بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على سوابغ نعمه وإجلاله، وشرائع قسمه وأفضاله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله، قال بعض أهل هذا العصر هذا الكتاب يشتمل على ذكر شئ من مبتدأ الخلق والملائكة ﵈. وشئ من أخبار أبليس. .لعنة الله. وسكان الأرض وعُمَّارها قبل أن يَخلق الله آدم ﵇، وقصة آدم صلوات الله عليه، وما كان من شأنه، وأمر ولده من بعده. وتسميتهم، إلى ذكر نوح ﵇، وولده من بعده، وولد ولده حين بعث الله إلى قومه، وأمر الطوفان، وذكر وَلد نوح ﵇ من بعد ذلك، حين قَسَّم بين أولاده الثلاثة: سام: وحام، ويافث، ونزول كلّ قوم منهم في أي أرض وبلاد، وما كان من الأحداث التي كانت بعد نوح وقبل إبراهيم صلوات الله عليهما، وما كان من بعدهم من حديث قوم عاد، وما كان من أمرهم حين أهلكهم الله بمعصيتهم، وثبوت الملك من بعدهم لقحطان بن هود، وولده من بعده. وذكر إبراهيم الخليل. صلوات الله عليه. وولده وتسميتهم.
ثم أتبعتُ بعد ذلك أسماء الشعوب والقبائل والأفخاذ والبطون والفصائل: وذكر الشجرتين من القحطانية والعدنانية، واف كل قبيلة إلى بني أبيهم وجعلتُ ذلك كتابًا جامعًا لأنساب العرب، ومقتصرًا على عمائرها ومشهور بطونها. وذكرتُ فيه شيئا من الأخبار، وشواهد من الاشعار، ونظمت خبر كل قوم عند ذكر أنسابهم ليكون أوضح دلالة وأسهل طلبة لقارئه والناظر فيه.
وكان غرضي في جميع ما اقتصصت الإيجاز والاختصار، ولو قصدت الاستقصاء لطال الكتاب، ولاختلط الخفي بالجلي فمجَّتُّه الآذان وملَّته النفوس.
وقد نظمت نسب كُل شريف. ومذكور وبليغ، وخطيب، وشاعر من القبائل، إلى أن ألحقته بالفخذ الذي هو منه خرج، وأوضحت نسبه إلى الموضع الذي لا يجهله أحد منَّ شيئًا من العلم والأدب.
دفعني إلى أن ألَّفت هذا الكتاب لأني رأيت كُتُب الأنساب أكثر معونة وفائدة لطالب الأدب والعلم والفقه من غيرها، لأن طالب العلم والحديث إذا لم يكن يدري علم النسب وسمع حديثًا قد صُحِّف فيه أسم أحد على غير جهته، أو نقل من قبيلة إلى غيرها، جاز ذلك عليه. وإذا كان بالأنساب عالمًا، وبالأخبار عارفًا أنكر ذلك ورده إلى نسبه وأسمه، وأتى بالصواب في موضعه وحقيقة أصله.
وأيضًا فإني " ومن ذمي الأحساب من لا يعرف سلفه. ورأيت من رغب عن نشب دق، وانتمى إلى رجل لم يعقب، كما حكي أبو محمد عبد الله ابن مسلم بن قتيبة الباهلي أنه رأى رجلا ينسب نفسه إلى أبي ذر ﵀ رأيت من الأشراف من يجهل نسبه، قال رسول الله ﷺ والبلاء موكل بالمنطق عن عبد الله بن معاذ نرفعه إلى هنيد التميمي قال: إني لواقف بسوق عُكاظ. وهي أصل أسواق العرب في الجاهلية - وتكون في أعلا نجد قريبًا من عرفات. وكانت من أعظم أسواق العرب، وكانت قريش تنزلها وهوازن وغطفان. وأسلم والأحابيش، وهم الحارث بن عبد مناة وعقيل، والمصطلق وطوائف من أفناء العرب، وكانوا ينزلونها في النصف من ذي القعدة، فلا يبرحون حتى يَرَوا هِلال ذي الحجة، ثم ينقشعون. وكان فيها أشياءُ ليست في شئ من لأسواق العرب، فإذا أهلوا وانقشعوا ساروا بأجمعهم إلى ذي المجاز وهي قريب من عكاظ فأقاموا بها حتى يوم التروية، ووافاهم بمكة حُجّاجُ العرب ورءوسهم ممن لم يكن شهد تلك الأسواق وأسواق العرب في الجاهلية عشرة: فأولها سوق دُّومة ثم المشتقر بهجر. ثم صخار، ثم دَبَا. وكانت إحدى فُرضتي العرب. ثم الشِّحر شِحر مهرة، ثم عَدن، ثم الرابية بَحَضَر موت، ثم عكاظ، ثم ذو المجاز.
