178

Anwār al-Nabī (ṣ) asrāruhā wa anwāʿuhā

أنوار النبي(ص) أسرارها و أنواعها

Genres

ابن الفارض» جواب آخر نصه: نعم إذا حيطهم بالتشديد جعلهم محيطين به علما سبحانه وتعالى بأن أبهاهم في ظهور وجوده الحق بحيث لا يبقي منهم عندهم بقية، وتضمحل رسومهم في حقيقته النورية بالكلية، فعند ذلك يحيطون به علما، وإنما المحيط به مولاهم، وأما أنهم يبقون موجودين، فالوهم عند نفوسهم، ومع ذلك يحيطون به علما، فذلك من أعظم المحال، وليس لأحد أصلا في ذلك مجال، ولا يتصور عنه جواب ولا سؤال؛ لأن الموجود عند نفسه قائم بالوهم المجرد، فلا يعرف نفسه، وإذا لم يعرف نفسه فلا يعرف ربه، وإذا لم يعرف ربه فليس بولي لله، وهذا السؤال سؤال الأولياء لبعضهم بعض، لا سؤال الغافلين للغافلين. انتهى المراد منه بلفظه.

قلت: في شرحه اللامية نقل كلام ابن الفارض هذا ثم قال: ولا يمنع من قولهم: إذا حيطهم يحيطون قوله تعالى: ولا يحيطون به علما [طه: 110]، وقوله سبحانه: ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء [البقرة: 255]، يعني ما لم يحيطهم فيحيطون، كما قال تعالى: من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه .

وأيضا فإن المفهوم من قوله: إذا حيطهم بتشديد التحتية أنه إذا خلق لهم الإحاطة اللائقة بهم المخلوقة له اتصفوا بها فأحاطوا به، لا كإحاطته تعالى بنفسه؛ لأن إحاطته بنفسه قديمة، وإحاطتهم حادثة، والقديم منزه عن مشابهة الحوادث.

وإذا علم هذا كله فالأظهر هو تأويل كلام الأستاذ البكري أيضا إما بمثل ما ذكره مولانا عبد الغني في جوابه أو لا عن التحييط بأن يقال: إن الحق تعالى تجلى عليه بذاته وأفناه عنه وعن فنائه وجميع صفاته، حتى اضمحلت رسومه، وذهبت آثاره وعلومه، وغرق في أنوار ذات الحق، فصار عند ذلك مظهرا له تعالى، عالما بمعلوماته، وإنما العالم بذلك هو سبحانه لا غيره، وهذا التجلي كما سبق في كلام الأستاذ أبيض الوجه يمكن أن يكون ما هو واقع الآن، بل وقع تكرمة له (صلى الله عليه وسلم)، ثم ألقيت عليه أستار العزة الإلهية إقامة لنواميس الربوبية، وإرجاعا إلى منازل العبودية، وإما بأن يقال: إنه أراد به أنه (عليه السلام) كان يعلم جميع علم الله تعالى في خلقه، أو نقول في مكوناته، لا أنه أراد جميع علمه مطلقا حتى يشمل علوم الذات العلية بأسرها؛ ليكون كلامه هذا موافقا لكلام غيره من الأولياء.

Page 245