائقة بِكَمَالِهِ وجلاله والمخلوقات لَهُم صِفَات مُنَاسبَة لحالهم وكل هَذَا حق ثَابت لَا شكّ فِيهِ إِلَّا أَن صفة رب السَّمَوَات وَالْأَرْض أَعلَى وأكمل من أَن تشبه صِفَات المخلوقين فَمن نفى عَن الله وَصفا أثْبته لنَفسِهِ فقد جعل نَفسه أعلم بِاللَّه من الله سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم وَمن ظن أَن
1 / 11
صفة ربه تشبه شَيْئا من صفة الْخلق فَهَذَا مَجْنُون ضال ملحد لَا عقل لَهُ يدْخل فِي قَوْله تَعَالَى عَن الْمُشْركين تالله إِن كُنَّا لفي ضلال مُبين إِذْ نسويكم بِرَبّ الْعَالمين [الشُّعَرَاء ٩٧ ٩٨] وَمن يُسَوِّي رب الْعَالمين بِغَيْرِهِ فَهُوَ مَجْنُون ثمَّ اعلموا أَن الْمُتَكَلِّمين الَّذين خَاضُوا فِي الْكَلَام وَجَاءُوا بأدلة يسمونها أَدِلَّة عقلية رَكبُوهَا فِي أقيسة منطقية قسموا صِفَات الله جلّ وَعلا إِلَى سِتَّة أَقسَام قَالُوا هُنَاكَ صفة نفسية وَصفَة معنى وَصفَة معنوية وَصفَة فعلية وَصفَة سلبية وَصفَة جَامِعَة أما الصِّفَات الإضافية فقد جعلوها أمورا اعتبارية لَا وجود لَهَا فِي الْخَارِج وسببوا بذلك إشكالات عَظِيمَة وضلالا مُبينًا ثمَّ إِنَّا نبين لكم على تَقْسِيم الْمُتَكَلِّمين مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن الْعَظِيم من وصف الْخَالِق جلّ وَعلا بِتِلْكَ الصِّفَات وَوصف المخلوقين بِتِلْكَ الصِّفَات وَبَيَان (١) الْقُرْآن الْعَظِيم لِأَن صفة خَالق السَّمَوَات وَالْأَرْض حق وَإِن صفة المخلوقين حق وَأَنه لَا مُنَاسبَة بَين صفة الْخَالِق وَبَين صفة الْمَخْلُوق فصفة الْخَالِق لائقة بِذَاتِهِ وَصفَة الْمَخْلُوق مُنَاسبَة لعَجزه وافتقاره وَبَين الصّفة وَالصّفة من الْمُخَالفَة كَمثل مَا بَين الذَّات والذات
1 / 12
أما هَذَا الْكَلَام الَّذِي يدرس فِي أقطار الدُّنْيَا الْيَوْم فِي الْمُسلمين فَإِن أغلب الَّذين يدرسونه إِنَّمَا يثبتون من الصِّفَات الَّتِي يسمونها صِفَات الْمعَانِي سبع صِفَات فَقَط وَيُنْكِرُونَ سواهَا من الْمعَانِي وَصفَة المعني عِنْدهم فِي الإصطلاح ضابطها هِيَ أَنَّهَا مَا دلّ على معنى وجودي قَائِم بِالذَّاتِ وَالَّذِي اعْتَرَفُوا بِهِ مِنْهَا سبع صِفَات هِيَ الْقُدْرَة والإرادة وَالْعلم والحياة والسمع وَالْبَصَر وَالْكَلَام وَنَفَوْا غير هَذِه الصِّفَات من صِفَات الْمعَانِي الَّتِي سنبينها ونبين أدلتها من كتاب الله وَأنكر هَذِه الْمعَانِي السَّبْعَة الْمُعْتَزلَة وأثبتوا أَحْكَامهَا فَقَالُوا هُوَ قَادر بِذَاتِهِ سميع بِذَاتِهِ عليم بِذَاتِهِ حَيّ بِذَاتِهِ وَلم يثبتوا قدرَة وَلَا علما وَلَا حَيَاة وَلَا سمعا وَلَا بصرا فِرَارًا من تعدد الْقَدِيم وَهُوَ مَذْهَب كل الْعُقَلَاء يعْرفُونَ ضلاله وتناقضه وَأَنه إِذا لم يقم بِالذَّاتِ علم اسْتَحَالَ أَن تَقول هِيَ عَالِمَة بِلَا علم وَهُوَ تنَاقض وَاضح بأوائل الْعُقُول فَإِذا عَرَفْتُمْ هَذَا فسنتكلم على صِفَات الْمعَانِي الَّتِي أقرُّوا بهَا فَنَقُول ١ وصفوا الله تَعَالَى بِالْقُدْرَةِ وأثبتوا لَهُ الْقُدْرَة وَالله جلّ وَعلا يَقُول فِي كِتَابه إِن الله على كل شَيْء قدير [الْبَقَرَة ٢٠] وَنحن نقطع أَنه تَعَالَى متصف بِصفة الْقُدْرَة على الْوَجْه اللَّائِق بِكَمَالِهِ وجلاله كَذَلِك وصف بعض المخلوقين بِالْقُدْرَةِ قَالَ إِلَّا الَّذين تَابُوا من قبل