1 / 1
قال عبد الله بن معاذ نرفعه إلى التيمي قال لواقف بسوق عُكاظ إذا برجل من ضمرة منزله صُحار عًمان يسمي الصُّحاري، والناي تتساوه من كل جانب، يركب بعضهم بعضا ويسألونه عن أنسابهم، وهو يُفسر لهم - وكان من أعلم الناس. فمر به وهو على تلك الحال فسأل عن حاله، فأخبر به فقال: شاسع من ضمرة ومنزله صُحار، فأستفيد منه علما. فأبصر الصُّحاري فأعجبه شارته فقال: ممن أيها الرجل؟ قال له: فإنك لا تعرفني. قال: إن كنت من العرب أو من أشرافهم عرفتك قال: فإني من العرب: قال الصُّحّاري: من أيّهم أنت؟ قال عُطارد: من مُضر. قال: لأغمرن اليوم المضري: ثم قال الصُّحاري: أمِن الأرجاء أنت ام من الفرسان؟ قال عُطارد: فعرفت أن الفرسان قيس وأن الأرجاء ولد إلياس قال قلت: من الأرجاء. قال: فأنت إذا من ولد خندف. قال قلت: أجل. قال: فمن الأرمة أم من الجماجم؟ قال فتحيرت طويلا ما أكلمه ثم أدركني ذهني فعرفت: أن الأرمة ولد خُزيمة وهم قيس. وأن الجماجم ولد أدّ. قال قلت: أجل. قال: فمن الروابي أم من الصميم؟ قال: فوجمت ساعة. أي سكت. ثم عرفت: أن الروابي الرباب، وأن الصميم تميم. قال فقلت: لابل من الصميم. قال: فأنت من بني تميم. فقلت: أجل. قال: فمن الأقلين أم من الأكثرين، أم من إخوانهم الآخرين ولد عمرو بن تميم؟ فقلت: لا بل من الأكثرين. قال: أنت إذا من ولد يزيد. فقلت: أجل. قال: فمن الذُّرى: أم من الثمال، أم من النجود؟ قال: فعرفت أن الذرى مالك، وأن البُّجُود سعد، وأن الثمال امرؤ القيس. فقلت من الذُّرى. قال: فأنت إذا من ولد مالك. قلت: أجل. قال فمن الأنف أم من الذنب؟ فعرفت: أن الأنف حنظلة. وأن الذنب ولد ربيعة. فقلت: من الأنف. قال: فأنت إذا من ولد حنظلة. قلت: أجل. قال: فمن الوسط ام من الفرسان ام من البروج فعرفت ان الوسيط البراحم، وان الفرسان يربوع، وأن البروج مالك بن حنظلة. فقلت: لا بل من البروج. قال: فأنت إذًا من ولد مالك. فقلت: أجل. فقال: من السحاب، أم من النجوم، أم من البدور؟ فعرفت: أن السحاب بنو بني عدوية، وأن النجوم بنو بني طهية، وأن البدور بنو بني دارم. فقلت: لابل من البدور. فقال: فأنت إذًا من بني دارم. فقلت: أجل. فقال: أنت من الهضاب: أم من الناب، أم من الشهاب؟ فعرفت: أن الهضاب بنو مجاشع، وأن الناب بنو عبد الله بن دارم. وأن الشهاب بنو نهشل: فقلت: لا بل من الناب قال: فأنت إذًا من ولد عبد الله بن دارم: قلت أجل. قال: فمن الزوافر، أم من النبيت؟ فنظرت: فأذا الزوافر الأحلاف، واذا النبيت زرارة. فقلت: لا بل من النّبيت: فقال: أنت إذًا من ولد زرارة بن عدس. فقلت: أجل أنا منهم. قال: أيهم أنت؟ فقلت: عطارد بن حاجب بن زرارة. قال: زعمت يا تميمي أني لا أحسن نسبا ": فقلت: ما رأيت أحدا " قط أعلم منك، قال: أنا لم أر قط أحدا أعلم منك.
وقد حث أهل الأدب والفهم وذوو المروءة والعلم على تعليم النسب والمعرفة: ليحفظوا بذلك أنسابهم. ويصلوا أرحامهم، ويأتوا ما أمروا به. وينتهوا عما نهوا عنه من سوء الفعال وتجنب الأرذال والجهال. فقد كانت العرب تحفظ أنسابها كحفظها أزواجها ما لم تتحفظه أمة من الأمم حتى أن الرجل منهم ليعلم ولده نسبه كتعليمه بعض منافعه، وهو فعلهم من قديم الدهر: لئلا يدخل الرجل منهم في غير قومه، ولا ينتسب إلى غير قبيلته، ولا ينتمي إلى غير عشيرته، حاطوا بذلك أحسابهم وحفظوا به أنسابهم، ولا يرى ذلك في غيرهم من الأمم. حتى ان الرجل من غيرهم من الأمم يسأل عما وراء أبيه دنيا فيبقى خجلا فيما لا يعرفه ولا ينسبه. ولست بواجد ذلك في أحد من العرب الامن استنبط ومازح الأزذال وجهلة الناس، ولأم فعله وساءت خليقته، وجهل ما يأتيه وما يتقيه.
وقد حض النبي ﷺ وأصحابه من بعده على تعليم النسب ومعرفة أنساب العرب: ليصلوا بذلك ما أمر الله به أن يوصل، ويتقوا ما نهى الله عنه. وقد تقدم من ذكر ذلك ما روي عنه ﷺ ما يغنى عن تكريره واعادته، وقد أخذ هذا المعنى بعض الشعراء فقال شعرا:
ألا أيها الناس الذي العلم شأنهم ... ويغنيهم في أن يفكوا صعابها
عليكم بأنساب القبائل كلها ... معد وقحطان الكريم نصابها
1 / 2
لقول رسول الله صلوا جميعكم ... عليه لتلقوا في الجنان ثوابها
فان بها ايصال ما الله آمر ... بايصاله فاسعوا وروموا طلابها
ومثل قول الآخر:
يا طلبًا لفنون العلم مجتهدًا ... أقصد هديت إلى رشد وايمان
ان كنت ذا فطن فيما تحاوله ... من السمو إلى أعلى ذرى الشان
فكن لقول رسول الله متبعا ... ترق العلا وتباهي كل انسان
تعلموا نسب الأقوام ان به ... صلات أرحامكم فزتم برضوان
فأول ما أبتديء بذكره في هذا الكتاب ذكر شيء من مبتدأ الخلق والملائكة ﵈، وغير ذلك مما بدأت بذكره في هذا الكتاب، مع قصة آدم وولده إلى ذكر نوح ﵇، وأمر ولده، وما كان من شأنهم ثم أتبعت ذلك بذكر أنساب العرب والقبائل، وما حشوتها من الأخبار وشواهد الأشعار، والى الله من كل ذنب أتوب، واياه أسأل الغفران للذنوب، وأعوذ به من الحمية والعصبية وأخلاق الجاهلية، وهو المرفق لما يحبه ويرضاه.
" ذكر مبتدأ الخلق "
قال محمد بن أسحاق باسناده عن ابن عباس قال: لما أراد الله ﵎ أن يخلق سماء " وأرضا " خلق الله الريح فسلطها على الماء، فضربته موجا وزبدا " ودخانا. فقال للزبد: اجمد فلما جمد جعله أرضا، قال وللموج: اجمد. فلما جمد جعله جبالا. وقال للدخان: اجمد. فلما جمد جعله سماء ".
روى الأموي باسناده عن مجاهد: أن موضع البيت كان زبدة بيضاء على وجه الماء قبل أن يخلق الله السماء والأرض بألفي عام.
وروى عمرو بن دينار: وعطاء أنهما قالا: كانت الأرض ماء، فبعث الله الريح فصفقت الماء فابرزت في موضع البيت عن حشفة بيضاء أو سوداء كأنها القَّبة، فمدت الأرض من تحتها؟ فلذلك هي أم القرى، ثم وتَّدها بالجبال لئلا تتكفئ.
وروى ابن إسحاق، عن بُشَيْر، عن الضحاك أنه قال: خلق الله ﷿ السموات في يومين، والأوقات في يومين، فذلك قوله:) وهو اّلذِي خَلَقَ السَّمَواتِ والأّرضَ في سِتَّةِ أَيَّامِ ثَمّ أَسْتَوَى عَلَى العّرْشِ (.
