بسمِ اللهِ الرحمنِ الرَّحِيم
وبِهِ نَستَعِين
باب
في السُّيوف والرِّماح وجميعِ السِّلاح
نَذكر في ابتدائهِ يَسيرًا من الأَخبار، في فَضل السِّلاح وصِفَته، ثمّ نُتبِع ذلِك بما قيل في السيوف، ثمّ في الرِّماح، ثمّ في القِسِيّ والسِّهام، ثمّ في الدُّروع والبَيْض، ثمّ في جميع السِّلاح مُجملًا، إِن شاءَ الله.
يُرْوَى أَنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آلِه، لبِسَ يومَ أُحُدٍ دِرْعَيْن ظَاهَرَ بينهما.
واشترَى يزيدُ بن حاتم أَدراعًا فقال:
إِنّي لستُ أَشترِي أَدْرَاعًا إِنّما أَشترِي أَعمارًا.
وقال حَبيب بن المُهَلَّب: ما رأَيت رَجُلًا في الحَرْب مُسْتَلْئِّمًا إِلاّ كان عندي رَجُلَيْن، ولا رأَيْت حاسِرَيْنِ إِلاّ كانَا وَاحدًا. فسمع الحديثَ بعض أَهلِ المعرفة فقال: صَدَقَ، إِنّ للسِّلاح فَضِيلةً، أَمَا تَراهم يُنادُون: السِّلاَحَ السِّلاحَ، ولا يُنَادون: الرّجالَ الرِّجالَ.
وقال عُمَر بن الخَطّاب لعَمْرِو بن مَعْدِ يكَرِبَ: أَخْبرْني عن السِّلاح، قال: سَلْ عما شِئْتَ منه، قال: الرُّمْح، قال: أَخوك وربّما خَانَك، قال: النَّبْل، قال: مَنَايَا تُخطِئُ وتصِيب، قال: التُّرْسُ، قال: ذاك المِجَنُّ، وعليه تَدُورُ الدَّوائر، قال: الدِّرْع، قال: مُشْغِلَةٌ للراجِل، مُتعِبَةٌ للفارِس، وإِنَّهَا لَحِصْنٌ حَصِينٌ، قال: السَّيْف، قال: ثَمَّ قَارَعَتْك أُمُّك عن الثُّكْل، يا أَميرَ المؤمنين، قال عُمرُ: بل أُمُّك، قال: الحُمَّى أَضْرَعَتْنِي لك.
وقال أَمير المؤمنين عليٌّ ﵇: السَّيْف أَنْمَى عَدَدًا، وأَكْرم وَلدًا.
وذَكَرَ أَعرابيٌّ قَوْمًا تَحَارَبُوا فقال: أَقْبَلَت الفُحُول، تَمْشي مَشْىَ الوُعول، فلمّا تَصَافَحُوا بالسُّيُوف فغَرَت المَنَايَا أَفواهَها.
وذكَر آخَرُ قَومًا أَغارُوا على قومٍ فقال: جَعَلوا المُرَّان أَرْشِيَةً فاسْتَقَوا بها أَرْوَاحَهم.
وحَذَّرَ أَعْرَابِيٌّ من اليَمَامَة قَوْمَه من جُنْدٍ أَنفَذَهم السلطانُ إِليهم فقال: لا أَغرُّكم من نُشَّابٍ، معهم في جعَاب، كأَنَّهَا أُيُورُ الفِيَلَةِ، يَنْزِعُون في قِسِيٍّ كأَنَّهَا العَتَلُ تَئطُّ إِحداهنّ أَطِيطَ الزُّرْنوق، يَمْغَطُ أَحدُهم فيها حتَّى يَتَفَرَّقَ شَعرُ إِبْطِه، ثمّ يُرْسِل نُشَّابةً كأَنّهَا رشَاءٌ مُنْقَطِعٌ، فما بَيْنَ أَحَدِكم وبين أَن تَنْفَضِخَ عَيْنُه، أَو يَنْصَدِعَ قَلْبُه، مَنزِلَةٌ.
فخَلع قلوبَهم فطاروا رُعْبًا.
ووصَّى أَبو الأَغَرِّ ابنَهُ وقد وَقَعَ بينَ بني عمِّه وحُلفائهم شرٌّ فقال: يا بُنَيَّ كنْ يدًا لأَصحابك على مَن قاتَلَهم، وإِيّاك والسَّيْفَ فإِنّه ظِلُّ الموت، واتَّقِ الرُّمْحَ فإِنّه رِشَاءُ المَنيَّة، ولا تَقرَبِ السِّهامَ فإِنّها رُسُلٌ ولا تُؤَامِرُ مُرسِلَهَا، قال: فبِمَ أُقاتِلُ؟ قال: بما قال الشاعر:
جَلاَمِيدُ يَمْلأْنَ الأَكُفَّ كأَنّهَا ... رُؤوسُ رِجال حُلِّقَتْ في المَوَاسمِ
؟ في السُّيوف
قال أَبو زيد: الصَّمْصَام: الماضي، وقال الأَصْمَعِيُّ: الصارِم هو الصَّمْصَامَة الذي لا يَنْثَنِي.
الصَفيحة: السّيف العَريض، والقَضِيب: الدّقيق. والمُشَطَّب: الذي فيه طَرَائقُ. والْمِخْذًَم: الذي يَنْتَسِفُ القطْعَةَ أَو يَشُقُّ المَوْضِعَ حتَّى يَفْصِلَه. والرَّسُوبُ: الّذي إِذا وَقَعَ غَمُضَ مَكَانُه فدَخَلَ والمَأْثور: الّذي في مَتْنه أُثُرٌ. الأَفَلّ: الذي بشَفْرَتَيه تَكسُّرٌ وفُلولٌ من كَثْرة ما ضُرِبَ به. والكَهَام والدَّدان: الكَلِيلانِ. والطَّبِعُ: الذي اشتَدَّ صَدَؤُه حتى يَدْخلَه مِثْلُ الجَرَبِ لا يُخْرِجُه الصَّقْلُ. والأَنيث الذِي من حَدِيدٍِ غيرِ ذَكَرٍ.
1 / 1
والمِعْضَدً: الذِي يُمْتَهَن في قَطْعِ الشَّجرِ وغيرِه. والخَشِيبُ: الصَّقِيل: المُهنَّد، مَنْسُوبٌ إِلى الهِنْد. اليَمَانِي: منسوبٌ إِلى اليَمن. المَشْرَفِيّ: مَنسوب إِلى المَشَارِف، وهي قُرىً للعَرب تَدْنو من الرِّيف، القُسَاسِيّ: نُسِبَ إلى جَبَلِ قُسَاسٍ فيه مَعْدِنُ حَدِيدٍ، العَضْب: القاطع المُطَبِّق، الذي إِذا أَصابَ المَفْصل قَطَعه، لا يَمِيل يَمينًا ولا شِمالًا، المُذَكّرَة: سُيوفٌ شِفَارُها ذُكورٌ ومُتُونها من أَنيثِ الحَديد. سَيْفٌ سَقّاط: الذي يَقْطَع الضَّرِيبة ثمّ يَسْقط إِلى الأَرْضِ. والسُّرَاط: الذي يَقْطع كل شْيءٍ، كأَنّه من الاسْتِراطِ. نَصْلٌ أَزْرَقُ، إِذا كان أَبيضَ. ولمُزَرِّدٍ:
وأَملَسَ هِنْدِيّ متَى يَعْلُ حَدُّه ... ذُرا البَيْضِ لم تَسْلَم عليه الكَوَاهِلُ
سُلاف حَدِيدٍ ما يَزَالُ حُسَامُهُ ... ذَلِيقًا وقَدَّتْهُ القُرُون الأَوَائلُ
ولأَوْس بن حَجَر:
وأَبْيَضَ هِنْدِيًَّا كأَنّ غِرَارَه ... تَلأْلؤُ بَرْقٍ في حَبِيٍّ تَكَلَّلاَ
إِذَا سُلَّ مِنْ غِمْدٍ تَأَكَّلَ أَثْرُهُعلَى مِثْلِ مِصْحَاةِ اللُّجَيْنِ تَأَكُّلاَ
كأَنّ مَدَبّ النَّمْلِ يَتَّبِع الرُّبَا ... ومَدْرجَ ذَرٍّ خَافَ بَرْدًا فأَسْهَلاَ
علَى صَفْحتَيه بعْدَ حِينِ جِلاَئه ... كَفَى بالَّذي أُبْلي وأَنْعَتُ مُنْصُلاَ
ولأَعرابِيّ:
يَكْفِيكَ من قَلَعِ السَّماءِ مُهنَّدٌ ... فوقَ الذِّرَاعِ ودُونَ باعِ البائعِ
صافي الحَديدَة قد أَضَرَّ بنَصْلِهِ ... طُولُ الدِّيَاس وبَطْنُ طَيْرٍ جائِعِ
أُمِرَ البَوَارقُ والرِّيَاحُ بحَمْلِهِ ... فحَمَلْنَه لمَضايرٍ ومَنَافِعِ
وتَرَى مَضارِبَ شَفْرَتَيْه كأَنَّهَا ... مِلْحٌ تَناثَرَ من وَراءِ الدَّارعِ
ولرجلٍ من أَشجع:
صافِي الحديدة لا تُشْوِي ضَريبتُه ... يَبِيت وَهْوَ ضَجِيعي دُون أَطْمَارِي
لم يَنْبُ بي قطُّ في أَمرٍ أَهُمّ به ... ولا تَحدَّثَ بينَ الناسِ أَسْراري
كأَنّ مَتْنيْهِ من عَهْدِ الصِّقَال به ... مَتْنَا خَلِيجِ رَبِيعٍ ماؤُهُ جارِي
وأَنشدَنا أَبو الحسن الأَخفش في السيوف:
ومُسْترْدَفَاتٍ هُن عَوْنٌ على السُّرَى ... حِسَانٌ وما آثارُهَا بحِسَانِ
وكالطّائرِ المُنْقَضِّ في لَمعانِهِ ... لدَى الرَّوْعِ سَامٍ دائمُ الخَفَقانِ
وأيضًا:
ومُهَنَّدٍ كالمِلْحِ ليس بحَدِّهِ ... عَهْدٌ بتَمْوِيهٍ ولا بِصقالِ
تُرْضِيكَ هزَّتُهُ إِذا خَفّقْتَهُ ... وتَقول حين تَراه هذا بَالِي
وهذا مأْخوذ من قول امرئ القيس بن حُجْر:
مُتَوَسِّدًا عَضْبًا مَضارِبُه ... في مَتنِه كمَدَبَّةِ النَّمْلِ
يُدْعَى صَقِيلًا وهو ليس له ... عَهْدٌ بتَمْوِيهٍ ولا صَقْل
وللأُخَيطِل:
وبكَفِّه عَضْبُ الذُّبَابِ مُهَنَّدٌ ... يَرْتَجُّ فيه ماؤُهُ المَوّارُ
نجْمٌ إِذا أَطْلَعْتَه في مُهْجةٍ ... خَمَدَتْ ولكِنْ كُلُّه أَنْوَارُ
وكَأَنهُ الأَقْدارُ إِلاّ أَنّه ... سَبَّاقُ ما تَأْتِي به الأَقْدارُ
ولصالح بن جَنَاحٍ:
أنعَمْ صَبَاحًا بالسُّيوفِ وبالقنَا ... إِنّ السُّيوُفَ تَحيَّة الفُرْسَانِ
وجَرّدَ مُوسَى الهادي سيفَ عَمْرو بن مَعِْدِ يكَرِبَ الصَّمصامَة، ووَضعه بين يدَيه، وأَذِنَ للشُّعراء فدخَلوا، ودَعَا بمِكْيَل فيه بَدْرَة دَنانِير وقال: قولوا في هذا السَّيف، فمن أَصاب صِفَتَه فهذا له، فبدَرَهم ابنُ يَامِينَ البصرِيُّ فقالَ:
حاز صَمْصامةَ الزُّبَيْدِيّ من بَي ... نِ جميعِ الأَنام مُوسَى الأَمِينُ
سَيْفَ عَمْرو وكان فيما سَمِعْنَا ... خَيْر ما أُغْمِدَتْ عليه الجُفونُ
أَخضَرَ اللَّوْن بَيْنَ حَدَّيْه بُرْدٌ ... مِنْ ذُبَاحٍ تَمِيسُ فيه المُتُونُ
1 / 2
أَوْقَدَتْ فَوْقَه الصَّوَاعِقُ نارًا ... ثمّ شابَتْ به الذُّعَافَ القُيُونُ
فإِذا ما سَلَلْتَه بَهَرَ الشَّمْ ... سَ ضِياءً فلم تَكَدْ تَستَبِينُ
ما يُبَالِي إِذا انْتَضَاهُ لِضَرْبٍ ... أَشِمالٌ سَطَتْ به أَمْ يَمِينُ
وكأَن المَنُونُ نِيَطتْ إِليه ... وهُوَ مِن كلِّ جانِبَيْه مَنُونُ
يَسْتطِيرُ الأَبْصَارَ كالقَبَسِ المُشْ ... عَلِ ما تَسْتَقِرُّ فيه العُيُونُ
فكأَنّ الفِرِنْدَ والجَوْهَرَ الجا ... رِيّ في صَفْحَتَيهِ ماءٌ مَعِينُ
نِعْمَ مِخْراقُ ذِي الحَفيظةِ في الهَيْ ... جَاءِ يَعْصَى به ونِعْمَ القَرينُ
فدفع إِليه الدنانيرَ، فقَسَمَها ابن يَامِينَ بينَه وبين مَن حضَرَ من الشعراء: ولإسْحَاق بن خَلَفٍ:
أَلْقَى بجَانِبِ خَصْرِه ... أَمْضَى مِنْ الأَجَلِ المُتَاحِ
وكَأَنّمَا ذَرَّ الهَبا ... ءُ عليه أَنْفاسَ الرِّيَاحِ
ولغيره:
وصارمٍ باتكِ الحَدَّيْن ذي ِشُطَبٍ ... ظامٍ وفي مَتْنِه مِن مائِه غُدُرُ
كالفَجْرِ في رَوْنَق الإِفرِند مُنْصَلِتًا ... تَكادُ فيه عُيونُ المَوْتِ تَنْفجِرُ
ولابن أَبي زُرْعَةَ الكِنَانيّ:
مُسْتبْطِنٌ صارِمًا كالمَوْتِ سَلَّتُه ... ما يَلْقَ مِن كلِّ شَيءٍ فهو قاطِعُهُ
تَرَى المَنَايَا القَوَاضِي في مَضَارِبِهِ ... ودِيفَ فيه من الذِّيفَان ناقِعُهُ
إِنّي إِذا ما نَبَا سَيفٌ بُمعْتَرَكٍ ... سيَّانِ حاسِرُه عنْدي ودَارِعُهُ
ما كان يُحْصِنُ منه خالِدًا بيَدِي ... وَرْقاءُ نَسْجٍ أَجَادَ السَّرْدَ صانِعُهُ
لَو الفَرزْدَق يَومَ العِلْجِ صالَ به ... لمْ يَنْبُ عنه ولمْ تُذْمَم مُجَاشِعُهُ
وله أيضًا:
ومُهنَّدٍ يُعْشِي العُيو ... نَ سَنَاه من قَبْلِ الصِّقَال
صافِ كأَنّك تَنْتضِي ... من جَفْنه رَقْرَاقَ آلِ
متَردِّدٌ فيه الفِرِنْ ... دُ تَرَدُّدَ الماءِ الزُّلاَلِ
للعِتْقِ في مَتْنَيهِ سِيمَ ... الا تُغَيِّرهَا الَّليالِي
وجَوَاهِرٌ يَنْسُبْنهُ ... لِلْعَين من قَبْل السُّؤال
ولأَبي الهَول:
حسُامٌ رَقيقُ الشَّفْرتَينِ كأَنّه ... منَ الله في قَبْضِ النُّفوسِ رَسُولُ
كأَنَّ جُنودَ الذَّرِّ كَسَّرْنَ فَوقَه ... قُرونَ جَرَادٍ بَيْنَهنّ ذُحُولُ
كأَنّ على إِفْرِنْدِه مَوْجَ لُجّة ... تَقَاصَرُ في ضَحْضَاحِهِ وتَطولُ
إِذا ما تَمَطَّى المَوتُ في يَقَظَاتِه ... فلا بُدَّ من نَفْسٍ هناك تَسِيلُ
ولِشرشير الجَدَليّ:
ومهَنَّدٍ عَضْبٍ إِذا ماسُلَّ في ... ظُلَمِ الخُطوبِ أَبَانَ عن قَصْدِ الهُدَى
يُنْضَى فيَخْتَلِس الطُّلَى مِنْ قَبلِ أَنْ ... تُدْنَى ذُبَابَاه إِلى خَلسِ الطُّلَى
مُتَمَلْمِلٌ بفِرنْدِه فكَأَنَّمَا ... حُمْرُ الفَرَاشِ بُعِثْنَ فيه والدَّبَى
يَخْضَرّ منْتَصِبًا ويَقْنُؤ حَانِيًا ... ويَمورُ مُهتزًّا ويَجْرِي مُنْتَضى
وله أَيضًا:
حازَ الأَميرُ عن البَرِيَّة مُنْصُلًا ... ما حازَه أَحَدٌ مِن الأُمَرَاءِ
جاري الفِرِنْدِ كأَنّه في لَمْعِهِ ... آلٌ زَهَتْه وْقَدَهُ المَعْزَاءِ
وكأَنَّ رَونَقَه حِدَاقُ جَنَادِبٍ ... يَلْمَعْنَ في مَسْجُورةِ الرَّمْضاءِ
يُنْضَى فيتَّقِدُ اتِّقادَ النّارِ تُذْ ... كيهَا ويُطَّرِدُ اطِّرَادَ المَاءِ
مُتَلوِّمًا كالحَينِ يَطْلُبُ باغيًا ... ومُصمِّمًا كالحَيَّةِ الصَّمَّاءِ
وما أحسنَ ما قال الوَليدُ بن عُبَيد:
1 / 3
يَتَنَاوَل الروحَ البَعِيدَ مَنَالُه ... عَفْوًا ويَفْتَح في القَضَاءِ المُقْفَلِ
ماضٍ وإِن لم تُمْضِه يَدُ فَارسٍ ... بَطَلٍ ومَصقولٌ وإِن لم يُصْقَلِ
يَغْشَى الوَغَى فالتُّرْسُ لَيسَ بجُنَّةٍ ... من حَدِّه والدِّرْعُ ليسَ بمَعقِلِ
مُصْغٍ إِلى حُكْمِ الرَّدَى فإِذَا مَضَى ... لم يَلْتَفِتْ وإِذا قَضَى لم يَعْدِلِ
مًتَوَقِّدٍ يَفْرِى بأَوَّلِ ضَرْبةٍ ... ما أَدرَكَتْ ولَوَ أنَّها في يَذْبُلِ
وإِذا أَصَاب فكلُّ شَيْءٍ مَقْتَلٌ ... وإِذَا أُصِيب فما لَه منْ مَقْتَلِ
ولعبَيد الله بن مَسعود:
وحُسَامٍ صَافِي الحَدِيدةِ ماضِي الْ ... حَدِّ ذي رَوْنقٍ كمثْلِ الشِّهابِ
أَخضرِ اللَّونِ ذي فِرِنْدٍ كأَنّ النّ ... مْل دبَّتْ في مَتْنه والذُّبِابِ
حُكْمُه في النُّفوس أَمْضَى من المَو ... تِ إِذَا يُنْتضَى ليَومِ ضِرَابِ
وليَعقوبَ التَّمّارِ:
بكُلّ حُسامٍ كالعَقيقةِ صَارِم ... إِذا قَدَّ لم يَعْلَق بصَفْحَتِه الدَّمُ
ولعليّ بن العباس:
خَيرُ ما استَعْصَمتْ به الكَفُّ عَضْبٌ ... ذَكَرٌ حَدُّه أَنِيثُ المَهَزِّ
ما تَأَمَّلتَه بعَينَيك إِلاّ ... أُرْعِدتْ شَفْرَتاهُ من غير هَزِّ
مِثْلُه أَفزَعَ الشُّجاعَ إِلى الدِّرْ ... ع فغَالَى بها على كُلِّ بَزِّ
ما يُبالِي أَصَمَّمَتْ شَفْرَتاهُ ... في مَحَزٍّ أَمْ جارَتَا عن مَحَزِّ
وله أيضًا:
حُسامٌ لا يَلِيق عليه جَفْنٌ ... سَرِيعٌ في ضَرِيبتِه ذَرِيعُ
يَقولُ النّاظِرون إِذا رَأَوهُ ... لأَمْرٍ ما تُغُولِيَتِ الدُّرُوعُ
وله أيضًا:
يُشَيِّعه قَلبٌ رُواعٌ وصارمٌ ... جُرَازٌ قديمٌ عَهدُه بالصَّياقلِ
تَشيمُ بُروقَ المَوت من صَفَحاته ... وفي حَدِّه مِصْداقُ تِلك المَخَايلِ
ولعبد الله بن المعتزّ:
وَسْطَ الخَمِيس بكَفّه ذَكَرٌ ... عَضْبٌ كأَنَّ بمَتْنِه نَمَشَا
صافِي الحَدِيدِ كأَن صَيْقَلَه ... كَتَبَ الفِرِنْدَ عليه أَو نَقَشَا
وله أَيضًا:
ولي صارِمٌ فيه المَنايَا كَوَامِنٌ ... فما يُنْتَضَى إِلاّ لِسَفْكِ دمَاءِ
تَرَى فوقَ مَتْنَيْه الفِرنْدَ كأَنّه ... بَقِيَّةُ غَيْمٍ رَقَّ دونَ سَماءِ
ولغيره:
في كَفِّهِ ماضِي الغرَارِ كأَنّه ... في العَينِ لُجٌّ قائمٌ مُتحَيِّرُ
صَافٍ تصَوِّبُه فتُقْسمُ إِنه ... لَيَسيلُ إِلاّ أَنَه لا يَقْطُرُ
قال الفرّاءُ: يقال أُثُر السَّيف وأَثْرُه يعني شُعاعَه وفِرِنْده وما يُرَى فيه كأَرجُلِ النَّمْلِ، قال: وأَنشدَني أَبو ثروان:
كأَن بَقَايا الأَثْرِ فوقَ مُتُونِه ... مَدَبُّ الدَّبَا فَوقَ النَّقَا وهو سارِحُ
قال: وأَنشدَني بعض بني عَقِيلٍ:
كأَنّهمْ أَسْيُفٌ بِيضٌ يَمَانِيَةٌ ... عَضْبٌ مَضَارِبُها باقٍ بها الأُثُرُ
وقال: يُقَال: سُقْت الرّجُل بالسَّيْف، وعَصِيت به أَعْصى به، إِذَا عَملْتَ به ما تَعْمَلُ بالعَصَا، قال جريرٌ:
تَصِفُ السُّيُوفُ وغَيرُكم يَعْصَى بها ... يا بْنَ القُيُونِ وذَاك فِعْلُ الصَّيْقَلِ
ولمحمّد بن الحسن:
وصاحِبَايَ صارِمٌ في مَتْنِه ... مِثْلُ مَدَبّ النَّمْلِ يَعْلو في الرُّبَا
كأَنَّ بَيْنَ عَيْرِه وغَرْبِه ... مُفْتَأَدًا تَأَكَّلَتْ فيه الجُذَى
يُرِى المَنُونَ حينَ تَقْفُو إِثْرَهُ ... في ظُلَمِ الأَكْبَادِ سُبْلًا لا تُرَى
إِذا هَوَى في جُثَّةٍ غَادَرَهَا ... مِن بَعدِ ما كَانَتْ خَسَاُ وَهْيَ زَكَا
ولأَحْمَد بن محمّد المَصِّيصيّ:
أَجْرَى الزَّبَرْجَدُ فيهِ جَدْوَلًا لَعِبَتْ ... عَقَائقٌ فَوْقَه باللُّؤْلُؤِ البَدَدِ
1 / 4
يكْتَنُّ تَحْتَ شَمَالِ البَدْرِ بارقُه ... وتَارَةً يَتَرَاءَى في يَدِ الأَسَدِ
وله أَيضًا ممّا جوَّد فيه:
ذُو مَدْمَعٍ من غيرِه مُسْتَعْبِرٍ ... وتَبَسُّمٍ من نَفْسِهِ مُتَوَالِ
وكَأَنّمَا نَشَرَ الفِرِنْدُ بمَتْنِهِ ... دِيبَاجَةً خَضْرَاءَ إِثْرَ صِقَالِ
ويُرِيكَ في لأْلائِهِ مُتَوقِّدًا ... حَنَق المَنُونِ به على الآجالِ
وللعَبْدِيّ:
تَغْلَبِيّ في كَفِّهِ مَشْرَفيّ ... لنُفوسِ العِدَا شَرُوبٌ أَكولُ
صارِمٌ لو رَمَى به الطَّودَ فَلَّ ال ... طَّوْدَ وارْتَدَّ لَيْسَ فيه فُلولُ
كادَ ماءُ الفِرِنْدِ فيه ونَارُ ال ... طَّبْعِ تَعْلو هذِي وذَاك يَسٍيلُ
وكان على سَيف بِسْطَام بن قَيْسٍ الشَّيْبَانيّ، واسمُ سَيْفِه المُحَوَّل مكتوبًا:
نَصْلٌ يَقُدٌ الكَبْشَ وهو مُدَجَّجٌ ... عَضْبُ المَضَارِبِ كالشِّهابِ السَّاطعِ
وكان على سَيف عُتَيْبَةَ بنِ الحارثِ بن شِهَاب مكتوبًا:
ففِي أَيِّ حالاتي شَهِدْتِ فإِنّني ... إِذَا الحَرْبُ شُبَّت عَن حَرِيمِكِ دَافِعُ
بذِي شُطَبٍ صافِي الحَدِيدِ كأَنّه ... إِذَا هُزَّ بَرْقٌ في دُجَى اللَّيْلِ لاَمِعُ
وعلى سَيْفِ عامِرِ بن الطُّفَيلِ مَكْتوبٌ:
وذِي حُبُكٍ في المَتْنِ صافٍ كأَنَّه ... لَوَامِعُ بَرْقٍ في الدُّجَى يَتَوَقَّدُ
وكان على سَيْف عَمْرِو بن مَعْد يكَرِبَ القُلْزُمِ مكتوبًا:
ذَكَرٌ على ذَكَرٍ يَصولُ بصارمٍ ... عَضْبٍ يَمَانٍ في يَمِينِ يَمَانِ
؟ في الرِّمَاح
الخَطِّية: مَنْسُوبَةٌ إِلى الخَطّ، وهي جزيرة بالبَحْرَيْن، والرُّدَيْنِيّة: مَنْسُوبةٌ إِلى رُدَيْنَةَ، امرأَة تَبيع القَنَا بالخَطّ، الأَزَنِيّة واليَزَنِيّة: منسوبةٌ إِلى ذِي يَزَن الحِمْيريّ، وكان مَلِكًا يَجمع السِّلاحَ.
المِتَلّ: الغَليظُ الشديدُ اللَّدْنُ اللَّيِّنُ. الخَطِل: الشديدُ الاضطرابِ الذي يَفْرُط.
الزّاعِبيّ: الذي إذا اهتَزَّ تَدافَعَ كُلّه كأَنّه يَجْرِي، ومنه: مرَّ يَزْعَب بحِمْلِه، إِذا مَرَّ يَتدافَع به.
ومن أَحسن ما قيل في الرِّماح قَول سَلاَمةَ بنِ جَنْدَلٍ:
بالمَشْرَفِيّ ومَصْقولٍ عَوَارِضُها ... صُمِّ العَوامِل صَدْقَاتِ الأَنابِيبِ
سَوَّى الثِّقافُ قَناهَا فهْي مُحكَمةٌ ... قلِيلَةٌ الزَّيْغِ من سَنٍّ وتَرْكيبِ
زُرْقًا أَسِنّتَها حُمْرًا مُثقَّفَةً ... أَطْرَافُهنّ مَقِيلٌ لِليَعَاسِيبِ
كأَنَّها بأَكُفِّ القَوْمِ إِذْ لَحِقوا ... مَوَاتِحُ البِئرِ أَو أَشْطَانُ مَطْلوبِ
وقولُ مُزَرِّد:
ومُطَّرِدٌ لَدْنِ الكعُوبِ كأَنَّمَا ... تَغَشّاهُ مُنْبَاعٌ منَ الزَّيْت سائلُ
أَصَمّ إِذا ما هُزَّ مَارَتْ سَرَاتُه ... كَمَا مَارَ ثُعْبانُ الرِّمَالِ المُوَائِلُ
له لَهْذَمٌ مَاضِي الغِرَارِ كأَنَّه ... هِلاَلٌ بَدَا في ظُلْمَةِ اللَّيْلِ ناحِلُ
وقولُ أَوس بن حَجَر:
وإِنّي امْرُؤٌ أَعدَدْتُ للحَرْب بعدَ مَا ... رَأَيْتُ لها نابًا من الشَّرِّ أَعْصلاَ
أَصَمَّ رُدَيْنيَّا كأَنَّ كعُوبَهُ ... نَوَى القَسْبِ عَرَّاصًا مُزَجًّا مُنَصَّلاَ
عليه كمِصْبَاحِ العَزِيزِ يَشُبُّهُ ... لِفِصْحٍ ويَحْشوهُ الذُّبَالَ المُفَتَّلاَ
وقال الأَصمَعِيّ: أَحِسن ما قالت العربُ في طول الرِّمَاح قَول القُطَاميّ:
قَوَارِشُ بالرِّماحِ كأَنَّ فيها ... شَوَاطِنَ يُنْتَزَعْنَ بها انْتِزَاعَا
تقارشوا: تطاعَنوا ولعنترة:
يَدْعُون عَنْتَرَ والرِّماحُ كأَنّها ... أَشْطانُ بِئرٍ في لَبَانِ الأَدْهمِ
وقال الأَصْمعيّ: أَحسنُ ما قِيلَ في صِفة رُمْحٍ قول أَبي زُبَيْد الطّائيّ:
وأَسْمرَ يَرْبُوعٍ يَرَى ما أَرَيْتَه ... بَصِيرًا إِذَا صَوَّبْتَه للمُقَاتِلِ
1 / 5
وقال ابن الأَعْرَابِيّ: أحسنُ ما وُصِفتْ به الرِّمَاحُ قول الشاعر:
وبكلّ عَرَّاصِ المَهَزَّةِ مارِنٍ ... فيه سِنَانٌ مِثْلُ ضَوْءِ الفَرْقَدِ
سُمْرٌ مَوَارِنُ مِن رِمَاحِ رُدَيْنَةٍ ... زُرْقُ الظُّبَاةِ سُقِينَ سُمَّ الأَسْوَدِ
وكان يُنْشِد أَيضًا قَولَ مِسْكِينٍ الدَّارِميّ ويُعْجبُه:
بكلّ رُدَينيٍّ كأَنَّ كعُوبَه ... قَطًا نَسَقٌ مُسْتَورَدُ الماءِ صائِفُ
كأَنّ هِلاَلًا لاحَ فوْقَ قَناتِه ... جَلاَ الغَيْمَ عنه والقَتَامَ الحَرَاجِفُ
ولأَعرابيّ:
أَصمَّ رُدَينيًّا كأَنّ سِنَانَه ... سَنَا لَهَبٍ لم يَسْتَعِرْ بِدُخانِ
ولآخر:
مَعِي مارِنٌ لَدْنٌ يزِينُ قَنَاتَه ... سِنَانٌ كنِبْرَاسِ النِّهامِيّ مِنْجَلُ
تَقَاكَ بكَعْبٍ وَاحد وتَلَذُّهُ ... يَدَاكَ إِذا ما هُزَّ بالكَفّ يَعْسِلُ
يقول كأَنّ كِعَابَه كَعْبٌ وَاحدٌ، لصَلاَبته واسْتِوَائهِ يَعْسِلُ: يضطرب.