1 / 13
أَن تقدروا عَلَيْهِم [الْمَائِدَة ٣٤] فأسند الْقُدْرَة لبَعض الْحَوَادِث ونسبها إِلَيْهِم وَنحن نعلم أَن كل مَا فِي الْقُرْآن حق وَأَن للْمولى جلّ وَعلا قدرَة حَقِيقِيَّة تلِيق بِكَمَالِهِ وجلاله كَمَا أَن للمخلوقين قدرَة حَقِيقِيَّة مُنَاسبَة لحالهم وعجزهم وفنائهم وافتقارهم وَبَين قدرَة الْخَالِق وقدرة الْمَخْلُوق من الْمُنَافَاة والمخالفة كَمثل مَا بَين ذَات الْخَالِق وَذَات الْمَخْلُوق وحسك بونا بذلك ٢ ٣ وَوصف نَفسه بِالسَّمْعِ وَالْبَصَر فِي غير مَا آيَة من كِتَابه قَالَ إِن الله سميع بَصِير [المجادلة ١] لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير [الشورى ١١] وَوصف بعض الْحَوَادِث بِالسَّمْعِ وَالْبَصَر قَالَ إِنَّا خلقنَا الْإِنْسَان من نُطْفَة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بَصيرًا [الْإِنْسَان ٢] أسمع بهم وَأبْصر يَوْم يأتوننا [مَرْيَم ٣٨] وَنحن لَا نشك أَن مَا فِي الْقُرْآن حق فَللَّه جلّ وَعلا سمع وبصر حقيقيان لائقان بجلاله وكماله كَمَا أَن للمخلوق سمعا وبصرا حقيقيين مناسبين لحاله من فقره وفنائه وعجزه وَبَين سمع وبصر الْخَالِق وَسمع وبصر الْمَخْلُوق من الْمُخَالفَة كَمثل مَا بَين ذَات الْخَالِق والمخلوق ٤ وَوصف نَفسه بِالْحَيَاةِ فَقَالَ الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم [الْبَقَرَة ٢٥٥] هُوَ الْحَيّ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ
1 / 14
[غَافِر ٦٥] وتوكل على الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت [الْفرْقَان ٥٨] وَوصف أَيْضا بعض المخلوقين بِالْحَيَاةِ قَالَ وَجَعَلنَا كل شَيْء حَيّ [الْأَنْبِيَاء ٣٠] وَسَلام عَلَيْهِ يَوْم ولد وَيَوْم يَمُوت وَيَوْم يبْعَث حَيا [مَرْيَم ١٥] يخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَيخرج الْمَيِّت من الْحَيّ [الرّوم ١٩] وَنحن نقطع بِأَن لله جلّ وَعلا صفة حَيَاة حَقِيقِيَّة لائقة بِكَمَالِهِ وجلاله كَمَا أَن للمخلوقين حَيَاة مُنَاسبَة لحالهم وعجزهم وفنائهم وافتقارهم وَبَين صفة الْخَالِق وَصفَة الْمَخْلُوق من الْمُخَالفَة كَمثل مَا بَين ذَات الْخَالِق وَذَات الْمَخْلُوق وَذَلِكَ بون شاسع بَين الْخَالِق وخلقه ٥ وَوصف جلّ وَعلا نَفسه بالإرادة قَالَ فعال لما يُرِيد [البروج ١٦] إِنَّمَا أمره إِذا أَرَادَ شَيْئا أَن يَقُول لَهُ كن فَيكون [يس ٨٢] وَوصف بعض المخلوقين بالإرادة قَالَ تُرِيدُونَ عرض الدُّنْيَا [الْأَنْفَال ٦٧] إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا [الْأَحْزَاب ١٣] يُرِيدُونَ ليطفئوا نور الله [الصَّفّ ٨] وَلَا شكّ أَن لله إِرَادَة حَقِيقِيَّة لائقة بِكَمَالِهِ وجلاله كَمَا أَن للمخلوقين إِرَادَة مُنَاسبَة لحالهم وعجزهم وفنائهم وافتقارهم وَبَين إِرَادَة الْخَالِق والمخلوق كَمثل مَا بَين ذَات الْخَالِق والمخلوق ٦ وَوصف نَفسه جلّ وَعلا بِالْعلمِ قَالَ وَالله بِكُل شَيْء