عن صالح بن محمد الترمذي قال: حدثنا محمد بن مروان، عن مجاهد قال: خلق الله ﵎ السموات ِ والأرضَ في ستة أيام من أيام الآخرة، طول كل يوم منها كألف سنى من أيام الدنيا لا يمَسّه فيها لغوب. واللغوب الإعياء.
وعن الحسن قال: خلق الله السموات والأرض في ستة أيام من أيام الدنيا: ابتدأ الخلق يوم الأحد وفرغ منه يوم الجمعة.
وروى عن رسول الله ﷺ أنه خلق التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد: وخلق فيها الشجر يوم الأثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق الأنعام وما شاء من خلقه يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، ونفخ في آدم الروح وسوّى خلقه وجمعه يوم الجمعة. فسميت الجمعة.
وعن ابن اسحاق قال: كان أول ما خلق الله ﵎ النورَ والظَّلمة. ثم مَيَّزَ بينها فجعل الظلمة لَيْلًا أسْوَد مظلما وجعل النور نهارا مضيئا مبصرا وبإسنادٍ من عبد الله بن سلام أنه قال: إن الله بدأ الخلق يوم الأحد: فخلق الأرضين في الأحد والأثنين. وخلق الأقوات والرواسي في الثلاثاء والأربعاء، وخلق السموات في الخميس والجمعة. وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة فخلق فيها آدم، فتلك الساعة التي تقوم فيها الساعة.
وبإسناد عن ابن عباس وغيره من أصحاب رسول الله ﷺ قالوا: خلق الله ﵎ سبع أرضين في يومين في الأحد والأثنين، وجعل لها رواسي أن تَمِيد بِكُم، وخلق الجبال وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يوم الثلاثاء واربعاء: ثم استوى إلى السماء وهي دخان فجعلها سماء واحدة، ثم فَتَقَها فجعلها سبع سموات في يومين، الخميس والجمعة ففي قول هؤلاء خلقت الأرض قبل السماء.
1 / 3
وقال آخرون: خلق الله ﵎ الأرض قبل السماء بأقواتها من غير أن يَدْحُوَها، ثم أستوى إلى السماء فسَوَّاهن سبع سموات ثم دحا الأرضَ بعد ذلك، وهذا قوله ﷿ والأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا، أخْرَجَ مِنَها مَاءَهَا ومَرْعَاهَا والجِبَالَ أرْسَاهَا (قالوا يعني أنه خلق السموات والأرض. فلما فرغ من السماء قبل أن يخلق الأقوات بث أقوات الأرض فيها بعد خلق السموات، وأرسى الجبال، يعني بذلك دَحْوَها. هكذا وجدتُ في بعض الكتب والله أعلم.
وقالت اليهود والنصارى: بل ابتدأ الله الخلق يوم الأثنين، وكان الفراغ يوم الأحد.
محمد بن مروان قال: حدثني أشْعَث، عن سِوَار، عن الحسن قال: خلق الله سبع سموات طِبَاًٌا. بعضهن فوق بعض. كل سماء مطبقة على الأخرى مثل القبة، والسماء الدنيا على الأرض مثل القبة ملتزق منها أطرافها. وهو موج مكفوف. وأجرى النارَ على الماء فبخر الماء فجعل الموج منه، وخلق السموات منه. قال ابن عباس السماء موج مكفوف ودونها حجاب - وخلق نار السموم بين السماء الدنيا وبين الحجاب والشمس والقمر والنجوم في ذلك الموج يدور به الفلك وخلق الملائكة من نور النار ثم جعلهم عُمَّار السماء: في كل سماء ملائكة، وما فيها موضع إلا وفيه مَلْكُّ ساجد أو قائم أو راكع. وجعل الجن سكان الأرض، وهم بنو الجان. خلقه من نار. قال الله في كتابه) وَخَلَقَ الجَانَّ مِنْ مَارِجِ مِنْ نَّار (يعني كان لجهنم سَمْوم وكان لسمومها نار، وهي نار ليس لها دخان بين السماء الدنيا والحجاب، منها تكون الصواعق. فإذا أراد الله أن يحدث في خلقه ما يشاء خَرَقَ ذلك الحجاب فهَوَتْ إلى الأرض إلى حيث أمرَّ الله. والهدهْ التي يسمعها الناس من خرق الحجاب، وهي كلَّة رقيقه لا ترى الشمس إلا من ورائها. فذلك قوله تعالى) والجانْ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُوم (تعني من قبل آدم والجان هو أبو الجن.
" ذكر شيء من أخبار الملائكة "
سُمَّيَت الملائكةُ ملائكةً لتبليغها رسائل الله تعالى إلى أنبيائه صلوات الله عليهم، أخْذًا من الألُوكَهَ وهي الرسالة، ويقال لهم الملائك بغير هاء. وقال حسان بن ثابت:
بأيدي رجاب هَاجَرُوا نحوَ رَبِّهم ... وأنصارِه أيضا وأيْدِي الملائِك
وفيهم لغاتً في تَسْمِيتهم، يقال مَلك. بسكون اللام. وملك بتحريكها وفتحها ومَلأك بسكون اللام وبالهمزة. وقيل إن الله ﵎ خَلَقَ الملائكة من الرِّيح، وقال الحسن: خلقهم من نُور، وخلق الجانَّ مِن نار. والملائكة الذين يحضرون لقبض أرواح الكفار يتصورون في أقبح صورة، وكذلك صورة منكر ونكير. وقد جاء في الخبر: أن من الملائِكة. مَنْ هو في صورة الرِّجال، ومنهم من هو في صورة الثِّيَران، ومنهم من هو في صورة السنّور، ويدل على ذلك تصديق النبي ﷺ وعلى آله الطيبين لأَمَيَّةَ بن أبي الصَّلْت في قوله:
زُحَلٌ وَثْورٌ تحت رِجلِ يَمِينِه ... والنَّسْر للأُخْزَى ولَيْتٌ مرْصَد
وقد تَصَوَّر جِبْرِيلُ ﵇ في صورة دِحْيَة بن خليفة الكَلْبَي، وتصوّر الملائكة الذين أتوا مَرْيَم، وإبراهيم، ولوط، وداود عليهم ونبينا افضل الصلاة والسلام في صورة الآدَمِّييِن.
