Anwār al-Nabī (ṣ) asrāruhā wa anwāʿuhā
أنوار النبي(ص) أسرارها و أنواعها
Genres
وأطال في بيان هذا ثم قال: فبان لك أن الفيض من ذاته ينقسم إلى رحمتين:
الرحمة الأولى: إفاضة الوجود على جميع الأكوان حتى خرجت من العدم إلى الوجود.
والرحمة الثانية: إفاضة فيض الرحمات الإلهية على جميعها من جملة الأرزاق والمنافع والمواهب والمنح، فإنه بذلك يدوم تمتعها بالوجود، قال: فإذا علمت هذا علمت أنه (صلى الله عليه وسلم) عين الرحمة الربانية؛ لأنه رحم جميع الوجود بوجوده (صلى الله عليه وسلم)، ومن فيض جوده أيضا رحم جميع الوجود، فلذا قيل فيه: إنه عين الرحمة الربانية (صلى الله عليه وسلم) انتهى المراد منه.
وفي جواهر المعاني ما نصه: أول موجود أوجده الله من حضرة الغيب هو روح سيدنا (صلى الله عليه وسلم)، ثم نسل الله أرواح العالم من روحه (صلى الله عليه وسلم)، والروح هنا هي الكيفية التي بها مادة الحياة في الأجسام وخلق من روحه (صلى الله عليه وسلم) الأجسام النورانية كالملائكة ومن ضاهاهم.
وأما الأجساد الكثيفة الظلمانية، فإنما خلقت من النسبة الثانية من نسبتي روحه (صلى الله عليه وسلم)، فإن لروحه (صلى الله عليه وسلم) نسبتين أفاضهما على الوجود كله، فالنسبة الأولى نسبة النور المحض، ومنه خلقت الأرواح كلها والأجسام النورانية التي لا ظلام فيها.
النسبة الثانية نسبة الظلام، ومنها خلق الله الأجسام الظلمانية كالشياطين والجحيم وسائر دركاتها، فهذه نسبة العالم كله إلى (صلى الله عليه وسلم) انتهى.
فإذا عرفت هذا فاعلم أن الظل موجود بلا ريب في الحس تابع في الوجود للشخص، لكن لا يظهر إلا إذا كان ثمة من يظهر فيه، وكذا محل ظهور هذا الظل لا يظهر إلا به، وذلك لأن النور المحض لا يدرك ما لم يمتزج بظلمة ما، وكذا الظلمة الصرفة لا بد لها في الإدراك من النور.
والأرواح المودعة في ذوات الموجودات، هي لطائف اختص كل موجود منها بلطيفة، وهي السر الذي بين الحق والعبد لا يطلع عليه ملك مقرب، ولا نبي مرسل؛ لأنه من أمر الله، وأمر الله مجهول.
وقد قال الله تعالى أمرا إلى رسوله: قل الروح من أمر ربي [الإسراء: 85].
وعلى التقدير لا يرى ولا يشهد ذوقا ووجدانا لطائف الأرواح أحد من أهل العقول
Page 275