86

Furuq

أنوار البروق في أنواء الفروق

Publisher

عالم الكتب ومطبعة دار إحياء الكتب العربية

Edition Number

الأولى

Publication Year

1347 AH

Publisher Location

بيروت ومصر

مَعْنَاهُ الْإِحْسَانُ فَإِنَّ الدُّعَاءَ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ مُحَالٌ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى مَجَازِهِ وَهُوَ الْإِحْسَانُ لِأَنَّ الدُّعَاءَ إحْسَانٌ فَيَكُونُ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ أَوْ لِأَنَّ الْإِحْسَانَ مُتَعَلِّقُ الدُّعَاءِ وَمَطْلُوبُهُ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْمُتَعَلِّقِ عَنْ الْمُتَعَلَّقِ فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ إحْسَانَ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ أَعْظَمُ مِنْ إحْسَانِهِ لِإِبْرَاهِيمَ ﵇ وَتَشْبِيهُهُ بِهِ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ فَمَا وَجْهُ التَّشْبِيهِ وَكَانَ يُجِيبُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ هَذَا السُّؤَالِ فَيَقُولُ: التَّشْبِيهُ وَقَعَ بَيْنَ الْمَجْمُوعَيْنِ مَجْمُوعِ الْمُعْطَى لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلِآلِهِ وَمَجْمُوعِ الْمُعْطَى لِإِبْرَاهِيمَ ﵇ وَآلِهِ وَآلُ إبْرَاهِيمَ ﵇ أَنْبِيَاءٌ وَآلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ فَعَطِيَّةُ إبْرَاهِيمَ ﵇ ذَلِكَ أَعْنِي الْمَجْمُوعَ يُقْسَمُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَيُقْسَمُ الْمَجْمُوعُ الْمُعْطَى لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ فَتَكُونُ الْأَجْزَاءُ الْحَاصِلَةُ لِآلِ إبْرَاهِيمَ ﵇ أَعْظَمَ مِنْ الْأَجْزَاءِ الْحَاصِلَةِ لِآلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَيَكُونُ الْفَاضِلُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَعْظَمَ مِنْ الْفَاضِلِ لِإِبْرَاهِيمَ ﵇ فَيَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَفْضَلَ مِنْ إبْرَاهِيمَ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
وَيَنْدَفِعُ السُّؤَالُ وَكُنَّا نَسْتَعْظِمُ هَذَا الْجَوَابَ وَنَسْتَحْسِنُهُ ثُمَّ بَعْدَ وَفَاتِهِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ لَمَّا ظَهَرَتْ لِي هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَهِيَ أَنَّ هَذِهِ (الْعَشَرَةُ حَقَائِقَ) فِي لِسَانِ الْعَرَبِ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمَعْدُومِ الْمُسْتَقْبَلِ ظَهَرَ أَنَّ الْجَوَابَ يَحْسُنُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَأَنَّ جَوَابَ الشَّيْخِ ﵀ مُسْتَدْرَكٌ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الدُّعَاءَ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الطَّلَبِ وَقَوْلُنَا اللَّهُمَّ صَلِّ دُعَاءٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِعَطِيَّةٍ لَمْ تُعْطَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَعْدُومَةٍ فَإِنَّ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مُحَالٌ فَالْحَاصِلُ لَهُ ﵊ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ طَلَبٌ أَلْبَتَّةَ لِكَوْنِهِ مَوْجُودًا حَاصِلًا وَبِهَذَا الْمَوْجُودُ الْحَاصِلُ لَهُ ﵇ حَصَلَ التَّفْضِيلُ لَهُ ﵇ عَلَى إبْرَاهِيمَ ﵇ فَيَكُونُ الْوَاقِعُ قَبْلَ دُعَائِنَا مَوَاهِبَ رَبَّانِيَّةً لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمْ يُدْرِكْهَا أَحَدٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا وَنَحْنُ نَطْلُبُ لَهُ ﵇ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ تَكُونُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ مِثْلَ الْمَوَاهِبِ الْحَاصِلَةِ لِإِبْرَاهِيمَ ﵇ فَنَحْنُ لَوْ تَخَيَّلْنَاهَا أَقَلَّ الْمَوَاهِبِ الْحَاصِلَةِ لِإِبْرَاهِيمَ ﵇ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ التَّفْضِيلِ لَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