" أخبار إبليس لعنه الله "
صالِح قال، حدثنا عبد الحميد بن عبد العزيز قال، بلغنا عن ابن عباس قال: كان إبْليس لَعَنهُ الله. من أشراف الملائكة وأكرمهم قبيلهً، وكان خازنا على الجنان. وكان قد أعْطِى سُلْطَانَ سَمَاءِ الدُّنْياَ، وسلطان الأرض، وكان مما سوَّلَتْ لَهُ نَفْسُه. أي زينت. بعد قضاء الله أن رأى أنَّ له في ذلك شرفًا وعَظَمَةً على أهل السماء، فدخله. كبْرٌ لا يعلمه إلا الله، فأبْتَلاهْ بالسُّجُودِ لآدم، فأعْلَنَ كِبْرَه، فلعنه الله ودَحَرَه أي طرده. وجعله شيطانًا مَرِيدا.
صالح، عن محمد بن السائب الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: إن الله ﵎ خَلَق كُلَّ شيءٍ قَبْل الإنسان، فجعل الملائكة هم عُمَّارَ السموات، ولكل أهل سماء صلاة ودعاء وتسبيح، ولكل أهل سماء عبادة أهونُ من الذين فوقها والذين فوق أشدّ عبادة وأكثر صلاة وتسبيحًا من الذين تحتهم.
1 / 4
وكان إبليسُ لعنه الله. في جُنْدٍ من الملائكة في السماء الدنيا، وكانوا أهون أهل السموات عملا، وكان إبليس رئيسهم، وكانوا خُزَّانَ الجنان، وكان يقال لذلك الجند: الجنّ، اشتق لهم اسمّ من الجنة، ومعه مَقَالِيدُ الجنان قال فاقَتتل الجنُّ وهو بنو الجان فيما بينهم وعملوا بالمعاصي وسفكوا الدماء وقتلوا بعضهم بعضا قال: فبعث الله إبليس ومعه جندُّ من الملائكة من السماء الدنيا، وهبطوا إلى الأرض، فأجْلوا مِنْها الجِنَّ وألحقوهم بجزائر البحور وأطراف الجبال وسكن إبليس والجنود الذين معه الأرض وخُفِّفَت عنهم العبادة، وهانت عليهم، وأحبوا المُكْثَ فيها بتخفيف العبادة، وكان اسم ابليس في الملائكة عَزَاَزِيل، وسمى إبليس حين غَضِبَ الله عليه. فلما أراد الله أن يَخْلُقَ آدمَ وذُرِّيَتَه فيكونوا هو عمار الأرض، قال للملائكة الذين هم مع إبليس في الأرض، ولم يعن الملائكة الذين في السماء) إنِّي جَاعِلٌ فِي الأرضِ خِلِيفَةً (ورَافِعُكُم منها إلى السماء. فوجدوا من ذلك وَجْدًا شديدا. أي شكوا لأن العبادة خُفِّفَت عليهم. فقالوا: ربنا) أتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ (يعني يعصيك فيها كما أفْسَدت الجنُّ بَنو الجانَّ، وسَفكوا الدماء.) ونحنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إنِّي أعْلَمُ مَاَلا تَعْلَمونَ (عَلِمَ من إبْلِيسَ المعْصية وخلقه لها، وكان الله ﵎ قد عَلِمَ أنَّهُ سَيَكُون مِن بني آدم أنبياء ورُسُل وقوّم صَالِحُون مَنْ يُسَبّح بِحمده، ويُقَدِّسُ له، ويطيع أمره.
وعن غيره عن ابن عباس قال: أعْمَرَ الله الارضَ بالجانّ وذريته، وكان إبليس من جُند من الملائكة، يقال لهم الجِنّ.
وعن الحسن: أنه من الجِنّ الذين من نار السموم. ولم يكن من الملائكة، ولكن كان بين ظهرانيهم ولم يكن منهم، وهو أصل الجن وأبوهم. ولم يكن جن قبله، كما أن آدم أصل الإنس وأبوهم، ولم يكن إنس قبله. وكذلك قال: كان إبليس من الكافرين، ولم يكن كافر قبله. وكذلك آدم من المؤمنين ولم يكن مؤمن قبله من الإنس.
وكان الحسن يَحْلِفُ بالله ﷿ أن إبليس لم يكن من الملائكة طَرْفَةَ عَيْن، ولكنه دخل في الأمر من الملائكة. وقد قيل إنه أُمِرَ بالسجود مع الملائكة وهو معهم، ويقول الحسن، يقول أصحابنا: لأنه خلق الملائكة من نور، وخلق الجان من نار.
وقال الحسن: أمر الله الملائكة بالسجود لآدم مَكْرُمَةً له على وجه العبودية، وأمر إبليس معهم بذلك وليس هو من الملائكة: لأن الملائكة خلقت من نور، وإبليس خُلِقَ من نار، وكان أسمه عَزَازِيل، وسمي إبليس لأنه أُبلسِ من الخيْرِأي أُوِيس منه، وهو المبلس البائس، والمبلس الحزين التندمِّ..قال الراجز
يا صاح هل تعرف رسما أملسا ... قال نعم أعرفه وأبلسا
وأهملت عيناه من فرط الأسى ويقال المُبِلْسُ المُتَحِّيُر المرتهن، ويقال: هو المفتضح. وقال:
وفي الوجوه صفره وإبلاس
والإبلاس الانكسار والحزن وقال أبو عبيدة. المُبْلِس هو الساكت مع الإياس وقال الأخفش إن الله جلَّ ثناؤه خلق الجان من قبل أن يخلق آدم، وكان إبليس منهم: وكانوا سكنون عمران الأرض واريافها وكان الله سبحانه يرسل إليهم الرسل منهم، وكلما جاءهم رسول كان إبليس يؤمن به ويتبعه والآخرون يجتمعون على قتله، حتى أهلكهم الله، ورفع إبليس إلى السماء، فذلك قول الملائكة ﵈ أتَجَعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ (لمَا رأت منهم، ولم تقل هذا إنكارا على ربها، وإنما هذا على الايجاب لا على الاستفهام، ولم تعلم الغيب وإنما قالت هذا لما رأت من ولد الجان.
وقيل إن الله تعالى لما لعن إبليس خلق منه زوجته الشيطانه مِن ضلعه الأيسر، كما خلقت حواء آدم من ضلعه الأيسر.
1 / 5
أبو هريرة: إن اسم امرأة إبليس أوه فيكره للمسلم أن يقول أوه. وولدها مثل الرمل، وسئل الشعبي عن اسم امرأة أبليس فقال: ذلك نكاح ما شهدته. ومما يدل على أن ذُريَّة إبليس تدخل أجواف الحيات أن أبليس دخل في جوف الحَيِّة، وإبليس لا يموت إلى يوم القيامة، وهو الوقت المعلوم: معناه الأجل المعلوم، وهو النفخة الأولى. وقال مقاتل: النفخة الآخرة. وقد اختلف في إنظار إبليس فقال قوم: إنه مُنْظَر إلى يوم القيامة، وقال قوم، بل هو مُنْظَر ولم يبين له الوقت. وكان إبليس يتصور لكفار قريش في صورة سُرَاقَة بن مالك بن جشم المُدْلجي ثم الكِناني، وعلى صورة الشيخ النجدي.