وما أحسنَ ما قَالَ حَبِيبُ بنُ أَوْسٍ الطّائِيّ:
أَنْهَبْتَ أَرْوَاحَها الأَرْمَاحَ إِذْ شُرِعَتْفما تُرَدُّ لِرَيْبِ الدَّهْرِ عنْه يَدُ
كأَنَّها وهْيَ في الأَرْوَاحِ وَالِغَةٌ ... وفي الكُلَى تَجِدُ الغَيْظَ الذِي نَجِدُ
مِن كُلِّ أَزْرقَ نَظّارٍ بلا نَظَرٍ ... إِلى المَقَاتِلِ ما في مَتْنِه أَوَدُ
كأَنَّه كان تِرْبَ الحُبّ مُذْ زَمَنٌ ... فلَيْسَ يُعجِزُه قَلْبٌ ولا كَبِدً
وله أيضًا:
وأَخضرَ مُحْمَرِّ الأَعالِي يَزِينُهُ ... سِنَانٌ بحَبّاتِ القُلُوبِ ممتَّعُ
مِن الَّلاءِ يَشْرَبْنَ النَّجِيعَ من الكُلَى ... غَرِيضًا ويَرْوَى عَرُّهنّ فيَنْقَعُ
ولعُبَيدِ الله بن مَسْعود:
وأَصمِّ الكُعُوبِ أَسْمَرَ لَدْنٍ ... يَتَثَنَّى كالحَيَّة المُنْسابِ
زَاعِبيّ سِنَانُه يَنْهَبُ الأَنْ ... فُسَ من أَهْلِها غَدَاةَ النِّهَابِ
ولغيره:
ولَدْنٍ تَغَارُ عليه العَروسُ ... إِذَا مَا تَثَنَّى بحُسْنِ القَوَامِ
له مُقْلَةٌ كُحِلَتْ بالسَّعِيرِ ... فأَعْجِبْ به ناظِرًا عن ضِرَامِ
ولابن المعتزّ:
وَفِتْيان صِدْقٍ يَحُشُّونَها ... بزُرْقِ الأَسِنَّةِ فَوْقَ القَنَا
كغَابٍ تَحَرَّقُ أَطْرافُهُ ... عَلى لُجّةٍ من حَدِيدٍ جَرَى
وقلْتُ:
ومُقَوَّمٌ تَهْتَزُّ أَعْطَافُ الرَّدَى ... في هَزِّهِ بيَدِ الحِمَامِ مُثَقَّفُ
خَرِسٌ مَتى شَهِدَ الوَغَى بلِسَانِهِ ... نَطَقَتْ بحُجَّتِهِ المَنَايَا العُكَّفُ
يَرْنو إِلى حَبِّ القُلُوبِ بمُقْلَةٍ ... زَرْقَاءَ أَرْمدَها الرَّدَى ما تَطرِفُ
صَادٍ مَتى يَرِدِ النُّفوسَ يَجِدْ بها ... رِيًّا وتُصْدِرُهُ المَنايَا يَرْعُفُ
ولدِعْبِلِ بن عليّ الخُزَاعيّ:
وأَسْمَرٍ في رَأْسِه أَزْرَقٌ ... مِثْلُ لِسَانِ الحَيَّةِ الصَّادِي
ولغيرِه:
ومُثَقَّفٍ كالأُفْعُوانِ تَخَالُهُ ... يُبْدِي التَّثَاؤُبَ عن لَهِيبِ ضِرَامِ
وهذا منقول من قَوْلِ أَحمَدَ بن محمّدٍ المَصّيصيّ:
كأَنَّمَا حَيَّةٌ فَزْعَانُ في يَدِهِ ... أَبْدَى التَّثاؤُبُ مِنْه عَن سَنَا لَهَب
في القِسِيِّ والسِّهام
ممّا يُستجاد ويُقَدَّم في ذلك قَوْل أَوس بن حَجر:
ومَبْضُوعَةً مِنْ رأْسِ فَرْعٍ شَظِيَّةً ... بِصَوْدٍ تَرَاه بالسَّحابِ مُكَلَّلاَ
فجَرَّدها صَفْرَاءَ لا الطُّولُ عابَها ... ولا قِصَرٌ أَزْرَى بها فتُعَطَّلاَ
كَتُومٌ طِلاَعُ الكفِّ لا دون مَلْئِهِا ... ولا عَجْسُها عن مَوْضعِ الكَفّ أَفْضَلاَ
إِذَا ما تَعاطَوْها سَمِعْت لصَوْتها ... إِذَا أَنْبَضوا عنها نَئِيمًا وأَزْمَلاَ
1 / 6
وإِن شُدَّ فِيها النَّزْعُ أَدْبَرَ سهْمُنا ... إلى مُنتَهىً من عَجْسِها ثُمَّ أَقبَلاَ
ويصف السِّهام فيقول:
وحَشْوَ جَفِيرٍ من فُرُوعٍ غَرَائبٍ ... تَنطَّع فيها صَانعٌ وتَأَمَّلا
تُخُيِّرْنَ أَنْضاءَ ورُكِّبْنَ أَنصُلًا ... كجَمْرِ الغَضَا في يَوْمِ رِيحٍ تَزَيَّلاَ
فلمَّا قَضَى مِنْهُنَّ في الصُّنْعِ نَهْمَةًفلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَنْ تُسَلَّ وتُصْقَلاَ
كَسَاهُنَّ مِن رِيشٍ يَمَانٍ ظَوَاهِرٍ ... سُخَامًا لُؤامًا لَيِّن المَسِّ أَطْحَلاَ
يَخُرْنَ إِذَا أُنْفِزْنَ في ساقِط النَّدَى ... وإِن كانَ يَوْمًا ذَا أَهاضيبَ مُخضِلاَ
خُوار المَطافِيلِ المُلَمَّعَةِ الشَّوَى ... وأَطلائِها صادَفْنَ غَرْثَانَ مُثْقَلاَ
وقولُ الشَّنْفَري:
وإِنِّي كَفاني فَقْدَ مَنْ لَيْسَ جَازِيًا ... بِنُعْمَى ولاَ فِي قُرْبِه مُتَعلَّلُ
ثَلاثَةُ أَصحاب فُؤَادٌ مُشَيَّعٌ ... وأَبْيَضُ إِصْلِيتٌ وصَفْرَاءُ عَيْطَلُ
هَتُوفٌ من المُلْسِ المُتُونِ يَزِيُهَا ... رَصَائعُ قد نِيطَتْ إِليها ومِحْمَلُ
إِذَا زَلَّ عَنْهَا السَّهْمُ حَنَّت كأَنّهَا ... مُرَزَّأَةٌ ثكْلَى ترِنُّ وتُعْوِلُ
ويُسْتَجاد قول الشَّمّاخ:
مُطِلٌّ بزُرْقٍ مَا يُدَاوَى رَمِيُّهَا ... وصَفْرَاءَ من نَبْعٍ عَليْهَا الجَلاَئزُ
تَخَيَّرَهَا القَرَّاسُ من فرْعِ ضالةٍ ... لَها شَذَبٌ من دُونها وحَوَاجِزُ
فما زال يَنْحُو كلَّ رَطْبٍ ويابِسٍ ... ويَنْغَلُّ حتّى نالَهَا وهو بَارِزُ
وفيها:
أَقَامَ الثِّقافُ والطَّرِيدةُ دَرْأَهَا ... كما أَخْرَجَتْ ضِغْنَ الشَّمُوسِ المَهَامِزُ
إِذا أَنبَضَ الرَّامونَ عنها تَرنَّمتْ ... تَرَنُّمَ ثَكْلَى أَوجَعتْهَا الجَنَائزُ
هَتُوفٌ إِذا ما خَالَطَ الظَّبْيَ سَهْمُها ... وإِنْ رِيعَ منها أَسْلَمتْهُ النَّوافِزُ
كأَنّ عَلَيْهَا زَعْفَرَانًا تُمِيرُه ... خَوازِنُ عَطّارٍ يَمانٍ كَوَانِزُ
إِذا سَقَطَ الأَنْدَاءُ صِينَتْ وأُشْعِرَتْ ... حَبِيرًا ولم تُدْرَجْ عليهَا المَعَاوِزُ
وأَنْشَدَ الرّيَاشيّ لأَعْرَابيّ في القَوْس:
قد قَبضَتْ شِمالُه عليهَا
وجَذَبَتْ يَمِينُه إِلَيْهَا
تَحِنُّ في مَرْبُوعِ مَثْنوَيْهَا
حَنِينَ ثَكْلَى فقَدَتْ اِبْنَيْها
ولأَبي تمام:
وإِذَا القِسِيُّ العُوجُ طَارَتْ نَبْلُهَا ... سَوْمَ الجَرَادِ تَسِيحُ حينَ تُطَارُ
ضَمِنَتْ له أَعجَاسُها وتكَفَّلَتْ ... أَوْتَارُهَا أَن تُنْقَضَ الأَوْتَارُ
وأَنْشَدَ الأَصمعي لسَيْف بن ذي يزَن في صفة النُّشّاب:
هَزُّوا بَنَاتِ الرِّماحِ نَحْوَهُمُ ... أَعْوَجُهَا طائحٌ وأَقْومُهَا
كأَنَّهَا بالفَضَاءِ أَرْشِيَةٌ ... يَخِفُّ مَنْقُوضُها ومُبْرَمُها
ولأعْرَابيّ:
وفي عُنُقي سيفُ حُسامٌ مهنَّد ... ومُرْهَفةٌ زْرْقٌ سِدَادٌ عُيورُها
سَماحجُ أَشباهٌ على قَدِّ وَاحِدٍ ... تهرُّ أَعاديها وتَغْلِي قُدُورُها
ولأَبِي كبير الهُذَليّ:
مُسْتَشْعِرًا تَحْتَ الرِّداءِ إِشَاحةً ... عَضْبًا غَموضَ الحَدِّ غَيْرَ مُفَلَّلٍ
ومَعَابِلًا صُلْعَ الظُّبَاتِ كأَنَّهَا ... جَمْرٌ بمَسْهَكَةٍ يُشَبُّ لمُصْطَلِي
نُجُفًا بَذَلْتُ لهَا خَوَافيَ نَاهضٍ ... حَشْرِ القَوَادِمِ كاللِّفاعِ الأَطْحَلِ
فإذا تُسَلُّ تَخَشْخَشتْ أَرْياشُها ... خَشْفَ الجَنُوبِ بيَابِسٍ من إِسْحلِ
ولعتّاب بن وَرْقَاءَ:
فحَطَّ عن مَنْكِبِهِ شِرْيَانةً ... مِمَّا اصْطفَى باري القِسِيِّ وانْتَقَى
1 / 7
أُم بَنَاتٍ عَدَّها صانِعُها ... سِتّينَ في كِنَانَةٍ ممَّا بَرَى
ذاتَ رُؤُوسٍ كالمَصابِيح لهَا ... أَسَافِلٌ مِثْلُ عَرَاقِيبِ القَطَا
ولابن طَبَاطَبَا:
مَضى علىٌّ نحْوَ ميْدَانِه ... فِي فِتْيَةٍ رَاحَ بِهِمْ للنِّضالْ
يا حُسْنَه والقَوْسُ في كَفِّه ... كالمُشْتَرِي أَشْرَقَ عنْد الهِلاَلْ
وللحَلَبيّ في رامٍ:
وقالُوا ذاك أَرْمى مَنْ رَأَيْنا ... فقُلْتُ رَأَيْتُم الغَرَضَ القَرِيبَا
وهل يُخْطِي بأَسْهُمِه الرَّمَايَا ... ومَا يُخْطِي بمَا ظَنَّ الغُيُوبّا
يُصِيب ببَعْضِها أَفْوَاق بعْضٍ ... فلَوْلاَ الكَسْرُ لاتَّصَلتْ قَضِيبَا
بكُلِّ مُقوَّمٍ لمْ يَعْصِ أَمْرًا ... له حتَّى ظَنَنّاهُ لَبِيبَا
يُرْيِكَ النَّزْعُ بَيْنَ الفُوقِ منه ... وبَيْن رَمِيَّةِ الهَدَفِ اللَّهِيبَا
في الدُّروع
لمزَرِّدٍ:
ومَسْفُوحةٍ فَضْفَاضةٍ تُبَّعِيَّةٍ ... وَآهَا القَتِيرُ تَجْتَوِيها المَعَابِلُ
دِلاَص كظهْرِ النُّونِ لا يَستطيعُها ... سِنَانٌ ولا تِلْكَ الحِظَاءُ الدَّوَاخِلُ
مُوَشَّحَة بَيْضاء دَانٍ حَبِيكُهَا ... لهَا حَلَقٌ بين الأَنَامِلِ فاضِلُ
مُشهَّرَة تُحْنَى الأَصَابعُ نَحْوَها ... إِذَا جُمِعَتْ يَوْمَ الحِفاظِ القَبَائِلُ
وَصَفَها أَنّها سابغةٌ، كما قال عَمْرُو بن مَعْدِ يكَرِبَ:
وأَعْدَدْتُ للحَرْب فضْفاضَةً ... دِلاَصًا تَثَنَّى على الرَّاهِشِ
وقال الأَصمعيّ: لئن أَجادَ في صِفَةِ الدِّرْع لقَد عابَ مَن يَلْبَسها، وذلك أَنّ الفُرْسانَ المَذْكورين لا يَحْفِلُونَ بسُبُوغِ الدِّرْع، وأَنْشَد:
والدِّرْعُ لا أَبْغِي بها نَثْرةً ... كُلُّ امْرئٍ مُسْتَوْدَعٌ ما لَهُ
أَي مَن قُدِّرَ عَلَيْه شْيءٌ أَصابَه.