1 / 15
عليم [التغابن ١١] لَكِن الله يشْهد بِمَا أنزل إِلَيْك أنزلهُ بِعِلْمِهِ [النِّسَاء ١٦٦] فلنقصن عَلَيْهِم بِعلم وَمَا كُنَّا غائبين [الْأَعْرَاف ٧] وَوصف بعض المخلوقين بِالْعلمِ قَالَ إِنَّا نبشرك بِغُلَام عليم [الْحجر ٥٣] وَإنَّهُ لذُو علم لما علمناه [يُوسُف ٦٨] وَلَا شكّ أَن للخالق جلّ وَعلا علما حَقِيقِيًّا لائقا بِكَمَالِهِ وجلاله محيطا بِكُل شَيْء كَمَا أَن للمخلوقين علما مناسبا لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم وَبَين علم الْخَالِق وَعلم الْمَخْلُوق من الْمُنَافَاة والمخالفة كَمثل مَا بَين ذَات الْخَالِق وَذَات الْمَخْلُوق ٧ وَوصف نَفسه جلّ وَعلا بالْكلَام قَالَ وكلم الله مُوسَى تكليما [النِّسَاء ١٦٤] فَأَجره حَتَّى يسمع كَلَام الله [التَّوْبَة ٦] وَوصف بعض المخلوقين بالْكلَام قَالَ فَلَمَّا كَلمه قَالَ إِنَّك الْيَوْم لدينا مكين أَمِين [يُوسُف ٥٤] تكلمنا أَيْديهم [يس ٦٥] وَلَا شكّ أَن للخالق تَعَالَى كلَاما حَقِيقِيًّا لائقا بِكَمَالِهِ وجلاله كَمَا أَن للمخلوقين كلَاما مناسبا لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم وَبَين كَلَام الْخَالِق وَكَلَام الْمَخْلُوق من الْمُنَافَاة والمخالفة كَمثل مَا بَين ذَات الْخَالِق وَذَات الْمَخْلُوق هَذِه صِفَات الْمعَانِي سَمِعْتُمْ مَا فِي الْقُرْآن من وصف الْخَالِق بهَا وَوصف الْمَخْلُوق بهَا وَلَا يخفى على عَاقل أَن صِفَات الْخَالِق
1 / 16
حق وَأَن صِفَات الْخَالِق لائقة بجلاله وكماله وصفات المخلوقين مُنَاسبَة لحالهم وَبَين الصّفة وَالصّفة كَمَا بَين الذَّات والذات وسنبين مثل ذَلِك فِي الصِّفَات الَّتِي يسمونها سلبية
الْكَلَام على الصِّفَات السلبية عِنْد الْمُتَكَلِّمين ضَابِط الصّفة السلبية عِنْد الْمُتَكَلِّمين هِيَ الصّفة الَّتِي دلّت على عدم مَحْض وَالْمرَاد بهَا أَن تدل على سلب مَا لَا يَلِيق بِاللَّه عَن الله من غير أَن تدل على معنى وجودي قَائِم بِالذَّاتِ وَالَّذين قَالُوا هَذَا جعلُوا الصِّفَات السلبية خمْسا لَا سادسة لَهَا وَهِي عِنْدهم الْقدَم والبقاء والمخالفة لِلْخلقِ والوحدانية والغنى الْمُطلق الَّذِي يسمونه الْقيام بِالنَّفسِ الَّذِي يعنون بِهِ الِاسْتِغْنَاء عَن الحيز وَالْمحل فَإِذا عَرَفْتُمْ هَذَا فاعلموا أَن الْقدَم والبقاء الَّذين وصف المتكلمون بهما الله جلّ وَعلا زاعمين أَنه وصف بهما نَفسه فِي قَوْله هُوَ الأول وَالْآخر [الْحَدِيد ٣] والقدم فِي الِاصْطِلَاح عبارَة عَن سلب الْعَدَم السَّابِق إِلَّا أَنه عِنْدهم أخص من الْأَزَل لِأَن الْأَزَل عبارَة عَمَّا لَا افْتِتَاح لَهُ سَوَاء كَانَ وجوديا كذات الله وَصِفَاته أَو عدميا (١) والقدم عِنْدهم عبارَة عَمَّا لَا أول لَهُ بِشَرْط
1 / 17