وقال أبو محمد ﵀: ولا يجوز لأحد أن يقول إن أحدا من بني آدم يَرَى إبليس، لأن الله تعالى يقول) إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوْ وَقَبِيلُةُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ (وكذلك من قال إن الجن يراهم بنو آدم، وإن الجن ينقلبون حَمَاما إن تاب وإلاَ بَرِئَ منه.
" ذكر الجن "
الجِنُّ جماعةُ وَلِد الجان: وجميعهم الجنة، وإنما سموا جنا لأنهم استجنوا من الناس واستتروا ولا يُرّوْن، والجان أبو الجن خلق من نار السَّموُم. ثم خلق منه نَسْلُه. وفي الجن حيُّ مِنْ أشرافهم يقال لهم بنو الشيطان. قال حسّان:
ولى صاحب من بنى الشيطان ... فحِنًا أقولُ وحينًا هُوه
وفي الجن حي فىّ يقال لهم الحِنّ، ويقال إن الجِنّ ضَعَفَةُ الجن كما أن الجنيّ إذا كفر وظلم وتعدى وأفسد قيل له شيطان، قال قويَ على البُنيان والحَمْل الثَّقيل وعلى استراق السمع فهو مارد، فإن زاد فهو عفريتٌ، فإن زاد فهو عَبْقَرِيّ. كما أن الرجل إن قاتل في الحروب فاقدم ولم يُحْجِم قيل هو الشُّجَاع، فإن زاد فهو بَطَل، فإن زاد قالوا: ليث هذا قول أبي عبيدة. وبعض يزعم أن الجن والجان جنسان مختلفان، وذهبوا إلى قول الأعرابي الذي أتى بعض الملوك ليكتب في الزَّمّني: إني لَزَمِن. قال:
من ظاهر الداء وداء مستكن ... أبيت أهوى في شياطين ترن
مختلف نجواهم جان وجن ودهُاَةُ الإنس وأبطالهم تسمى جنا، يقال للرجل إذا كان بطلا عاقلا ما هو إلا جِنَّيّ. وكذلك إذا استحسنت المرأة قالوا هذه جنية. قال الشاعر.
جنية. أمْ لَهَا جِنُّ يُعَلمُها ... رَمْىَ القُلُوبِ بَقَوْس مَالَها وَتَرُ
" ذكر خلق آدم ﵇ وذكر شيء من قصته "
قال ولما أراد الله ﵎ أن يخلق آدم صلوات الله عليه أمر جبريل ﵇ فقال إيتني من الأرض من زواياها الأربع من أسودها وأحمرها وطيبها وحزنها وسهلها؟ فلهذا وقع التفاوت بين العباج في الصورة والرحمة. فلما أتى جبريل الأرض ليأخذ منها فقالت: إني أعوذ بعزَّة الذي أرسلك إليّ ألا تأخذ مني اليوم شيئا يكون فيه نصيب للنار غدا. فرجع جبريل ولم يأخذ. وقال: يارب استغاثت الأرض بك فكرهت أن أقدم عليها. فبعث الله ﷿ ميكائِيل ﵇ وأمره كما أمر جبريل، فأجابت الأرض بجوابها الأوْل فرجع ميكائيل. فبعث الله ملك الموت ﵇ وأمره كما أمر ميكائيل. فاستغاثت الأرض بالله فلم يقبل. وأخذ من زواياها كما أمر الله سبحانه. قال فأُلْقِيَ حتى صار طينا لازِبًا.
قال: والطين اللازب الطين المُلْتَزِق، ثم تُرِك حتى صار حَمَأ مَسْنُونّا والحمأ المسنون الطين المنُتْن. ثم خلقه الله صورة، فكان أربعين يوما خلقًا حتى يبس، وكان صلصالا كالفخار. والصلصال الذي إذا ضربته صَلْصَل مثل الفخار - ثم تُرِك فَلَبِثَ جَسَدًَا لاروح فيه في طريق الملائكة أربعين سنة، وذلك قوله ﷿ هَلْ أتى عَلَى الإنْسَانِ حَيْنٌ مِنَ الَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورا (. والحين الأربعون التي مرت عليه قبل أن تُنفخ فيه الروح - لم يكن شيئا مذكورا يعني خلقا معروفا - فجعلت الملائكة يَنْحِرِفُون عليه ويتعجبون من خلقه، وأشفق منه عَدُوُّ الله إبليس أي خاف منه حين نظر إليه.
1 / 6
وفي نسخة قال: وتعجبت الملائكة الذين مع إبليس من خلق آدم، ولم يكونوا رأوا شيئا مما خلق الله يُشْبِههُ وكان يطوف به ويقول: إني أرى مخلوقا يكون له بنلء ثم قال للملائكة الذين في الأرض معه: أرأيتم هذا الذي لم تروا شيئا من الخلق يشبهه ان فضل عليكم وامرتمبطاعته ما أنتم فاعلون؟ قالوا: نطيع أمر رَبَّنا ونَفْعَلُ الذي ويأمْرِنَا به. وأسَرَّ إبليسُ في نفسه خاصةً المعصية، فقال: لئن فُضِّلْتَ عليه لأهْلِكَنَّة، ولئن فَّلَ علي لا أطيعهُ.
قال الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: إن الملائكة حين عَجِبَت من آدم قال لهم إبليس: أرأيتم هذا المخلوق الذي لم تروا مثل صورته إن فُضِّل عليكم ما أنتم صانعون؟ قالوا، نطيعُ أمْرَ ربنا ونفعلُ ما يأمُرنا به. فقال إبليس في نفسه: إن فَضِّل عليَّ لا أطيعه، وإن فضِّلْتُ عليه لأهلكنه. فعلم الله ما أظهرت الملائكة من قولها، وما كتم إبليس عَدوَّ الله في نفسه من العداوة لآدم.
وكانت صورة آدم حين صوّرة الله جَعَل طُوله خَمسمائة عام - وفي نسخة خمسمائة ذراع - وقيل إن إبليس مضى عليه فضرب ظَهْرَه وبَطْنَه. فسمع رنينا فقال: إن هذا خَلْقٌ ضَعِيف يأكل ويشرب، وإن له شأنا من الشأن.