ورَوَى غيرُ الأَصمعي هذا البيت لابن الَّزيَّابة التَّيميّ:
والدِّرْعُ لا أَبْغِي بها ثَرْوَةً ... كلُّ امْرِئٍ مُسْتَوْدَعٌ ماله
أَي الدِّرْع لا أَبِيعها بمالٍ، يقول المالُ مُسْتوْدَعٌ عند النّاس، ودِرْعي عندي لا أَبيعها ولا أُضيعها، ولكنّي أُؤَدِّي فيها الأمانَة. وهذا مثَلٌ.
وأَنشد الأَصمعيِّ للأَعشى:
وإِذا تكون كِتيبةٌ ملْمومةٌ ... خَرْساءُ يَخْشَى الذَّائدُون نِهَالَهَا
كُنْتَ المقدَّم غيْرَ لابِس جُنَّةٍ ... بالسَّيْف تَضرِبُ مُعْلِمًا أَبْطالَهَا
وعَلِمتَ أَنّ النَّفْس تَلْقَى حَتْفَها ... ما كان خالِقُها المَلِيكُ قَضَى لهَا
وقال: لمّا أَنشد كثير بن عبد الرحمن عبدَ الملك بن مروان:
على ابنِ أَبِي العاصِي دِلاصٌ حَصِينةٌ ... أجاد المُسَدِّي سَرْدها وأَذَالَها
يَؤودُ ضَعيفَ القوْم حَمْلُ قَتِيرِها ... ويسْتَضْلِعُ الطِّرْفُ الأَشمُّ احْتِمالها
قَال له عبد الملك: هلاّ قُلت كما قال الأعشى وإِذا تكون كتيبة ... الأبيات. فقال: يا أَمير المؤمنين، وصَفْتُك بالحَزْم، ووَصفَ الأَعشى صاحبه بالخُرْق، فقال عبدُ الملك: بل وَصَفَ صاحِبَه بالشجاعة والإِقدام، ووَصفْتَني بالجُبْن والإحجام.
وما أَحسنَ ما قال أَوس بن حَجر:
وأَمْلَس صُولِيًّا كنِهْيِ قرَارَةٍ ... أَحَسَّ بقاعٍ نفحَ رِيحٍ فأَجْفَلاَ
كأَنّ قُرُونَ الشَّمْسِ بعْد ارتِفَاعِها ... وقد صَادَفَتْ طلْقًا من النَّجْم أَعزَلاَ
تَردَّدَ فيه ضَوْءُها وشُعَاعُهَا ... فأَحْصِنْ وأَزْيِنْ لامْرِئٍ أَن تَسَرْبَلاَ
وقال أَبو عبيدة: أَحسُ ما قِيل في صِفةِ الدُّروع:
وبِيضٍ من النَّسْج القدِيم كأَنَّهَا ... نِهاءُ نقِيعٍ مَاؤُه مُتَرَافِعُ
تُصَفِّقُها هُوجُ الرِّياحِ إِذا جَرَتْ ... وتعْقُبُهَا الأَمْطارُ فالماءُ راجِعُ
وللجُميْح الأَسديّ واسمه مُنْقِذ:
1 / 8
مُدَّرِعًا رَيْطةً مضاعفةً ... كالنهِي وفَّى سَرَارَهُ الرِّهَمْ
ولمُعقِّر بن قَيْس:
وخَيْلٍ قدْ دَلَفتُ لهَا بِخَيْلٍ ... عليها الشُمْطُ من أَولادِ عَبْسِ
علَيْهمْ كُلُّ سابِغةٍ دِلاَصٍ ... كأَنّ قتِيرَها حَدَقُ ابنِ عِرْسِ
ولعبد الله بن سلام:
ولم تَر يحيى فوقَه تُبَّعِيّةٌ ... تَرُدُّ غِرار السَّيْفِ والسَّيفُ قاضِبُ
تقارَبَ منها السَّرْدُ حتّى كأَنّما ... تَخازَرُ فيهَا بالعُيُون الجَنادبُ
هذا البيتُ حَسنُ المعنى، لأَنّ أَكثر من وَصَفَ الدُّروعَ شَبَّهَها بحَدَق الجَرادِ، والجَنَادِبُ ضَرْبٌ منها، ولم يَرْضَ هذا حتّى قال تخازَرُ أَلف والتخازُرُ تصْغِير العَيْن، فجعلَها مِثل عُيُونِ الجَرَادِ المصغَّرة، وهذا إِغراقٌ في الوَصْف.
في السِّلاح مُجمَلًا
قال امرؤ القَيس:
ومُطَّرِدًا كرِشَاءِ الجَرو ... رِ من خُلُبِ النَّخْلةِ الأَجْرَدِ
وذا شُطَبٍ غامِضًا كَلْمُه ... إِذَا صَابَ بالعَظْم لم يَنْأَدِ
ومشْدودةَ السَّكِّ مَوْضُونةً ... تَضاءَلُ في الطَّيِّ كالمِبْرَدِ
تَفِيضُ على المَرْءِ أَرْدَانُها ... كفَيْضِ الأَتِيِّ على الجَدْجَدِ
ولعَوْف بن الخَرِع:
أَعْدَدْتُ للأَعداءِ مَوْضونَةً ... فَضْفاضةً كالنِّهْي بالقَاعِ
أَحفِزُها عنّي بذِي رَوْنقٍ ... مُهنَّدٍ كالمِلْحِ قَطّاعِ
صَدْقٍ حُسَامٍ وَادِقٍ حَدُّه ... ومُجْنَإٍ أَسْمَر قرَّاعِ
ولزهير:
ومُفَاضةٍ كالنِّهْي يَنُسِجُه الصَّبَا ... بَيْضاءَ كَفَّتَ فَضْلَهَا بمُهنَّدِ
صَدْقٍ إِذا ما هُزّ أُرْعِشَ مَتْنُهُ ... عَسَلاَن ذِئبِ الرَّدْهةِ المستَورِدِ
ولغيره:
ولا تُوعِدَني إِنّني إِن تُلاقِني ... مَعِي مَشْرَفيٌّ في مَضارِبِه قَصَمْ
ونَبْلٌ قِرَانٌ كالسُّيُوفِ سَلاَجِمٌ ... وفَرْعٌ هَتُوفٌ لا سَقِيٌّ ولا نَشَمْ
ومُطّرِدُ الكعْبَينِ أَحْمرُ عاتِرٌ ... وذَاتٌ قتِيرٍ في مَوَاصِلِهَا دَرَمٌ
مُضاعفَةٌ جَدْلاءُ أَو حُطَمِيَّةٌ ... تُغشِّي بَنَانَ المرْءِ والكَفَّ والقَدَمْ
ولعبد قَيس:
وأَصْبَحْتُ أَعْددْتُ للنّائبا ... تِ عِرْضًا نَقِيًّا وعَضْبًا صقيلاَ
ووَقْعَ لِسَانٍ كحَدِّ الحُسامِ ... ورُمْحًا طويلَ القّناةِ عَسُولاَ
وسَابِغةً من جِيَادِ الدُّرو ... عِ تَسمعُ للسَّيف فيها صَليلاَ
كماءِ الغَديرِ زَفَتْهُ الدَّبُورُ ... يَجُرُّ المُدَجَّجُ فيها فُضُولاَ
وأَنشدنا الأَخفش الأعرابيّ، ورَواها أَبو تمّام في الحماسة لحَنِيفَة بن حُنَيٍّ:
أَعْددْتُ أَخْرسَ للطِّعان ونَثْرةً ... زَغْفًا ومُطَّرِدًا من الخِرْصَانِ
وفُرُوعَ شَوْحَطةٍ كأَنّ نَذِيرَها ... في الكَفِّ عَوْلَةُ فَاقِدٍ مِرْنَانِ
وسَلاجِمًا صُلْعَ الرُّؤُوسِ كأَنَّهَا ... أَفْواهُ أَفْرِخةٍ من النِّغْرانِ
والخَيْلُ تَعلمُ حين شَمَّصَها القَنَا ... وعَلاَ رَوَادِفَها النَّجِيعُ مَكانِي
أَنْ لا أَفِرّ عنِ القِتالِ فأُزْدَهَى ... حتَّى أُرَوِّيَ صَعْدَتي وسِنَانِي
ولآخرَ:
أَعْدَدتُ بَيْضَاءَ للحُرُوب ومَصْ ... قولَ الغِرارَينِ يَفْصِم الحَلَقا
وفَارِجًا نَبْعةً ومِلءَ جفِ ... يرٍ من نِصَالٍ تَخالُهَا وَرَقا
وأَرْيحيًّا عَضْبًا وذا خُصَلٍ ... مُخلَوْلِقَ المَتْنِ سابِحًا تَئِقَا
يَمْلأُ عَيْنَيْك في الفِنَاءِ ويُرْ ... ضِيك عَفَافًا إِن شئْتَ أَو فَرَقا
ولآخر:
وبَيْضاءَ مِثْلِ النِّهْيِ رِيحَ ومَدَّهُ ... شَآبِيبُ غَيْثٍ يَحْفِشُ الأُكْمَ صائفُ
1 / 9
ومُطَّرِدٍ يُرْضِيكَ قبلَ ذَوَاقِهِ ... ويَمْضِي ولا ينْآدُ فيما يُصادِفُ
ولعَمرو بن مَعد يكربَ:
أَعْدَدْتُ للحَدَثانِ سابِغةً وَعَدّاءً عَلنْدَى
نَهْدًا وذَا شُطَبِ يَقُدُّ البَيْضَ والأَبْدانَ قَدّ؟ ًا
وعَلِمْتُ أَنّي يوم ذاك مُنَازِلٌ كَعْبًا وسَعْدَا
قَوْمًا إِذا لَبِسوا الحَدِيدَ تنمَّروا حَلَقًا وقِدَّا
كلُّ امْرِئٍ يَجْرِي إلى يَوْمِ الهِيَاجِ بما اسْتَعَدَّا
ولبعض العرب:
سِرْنا إِليهِمْ بكُلِّ سَلْهبةٍ ... وكَلِّ صافِي الأَدِيمِ كالذَّهَبِ
وكُلِّ عَرَّاصةٍ مُثقَّفَةٍ ... فيها سِنَانٌ كشُعْلةِ اللَّهَبِ
وكلِّ عَضبٍ في مَتْنِهِ أُثُرٌ ... ومشْرفيّ كالمِلْحِ ذِي شُطَبِ
وكلِّ فَضْفاضةٍ مُضَاعَفةٍ ... من نَسْجِ داوودَ غيْرِ مُؤْتشَبِ
ولحسان بن ثابت:
وقد أَروحُ أَمامَ الحَيِّ مُنْطَلقًا ... بصارمٍ مثْلِ لَوْنِ المِلْحِ قَطّاعِ
يَدْفَعُ عني ذُبابَ السَّيْفِ سابِغةٌ ... مَوّارةٌ مثْلَ جَرْيِ النِّهْيِ بالقَاعِ
في فِتْيةٍ كسُيُوفِ الْهِنْدِ أَوْجُهُهُمْ ... لا يَنْكُلُون إِذا ما ثَوَّبَ الدَّاعِي
وأَنشدَ حسّان هذه الأَبْياتَ رسُولَ الله صلَّى الله عليه وعلى آله، فتبسَّم، فظنّ أَنّ تَبسُّمَه مِن وَصْفه معَ ما هُو عليه من جُبْنِه فذَكر الزُّبيرُ أَنّ قَوْمه يدْفعُون أَنْ يكون جَبانًا، قالُوا: ولكِن أَقعده عن الحرْبِ أَنّ قَوْمه يدْفَعُون أَنْ يكون جَبانًا، قالوا: ولكِن أَقعده عن الحرْبِ أَنّ أَكْحلَه قُطِع، فذَهب منه العَملُ في الحرب، وأَنشدوا قَوْل حسّان:
وقدْ كنتُ أَشْهدُ وَقْعَ الحُرو ... ب يَحْمَرُّ في كَفِّيَ المُنْصُلُ
وَرِثْنَا من المجْدِ أُكْرومةً ... يُوَرِّثُهَا الآخِر الأَوَّلُ
أَضَرَّ بجسْمِيَ مَرُّ الدُّهورِ ... وخَانَ قِرَاعَ يَدِي الأَكْحَلُ
وقال محمد بن يزيد: وقيل: الدّلِيلُ على أن حسّانًا لم يكن جبانًا من الأصل أَنّه كان يُهَاجِي خَلْقًا، فلم يُعَيِّرْه أَحدٌ منهم بالجُبْن.
ولعبد الله بن المُعْتزّ: د
وسُيوفٌ كأَنَّها حينَ هُزَّتْ ... وَرَقٌ هَزَّهُ سُقُوطُ القِطَارِ
ودُروعٌ كأَنَّها شَمطٌ جَعْ ... دٌ دَهِينٌ تَضِل فيه المَدَارِي
وسِهامٌ ترْدِي الرَّدَى من بعِيدٍ ... وَاقِعاتٌ مواقِعَ الأَبْصارِ
وله أيضًا:
بحيْثُ لا غَوْثَ إِلاّ صارِمٌ ذَكَرٌ ... وجُنَّةٌ كحَبَابِ الماءِ تَغْشانِي
وصَعْدَةٌ كرِشَاءِ البِئْر ناهِضةٌ ... بأَزْرقٍ كاتِّقادِ النَّجْمِ يقْظَانِ
وله أَيضًا:
وقدْ أْلاقِي بَأْسَ العُداةِ بصَمْ ... صامٍ رَسُوبٍ كالنَّار تَتَّقِدُ
وعاسِلٍ كالشُّعَاع ماضِ إِلى ال ... نَّفْسِ ودِرْعٍ كأَنّه الزَّبَدُ
ونَبْعةٍ لا يفُوتُ هارِبُها ... وقَارِحٍ بَعْدَ شدِّهِ يَعِدُ
ولأَبي دُلَفَ:
وفَضْفَاضَةٍ يُعْشى العُيُونَ قَتِيرُها ... تَرُدُّ شَبا سُمْرٍ القَنَا والقَوَاطِعا
وسمْراءَ تَغْتالُ الثِّقَافَ جَلاَلةً ... وتُهْدِي لأَبْناءِ الحُروبِ القوَارِعَا
قدِ اعْتَدَلَتْ أَطْرَافُهَا فكَسوْتُهَا ... سِنًا كمِقْبَاسِ الشَّرَارةِ لاَمِعَا
والمقدَّمُ المُسْتجادُ المشهورُ قولُ عمرو بن كُلْثُوم:
عليْنَا البَيْضُ واليَلَبُ اليَمانِي ... وأَسْيَافٌ يَقُمْنَ ويَنْحَنينَا
عليْنَا كُلُّ سَابِغةٍ دِلاَصِ ... تَرىَ فَوْقَ النِّجَادِ لها غُضُونا
إِذَا وُضِعَتْ عن الأَبْطَالِ يَوْمًا ... رأَيْت لها جُلُودَ القوْمِ جُونَا
كأَنَّ مُتُونَهنّ مُتُونُ غُدْرٍ ... تُصَفِّقُها الرِّياحُ إِذا جَرينا
وللحَلَبِيّ:
1 / 10
فمتَى أَراكَ وفَوْقَ سَرْجِكَ أَجْدَلٌ ... يَسْعَى به نَحْوَ الكَرِيهةِ أَجْدَلُ
وعليْك من نَسْجِ الحَديدِ مُفَاضَةٌ ... كالنِّهْيِ يَنْفَحُهُ الصَّبَا والشَّمْأَلُ
مُتَوَشِّحًا لَدْنَ المَهَزِّ كأَنّما ... في جفْنِهِ منه شِهَابٌ يُشْعَلُ
ويَداكَ تعْتَوِرَانِ مَتْنَ مُثَقَّفٍ ... لَهْفانَ مِن عَلَقٍ يُعَلُّ ويُنْهَلُ
وللمتنبي في صِفةِ التَّجَافِيف بعد ذِكْرِه الجَيْشَ، وقد ذكرناه في مَوْضِعه:
حوَاليْهِ بحْرٌ للتَّجافِيفِ مَائِحٌ ... يَسِيرُ به طَوْدٌ من الخَيْل أَيْهَمُ
على كُلّ طاوٍ تحْتَ طاوٍ كأَنَّه ... من الدَّمِ يُسْقى أَوْ من اللَّحْم يُطْعَمُ
لها في الوَغَى زِيُّ الفَوَارِس فَوْقَها ... فكُلُّ حِصَانٍ دارِعٌ مُتَلَثِّمُ
بابٌ
في اختيار قطعةٍ من أَيّام العَرَب
وما في وَقائِعهَا من العَجَب
أَيّامُ العرب كثيرة، ولها وقَائعُ مشهورةٌ طويلةٌ، تَركناها لِطُولها وشهرتها، واقتنَعْنا بذكر ثلاثين يومًا من أَيّامها.