أَن يكون وجوديا كذات الله متصفة بِصِفَات الْكَمَال والجلال وَنحن الْآن نتكلم على مَا وصفوا بِهِ الله جلّ وَعلا من الْقدَم والبقاء وَإِن كَانَ بعض الْعلمَاء كره وَصفه جلّ وَعلا بالقدم كَمَا يَأْتِي فَالله ﷿ وصف المخلوقين بالقدم قَالَ تالله إِنَّك لفي ضلالك الْقَدِيم [يُوسُف ٩٥] كالعرجون الْقَدِيم [يس ٣٩] أَنْتُم وآباؤكم الأقدمون [الشُّعَرَاء ٧٦] وَوصف المخلوقين بِالْبَقَاءِ قَالَ وَجَعَلنَا ذُريَّته هم البَاقِينَ [الصافات ٧٧] مَا عنْدكُمْ ينْفد وَمَا عِنْد الله بَاقٍ [النَّحْل ٩٦] وَلَا شكّ أَن مَا وصف بِهِ الله من هَذِه الصِّفَات مُخَالف لما وصف بِهِ الْخلق نَحْو مَا تقدم أما الله ﷿ فَلم يصف فِي كِتَابه نَفسه بالقدم وَبَعض السّلف كره وَصفه بالقدم لِأَنَّهُ قد يُطلق مَعَ سبق الْعَدَم نَحْو كالعرجون الْقَدِيم [يس ٣٩] إِنَّك لفي ضلالك الْقَدِيم [يُوسُف ٩٥] أَنْتُم وآباؤكم الأقدمون [الشُّعَرَاء ٧٦] وَقد زعم بَعضهم أَنه جَاءَ فِيهِ حَدِيث بعض الْعلمَاء يَقُول هُوَ يدل على وَصفه بِهَذَا وَبَعْضهمْ يَقُول لم يثبت أما الأولية والآخرية الَّتِي نَص الله عَلَيْهِمَا فِي قَوْله هُوَ الأول وَالْآخر فقد وصف المخلوقين أَيْضا بالأولية والآخرية قَالَ ألم نهلك الْأَوَّلين ثمَّ نتبعهم الآخرين [المرسلات ١٦
1 / 18
١٧ -] وَلَا شكّ أَن مَا وصف الله بِهِ نَفسه من ذَلِك لَائِق بجلاله وكماله كَمَا أَن للمخلوقين أولية وآخرية مُنَاسبَة لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم وَوصف نَفسه بِأَنَّهُ وَاحِد قَالَ وإلهكم إِلَه وَالْحَد [الْبَقَرَة ١٦٣] وَوصف بعض المخلوقين بذلك قَالَ يسقى بِمَاء وَاحِد [الرَّعْد ٤] وَوصف نَفسه بالغنى إِن الله لَغَنِيّ حميد [إِبْرَاهِيم ٨] إِن تكفرُوا أَنْتُم وَمن فِي الأَرْض جَمِيعًا فَإِن الله لَغَنِيّ حميد [التغابن ٦] وَوصف بعض المخلوقين بذلك قَالَ وَمن كَانَ غَنِيا فليستعفف [النِّسَاء ٦] إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِم الله من فَضله [النُّور ٣٢] فَهَذِهِ صِفَات السَّلب جَاءَ فِي الْقُرْآن وصف الْخَالِق وَوصف الْمَخْلُوق بهَا وَلَا شكّ أَن مَا وصف بِهِ الْخَالِق مِنْهَا لَا ئق بِكَمَالِهِ وجلاله وَمَا وصف بِهِ الْمَخْلُوق مُنَاسِب لحاله وعجزه وفنائه وافتقاره
الْكَلَام عَن الصِّفَات السَّبع ثمَّ نَذْهَب إِلَى الصِّفَات السَّبع الَّتِي يسمونها المعنوية وَالتَّحْقِيق أَن عدد الصِّفَات السَّبع المعنوية الَّتِي هِيَ كَونه تَعَالَى قَادِرًا ومريدا وعالما وَحيا وسميعا وبصيرا ومتكلما أَنَّهَا فِي الْحَقِيقَة
1 / 19
إِنَّمَا هِيَ كَيْفيَّة الاتصاف بالمعاني السَّبع الَّتِي ذكرنَا وَمن عدهَا من الْمُتَكَلِّمين عدهَا بِنَاء على ثُبُوت مَا يسمونه الْحَال المعنوية الَّتِي يَزْعمُونَ أَنَّهَا وَاسِطَة ثبوتية لَا مَعْدُومَة وَلَا مَوْجُودَة وَالتَّحْقِيق أَن هَذِه خرافة وخيال وَأَن الْعقل الصَّحِيح لَا يَجْعَل بَين الشَّيْء ونقيضه وَاسِطَة الْبَتَّةَ فَكل مَا لَيْسَ بموجود فَهُوَ مَعْدُوم قطعا وكل مَا لَيْسَ بمعدوم فَهُوَ مَوْجُود قطعا وَلَا وَاسِطَة الْبَتَّةَ كَمَا هُوَ مَعْرُوف عِنْد الْعُقَلَاء وَأذن فقد مثلنَا لكَونه قَادِرًا وَحيا ومريدا وسميعا وبصيرا ومتكلما وَلما جَاءَ فِي الْقُرْآن من وصف الْخَالِق بذلك