وقيل إنه مر به يوما فنسخه برجله وبزق عليه، فوقعت البزاقة في بطنه، فقيل إن الله أمر أن تقلع بزاقة إبليس من بطن آدم فقُوَّرَت وإن موضعها السُّرة من بطن آدم.
قال، كان مجاهد يقول: إن أول شيء صُوَّر في آدم الَّكَر، فقيل له يا آدم هذه أمانة فلا تضعها إلا في موضعها حيث يُّؤمر به.
وروى عن عبد الله بن سلام: سُئِل رسول الله ﷺ عن آدم كيف خلق؟ قال: خلق الله ﷿ آدم، رأسه وجبهته من التُّربة التي هي موضع الكعبة. وخلق ثدييه من بيت المَقْدس، وخلق فخذيه من أرض اليمن، وخلق ساقيه من أرض مصر، وخلق قدميه من أرض الحجاز، وخلق يده اليمنى من أرض المشرق، وخلق يده اليسرى من أرض المغرب، وخلق جسده من أرض الطائِف، وخلق قُبله ودُبُره من السهل والجبل، وخلق كبده وقلبه من أرض الموصل، وخلق طُحاله ورئتيه من أرض الجزيرة.
وعن ابن عباس قال: خلق الله آدم بعد العصر يوم الجمعة، خلقه من أديم الأرض كلها، أسودها، وأحمرها، وطيبها وخبيثها، فلذلك كان في ولده الأسودُ والأحمرُ والطيِّب والخبيث. ويقال: إنما سمى أدم لأنه خلق من أديم الأرض. ثم نفخ الله ﷿ في آدم الروح بعد أربعين سنة، ولم تجر النفخة في شيء من بدنه إلا صار لحما ودما وعروقا ومفاصل، فلما بلغ الروح سُرَّته جعل يَعْجَل ويُريُد أن يقوم وينزو، فذلك قوله تعالى) خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَل (و) وّكّانّ الإنْسَانُ عَجُولًا (. فلما بَلَغَ الروح قدميه استوى جالسا فقال: الحمد لله رَبِّ العالمين، يقول: الشكر لله الذي خلقني وكانت أول كلمة تكلم بها آدم - فردّ عليه رَبَّه سبحانه: يرحمك ربك، لهذا خلقتك لِكَيْ تُسَبِّحَ وتُقَدِّسَ. وسبقت رحمته غضبه، فجعل رحمته على آدم، وغضبه على أبليس.
وفي نسخه قال: لما نفخ في آدم أولُ مكانه دخل فيه الروح دماغه فانحدر الروح من دماغه إلى عينيه فأبصر بهما، فقيل له: يا آدم هذه دلالة على ما تُؤمَر به، ثم انحدر الروح إلى خياشيمه عطس فلما فرغ من عُطاسِه وبلغ الروح إلى فيه تكلَّمَ فألهمه الله الحمد لله رب العالمين، فقلها، فألهمه ربُّه أي إنما خلقتك بيدي لكي تحمدني، فهو الحديث الذي ذكر أن الله يقول " سَبَقَتْ رَحْمَتي غَضبي " يقول سبقت رحمتي إلى آدم قَبْلَ الغضب إلى إبليس، ثم انحدر الروح إلى صَدْره فعالج نفسه ليقوم، ففي ذلك يقول) وكَانَ الإنْسَانَ عَجُولًا (ثم انحدر الروح إلى قدميه فاستوى قائما، ففي ذلك قول الله) لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسَانَ في كَبَد (أي في انتصاب ليس شيء من الخلق إلا وهو مُكِبُّ على وجهه إلا ابن آدم - ويقال الكَبَدَ: الشَرَه - قيل فلما أكمل الله خلق آدم أسْجَدَ له ملائِكتَه تَكْرِمَةً له لا عَلَى وجه العبودية. وكان إبليس في الأمر معهم فأبى وأستكبر وعصى ربَّه حَسَدًا لآدم ﵇.
1 / 7
وفي نسخة: إن الله تعالى ألقى على وَجْهِ آدم النُّعاسَ فخلقَ من ضلعه الأيسر حَوَّاءْ - فأنْتَبَه آدمُ من رَقْدَتِه وإذا حَواء جالسة عند جنبه فقال آدم: عَظْمٌ من عظمي ولَحْمٌ مِنْ لَحْمي. قال: فمن أجل ذلك يترك الرجل أباه وأمَّه ويتبع امرأته ويكونان كليهما جِسمًا واحدا. ثم زوجهما من بعضهما بعض، وأسكنهما الجنة، وبَوَّأهما فيها يأكلان منها رغدا حيث يشاءان من نعيمها، وحذَّرَهُما من أكل الشجرة التي نهاها عنها، وهي البُرَّة، وقيل الكرْمُ، وقيل التين - والله أعلم - فلم يزالا كذلك حتى غَرَّهَمُا الشيطانُ فأكلا من الشجرة التي نهاهما ربهما عن أكلها، فأخرجهما من الجنة، وأهبطهما إلى الأرض. وكان من قصتهما ما ذكر الله في كتابه.
قال ابن قتيبة: خلق الله آدم يومَ الجمعة، ومكث في الجنة ثمانية أيام وكان أولّ شيء أَكَلاَه في الجنة العِنَب، وكانت الشجرة التي نهيا عنها شجرة البَّرِّ، وكان الله أخدم آدم الحِّية، وكانت أحسن خلق الله، لها قوائم البعير، فعرض إبليس نفسه على دواب الأرض كلها أن تدخله الجنة، فكلها أبى إلا الحية، فإنها حملته بين نابين من أنيابها، ثم أدخلته الجنة حتى أنتهت به إلى حواء، فكلَّمها من جوف الحية فقال لها: إنكما لا تموتان إن أكلتما من الشجرة التي نهاكما رَبّكما عنها. وقال لها: إنها شجرة الخُلْد ومُلْكٌ لا يبلى، ولم " يزل " يغرهما حتى أخذت من ثمرتها فأكلت وأطعمت آدم، فانفتحت أبصارهما وعلما أنهما عُرْيَانَان، فعند ذلك تساقطت عنهما كُسْوَتُهًما وحليهما، فوصلا من ورق الشجرة وهي التّين فاصطنعاه إزارا، وغضب الله عليهما فأهبطهما من الجنة إلى الأرض.