فأَمّا المشهورةُ الطَّوِيلةُ منها فَوقائعُ بَكْرٍ وتَغْلب ابْنَى وائلٍ في حرْب البَسُوس، وتُسمِّيها العربُ البَتْراءَ، لأَنّها أَقلعَتْ عن غير تَكافُؤٍ في الدِّماءِ، ولا عَقْلٍ، ودامتْ أَربعين سنةً، في قول جميع الرُّواة.
ووَقائعُ عَبْسٍ وذُبْيَان في حَرْب دَاحِسٍ والغَبْراءِ، وتُسمِّيها العربُ الكرِيمة، لأَنّها أَقْلعتْ عنْ عَقْلٍ وتَكافُؤٍ في الدِّماءِ، ودامَت الحربُ بينَهم أَربعين سنةً، في قول المُكثِرين من الرُّواة، وبِضْعةً وعشرِين سنة، في ... ول المقلِّلين منهُم.
ووَقائعُ الأَوس والخزْرَج، ودامتْ سِتّين سنةً، ولم تكن كحروب هؤلاءِ في الشِّدّة ولَفِّ الخَيْلِ بالخيْل، وإِنما كانت تَخرُجُ الجَماعةُ إِلى الجماعةِ، فيَتَرَامُون بالحِجارة، ويتضَاربُون بالعِصِيّ، لِقُرب دارِ بعضِهم من بعضِ، وربما تَزاحفُوا بالسِّلاح.
ولحروب هؤلاءِ أحاديثُ يَدْخلُ كلُّ وَاحدٍ منها في أَكْثَرَ من جُزْءٍ من أَجزَائنا، فتركناها لهذِه العِلّة.
يَومُ جَدُودَ
وهو يَوْمٌ لبني سعدٍ على بني شَيبانَ، وفيه مَقتلُ شِهَاب بن قَلَع بن جَحْدرٍ، جدّ المَسَامِعَة، قتَلَه مالكُ بن مَسْروق بن غَيلانَ الرُّبَيْعِيّ
1 / 11
خرجَ الحارِثُ بن شَرِيكٍ، وهو الحَوْفَزَانُ، في بني شَيْبان وأَفنَاءِ بكْرِ بن وَائِلٍ مُتَسانِدِين، على كلّ حَيٍّ منهم رئيسٌ؛ على بني قَيس بن ثعْلَبة حُمْرَان بن عَبْدِ عمْرِو بن بِشْرِ بن عمْرِو بن مَرْثَدٍ. وعلى بني تشيبان الحارِثُ شرِيك، وعلى بني عِجْلٍ أَبْجرُ بن جابِرٍ فساورا يُرِيدُون الغارَة على بني يرْبُوعٍ، فنذِرتْ بهم بنو يَرْبُوع، فحالُوا بينهم وبين الماءِ، وكان بيْن الحوْفزَانِ وبين عُتَيبة بنِ الحارِث بن شِهَاب اليرْبُوعِيّ مُوَادَعةٌ، فقال الحَوْفزَانُ: يا بني يَرْبُوعِ، واللهِ ما لَكم سَمَوْتُ فهل لكم في خَيْرٍ؟ نُصالِحُكُم على ما مَعَنا من الثِّيَاب والتَّمْر، وتُخلُّون سبِيلَنَا، ونَعْقِدُ على أَن لا نُروعَ حَنظَلِيًا فصالَحوهم، وأَخذُوا منهم الثيابَ والتَّمْرَ وسارتْ بكرُ بن وائلٍ فأَغَارُوا على بني رُبَيعِ بن الحارث بن عَمْرٍو بن كَعْب بن سَعْدٍ، وهم خُلُوفُ فأَصابوا نَعَمًا وسَبْيًا، فأَتَى الصَّريخُ بني مِنْقَرٍ، فركبوا في طلَب القَوْم، فلحقوهم وهم قائلون، قد أَمِنوا من الطَّلَب، فكان أَوّلَ من لحَقَ بهم الأَهتمُ بن سُمىٍّ، فرفَع الحَوْفَزانُ رأسه، فإذا الأَهتَمُ قريبٌ منه، قال الحوفزانُ: من الرجلُ؟ فقال الأهتمُ: لا بلْ من أنت قال: أَنا الحارث بن شَرِيكٍ، وهذه بنو رُبَيْعٍ قد حَوَيْتُهَا، قال الأَهتمُ: وأَنا الأَهتمُ بن سُمَيٍّ وهذا الجيْشُ. ونادَى الأَهتمُ: يالَ سعد، ونادَى الحَوفزانُ يالَ وائلٍ، ولحقتْ خَيلُ بني سعدٍ، فقاتَلوا القومَ قتالًا شديدًا، وقتل من الفريقين، ثم إن بكر بن وائل انهزمتْ، واستنقذَتْ بنو سَعْدٍ أَمْوَالَهم، ولحقَ مالكُ بن مسروقٍ الرُّبيْعِيّ شِهَابَ بن قَلَع بن جَحْدَرٍ وابنَ عمٍّ له معه، فقال مالكٌ لشهاب: من أنت؟ فقال:
أَنا شِهابُ بن جَحْدَرْ ... أَطعنُهم عِنْد الكرّ
تحت العجاج الأَكْدرْ
ومعه العِدْلُ رجلٌّ من قومه فقال مالكُ مجِيبًا له:
وأَنا مالك بن غَيلانْ ... معِيْ سِنانٌ حرّانْ
وإِنما جِئتُ الآنْ ... أقسَمْتُ لا تَؤُوبانْ
حتّى يَؤوبَ العِدْلانْ
فحمَلَ على شهابٍ، فقَتله ثَم حملَ على ابن عم له آخر فقتله وأَسرَ الأَهْتَمُ بن سُمَيٍّ حُمْرانَ بن عَمرو، وأَسَر المنذر بن مُشَمِّتٍ المِنْقَرِيُّ أَحدُ بني جَرْوَلٍ عَوْفَ بن النُّعمان الشَّيبانيَّ. وأَسرَ فَدَكيٌّ بنُ أَعْبَد، أَبْجَرَ بنَ جابِرٍ. وأَدْرَكَ قيسُ بن عاصِمٍ الحارثَ بنَ شَرِيكٍ، والحَارثُ على فرسٍ لَه يُدعى الزَّبِدَ وقَيْسٌ على فَرسٍ صغير السِّن فكان فَرسُ الحوفَزَانِ إذا استَوَت بهما الأَرضُ لَحِقَه قَيْسٌ فيقول: اسْتَأْسِرْ حارِ خَيرَ أَسِيرٍ، فيقول الحارِث: ما شاءَ الزّبِدُ، وإِذا عَلَوْا ظَهْرًا من الأَرض فاتَهُ الحارِثُ، لسِنّ فرسهِ وقُوَّتِه، فلمّا تَخوَّفَ قَيْسٌ أَن يَفوتَه، زَرَقه برمحه زَرْقَةً هَجَمتْ على جَوْفِه وأَفلَت بها فسُمِّي الحارثُ الحَوفزانَ، فقال في ذلك سَوّارُ بن حَيّانُ المنقَرِيّ:
ونَحْنُ حَفَزْنَا الحَرْفَزَانَ بطَعْنةٍ ... سَقَتْه نَجِيعًا من دَمِ الجَوْفِ أَشْكَلًا
وحُمْرَانُ أَدَّتْه إِلَيْنَا رِمَاحُنَا ... يُعَالِجُ غُلًاّ في ذِرَاعَيْه مُقْفَلاَ
وقالَ صَعْصَعَةُ بن مالِكٍ في ذلك:
وإِنْ تَسْأَلِ الحَيَّ مِنْ مالكٍ ... تُخَبِّرْكَ ذُهْلٌ وشَيْبَانُهَا
بوَادِي جَدُودَ وقد بُوكِرتْ ... بضَيْق السَّنَابكِ أَعْطَانُهَا
بأَرْعَنَ كالطَّوْدِ من وَائلٍ ... يَرُومُ الثُّغورُ ويَعْتانُها
تكادُ له الأَرْضُ من رِزِّهِ ... إِذَا سَارَ تَرْجُفُ أَركانُهَا
قَدَامِيسُ يَقْدُمُها الحوَفَزانُ ... وأَبْجَرُ تَخْفِقُ عِقْبَانُهَا
أَقَمْنَا لهمْ سُوقَ مَلْمُومَةٍ ... يُدِيرُ رَحَا الحَرْبِ فتْيانُهَا
بمَشْهُورَةٍ جُرِّبَتْ قَبْلَهُمْ ... تَوَقَّدُ في الحَرْب شُهْبَانُهَا
فأَلْفَوْا لنَا كلَّ مَجْدُولةٍ ... تُصَانُ لِدَاوُودَ أَبْدَانُهَا
1 / 12
وكلَّ شَدِيدِ مَجَالِ الذَّنُوبِ ... شَدِيدِ قَرَى المَتْنِ عُرْيَانُها
وقال الأَهْتَمُ بن سُمَيٍّ في ذلك:
تَمَطَّتْ بحُمْرَانُ المَنِيّةُ بَعْدَمَا ... حَشَاهُ سِنَانٌ مِن شُرَاعَةَ أَزْرَقُ
دَعَا يالَ قَيس وادَّعَيْتُ لمِنقَرٍ ... وكُنْتُ إِذَا لاقَيْتُ في الحَرْبِ أَصْدُقُ
ثمّ إِنّ الأَهْتَمَ جَزَّ ناصيةَ حُمْرَانَ، ومَنَّ عليه.
ففي ذلك يقُولُ الفَرَزدقُ:
أَينْسَى بَنُو سَعْدٍ جَدُودَ التّي بها ... خَذَلْتم بني سَعْدٍ على شَرِّ مَخْذَلِ
عَشِيَّةَ وَلَّيْتمْ كأَنَّ سُيوفَكمْ ... ذَآنِينُ في أَعْنَاقِكُم لم تُسَلَّلِ
وشَيْبَانُ حَوْلَ الْحَوْفَزانِ مُوائِلٌ ... مُنِيفٌ بزَحْفٍ ذي زَوَائدَ جَحْفَلِ
دَعَوْا يالَ سَعْدٍ وادَّعَوا يالَ وَائِلٍ ... وقدْ سُلَّ مِن أَغمادِها كلُّ مُنْصُلِ
قَبِيلَيْنِ عنْدَ المُحصَنَاتِ تَصاوَلُوا ... تَصاوُلَ أَعْنَاقِ المَصَاعِبِ مِنْ عَل
وفي ذلِك يقولُ قَيْسُ بن عاصِمٍ الْمِنْقَرِيُّ:
جَزَى اللهُ يَرْبُوعًا بأَسْوَإِ سَعْيِهَا ... إِذَا ذُكِرَتْ في النّائباتِ أُمُورُهَا
ويَوْمَ جَدُودٍ قدْ فَضَحْتُمْ أَباكُمُ ... وسَالَمْتُمُ والخَيْلُ تَدْمَى نُحُورُهَا
فأَصْبَحْتُمُ واللهُ يَعْلَم ذاكُمُ ... كمَهْنُوءةٍ جَرْبَاءَ أُبْرِزَ كُورُهَا
ستَخْزِمُ سَعْدٌ والرِّبَابُ أُنوفَكم ... كما غَاطَ في أَنْفِ الظَّؤُورِ جَرِيرُهَا
أَفَخْرًا علَى المَولَى إِذَا ما بَطِنْتُمُولُؤْمًا إِذَا ما الحَرْبُ شُبَّ سَعِيرُهَا
أَتانِي وَعِيدُ الحَوْفَزَانِ ودُونَه ... مِن الأَرْضِ صَحْراوَاتُ فَلْجِ وقُورُهَا
أَقِمْ بسَبِيلِ الحيِّ إِن كُنْتَ صادِقًا ... إِذَا حَشَدَتْ سَعْدٌ وثَابَ نَفِيرُهَا
عَصَمْنَا تَمِيمًا في الحُرُوبِ فأَصْبَحَتْ ... يَلوذُ بِنا ذُو مالِهَا وفَقِيرُهَا
وقال مالكُ بن نُوَيْرَةَ اليَرْبوعيُّ يَرُدُّ على قَيْس بن عاصمٍ:
سأَسْأًلُ من لاقَى فَوارِسَ مِنْقَرٍ ... رِقَابَ إِمَاءٍ كَيْفَ كانَ نَكِيرُهَا
وكُنْتُمْ بَغَاثًا إِذْ لَقِيتُمْ نِدَادَكمْمِنَ القَوْم ضَأْنًا لا بنِ كُوز عُشُورُهَا
فَهذا أَوَانُ القَدْعِ بَيْنِي وبَيْنَكمْ ... كَوَادِنَ جُنْدٍ نَفَّلتْها أَيورُهَا
مَجُوسِيّةٌ كَعْبُ بن سَعْدٍ ويَنْتهِي ... إِلى بَيْتِ قَيْسٍ غَدْرُهَا وفُجُورُها
؟ يَومُ أَبَايِضَ
وهو يومٌ لبَكْرِ بن وائلٍ على بني تَمِيم، قَتلَتْ فيه طَرِيفًا بشَرَاحِيلَ، حين قَتَلَه ابنُه حُمَيْصِيصَة بن شَرَاحيل.
وقُتِل أَبو الجَدْعاءِ الطُّهَويُّ، قَتَلَه سَعْدُ بن عُبَادِ بن مَسْعُودٍ.