وَمَا جَاءَ فِي الْقُرْآن من وصف الْمَخْلُوق بذلك وَبينا أَن صفة الْخَالِق لائقة بِكَمَالِهِ وجلاله وَأَن صفة الْمَخْلُوق مُنَاسبَة لحاله وفنائه وعجزه وافتقاره فَلَا دَاعِي لِأَن يَنْفِي وصف رب السَّمَوَات وَالْأَرْض عَنهُ وَلَا نُشبههُ بِصِفَات المخلوقين بل يلْزم أَن نقر بِوَصْف الله ونؤمن بِهِ فِي حَال كوننا منزهين لَهُ عَن مشابهة صفة الْمَخْلُوق وَهَذِه صِفَات الْأَفْعَال جَاءَ فِي الْقُرْآن بِكَثْرَة وصف الْخَالِق بهَا وَوصف الْمَخْلُوق وَلَا شكّ أَن مَا وصف بِهِ الْخَالِق مِنْهَا مُخَالف لما وصف بِهِ الْمَخْلُوق وَلَا شكّ أَن مَا وصف بِهِ الْخَالِق مِنْهَا مُخَالف لما وصف بِهِ الْمَخْلُوق كالمخالفة الَّتِي بَين ذَات الْخَالِق وَذَات الْمَخْلُوق وَمن ذَلِك أَنه وصف نَفسه جلّ وَعلا بِصفة الْفِعْل الَّتِي هِيَ أَنه يرْزق خلقه قَالَ جلّ وَعلا مَا أُرِيد مِنْهُم من رزق وَمَا أُرِيد أَن يطْعمُون إِن الله هُوَ الرَّزَّاق ذُو الْقُوَّة المتين
1 / 20
[الذاريات ٥٧ ٥٨] وَمَا أنفقتم من شَيْء فَهُوَ يخلفه وَهُوَ خير الرازقين [سبأ ٣٩] قل مَا عِنْد الله خير من اللَّهْو وَمن التِّجَارَة وَالله خير الرازقين [الْجُمُعَة ١١] وَوصف بعض المخلوقين بِصفة الرزق قَالَ وَإِذا حضر الْقِسْمَة أولُوا الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين فارزقوهم مِنْهُ [النِّسَاء ٨] وَلَا تُؤْتوا السُّفَهَاء أَمْوَالكُم الَّتِي جعل الله لكم قيَاما وارزقوهم فِيهَا [النِّسَاء ٥] وعَلى الْمَوْلُود لَهُ رزقهن [الْبَقَرَة ٢٣٣] وَلَا شكّ أَن مَا وصف الله بِهِ من هَذَا الْفِعْل مُخَالف لما وصف بِهِ مِنْهُ الْمَخْلُوق كمخالفة ذَات الله لذات الْمَخْلُوق وَوصف نَفسه جلّ وَعلا بِصفة الْفِعْل الَّذِي هُوَ الْعَمَل قَالَ أَو لم يرَوا أَنا خلقنَا لَهُم مِمَّا عملت أَيْدِينَا أنعاما فهم لَهَا مالكون [يس ٧١] وَوصف المخلوقين بِصفة الْفِعْل الَّتِي هِيَ الْعَمَل قَالَ إِنَّمَا تُجْزونَ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ [الطّور ١٦] وَلَا شكّ أَن مَا وصف بِهِ الْمَخْلُوق مُخَالف لَهُ كمخالفة ذَات الْخَالِق لذات الْمَخْلُوق وصف نَفسه بِأَنَّهُ يعلم خلقه الرَّحْمَن علم الْقُرْآن خلق الْإِنْسَان علمه الْبَيَان [الرَّحْمَن ١ ٤] اقْرَأ وَرَبك الأكرم الَّذِي علم بالقلم علم الْإِنْسَان مَا لم يعلم [العلق ٣ ٥] وعلمك مَا لم تكن تعلم وَكَانَ فضل الله
1 / 21
عَلَيْك عَظِيما وَوصف بعض خلقه بِصفة الْفِعْل الَّتِي هِيَ التَّعْلِيم أَيْضا قَالَ هُوَ الَّذِي بعث فِي الْأُمِّيين رَسُولا مِنْهُم يَتْلُوا عَلَيْهِم آيَاته ويزكيهم وَيُعلمهُم الْكتاب وَالْحكمَة [الْجُمُعَة ٢] وَجمع المثالين فِي قَوْله تعلمونهن مِمَّا علمكُم الله [الْمَائِدَة ٤] وَوصف نَفسه جلّ وَعلا بِأَنَّهُ ينبىء وَوصف الْمَخْلُوق بِأَنَّهُ ينبىء وَجمع بَين الْفِعْل فِي الْأَمريْنِ فِي قَوْله جلّ وَعلا وَإِذ أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا فَلَمَّا نبأت بِهِ وأظهره الله عَلَيْهِ عرف بعضه وَأعْرض عَن بعض