عن ابن اسحاق قال: حُدِّثْتُ أن الشيطان أول ما ابتدأهما به من طَيْدِهِ إيَّاهما أنه ناح عليهما نِيَاحَةً أحزنتهما حين سمعاها. فقالا له: ما يبكيك؟ قال أبكي عليكما، تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة والكرامة. فوقه ذلك في أنفسهما، ثم أتاهما فَوْسَوسَ إليهما) قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الخُلْدِ وَمَلْكِ لاَ يَبْلَى (وقال) ما نَهَاكُمَا رَبُّكُما عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكْينِ أو تَكونا مِنَ الخَالِدينَ، وقَاسَمَهُمَا إنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِين (أي تكونان ملكين أو تخلدان - إن لم تكونا ملكين - في نعمه الخلد فلا تموتان.
يقول الله تعالى) فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ (.
حدثنا يونس، أخبرنا ابن وهب، قال ابن زيد في قوله ﷾ فَوَسْوَسَ (وَسْوَسَ الشيطان، إلى حواء في الشجرة حتى أتى بها إليها ثم حَسَّنها في عين آدم قال فدعاها آدم لحَاجَته فقالت: لا إلا أن تأتي هاهنا، فلما أتى قالت: لا إلا أن تأكل من هذه الشجرة. فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما.
قال: وذهب آدم هاربا في الجنة. فناداه ربَّه ﵎: يا آدم، أمنِّي تَفِرُّ؟ قال لا يارب، ولكن حياءً منك. قال: يا آدم أني أُوتيت؟ قال: من قبل حواء يا رب. فقال الله ﵎ فإن لها عليّ أن أَدْمِيها في كل شهر مرَّة كما أدْمَت هذه الشجرة، وأن أجعلها سفيهة وقد خلقتها حليمة، وأن أجعلها تحمل كُرْهًا وقد كنت جعلتها تحمل يُسْرًا وتضع يُسْرًا.
قال ابن زيد، ولولا البَلِيَّة التي أصابتْ حوَّاء لكان نساء أهل الدنيا لا يَحضْن، ولكُنّ حليمات، ولَكُنَّ يَحْمْلْنَ يُسْرًا ويضعْنَ يُسْرًا.
" ذكر هبوط آدم وحواء من الجنة إلى الأرض "
فلما واقع آدم وحواء - الخطيّة أخرجهما الله من الجنة، وسلبهما ما كانا فيه من النعمة والكرامة، وأهبطهما وعدُوَّهما إبليس من الجنة إلى الأرض. فقال لهم ربهم) اهْبِطُوا بَعْضُكُم لِبَعْضِ عَدُوّ (فكان مهبط آدم حين هبط من حنة عدن في شرقي أرض الهند، وأهبط الله حواء بجدة، والحيّة بالبرية وابليس على ساحل بحر الابْلَّة وقد قيل إبليس بميسان والحية، بأصبهان.
وقال ابن اسحاق صاحب المغزي، ويذكر أهل العلم أن مهبط آدم على جبل يقال له واسم من أرض الهند عند واد يقال له هيل، وهو جبل بين قرى الهند واليوم يدعى الدهنج والمندل وهما بلدان بأرض الهند والدهنج ضرب من الجوهر، والمندل العود، والعرب تنسب الطيب إلى المندل.
قالوا: وأهبطت حَوَّاء بجدة من أرض مكة.
1 / 8
هشام بن محمد، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: أهْبِطَ آدم بالهند وحواء بجدة، فجاء في طلبها حتى اجتمعا فازدلفت إليه حواء، فلذلك سُمِّيت المُزَدَلِفة، وتعارفا بعرفات، فلذلك سُمِّيَت عَرَفات، واجتمعا بجمع فلذلك سميت جمعًا. قال: وأهبط آدم على جبل بالهند يقال له نود.
وروي عن رسول الله ﷺ أنه قال. خلق الله آدم يوم الجمعة، وفيه أهْبِط، وفيه تُوُفي آدم، وفيه ساعة لا يسأل العبد فيها شيئا إلا أعطاه الله، مالم يسأل مأثمًا أو قطيعة رَحِم، وفيه تقوم الساعة، وما من ملك مقرب وسماء ولا جبل ولا أرض ولا ريح ولا بحر إلا هو مشفق من يوم الجمعة أن تقوم فيه الساعة.
وروي عنه ﷺ أنه قال " خير يوم طلعت الشمس عليه يوم الجمعة، فيه خلق الله آدم، وفيه أسكنه الجنة، وفيه أخرجه منها ".
وعن أبي هريرى قال قال رسول الله ﷺ " سيد الأيام يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة ".
وبإسناده، عن سعد ابن عبادة، عن رسول الله ﷺ قال " إن في الجمعة خمس خلال، فيه خلق الله آدم، وفيه أهبط الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل العبد فيها شيئًا إلا، أعطاه ما لم يسأل مأثما أو قطيعة رحم، وفيه تقوم الساعة، وما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا جبل وريح إلا وهو مشفق من يوم الجمعة ".
قال: ومسخ الله الحية وجعلها تمشي على بطنها، وتأكل التراب، لإدخالها إبليس الجنة، وجعل بينها وبين آدم وحواء العداوة وابتلى حَوَّاء بكثرة الأوجاع. والحيض، والحبل، والولادة، بالألم وتُرَدُّ إلى بعلها ويكون مُسَلَّطا عليها.
وقال لآدم: ملعونة الأرض من أجلك وتنبت الحاج والشوك وتأكل منها بالشقاء ورشح الجبين، حتى تعود إلى التراب من أجل أنك تراب. وسمى الله ﷿ امرأته حَوَّاء، لأنها أم كل حَيّ وألبسها وإياه سَرَابِيل مِنْ جُلُود.
وقيل: إن آدم لما علم بخطيئته بكى واشتد بكاؤه على خطيئته، وندم عليها، وسأل الله قبول توبته وغفارن خطيئته، فقال في مسألته إياه ما شاء من ذلك كما حُدِّثنا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) فَتَلَّقى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْه (قال: أي يا رب، ألم تخلقني بيدك، قال بلى. قال: أي يا رب ألم تَنْفُخ فيّ من روحك؟ قال: بلى. قال: أي يا رب، ألم تُسْكِنّي جنتك؟ قال: بللا. قال أي يا رب، ألم تَسْبِقْ رحمتك غضبَك؟ قال بل. قال: أرأيت إن تُبْتُ وأصلحتُ أرَاجعي أنت إلى الجنة؟ قال: بلى، فهو قوله تعالى) فَتَلَقَّى آدمُ مِنْ رَبّه كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلْيه (.