كانتِ العَرَبُ في الشَّهْر الحَرَام تأْتِي عُكَاظَ، وقد أَمِنَ بعضُهُم بَعْضًَا، وهم مُتَقَنِّعون، كيلا يُعرفوا، وكان طَريفُ بن عمرِو بن تميم العنبرِيُّ لا يَتَقَنَّعُ، فوَافَى عُكاظَ سنةً، وقد حَشَدَتْ بكرُ بن وائلٍ، وكان طَرِيفٌ قد قَتلَ قَبْلَ ذلك شَرَاحِيلَ الشَّيبانيَّ، من بني أَبي رَبِيعةَ بنِ ذُهْلِ بن شَيْبانَ، فقال حُمَيْصِيصَة بن شَرَاحِيل: أَرُوني طَرِيفًا، فأَرَوْهُ إِيّاه، فجعل كُلَّما مَرَّ به طَرِيفٌ تَأَمَّلَه ونَظَر إِليه، حتَّى فَطَنَ له طَرِيفٌ، فقال: مالَك تَنْظُرُ إِليَّ؟ قال: أَتوَسًّمُك لأَعْرِفَكَ، فإِن لَقِيتُك في حَرب فلِلّهِ عليَّ أَنْ أَتتُلك أَو تَقْتلَني، فقال في ذلِك:
أَوَ كُلَّما وَرَدَتْ عُكَاظَ قَبِيلةٌ ... بَعَثُوا إِليَّ عَرٍفَهُم يَتَوَسَّمُ
فتَوَسَّموني إِنّنِي أَنا ذَاكُمُ ... شَاكٍ سِلاَحِي في الحَوادِث مُعْلَمُ
تَحْتِي الأَغرُّ وفَوْق جِلْدي نَثْرَةٌ ... زَغْفٌ تَرُدّ السَّيْفَ وَهْوَ مُثَلَّمُ
ولكُلّ بَكْرِيٍّ لَدَيَّ عَدَاوَةٌ ... وأَبو رَبِيعَةَ شانِئٌ ومُحَلِّمُ
1 / 13
حَوْلي أُسَيِّدُ والهُجَيْمُ ومَازِنٌ ... وإِذَا حَللْتُ فحَوْلَ بَيْتِي خَضَّمُ
وجَرى بينَ بَني أَبي رَبيعةَ بن ذُهْلٍ وبين بني مُرَّة بن ذُهْلٍ خُلْفٌ، بِسببِ حُلَفاءَ لهم يقال لهُم بنو عائِذةَ بنِ لُؤَيٍّ، فإنْمَا زَت بنو أَبي ربيعة مع سيدها هانئ بن مسعودٍ، وسارُوا عنهُم حتى نَزَلُوا على ماءٍ لهُمْ يقال له مُبَايض، فهرَبَ عَبدٌ لهُم، فأَتَى بِلادَ تَمِيم، فأَخْبَرَهم فقال: إِنّ حَيًّا حَرِيدًا من بَكْر بن وَائِلٍ، وهم بنو أَبي رَبِيعَةَ، قد نَزَلوا على مُبايِض. فلمّا تحقَّقوا ذلك قال طَرِيفٌ: هؤلاءِ ثَأْرِي، ومَن كنتُ أَبْغِي، يالَ تَمِيمٍ إنما هم أَكلَةُ رأْسٍ. وأَقبلَ في بني عمرِو بن تَمِيمٍ واستَغْوَى قبائلَ من تميمٍ، فأَتَاه أَبو الجَدْعاءِ الطُهَوِيّ في بني طُهَيَّة وفيمن تبعَه من بَنِي حَنْظَلَة، وفَدَكِيُّ بن أَعْبَدَ فيمن تَبِعَه من بَني سَعْد بن زَيْدِ مَناةَ، فأَقْبَلُوا مُتَسانِدين، حتّى إذا كانوا قريبًا منهم باتُوا ليُصَبِّحوهُم بالغَارَة، فبَصُرت بهم أَمَةٌ كانَت تَرْعَى لرجلٍ من بني عائذةَ يقال له سُميرُ بن أَحْمَرَ، فقالت لمَولاهَا: لقد رأَيتُ بالدَّوِّ نَعَمًا كثيرًا، فقال: يا بنِي أَبي رَبيعة، من أَي الوَجْهِ سَرَحَ نَعَمُ عُبَادِ بن مسعُود؟ فَقَالُوا من هذا الوَجْه خِلافَ الوَجْهِ الذي جاءَتْ منه الجَارِيةُ فقال: يا هؤلاء، قد واللهِ جَاءَتْكم تميمٌ، فارْتَئُوا رأْيَكُم، وانْظُروا في أَمركم. فاجْتَمَعُوا إِلى سَيّدهم هانئٍ فقال لهم: أَطِيعُوني اليومَ وإِلاّ انْتَحَيْتُ على ظُبّةِ سَيفي. فقالوا له: قُلْ نُطِعْكَ. قال: احْتَمِلُوا. فاحتَمَلوا. ثمّ قال: لا يَتَخَلَّفَنّ عنّي أَحدٌ يُطيقُ حَمْلَ السِّلاح، فأَتَوهُ، فانْتَهَى بهم إِلى عَلَم مُبَايِض، فأَقَام عليه بهِم، وأَمرَهُم فشرَّقُوا بالأَمْوَال والسَّرْح، وصَبّحتْهُم بنو تَمِيم وقد حَذِروا فقال طَرِيفٌ لبني تميم: أَطِيعُوني وافرُغُوا من هؤلاءِ الأَكْلُبِ يَصفُ لكم ما وراءَكم. فقال أبو الجدعاءِ وفَدَكِيُّ بن أَعْبَدَ: نُقَاتِلُ أَكْلُبًا أَحْرَزوا أَنْفسَهم ونَدَعُ أَموالَهُم؟ ما هذا برَأْيٍ. وخالَفُوه، وقال هانِئٌ لأَصحابه: لا يُقاتِلَنّ رَجُلٌ منكم.
ومَضَتْ بنو تميمٍ حتى لَحقَتْ بالنَّعَم والعِيَال، فقل رجلٌ من بني تميم لغلامَيْن لَحِقَهما من بَكْر بن وائل على جَمَلٍ: مَن أَنتُما؟ فقالا: ابنَا هانئ بن مسعودٍ، قَبِيصَةٌ وعامِرٌ، فقال: ناوِلاني أَيْدِيَكما، فأَمّا قَبِيصةُ فأَبَى. وناوَلَه عامِرٌ يَدَه، فضَبَطَها وغَمزَ فرسَه فاقتلَعَهُ عن الجمَل وقال: يَكْفِينِي هذا من الغنيمَة، ومضَى به قَبْلَ القِتَال، وصارَتْ بنو تميمٍ في النَّعَمِ والعِيَالِ، وهانئٌ يكفُّ أَصحَابَه عن القِتال، فكان أَوّلَ من مَرَّ به حَمُولَةُ عُبَادِ بن مسعودٍ ونَعَمُه، وفيها بَناتُه وحُرَمُه، فقال عُبادٌ لهانئٍ: واللهِ لتأْذَنَنَّ لي في القتال أَو لأَفْجُرَنَّ. قال: قد أَذنْتُ لك ولبَنِيكَ، ولستُ آذَنُ لغيرِكم. فنزَلَ عُبَادٌ من العَلَم في ثمانيةٍ من وَلَدهِ، فاعترَضوا القومَ، وقال عُبَادٌ لبَنِيه: لا تَنظُروا حيث يقَعُ السِلاحُ منكم، ولكن انْظُرُوا حَيُث تَضَعون سِلاحَكم من الرَّجُلِ، فأَوَّلُ من لَقُوا أَبو الجَدعاءِ الطُهَويّ وهو يَسُوقُ حَمُولَة عُبَادٍ وأَهْلَهُ، قال سعْد بن عُبَادٍ: فاعترضتُ أَبا الجَدْعَاءِ، وأَقْبَلَ نَحْوِي بسِنَانٍ كأَنَّه شُعْلَةُ نارٍ، فمارَ السِّنانُ بين عَضُدي ودَفّى، فذَكرْتُ وَصِيّةَ أَبي ورأَيتُ فَتْقَ الدِّرْع من تحْتِ لَبَّتهِ، فأَطْعُنُهُ في المَوْضِع طَعْنةً خَرَجَتْ من بين كَتفيه وخَرَّ ميتًا، وهربَ فَدَكيُّ بن أَعْبَدَ. وأَذِنَ هانئٌ للناس في القتال، فانْحَدَروا واعترضوا بني تميمٍ وقد تَشاغَلوا بالغَنائم، وأقبَلَ حُمَيْصِيصةُ بن شَرَاحِيلَ بنِ جَنْدَلِ بن قَتادَةَ بن مَرْثَد بن عامرٍ بن أَبي رَبِيعَة، وليس له هَمٌّ غير طَرِيف، فلما رَآهُ طَريفٌ قال: اذْكُرْ يمِينَك. واختلَفَا طَعْنَتَيْن، فطَعنَه حُمَيْصِيصة فقتَلَه، وانهزَمَتْ بنو تَميمٍ وقُتِلَ مِنْهم خَلْقٌ كَثِيرٌ، فقال أَبو مارِدٍ أَخو بني أَبي ربيعة:
1 / 14
خاضَ العُدَاةَ إِلى طَرِيفٍ في الوغَى ... حُمَصِيصَةُ المِغْوَارُ في الهَيْجَاءِ
وقال حُمَيْصِيصةُ يرُدُّ على طَرِيفٍ قوله:
أَو كلَّمَا وردَتْ عكاظَ قبيلَةٌ
ولقد دَعَوتَ طَرِيفُ دَعْوَةَ جَاهِلٍ ... سَفَهًا وأَنتَ بمنْظَرٍ قَد تَعْلَمُ
وأَتَيْتَ حَيًّا في الحُروبِ مَحَلُّهم ... والجَيْشُ باسمِ أَبيهِم يُسْتَهْزَمُ
فوَجَدْتَ قَوْمًا يَمْنَعُون ذِمَارَهمْ ... بُسْلًا إِذَا هَابَ الفَوَارِسُ أَقْدَمُوا
وإِذَا دعَوْا بأَبِي رَبِيعَةَ أَقْبَلوا ... بِكَتَائِبٍ دُونَ النّسَاءِ تَلَمْلَمُ
سَلَبُوكَ دِرْعَك والأَغَرَّ كِلَيهِمَا ... وبَنُو أُسَيِّدَ أَسْلَمُوك وخَضّمُ
وقالت ابنَةُ أَبي الجَدْعَاءِ تَرْثي أَباها، وتَذُمّ قومه ومن كان معه:
ليَبْكِ أَبا الجَدْعاءِ ضَيْفٌ مُعَيَّلُ ... وأَرْمَلَةٌ تَغْشَى النَّدِيَّ فتَرْمُلُ
ولوْ شَاءَ نَجَّاهُ من الخَيْل سابِحٌ ... جَمُومٌ على السَّاقَينٍ والسَّوْطُ مُفْضَلُ
ولكنْ فَتىً يَحْمِي ذِمارَ أَبِيكُمُ ... فأَدْرَكَه مِن رَهْبَةِ العَارِ مَحْفِلُ
دَعَا دَعْوَةً إِذْ جَاءَه ثَمّ مالِكًا ... ولم يَكُ عبدُ اللهِ ثَمَّ ونَهْشَلُ
وغَابَتْ بنُو مَيْثَاءَ عنْه ولم يَكنْ ... نُعَيْمُ بنُ شَيْطَانٍ هُنَاك وجَرْوَلُ
ولكِنْ دَعَا أَشْبَاهَ نَبْتٍ كأَنَّهُمْ ... قُرُودٌ على خَيْلٍ تَخُبُّ وتَرْكُلُ
لقدْ فَجَعتْ شَيْبَانُ قَومِي بفَارِسٍ ... مُحَامٍ على عَوْرَاتِهِمْ لَيْسَ يَنْكُلُ
وَجَدْتُم بني شَيْبَانَ مُرًّا لِقَاؤُهُمْ ... وكانَتْ بَنُو شَيْبَانَ ذلِكَ تَفْعَلُ
وأَرْسَل هانئٌ بمائَةٍ من الإِبل، فافْتَكَّ بها ابنَهُ عامرًا.
يَومُ خُوَيٍّ
وهو لقَيْسِ بن ثَعْلَبَةَ على بني يَرْبوعٍ وأَسَدٍ وفيه قُتِلَ يَزيدُ بن سَلمَةَ بن الحُمَّرةِ بن جَعْفَرِ بن يَرْبوع بن ثَعْلَبَة بن يَرْبُوع بن حَنْظَلَةَ، قتلَهُ عَمْرُو بن حَسَّانَ وبِشْرُ بن عبدِ عَمرِو بن بِشْرِ بن مَرْثَدٍ.