فَلَمَّا نبأها بِهِ قَالَت من أَنْبَأَك هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيم الْخَبِير [التَّحْرِيم ٣] وَلَا شكّ أَن مَا وصف الله بِهِ من هَذَا الْفِعْل مُخَالف لما وصف بِهِ مِنْهُ العَبْد كمخالفة ذَات الْخَالِق لذات الْمَخْلُوق وَوصف نَفسه بِصفة الْفِعْل الَّذِي هُوَ الإيتاء قَالَ جلّ وَعلا يُؤْتِي الْحِكْمَة من يَشَاء [الْبَقَرَة ٢٦٩] وَيُؤْت كل ذِي فضل فَضله [هود ٣] وَوصف المخلوقين بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الإيتاء قَالَ وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا [النِّسَاء ٢٠] وَآتوا النِّسَاء صدقاتهن نحلة [النِّسَاء ٤] وَلَا شكّ أَن مَا وصف الله بِهِ من هَذَا الْفِعْل مُخَالف لما وصف لَهُ العَبْد من هَذَا الْفِعْل كمخالفة ذَاته لذاته
1 / 22
الصِّفَات الجامعة ثمَّ نتكلم على الصِّفَات الجامعة كالعلو والعظم وَالْكبر وَالْملك وَالتَّكْبِير والجبروت والعزة وَالْقُوَّة وَمَا جرى مجْرى ذَلِك من الصِّفَات الجامعة فنجد الله وصف نَفسه باللو وَالْكبر والعظم قَالَ فِي وصف نَفسه بالعلو وَالْعَظَمَة وَلَا يؤوده حفظهما وَهُوَ الْعلي الْعَظِيم [الْبَقَرَة ٢٥٥] وَقَالَ فِي وصف نَفسه بالعلو وَالْكبر إِن الله كَانَ عليا كَبِيرا [النِّسَاء ٣٤] عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الْكَبِير المتعال [الرَّعْد ٩] وَوصف بعض المخلوقين بالعظم قَالَ فانفلق فَكَانَ كل فرق كالطود الْعَظِيم [الشُّعَرَاء ٦٣] إِنَّكُم لتقولون قولا عَظِيما [الْإِسْرَاء ٤٠] وَلها عرش عَظِيم [النَّمْل ٢٣] وَوصف بعض المخلوقين بالعلو قَالَ وَرَفَعْنَاهُ مَكَانا عليا [مَرْيَم ٥٧] وَجَعَلنَا لَهُم لِسَان صدق عليا [مَرْيَم ٥٠] وَوصف بعض الْمَخْلُوقَات بِالْكبرِ لَهُم مغْفرَة وَأجر كَبِير [هود ١١] بل فعله كَبِيرهمْ هَذَا [الْأَنْبِيَاء ٦٣] وَلَا شكّ أَن مَا وصف الله بِهِ من هَذِه الصِّفَات الجامعة كالعلو وَالْكبر والعظم منَاف لما وصف بِهِ الْمَخْلُوق مِنْهَا كمخالفة ذَات الْخَالِق جلّ وَعلا لذات الْمَخْلُوق فَلَا مُنَاسبَة بَين ذَات الْخَالِق وَذَات الْمَخْلُوق كَمَا لَا مُنَاسبَة بَين صفة الْخَالِق وَصفَة الْمَخْلُوق
1 / 23
وَوصف نَفسه بِالْملكِ قَالَ يسبح لله مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض الْملك القدوس [الْجُمُعَة ١] فِي مقْعد صدق عِنْد مليك مقتدر [الْقَمَر ٥٥] وَوصف بعض المخلوقين بِالْملكِ قَالَ وَقَالَ الْملك إِنِّي أرى سبع بقرات سمان [يُوسُف ٤٣] وَقَالَ الْملك ائْتُونِي بِهِ [يُوسُف ٥٠] وَكَانَ وَرَاءَهُمْ ملك يَأْخُذ كل سفينة غصبا [الْكَهْف ٧٩] تؤتي الْملك من تشَاء وتنزع الْملك مِمَّن تشَاء [آل عمرَان ٢٦] وَلَا شكّ أَن لله جلّ وَعلا ملكا حَقِيقِيًّا لائقا بِكَمَالِهِ وجلاله كَمَا أَن للمخلوقين ملكا مناسبا لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم وصف نَفسه بِأَنَّهُ جَبَّار متكبر فِي قَوْله الْعَزِيز الْجَبَّار المتكبر [الْحَشْر ٢٣] وَوصف بعض المخلوقين بِأَنَّهُ جَبَّار متكبر قَالَ كَذَلِك