وَمِثَالُ ذَلِكَ مِنْ الْعَادَاتِ أَنْ يُعْطِيَ الْمَلِكُ لِرَجُلٍ أَلْفَ دِينَارٍ وَيُعْطِيَ لِآخَرَ مِائَةً ثُمَّ نَطْلُبُ نَحْنُ مِنْ الْمَلِكِ أَنْ يَزِيدَ صَاحِبَ الْأَلْفِ عَلَى الْأَلْفِ مِثْلَ مَا أَعْطَى صَاحِبَ الْمِائَةِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ الْحَاصِلُ مَعَ صَاحِبِ الْأَلْفِ أَلْفًا وَمِائَةً وَمَعَ صَاحِبِ الْمِائَةِ مِائَةً وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِعَطِيَّةِ صَاحِبِ الْأَلْفِ فِي أَلْفِهِ بَلْ الْمِائَةُ زِيَادَةٌ عَلَى مَا وَقَعَ بِهِ التَّفْضِيلُ أَوَّلًا كَذَلِكَ هَا هُنَا فَهَذَا جَوَابٌ حَسَنٌ سَدِيدٌ بِنَاءً عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي أَنَّ الدُّعَاءَ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ مَعْدُومٍ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ التَّعَبِ وَالتَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فَإِنَّهُ جَعَلَ مُتَعَلِّقَ الطَّلَبِ جَمِيعَ مَا حَصَلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَيَلْزَمُ تَعَلُّقُ الطَّلَبِ بِالْوَاقِعِ وَهُوَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ: (وَكَانَ يُجِيبُ ﵀ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ فَيَقُولُ: التَّشْبِيهُ وَقَعَ بَيْنَ الْمَجْمُوعَيْنِ إلَى قَوْلِهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِمَشِيئَةِ مَنْ تُعْلَمُ مَشِيئَتُهُ كَزَيْدٍ فَإِنَّهُ يَسْأَلُ صَاحِبَ الْمَشِيئَةِ هَلْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهُ سَبَبًا فِي الطَّلَاقِ فَيَقَعُ أَمْ لَا فَلَا يَقَعُ قَالَ الْأَمِيرُ: وَلَا شَيْءَ إنْ لَمْ يَعْلَمْ. وَمِنْهُ الْمَيِّتُ اهـ قَالَ حِجَازِيٌّ كَانَ بَعْدَ الْيَمِينِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَوْ عَالِمًا بِمَوْتِهِ عَلَى أَقْوَى الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ شَأْنَهُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَشِيئَةِ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ اهـ.
هَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ فَظَهَرَ أَنَّ عَلَى ابْنِ رُشْدٍ فِي كَلَامِهِ السَّابِقِ دَرْكًا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا ظَنُّهُ أَنَّ الشَّرْطَ رَاجِعٌ لِلدُّخُولِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ رَاجِعٌ لِلرَّبْطِ الثَّانِي ظَنُّهُ أَنَّ إنْ شَاءَ لَيْسَ شَرْطًا عَلَى بَابِهِ بَلْ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ أَعْنِي إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ فِي الرَّفْعِ لِحُكْمِ التَّعْلِيقِ كَرَفْعِهِ لِحُكْمِ الْيَمِينِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ تَكَلُّفِ إخْرَاجِ إنْ عَنْ بَابِهِ بِلَا دَاعٍ هُوَ مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ فَقَوْلُ الرَّهُونِيِّ وَالْحَقُّ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَمَا رَدُّوا بِهِ عَلَيْهِ مِنْ الْأَمْثِلَةِ كُلِّهِ سَاقِطٌ إذْ الشَّرْطُ فِيهَا كُلُّهَا عَلَى بَابِهِ قَطْعًا أَيْ جِيءَ بِهِ التَّقْيِيدُ وَالِاحْتِرَازُ عَنْ صُورَةِ الْمَفْهُومِ وَأَمَّا الشَّرْطُ فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَابِهِ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْمَعْنَى كَالِاسْتِثْنَاءِ كَمَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ وَقَدْ قَالَ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ: الِاسْتِثْنَاءُ كُلُّ مَا كَانَ فِيهِ إنْ مِثْلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلُّ مَا كَانَ فِيهِ إلَّا اهـ.
وَهُوَ نَصٌّ فِي أَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ كَالِاسْتِثْنَاءِ الْحَقِيقِيِّ اهـ هُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ كَيْفَ يَكُونُ هُوَ الْحَقَّ مَعَ خُرُوجِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ عَنْ مَدْلُولِهِ وَمَعَ مَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ جَرْيِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَحَاشَ مَنْ هُوَ أَدْنَى مِنْهُ بِمَرَاتِبَ مِنْ ذَلِكَ وَفِي قَوْلِهِ وَمَا رَدُّوا بِهِ عَلَيْهِ إلَخْ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلِ أَنَّ كَوْنَهُ عَلَى بَابِهِ مُمْكِنٌ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فَأَنَّهُ جِيءَ بِهِ لِلتَّقْيِيدِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ صُورَةِ الْمَفْهُومِ بِدَلِيلِ أَنَّ صَاحِبَ الْمَشِيئَةِ لَوْ كَانَ مِمَّنْ تُعْلَمُ مَشِيئَتُهُ لَسُئِلَ هَلْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَ الدُّخُولَ مَثَلًا سَبَبًا لِلطَّلَاقِ فَيَقَعُ أَمْ لَا فَلَا يَقَعُ كَمَا مَرَّ.
الثَّانِي إنْ جَعَلَ إنْ شَاءَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ حُمِلَ لَهُ عَلَى غَيْرِ مَدْلُولِهِ لِعَارِضٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَمَا أَشَارَ لَهُ غ فِي تَكْمِيلِهِ فِي رَدِّهِ اعْتِرَاضَ ابْنِ رُشْدٍ الْمَذْكُورَ وَكَلَامُ ابْنِ الْمَوَّازِ يَحْتَمِلُ تَخْصِيصَهُ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِلْقَاعِدَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ فَلَا دَلِيلَ

1 / 87