Anwār al-Nabī (ṣ) asrāruhā wa anwāʿuhā
أنوار النبي(ص) أسرارها و أنواعها
Genres
حل له من حرمة حرمه، فدخل وعلى رأسه المغفر حربا، وهو (صلى الله عليه وسلم) قد وضع ذقنه الكريمة على مقدمة رحله؛ تواضعا لله عز وجل (1)، فتخلى عن أسوأ الجلسة؛ إظهارا لهيئة التواضع لصورة العبودية، ولما خير بين أن يكون نبيا عبدا أو يكون نبيا ملكا اختار أن يكون نبيا عبدا، بما أن العبودية للخلق حق متحقق دائم خاص، لم يتصف به الحق تعالى، فكل اسم تسمى به الحق فحق العبودية التخلي عنه؛ لأن ما تحلى به السيد فحق على العبد التخلي عنه، فالملك اسم تعال لا يتحقق للعبد، فاختار ما هو دائم ثابت عما هو زائل ذاهب، حتى أن وصف الملك إنما يبدو أمره وكثره ساعة من نهار.
كما قال الصادقون: إن ربنا غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله (2)، فلم يكن في الأسماء ما يتحقق للعبد دواما وثباتا إلا العبد، وما سواه اسم لظهور أمر في وقت من أيام الله، كما أن الاسم العظيم (الله) الاسم الدائم القائم الذي لا يختص بمثل من الخلق، وسائر أسمائه أسماء تظهر أمد الوقت.
كما قيل: رحمان الدنيا ورحيم الآخرة ملك يوم الدين.
فلما كان اسم (الله) العظيم هو الدائم تعين لإضافة ما هو به من أسماء الخلق، وهو اسم العبد فكان اسم العبد راتبا له دائما عليه، وكل اسم سواه خاص بحال أو وقت، فكانت العبودية للعبد مورد متقابلاته ، فكان الماحي لاسمائه الثابت له دواما، كما كان اسم الله المحيط بأسمائه الدائم له كمالا، فالبادي عبد كما قال (صلى الله عليه وسلم): «وكلنا لك عبد (3)».
وهو (صلى الله عليه وسلم) قلب ذلك العبد الذي منه مدده ظاهر جسمانيته وباطن روحانيته، بما هو النور الأول الذي خلق من نوره كل كائن، ولسانه المعبر عنه، وإمامه المتقدم به، وشفيعه الموصل إليه، وجميع أسمائه متشعبة من أصل عبدانيته التي اختص بها اختصاص ربه بالإلهية
Page 264