وإذا عصاني الدمع في
إحدى ملمات الخطوب
أجريته بتذكري
ما كان من هجر الحبيب
كأن جري الدمع على الخد لازم للصحة والهناء لزوم جري السوائل الأخرى في الجسم البشري، وإننا نرى الشاعر ها هنا مثل الطبيب يعالج المتعسر العاصي منها بالأدوية، فقد اكتشف دواء لنفسه أسماه «هجر الحبيب» فعله عجيب، خذ ملعقة واحدة من «تذكر الحبيب الهاجر»، تتفتح مجاري الدمع فيك، فتلين عينك القاسية العاصية فتأتيك بالعبرات في الملمات.
وما أكثر أنواع العبرات وما أكثر العبر فيها، فقد عدد أحد أرباب الشعر الباكي مئة دمعة ودمعة، بادئا بالطفل وخاتما بالمسيح على الصليب، وهو يحمد الدمعة التي «قلبت العالم»! إنما فاته - دامت دمعته - أن المسيح في تلك الساعة لم يفكر بالعالم، بل بنفسه إذ قال: إلهي، إلهي، لماذا تركتني تباركت في كل حال دمعة المصلوب، وهي الوحيدة - الأولى والأخيرة منه، أما شعراؤنا فهم لا يصلبون ولا يهانون ودائما يبكون، وقد تخيلوا حتى السواقي والينابيع دموعا.
أجل إن الطبيعة نفسها لتبكي معهم، سبحان من بكى واستبكى وأبكى، فهاكم الورد الباكي، وطل الصباح دموعه، وهاكم الشفق الشاكي وفي الغمائم غمومه، وهاكم الحمام النواح، والبوم الصياح، والضفادع تنق طول الليل حتى الصباح، والخرفان الحزينة المعدة للذبح، وهي أحق أنصار الشعراء بالبكاء، فقد تقرحت مدامعها فبكى حتى الذئب عليها ومعها، إننا حقا لفي وادي الدموع، والشاعر مرآته الجلية ودمعته الكبرى المركزية، التي تنعكس فيها كل دمعة وكل بلية.
لله من دموع الشعراء، قال المتنبي يندب شيبه في صباه:
شيب رأسي وذلتي ونحولي
ودموعي على هواك شهودي
Unknown page