Anwar Nabi
أنوار النبي(ص) أسرارها و أنواعها
Genres
قال: فذهبت، وفعلت ما أمرني به فمر بي منهم صور مزعجة المنظر، ولا يقدر أحد منهم أن يدنو من الدائرة التي أنا فيها وما زالوا يمرون زمرا زمرا إلى أن جاء ملكهم راكبا فرسا وبين يديه، فوقف بإزاء الدائرة.
وقال: يا أنس، ما حاجتك؟ قلت: قد بعثني الشيخ عبد القادر إليك، فنزل عن فرسه، وقبل الأرض، وجلس خارج الدائرة، وجلس من معه وقال: ما شأنك؟ فذكرت قصة ابنتي، فقال لمن معه: من فعل هذا؟ فلم يعلموا من فعله، فأتي بمارد وهي معه، وقيل له: هذا من مردة الصين. فقال له: ما حملك على أن اختطفت من تحت ركاب القطب.
قال: إنها وقعت في نفسي. فأمر به، فضرب عنقه، وأعطاني ابنتي، فقلت له: ما رأين كالليلة في امتثالك أمر الشيخ عبد القادر. قال: نعم، إنه لينظر من داره إلى الزمرة منا وهم بأقصى الأرض فيفرون من هيبته إلى مساكنهم، وإن الله تعالى إذا أقام قطبا مكنه من الجن والإنس.
قال الإمام اليافعي في كتابه «نشر المحاسن»: لا شك أن الكرامات قد ظهرت في زمن الصحابة وكثرت، ولكن ظهورها فيما بعد أكثر، ثم أن كثيرا من المنكرين لكرامات الأولياء والصالحين لو رأوهم يطيرون في الهواء لقالوا: هذا سحر، وقالوا: هؤلاء شياطين، ولا شك أن من حرم التوفيق فكذب بالحق غيبا وحدسا كذب به عيانا وحسا، كما قال الله تعالى وهو أصدق القائلين مخاطبا لنبيه سيد المرسلين : ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين [الأنعام: 7] الآية.
فإن قيل: إن هذه الكرامات تشبه السحر؛ فإن سماع الإنسان الهواتف في الهواء وسماع النداء من بطنه وطي الأرض له وقلب الأعيان ونحو ذلك غير معهود في الحس أنه صحيح، إنما يظهر ذلك من أهل السيمياء والنار نجيات.
فالجواب: ما أجاب به المشايخ العارفون والعلماء المحققون في الفرق بين الكرامة والسحر أن السحر يظهر على يد الفساق والزنادقة والكفار الذين هم على غير شريعة ومتابعة، وأما الأولياء فإنما وصلوا إلى ذلك بكثرة اجتهادهم واتباعهم السنة حتى بلغوا فيها الدرجة العليا فافترقا، وليس العجب ممن ينكر الكرامات من المعتزلة؛ فليس ذلك
Page 209