1 / 15
سارَ عبدُ عَمْرِو بن بِشْر بن مَرْثَدٍ، حتى إذا كان بخُوَيٍّ عَرضَ له المُنْبَطِحُ الأَسَديُّ، في بني أَسَدٍ، وزَيْدُ الفَوَارِسِ بن حُصَيْن بن ضِرارٍ، في بني ضَبَّةَ، ويَزيدُ بن القُحارِيَةِ اليَرْبُوعيُّ، في بني يَرْبُوعٍ. وكانَت اجتمعَتْ هذهِ القبائلُ يوم النِّسارِ، واصطَلَحَتْ، فقالَت بنو قَيٍس. نحن مُجْتَازُون، ولَسْنَا نُرِيدُ الغَارَةَ، فخَلُّوا لنَا سَبِيلَنَا، وكان ضُبَيْعَةُ بن شُرَحْبِيلَ بنِ عَمْرِو بن مَرْثَدٍ أَسَرَ قبْلَ ذلِك اليومِ بِيَسيرٍ هَرْثَمَةَ بن الحُصَيْنِ، أَخا زَيْد الفَوَارسِ، فمن عليه واطلقه بلا فداء فلما عرف زيد الفوارس، بني قَيْسٍ اعتزَلَ بقَوْمه تَشَكُّرًا لما كان منهم إلى أَخِيه، وشَدَّ يَزِيدُ بن سَلَمَةَ اليَرْبُوعِيُّ في بني يرْبُوع وبني أَسَد، على بني قَيْس بن ثَعْلَبَة، وكانت يَرْبُوعٌ وأَسدٌ تُضْعِفُ على بني قَيْسٍ في العَدَدِ، فاقتَتلوا قِتالًا شَدِيدًا، ونادَى عبْدُ عَمْرِو بن بِشْرٍ ابنه بِشْرًا وابنَ أخيه عَمْرَو بن حَسّانَ بن بِشْرٍ، وكانا يعرفان بالجَعْدَين، فقال لهما: والذي يُحْلَفُ به، لئن فاتَكما اليَوْمَ يَزِيدُ بن سَلَمَةَ، لم تأْسِرَاهُ، ولم تَقْتُلاهُ، إِنْ أَنا رُزِقتُ عليه الظَّفَرَ، لا تَرجِعَان معي جَمِيعًا أَبدًا حتى أَقتُلَ أحدَكما. فاقتتَلوا - وزَيدُ الفَوارسِ واقفٌ ببني ضَبَّةَ سَحَابَةَ يَومهم - أَشدَّ قِتَالٍ يكونُ، فلما وَلَّى النَّهارُ وطالَ الشرُّ بينهم انهزمَتْ بنو أَسد، واتبعَتْهم يَربوعٌ، وولَّى يزيدُ بن سَلمةَ، فاتَّبعَهُ بِشْرُ وعَمْرٌو، ويَزِيدُ تَمَطَّرُ بهِ فَرَسُهُ، فخامَ عَمْروٌ أَن يَفُوتَه، فزَرَقَه بالرُّمح بين وَرِكَيْه زَرْقةً خالطَتْ بَطْنَهُ، فوقَع عن فَرَسَه، فأَسَرَهُ عَمْرٌو، وأَتى به عَبْدَ عَمروٍ، فقالَ زيد الفوارِسِ: يا عبد عَمْروٍ، إنه قد حَجَزَني عن نَصْرِ إخوَتي منذُ اليومِ يَدُكم عندي في أَسْرِ أَخي، وفي يَدِك سيّدُ قَوْمِه، يَعْنِي يَزِيدَ، فلَكَ به مائة من الإِبل ودَعْهُ، فقال يزيدُ: يا زيدُ لا تَفْدِني، فإِنّي ميّتٌ، وبالَ دمًا. فعرفوا أَنَّه مَيِّتٌ وباتَتْ ضَبّةُ ناحِيةً وبنو قَيس بن ثعلبة ناحِيَةً، وكان قد أَصابَتْ وائلَ بنَ شُرَحْبيل بن عَمْرِو بن مَرْثَدٍ ثِنْتَا عشرةَ جِرَاحةً، فسَأَل ضُبَيْعَةُ بن شُرَحْبِيل زَيْدَ الفَوَارِسِ أَن يَتْرُكَه عندَه إِلى أَن يُعافَى من جِرَاحاته، ففَعلَ، وانطلقَتْ بنو قَيْس بن ثَعْلَبَةَ في اللَّيْل، وماتَ يَزيدُ بن سَلمةَ ببطن خُوَيٍّ، فدفَنوه ومَضَوا. وقال ضُبيعَة بن شُرَحْبِيل:
وغَادَرْنَا يَزِيدَ لَدَى خُوَيٍّ ... فلَيْسَ بآيِبٍ أُخْرَى اللَّيَالِي
وقال أَيضًا:
لَقُونَا بالمُنِيفَةِ منْ خُوَيٍّ ... وليسَ لنَا ولا لهُمُ عَرِيبُ
ولاَ قَوْنَا بمِثْلَيْنَا رِجَالًا ... وخَيْلًا كُلَّمَا ثَابَتْ تَثُوبُ
فقَاتَلْنَاهُمُ يَوْمًا كَرِيثًا ... إِلى أَن حَانَ مِنْ شَمْسٍ غُرُوبُ
ولما بلغَ بني يَربوعٍ مَوتُ يَزِيدَ بن سَلمَةَ أَتَوا زيدَ الفَوارِس فقالوا: أَعْطِنا وائلًا نَقْتُلْه بيزيدَ، فخافَه وائلٌ لأَنَّه لم يرَ منه جِدًّا في مَنْعِه، فهَرَبَ من عنْدِه، وأَتَى قِرْوَاشَ بن حَوْطٍ، أَحد بني صِرْمةَ، فاستجارَهُ فأَجَارَهُ ومَنعَهُ، فأَتَاهُ زَيْدُ الفَوَارسِ، فقال: مالَك ولِجَارِي؟ قال: ليس بجارٍ. فتَنازَعا فيه حتى عَظُم الشَّرُّ بينهما، فحكَّما رجلًا من بني السِّيدْ بن مالك بن بَكْرِ بن سَعْدِ بن ضَبَّة، قال: فإِنّي أَخَيِّرُ وائلًا، فمن اخْتَارَ فهو جارُهُ، فاختارَ قِرْوَاشًا، فدُفِعَ إِليه، وهَدَأَ الحَيَّانِ ثَعلبةُ وبَكْرٌ، فقال قِرواشٌ:
سيَعْلَمُ مَسْرُوقٌ وفَائِي ورَهْطُهُ ... إِذَا وائلٌ حَلَّ القِطَاطَ ولَعْلَعَا
بأَنّي له جَارٌ وَفِيٌّ ولمْ أَكُنْ ... له مِثْلَ مَنْ رَاءَى بغَدْرٍ وسَمَّعَا
وقال وائلٌ يمدحُ قِرْوَاشًا:
أَبْلِغْ سَرَاةَ بني قَيْسٍ مُغَلَغَلَةً ... مَنَ سَارَ غَوْرًا به منهمْ وأَنْجَادَا
1 / 16
أَنّى وفَى بِيَ قِرْوَاشٌ وأُسْرَتُهُ ... أَيّامَ يُتَّخَذُ الجِيرَانُ أَزْوَادَا
أنّى وَفَتْ بِيَ قَبْلَ اليَومِ ذِمَّتُه ... إنّ الكَرِيمَ إِذا اسْتَرْفَدْتَهُ زَادَا
مِن كُلِّ ذِرْوَةِ مَجْدٍ نَالَهَا أَحدٌ ... أَوْرَثَهَا صِرْمَةُ الضَّبِّيُّ أَوْلاَدَا
يَومُ ذِي الأَثْلِ
وفيه مَقْتَلُ صَخْر بن عَمْرو بن الشَّرِيدِ، قَتَلَه رَبِيعَةُ بن ثَوْرٍ الأَسدِيُّ.
قال أَبو عُبَيْدة: غَزَا صَخْرُ بن عَمروٍ، وأَنَسُ بن عَبّاسٍ الرِّعْليُّ، من بني سُلَيم، بَني أَسَد بن خُزَيمة، في بني عَوفٍ وبني خُفَافٍ، وكانا مُتَسانِدَينِ، صَخرٌ على بني خُفَافٍ، وأَنسٌ على بني عَوْفٍ، فاكتسَحَا أَمْوَالَ بني أَسدٍ، وسَبَيَا ومَضَيَا، فأَتَى بني أَسَدٍ الصَّريخُ، فتَبِعُوهُم حتى لحقوهُم بذاتِ الأثل، فاقتتَلوا قِتَالًا شديدًا، وطَعَنَ ربيعَةُ بنُ ثَوْرٍ الأَسَدِيُّ صَخْرًا في جَنْبه، فأَدْخَلَ جَوْفَهُ حَلَقًا من الدِّرْع، فانْدَمَل عليه، ونَتَأَتْ من الطَّعْنَة قِطْعَةٌ تَدَلَّتْ واستَرخَتْ، فمَرَضَ لذلك، وبقي شُهُورًا، فسَمِعَ ذاتَ يومٍ امرأَةً تُسائلُ امرأَته سَلْمَى: كيْف تَرَيْنَ صَخْرًا؟ قَالت: لاحَيٌّ فيُرْجَى، ولا ميِّتٌ فيُنْعَى لَقِينَا منه الأَمَرَّيْنِ، فقال صَخرٌ حين سَمِعَ مقالتَهَا:
أَرَى أُمَّ صَخْرٍ ما تَمَلُّ عِيَادَتِي ... ومَلَّتْ سُلَيْمَى مَضجَعِي ومَكَانِي
فأَيُّ امْرِئٍ ساوَى بأُمٍّ حَلِيلةً ... فلا عَاشَ إِلاَّ في شَقًا وهَوَانِ
وما كُنتُ أَخشَى أَن أَكون جِنَازَةً ... عَلَيْكِ ومَنْ يَغْتَرُّ بالحَدَثانِ
لعَمْرِي لقَد نَبَّهْتِ مَن كانَ نائمًا ... وأَسْمَعتِ منْ كانَتْ لهُ أذُنانِ
أَهُمُّ بهَمِّ الحزْمِ لَو أَستَطيعُه ... وقد حِيلَ بينَ العَيْر والنَزَوانِ
فلما طال عليه البَلاءُ قالَ: الموتُ أَهْوَنُ ممّا أَنا فيه، وأَمَر بقَطْعِها، فأَحْمَوْا له شَفْرةً فقطَعوها، فيئسَ من نفَسِه، وسَمِعَ أُختَه الخَنْسَاءَ تَسْأَلُ عنه: كيف كان صبرُهُ؟ فقال:
فإنْ تَسْأَلِي بي هل صَبْرتُ فإِنّني ... صَبورٌ على رَيْبِ الزمانِ أَرِيبُ
كأَنّي وقد أَدْنَوْا إِلَيَّ شِفَارَهُمْ ... من الصَّبْرِ دامِي الصَّفْحَتَيْنِ نَكِيبُ
ومات فدُفِنَ قريبًا من عَسِيبٍ، وهو جَبَلٌ بأَرْضِ بني سُلَيْمٍ إِلى جَنْبِ المدينَة، ورَثَتْهُ الخَنْسَاءُ بمَرَاثٍ كثيرَةٍ، قد أَثْبَتْنَا بعضَهَا في باب المرَاثي.
؟ يَومُ الكَدِيدِ
وهو يَوْمٌ لبَنِي سُلَيم على بني كِنَانَةَ، وفيه مَقتَل ربيعة بن مُكَدَّم.
قال أَبو عمْرو بن العَلاءِ: وَقَعَ تَدَارُؤٌ بين نَفَرٍ من بني سُلَيم، ونَفَرٍ من بَنِي فِرَاس بن مالك بن كِنَانَة، فقَتَلَتْ بنو فِرَاسٍ رَجُلَيْن من بني سُلَيْم، ثمّ إِنّهُم وَدَوْهُمَا، وضَرَب الدَّهْرُ من ضَرْبه، فخَرَجَ نُبَيْشَةُ بنُ حَبِيبٍ السُّلَميُّ غازيًا، فلَقِي ظُعُنًا من بني كِنَانَة بالكَدِيد، في رَكْبٍ من قَوْمِه، فبَصُرَ بهم نَفرٌ من بني فِرَاسِ بن مالِكٍ، فيهم عبدُ الله بن جِذْلِ الطِّعَان، والحارث بن مُكدَّم، أَبو الفرعَة وأَخوه رَبِيعَةُ بن مُكدَّم مَجْدُورٌ يومئذٍ، يُحمَلُ في مِحَفَّة، فلمّا رأَوهم قال الحارثُ بن مُكدَّم: هؤلاءِ بنو سُلَيم يَطلبون دِماءَهم. فقالَتْ أُمُّ عَمْروٍ بنْتُ مُكدَّمٍ: واسُوءَ صَبَاحَاه: فنزَلَ رَبِيعَةُ بن مُكدَّم ورَكِبَ فرَسَهُ، وأخَذَ قَناتهُ، وتوجهَ نحو القوم وهو يقول:
لقَدْ عَلِمنَ أَنّني غَيْرُ فَرِقْ
لأَطعُنَنَّ فيهِمُ وأَعْتَنِقْ
وأَصْبَحَنْهُمْ حِينَ تَحْمرُّ الحَدَقْ
عَضْبًا حُسَامًا وسِنَانًا يَأْتَلِقْ
1 / 17
فحَمَلَ عليه بعضُ بني سُلَيْمٍ، فاستَطردَ لهم في طريق الظُّعْنِ، ثم عَطَفَ عليهم فقتلَ منهم جماعةً، فانجفَلوا بينَ يَدَيْه، ويَرْمِيه نُبَيْشَة بسهمٍ، فأَصابَ مأْبِضَ عَضُده، فلحقَ بالظُّعنِ يَسْتَدْمِي حتى انتهَى إِلى أُمّه أُمِّ سيَّارٍ، فقال: شُدِّي على يَدِي عِصَابةً. وهو يَرْتَجزُ ويقولُ:
شُدِّي عليَّ العُصْبَ أُمَّ سَيَّارْ
فقَدْ رُزِيتِ فارِسًا كالدِّينارْ
يَطْعنُ بالرٌّمحِ أَمَامَ الأَدْبارْ
فأَجَابتْهُ أُمُّه:
إِنَّا بنُو ثَعْلَبَةَ بنِ مالكِ
مُرَزُّؤُو خِيَارِنَا كذلِكِ
مِنْ بَيْنِ مَقْتُولٍ وبَيْنِ هالِكِ
ولن يكونَ الرُّزْءُ إِلاّ ذلِكِ
وشَدَّتْ عليْه أُمُّه عِصَابًا، فاسْتَسْقاهَا ماءً، فقالت: أُفَّك، إِن شَرِبْت الماءَ مُتَّ، فقال ربيعةَ للظُعْن: أَوْضِعْنَ رِكَابَكُنّ حَتَّى تَنْتَهِينَ أَدْنَى بُيُوتِ الحيِّ، فإِنّي لِمَا بِي، وسوف أَقِفُ دونكنّ على العَقَبَة، وأَعتمدُ على رُمْحي، ولن يُقدِموا عليكنّ، لمكاني، ففَعلْن، ونَحَوْنَ إِلى مأْمَنِهنّ، وشَدَّ على القوم راجعًا، فقَتَلَ فيهم، ومازال يَذُبُّهم إِلى أَن نَزَفَه الدَّمُ، فاعتمدَ على رُمْحه. قال أَبو عمرٍو: ولا نعلم قتيلًا ولا مَيِّتًا حَمَى ظَعَائنَ غيرَهُ وإِنّه يومئذ غُلامٌ له ذُؤابةٌ، فما زالَ واقفًا على مَتْنِ فَرَسهِ مُعتمِدًا على رمحه إلى أن مات، وما تَقْدُمُ القومُ عَلَيْه، فقال نُبَيْشةُ: إِنّه لَمَائلُ العُنُقَِ على رُمْحِه وما أَظُنُّه إِلا قد ماتَ، فرمَى فَرَسَه، فقَمَصَتْ وزَالَتْ، فسَقَطَ عنها ميِّتًا، وفَاتَهُم الظُعْنُ، ولَحِقُوا أَبا الفَرْعَةِ الحارِثَ بنَ مُكدَّمٍ فقتَلوه، وأَمَالوا على رَبِيعَةَ أَحْجَارًا، فمَرَّ به رجلٌ من بني الحارث بن فِهْرٍ، فنفرَت ناقتُه من تلكَ الأحجار، فقال يَرْثِيه ويَعْتَذِرُ ألا يكونَ عَقَر على قَبرِه، ويُعَيِّرُ مَن فَرَّ وأَسْلَمَه من قَوْمه، وتُروَى لحسَّانِ بن ثابتٍ:
نَفَرَتْ قَلُوصِي من حِجَارَةِ حَرَّةٍ ... بُنِيَتْ على طَلْقِ اليَدَيْنِ وَهُوبِ
لا تَنْفِري يا نَاقَ منه فإِنَّه ... سَبّاءُ خَمْرٍ مِسْعَرٌ لحُروبِ
لولا السِّفَارُ وبُعْدُ خَرْقٍ مَهْمَهٍ ... لتَرَكْتُهَا تَحْبُو على العُرْقُوبِ
فَرّ الفَوارِسُ عن رَبيعةَ بعدَمَا ... نَجّاهُمُ من غُمَّةِ المكروبِ
نِعمَ الفَتَى أَدَّى نُبَيْشَةُ بَزَّهُ ... يَومَ الكَديدِ نُبَيْشَةُ بنُ حَبيبِ
وجزع عليه عبد الله بن جِذْلِ الطِّعَانِ جَزَعًا شدِيدًا ورَثاهُ بِعِدَّةِ مَرَاثٍ، منها:
خَلَّى عليَّ رَبِيعَةُ بنُ مُكَدَّمٍ ... حُزْنًا يَكَادُ له الفُؤادُ يَزُولُ
فإِذا ذَكرْتُ رَبِيعَةَ بنَ مُكدَّم ... ظَلَّتْ لِذِكْراهُ الدُّموعُ تَسِيلُ
نِعْمَ الفَتَى حَسَبًا وفَارِس بُهْمَةٍ ... يَرْدِي بشِكَّتِه أَقَبُّ دَؤُولُ
سَبَقَتْ به يَوْمَ الكَدِيد مَنِيَّةٌ ... والنَّاسُ إِمّا مَيِّتٌ وقَتِيلُ
كَيْفَ العَزَاءُ ولا تَزَالُ خَرِيدَةٌ ... تَبْكِي رَبِيعَةَ غادَةٌ عُطْبولُ
وقال أيضًا:
لأَطْلُبَن برَبِيعَةَ بنِ مُكدَّمٍ ... حتَّى أَنالَ عُصَيَّةَ بنَ مَعِيصِ
بِقِيَادِ كُلِّ طِمِرّةٍ مَمْحوصَةٍ ... ومُقلِّصٍ عَبْلِ الشَوَى مَمْحوصِ
وقال أيضًا:
أَلاَ للهِ دَرُّ بَني فِرَاسٍ ... لقَدْ أُوْرِثْتُمُ حُزْنًا وَجِيعَا
غَدَاةَ ثَوَى رَبِيعَةُ في مَكَرٍّ ... تَمُجُّ عُرُوقُه عَلَقًا نَجِيعًا
فلَنْ أَنْسَى رَبِيعَةَ إِذْ تَعَالَى ... بُكاءُ الظُّعْنِ تَدْعُو يا رَبيعَا
وقالَ حسانُ بن ثابتٍ يَرْثِيه ويَحضُّ على قتَلَتِهِ:
سَقَّى الغَوَادِي رَمْسَكَ ابنَ مُكَدَّمٍ ... من صَوْبِ كُلِّ مُجَلجلٍ وَكّافِ
أَبْلِغْ بَنِي بَكْرٍ وخُصَّ فَوَارِسًا ... لُحِفُوا المَلاَمَةَ دُونَ كلِّ لِحَافِ
1 / 18
أَسْلَمْتُمُ حَذَرَ الطِّعانِ أَخاكُمُ ... بَيْنَ الكَدِيدِ وقُلَّةِ الأَعْرافِ
حتَّى هَوَى مُتَزايلًا أَوْصَالُه ... للخَدِّ بينَ جَنادِلٍ وقِفَافِ
للهِ دَرُّ بني عَليٍّ إِنْ هُمُ ... لمْ يَثْأَرُوا عَوْفًا وحَيَّ خُفَافِ
؟ يومُ بُرْزَةَ
وهو يومٌ لبني كِنَانَةَ على بني سُلَيمٍ، وقُتِلَ فيه ذو التاج مالكُ بن خالدِ بن صَخْر بن الشَّرِيد، وأَخوه كُرْزٌ، قَتَلَهُمَا عبدُ الله بن جِذْل الطِّعانِ، وكانتْ تَوَّجَتْ مالكًا وملَّكَتْهُ عليهم: خرجَ مالكُ بن خالدٍ ذو التاج في بني سُلَيْم، فَغَزَا بني كِنَانَة، ومعَه دَليلانِ من أَسْلَم، ولم يَتْبَعْهُ نُبَيْشَة ابن حَبِيب، فأَغَارَ على بني فِرَاس بنِ مالكِ بن كِنَانَة، بِبُررْزَةَ، فخرجت إليه بنو فِرَاسٍ، ورئيسُهَا عبد الله بن جِذْلِ الطِّعَانِ، فاقتتَلُوا، ثم دَعَا عبدُ الله بنُ جِذْل الطّعان للبِرَاز، فبرزَ له هِنْدُ بن خالدٍ، قال: أَخُوكَ أَسَنُّ منك، فرَجَع إِلى مالكٍ أَخيه فأَخْبَرَهُ بقول عبد الله فبرَزَ له مالك، فارتجَزَ عبد الله وقال:
ادْنُوا بني قِرْفِ القِمَعْ ... إِنّي إِذَا الْمَوْتُ كَنَعْ
لا أَستغيثُ بالجَزَعْ
ثم شدَّ على مالِكٍ فقتلَه فبرزَ له أَخوه كُرْزٌ، فشدَّ عليه عبدُ الله فقتله وهو يقول:
قدْ علمَ النَّدْمانُ إِذْ أُساقِيهْ ... وعَلِمَ القِرْنُ إِذَا أُلاقِيهْ
أَنّي لكُلِّ رَاهِنٌ أُكَافِيهْ
فشدَّ عَمْرو بنُ خالدٍ على عبد الله وهو يقول:
هذا مقَامِي وأَمَرْتُ أَمْرِي
فبَشِّرُوا بالثُّكْلِ أُمَّ عَمْروِ
فتَخَالَسَا طَعْنَتَيْن، فجَرَحَ كُلُّ واحدٍ منهُمَا صاحبَه وتَحَاجَزَا، ثمّ اشتَدَّ القِتَالُ، وقُتِلَ من بني سُلَيْم جَماعةٌ وانهزَمَتْ، وقال عبد الله بن جِذْل الطِّعَانِ في ذلِك:
تَجنَّبْتُ هِنْدًا رَغبةً عن قِتَالِه ... إِلى مَالكٍ أَعشُو إِلَى ذِكْرِ مالِكِ
وأَيْقَنْتُ أَنّي ثائِرُ ابنِ مُكَدَّمٍ ... غَدَاتَئذٍ أَو هَالِكٌ في الهَوَالِكِ
فأَنْفَذْتُه بالرُّمْح حين طَعَنْتُه ... مُغَالَبَةً ليسَتْ بطَعْنةِ فَاتِكِ
وأَثْنِ لكُرْزٍ في الغُبَار بطَعْنةٍ ... عَلَتْ جِلْدَهُ منها بأَحْمَرَ عَاتِكِ
قتَلْنَا سُلَيْمًا غَثَّها وسَمِيْنَها ... فصَبْرًا عُصَىّ قد صَبَرْنا كذلكِ
دَهِمْنَا هُمُ بالخَيْل تَشْتدُّ بالضُّحَى ... بغَابَاتِ أَثلٍ مُشْرِفَاتِ الحَوَارِكِ
فِدًى لهُمُ نَفْسِي وأُمِّي فِدًى لهُمْ ... بِبُرْزَةَ إِذْ يَخْبِطْنَهُم بالسَّنَابِكِ
فإِن تَكُ نِسْوَانِي بَكَيْنَ فقدْ بَكَتْ ... كما قَدْ بَكَيْنَ أُمُّ كُرْزٍ ومالِكِ
وقال أَيضًا:
قَتَلْنَا مَالِكًا فابْكُوا علَيْهِ ... وما يُغْنِي من الجَزَعِ البُكَاءُ
وكُرْزًا قد تَركْنَاهُ صَرِيعًا ... تَسِيلُ على تَرَائِبِهِ الدِّماءُ
فإِنْ تَجْزَعْ لذَاكَ بنُو سُلَيمٍ ... فقد وَأَبِيهِم غُلِبَ العَزَاءُ
فصَبْرًا يا عُصَيُّ كما صَبَرْنَا ... وما فِيكُمْ لوَاحِدِنا كِفَاءُ
فلا يبْعَدْ رَبيعةُ مِنْ نَديمٍ ... إِذَا لم تَنْدَ بالنَّوْءِ السَّمَاءُ
فكَمْ مِنْ غارةٍ ورَعِيلٍ خَيْلٍ ... تَدَارَكَهَا وقدْ حَمِسَ اللِّقَاءُ
ولمّا اتَّصل بيزيدَ بنِ عَمرِو بن خُوَيْلدِ بن الصَّعِق، أَخى بني نُفَيل بن عَمْرِو بن كِلاَبٍ، مَقْتَلُ مالكٍ وكُرْزٍ ومَن قُتِل من بني سُلَيم مِنْ رَكْبٍ لَقُوهُ، قالَ يَرْثِي مالِكًا، ويَحُضُّ عبّاسًا الأَصَمَّ أَبا أَنَسٍ الرِّعْلِيّ، على بني فِرَاسٍ والطَّلَبِ بدمائهِم:
لعَمْري وما عَمْرِي عَلَى بهَيّنٍ ... لقدْ خبَّر الرَّكْبُ اليَمانِي فأَوجَعَا
نَعَوْا مَالِكًا فقُلْتُ ليس بمالكٍ ... ولم أَسْتَطعْ عن مَالِكٍ ثَمَّ مَدْفَعَا
1 / 19
فأَبْلِغْ سُلَيمًا أَنَّ مَقتلَ مَالِك ... أَذَلَّ سُهُولَ الأَرْضِ والحَزْنَ أَجمَعَا
فلِلّه عَيْنَا منْ رَأَى مِثْلَ مالكٍ ... قَتِيلًا بحَزْنٍ أَو قَتِيلًا بأَجْرَعَا
فلاَ تَشْربَنْ خَمْرَا ولا تَأْتِ حاصِنًا ... أًَبا أَنَسٍ حتَّى يَرَوْكَ مُقنَّعَا
فلَوْ مَالِكٌ يَبْغِي التِّرَاتِ لَقد رَأَوْانَواصَِيَ خَيْلٍ تَنفُضُ السُّمَّ مُنْقَعَا
أَنَازِلةٌ غَدْوًا فِرَاسٌ بفَخْرِها ... عُكَاظَ ولم نَجْزِئْ لها الصَّاعَ مُتْرَعَا
فأَجابَه عبدُ الله بن جِذْلِ الطِّعانِ:
لعَمْري لقد سَحَّتْ دُموعُك ضِلّةً ... تُبَكِّي على قَتْلَى سُلَيْمٍ وأَشْجَعَا
فهَلاَ شُتَيْرًا أَو مَصَادَ بنَ خالدٍ ... بَكيتَ ولم تَتْرُكْ لها الدَّهْرَ مَجْزَعَا
تُبَكِّي على قَتْلَى سُلَيْمٍ سَفَاهَةً ... وتَتْرُكُ مَن أَمْسَى مُقيمًا بضَلْفَعَا
كمُرْضِعةٍ أَوْلاَدَ أُخْرَى وضَيَّعَتْ ... بَنِيهَا فلم تَرْقَعْ لذلِك مَرْقَعَا
لقَدْ تَركَتْ أَفناءُ خِنْدِفَ كُلَّها ... لعَيْنَيْك مَبكًى إِنْ بَكيْتَ ومَدْمَعَا
تُحَرِّضُ عَبَّاسًا علَيْنَا وعِنْدَهُ ... بَلاَءُ طِعَانٍ صَادقٍ يَوْمَ نصْرَعَا
فإِنَّا بهذا الجِزْع قد تَعْلَمونَه ... وإِنَّ على الجفْرَيْن دهْمًا مُمَنَّعَا
يومُ الفَيْفَاءِ
وهو يومٌ لبني سُلَيمٍ على بني كِنانة قال أَبو عُبَيْدَةَ: لما بلَغَ بني سُلَيْم قولُ يزيدَ بن عَمْروٍ، قالتْ بنو الشَّرِيد، وما لرجُل من بني رِعْلٍ يَطلُبُ ثأْرنا، فأَحْرَمُوا النِّساءَ والدُّهْنَ وشُرْب الخَمْرِ أَو يُدْرِكوا ثَأْرهُم من بني كنانة. فَغَزَا عمرو بن خالدٍِ بن صَخْر ابن الشّريد بقومِهِ في أَلفِ فارِسٍ وأَلفِ رامٍ بني فِراسِ بن مالكٍ، فاقتتَلُوا قِتَالًا شديدًا، تَنَاصَفُوا فِيه، وعلى بني فِراسٍ عبد الله بن جِذْل الطِّعان، ثم إِن بَني سُلَيمٍ قَتلَتْ منهم نَفرًا غير مذكورِين، وسَبَوْا سَبْيًا فيهم أُمُّ عَمْروٍ بنْتُ مُكَدَّمٍ، فقال عبَّاسُ بن مِرْداسٍ يردُّ عَلى عبد الله بن جِذْلِ الطِّعانِ قولهُ: تَجَنَّبْتُ هِنْدًا رَغبةً عن قِتَالِه:
أَلاَ أَبْلِغَا عنّي ابنَ جِذْلٍ ورَهْطَهُ ... فكَيْفَ طَلَبْنَاكُمْ بكُرْزٍ ومَالِكِ
غَدَاةَ فَجَعْناكمْ بسَعْرٍ وبابْنِهِ ... وبابْنِ المُعَلَّى عاصمٍ والمُعَارِكِ
ثَمانِيةُ منكمْ ثأَرْنَاكُمُ بِهَا ... جَمِيعًا وما كانُوا بَوَاءً بمَالِكِ
قَتَلْنَاكُمُ ما بَينَ مثْنَى وموْحَدٍ ... تَكُبّكُمُ أَرْماحُنا في المَعَارِكِ
نُذِيقُكُمُ والمَوْتُ يبْنِي سُرادِقًا ... عليكُم بنا حَدَّ السُّيُوفِ البَواتِكِ
تَلوحُ بأَيْدينا كما لاحَ بَارِقٌ ... تَلأْلأَ في داجٍ من اللَّيْلِ حَالِكِ
فطَوْرًا نُلاقِيكُمْ وطَوْرًا نَعُلُّكُمْ ... بخَطّيَّةٍ فيها سِمَامُ النَّيَازِكِ
صَبْحَناكُمُ العُوجَ العَناجِيجَ بالضُّحى ... تَمُرُّ بِنَا مَرَّ الرِّياح السَّوَاهِكِ
إِذا خَرجَتْ من هَبْوة بَعْدَ هبْوَةٍ ... سمَتْ نَحْوَ مُلْتَفٍّ مِن المَوْتِ شَابِكِ
مُوَكَّلَة بالسَّيْرِ نَحْوَ عَدُوِّنا ... وبالرَّكْضِ منّا المُلحَقِ المُتَدَارِكِ
وقال هند بن خالدِ بن صخرِ بن الشَّرِيد:
قَتَلْتُ بمالِكٍ عَمْرًا وحِصْنًا ... وجَلَّيْتُ القَتَامَ عن الخُدُودِ
وكُرْزًا قَدْ أَبأْتُ به شُرَيْحًا ... علَى إِثْرِ الفَوَارِسِ بالكَدِيدِ
جزَيْنَاهُمْ بما انتَهَكُوا وزِدْنَا ... علَيْهمْ مثلْ ذَاكَ مِن المَزِيدِ
جَلَبْنَا من جُنُوبِ الفَرْدِ جُرْدًا ... كطَيْرِ الماءِ غَلَّسَ المْوُرُودِ
1 / 20