يطبع الله على كل قلب متكبر جَبَّار [غَافِر ٣٥] وَإِذا بطشتم بطشتم جبارين [الشُّعَرَاء ١٣٠] أَلَيْسَ فِي جَهَنَّم مثوى للمتكبرين [الزمر ٦٠] واستفتحوا وخاب كل جَبَّار عنيد [إِبْرَاهِيم ١٥] وَلَا شكّ أَن مَا وصف بِهِ الْخَالِق من هَذِه الصِّفَات منَاف لما وصف بِهِ الْمَخْلُوق كمنافاة ذَات الْخَالِق لذات الْمَخْلُوق وَوصف نَفسه جلّ وَعلا بِالْعِزَّةِ قَالَ إِن الله عَزِيز حَكِيم [الْبَقَرَة ٢٢٠] أم عِنْدهم خَزَائِن رَحْمَة رَبك الْعَزِيز
1 / 24
الْوَهَّاب [ص ٩] وَوصف بعض المخلوقين بِالْعِزَّةِ وَقَالَ وَقَالَت امْرَأَة الْعَزِيز [يُوسُف ٥١] وعزني فِي الْخطاب [ص ٢٠] وَجمع المثالين فِي قَوْله وَللَّه الْعِزَّة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمنِينَ [المُنَافِقُونَ ٨] وَلَا شكّ أَن مَا وصف بِهِ الْخَالِق من هَذَا الْوَصْف منَاف لما بِهِ الْمَخْلُوق كمخالفة ذَات الْخَالِق لذات الْمَخْلُوق وَوصف نَفسه جلّ وَعلا بِالْقُوَّةِ قَالَ مَا أُرِيد مِنْهُم من رزق وَمَا أُرِيد أيطعمون إِن الله هُوَ الرَّزَّاق ذُو الْقُوَّة المتين [الذاريات ٥٧ ٥٨] ولينصرن الله من ينصره إِن الله لققوي عَزِيز [الْحَج ٤٠] وَوصف بعض المخلوقين بِالْقُوَّةِ قَالَ ويزدكم قُوَّة إِلَى قوتكم [هود ٥٢] وَقَالَ جلّ وَعلا الله الَّذِي خَلقكُم من ضعف ثمَّ جعل من بعد ضعف قُوَّة [الرّوم ٥٤] وَجمع بَين المثالين فِي قَوْله فَأَما عَاد فاستكبروا فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق وَقَالُوا من أَشد منا قُوَّة أولم يرَوا أَن الله الَّذِي خلقهمْ هُوَ أَشد مِنْهُم قُوَّة وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يجحدون [فصلت ١٥]
الصِّفَات الَّتِي اخْتلف فِيهَا المتكلمون ثمَّ إننا نتكلم على الصِّفَات الَّتِي اخْتلف فِيهَا المتكلمون هَل هِيَ صِفَات فعل أَو صِفَات معنى وَالتَّحْقِيق أَنَّهَا صِفَات معَان
1 / 25
قَائِمَة بِذَات الله جلّ وَعلا كالرأفة وَالرَّحْمَة والحلم فنجده جلّ وَعلا وصف نَفسه بِأَنَّهُ رؤوف رَحِيم قَالَ إِن ربكُم لرؤوف رَحِيم [النَّحْل ٧] وَوصف بعض المخلوقين بذلك قَالَ فِي وصف نَبينَا ﷺ لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم حَرِيص عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَحِيم [التَّوْبَة ١٢٨] وَوصف نَفسه بالحلم قَالَ ليدخلنهم مدخلًا يرضونه وَإِن الله لعيم حَلِيم [الْحَج ٥٩] وَاعْلَمُوا أَن الله يعلم مَا فِي أَنفسكُم فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَن الله غَفُور حَلِيم [الْبَقَرَة ٢٣٥] قَول مَعْرُوف ومغفرة خير من صَدَقَة يتبعهَا أَذَى وَالله غَنِي حَلِيم [الْبَقَرَة ٢٦٣] وَوصف بعض المخلوقين بالحلم قَالَ فبشرناه بِغُلَام حَلِيم [الصافات ١٠١] إِن إِبْرَاهِيم لأواه حَلِيم [التَّوْبَة ١١٤] وَوصف نَفسه بالمغفرة قَالَ إِن الله غَفُور رَحِيم [الْبَقَرَة ١٧٣] فَيغْفر لمن يَشَاء ويعذب من يَشَاء [الْبَقَرَة ٢٨٤] وَوصف بعض المخلوقين بالمغفرة قَالَ وَلمن صَبر وَغفر إِن ذَلِك لمن عزم الْأُمُور [الشورى ٤٣] قَول مَعْرُوف ومغفرة [الْبَقَرَة ٢٦٣] قل للَّذين آمنُوا يغفروا للَّذين لَا يرجون أَيَّام الله [الجاثية ١٤] وَلَا شكّ أَن مَا وصف بِهِ خَالق السَّمَوَات وَالْأَرْض من هَذِه الصِّفَات أَنه حق لَائِق بِكَمَالِهِ وجلاله لَا يجوز أَن يَنْفِي خوفًا من التَّشْبِيه بالخلق وَإِن مَا
1 / 26
وصف بِهِ الْخلق من هَذِه الصِّفَات حق مُنَاسِب لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم وعَلى كل حَال فَلَا يجوز للْإنْسَان أَن يتنطع إِلَى وصف أثْبته الله جلّ وَعلا لنَفسِهِ فينفي هَذَا الْوَصْف عَن الله متهجما على رب السَّمَوَات وَالْأَرْض مُدعيًا عَلَيْهِ أَن هَذَا الْوَصْف الَّذِي تمدح بِهِ أَنه لَا يَلِيق بِهِ وَأَنه هُوَ يَنْفِيه عَنهُ ويأتيه بالكمال من كيسه الْخَاص فَهَذَا جُنُون وهوس وَلَا يذهب إِلَيْهِ إِلَّا من طمس الله بصائرهم وسنضرب لكم لهَذَا مثلا يتَبَيَّن بِهِ الْجَمِيع لِأَن مثلا وَاحِدًا من آيَات الصِّفَات ينسحب على الْجَمِيع إِذْ لَا فرق بَين الصِّفَات لِأَن الْمَوْصُوف بهَا وَاحِد وَهُوَ جلّ وَعلا لَا يُشبههُ شَيْء من خلقه فِي شَيْء من صِفَاته الْبَتَّةَ فَهَذِهِ صفة الاسْتوَاء الَّتِي كثر فِيهَا الْخَوْض ونفاها كثير من النَّاس بفلسفة منطقية وأدلة جدلية سنتكلم فِي آخر الْبَحْث على وُجُوه إِبْطَالهَا كلَاما يخص الَّذين درسوا الْمنطق والجدل ليتبين كَيفَ اسْتدلَّ أُولَئِكَ بِالْبَاطِلِ وأبطلوا بِهِ الْحق وأحقوا بِهِ الْبَاطِل فَهَذِهِ صفة الاسْتوَاء تجرأ الآلاف مِمَّن يدعونَ الْإِسْلَام فنفوها عَن رب السَّمَوَات وَالْأَرْض بأدلة منطقية يركبون فِيهَا قِيَاسا استثنائيا مركبا من شَرْطِيَّة مُتَّصِلَة لزومية يستثنون فِيهِ
1 / 27
نقيض التَّالِي ينتجون فِي زعمهم الْبَاطِل نقيض الْمُقدم بِنَاء على أَن نفي اللَّازِم نفي الْمَلْزُوم فَيَقُولُونَ مثلا لَو كَانَ مستويا على عَرْشه لَكَانَ مشابها لِلْخلقِ لكنه غير مشابه لِلْخلقِ ينْتج فَهُوَ غير مستو على الْعَرْش وَهَذِه النتيجة بَاطِلَة لمخالفتها صَرِيح الْقُرْآن اعلموا أَن هَذِه الصّفة الَّتِي هِيَ صفة الاسْتوَاء صفة كَمَال وجلال تمدح بهَا رب السَّمَوَات وَالْأَرْض والقرينة على أَنَّهَا صفة كَمَال وجلال أَن الله مَا ذكرهَا فِي مَوضِع من كِتَابه إِلَّا مصحوبة بِمَا يبهر الْعُقُول من صِفَات جَلَاله وكماله الَّتِي هِيَ مِنْهَا وسنضرب مثلا لذَلِك بِذكر الْآيَات ١ أَو سُورَة ذكر الله فِيهَا صفة الاسْتوَاء حسب تَرْتِيب الْمُصحف سُورَة الْأَعْرَاف قَالَ إِن ربكُم الله الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش يغشى اللَّيْل النَّهَار يَطْلُبهُ حثيثا وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرات بأَمْره أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر تبَارك الله رب الْعَالمين [الْأَعْرَاف ٥٤] فَهَل لأحد أَن يَنْفِي شَيْئا من هَذِه الصِّفَات الدَّالَّة على الْجلَال والكمال ٢ الْموضع الثَّانِي فِي سُورَة يُونُس قَالَ إِن ربكُم الله الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش
1 / 28