وقيل في قوله تعالى) فَتَلَقّى آدَمً مْنِ رَبّه كَلَمَاتِ (قال الحسن: إنما قالا) ربنا ظَلَمْنَا أنْفُسَنَا وإنْ لَمْ تَغْفِر لَنَا وتَرحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرين (.
قال ولما تاب الله على آدم وأمره أن يسير إلى مكة، فطوى له الأرض وقبض عنه المفاوز فلم يضع قدمه في شيء من الأرض إلا صار عُمْرَانًا، حتى انتهى إلى مكة، فذكر: أنه التقى هو وحواء بَعَرَفات فتعارفا فسُميَّت عَرَفات، واجتمعا بجمع فسُميَّت جمعا.
1 / 9
وعن عطاء بن ابي رياح وغيره قال: لما أهبط الله آدم من الجنة كان رجلاه في الأرض ورأسه في السماء يسمع كلام أهل السماء ودعاءهم فيأنس إليهم، فهابته الملائكة حتى شكت إلى الله في دعائها وفي صلاتها، فخفضه الله ﷿ إلى الأرض، حتى صار ستين ذراعا، فلما فقد ما كان يسمع منهم استوحش حتى شكا ذلك إلى ربه في دعائه وفي صلاته فقال: ربي كنتُ جارَك في دارَك، ليس لي ربّ غيرك، ولا رقيب دونك، آكل فيها رغدا، وأسكن حيث أحببت، فأهبطتني إلى هذا الجبل المقدس، فكنت أسمع أصوات الملائكة وأراهم كيف يحفون بعرشك وأجد ريج الجنة وطيبها، ثمّ أهبطتني إلى الأرض، وحططتني إلى ستين ذراعا، فقد انقطع عني الصوت والنظر، وذهب عني ريح الجنة، فأوحى الله إليه: بمعصيتك يا آدم فعلتُ ذلك بك. ثم أوحى الله إليه: أن لي حَرمًا بحيال عرشي فانطلق فابن لي بيتا فيه ثم حفّ به كما رأيت الملائكة يحفون بعرشي فهنالك أستَجِيبُ لك. ولولدك من كان منهم في طاعتي. فقال آدم: أي رب، وكيف لي بذلك؟ لست أقوى عليه ولا أهتدي له! فقيض الله له ملكًا فانطلق به نحو مكة، فكان آدم إذا مرَ بروضة ومكان يعجبه قال للملك: انزل بنا ها هنا. فيقول الملك: مكانك حتى قدم مكة، وكان كل مكان قدم نزل فيه صار عمرانا، وكل مكان تَعداه صار مفاروز وقفارا وكلما وضع قدمه صار قرية، وما بين خطوتيه مفازة، حتى انتهى إلى مكة، وأنزل الله ياقوته من ياقوت الجنة، وكانت موضع البيت فبنى آدم البيت من خمسة أَجبُل، من طور سيناء، وطور زيتون، ولبنان والجُودِىّ وبنى قواعده من جرا، فلما فرغ من بنائه خرج به الملك إلى عرفات فأراه المناسك كلها التي يفعلها الناس اليوم، ثم قدم به مكة فطاف بالبيت أسبوعا، ثم رجع إلى الهند فمات على بُوذ.
ثم رفعت تلك الياقوته حتى بعث الله إبراهيم فبوأه الله له فبناه، فذلك قوله ﷿ وإذ بَوَّأَنا لإبراهيم مَكَان البيت (وفي موضع آخر: إن البيت أُهبط ياقوته واحدة أو دُرة حتى إذا أغرق اللهُ قوم نوح دفعه وبقى أساسه، فبوأه الله لإبراهيم فبناه.
وذكر أن الله ﵎ لما أنزل آدم من الجبل الذي أُهبط فيه إلى سفحه مَلّكه الأرض عليها والبهائم والدواب والوحش والطير وغير ذلك، وأن آدم ﵇ لما نزل من رأس ذلك الجبل وفقد كلام أهل السماء، وغابت عنه أصوات الملائكة، ونظر إلى سعة الأرض وبسطها، ولم ير فيها أحد غيره استوحش فقال: يارب، أما لأرضك هذه عامرٌ يُسبحُ بحمدك ويقدس لك غيري؟ فقال الله تعالى: إني سأجعل فيها من وَلَدِكَ مَن يُسبح بحمدي ويقدُّسِني، وسأجعل فيها بيوتًا تُرفع لذكرى، ويُسبح فيها خلقي، ويذكر فيها اسمي، وسأجعل من تلك البيوت بيتا أَخُصُّهُ بكرامتي وأُثره باسمي، وأسميه بيتي وأنطقه بعظمتي أجعل ذلك البيت حرما فيه بحرمته من حوله، ومن تحته، ومن قوته، فمن حرمه بُحرمتي استوجب بذلك كرامتي، ومن أخاف أهله فيه فقد أخفر ذِمَّتي، وأباح حُرمتي. أجعله أوّل بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا، يأتونه شُعثًا عُبرًا على كل ضامر يأتين من كل فج عميق - يرُجُّون بالتلبية رجيجا، وتثجون بالبكاء ثجيجا، ويعجُّون بالتكبير عجيجًا، فمن اعتمده لا يريد غيره فقد وفد إلى وَزَارني وضافني وَحَق على الكريم أن يُكرم وفده وأضيافه، وأن يُسعف كُلاَّ بحاجته. عمره بعُمرةٍ يا آدم ما دُمت حيًا، ثم تُعمره الأمم والقرون والأنبياء من ولدك، أُمة بعد أمة وقرنا بعد قرن.
ثمأمر آدم. فيما ذكر - أن يأتي البيت الحرام الذي أُهبط له إلى الأرض فيطوف به كما تطوف الملائكة حول عرش الله، وكان ذلك ياقوته واحدة أو دُرّة واحدة، حتى إذا أغرق الله قوم نوح رَفَعه وبقي أساسه فبوأه الله لإبراهيم فبناه. وعن قتادة قال: وضع الله البيت مع آدم، وكان آدم رأسه في السماء ورجله في الأرض، وكانت الملائكة تهابه، فنقص إلى ستين ذراعًا، فحزن آدم، وفقد أصوات الملائكة وتسبيحهم، فشكا ذلك إلى الله تعالى، فأوحى الله إليه: يا آدم إني قد أهبط لك بيتًا تطوف به كما يطاف حول عرشي، وتصلي عنده كما يصلى حول عرشي. فأنطلق إليه يا آدم فخرج ومَدَّ لهُ في خطوة فكان ما بين كل خطوة مفازه، فلم تزل المفاوز بعد ذلك فأتى آدم البيت فطاف به، ومن بعده الأنبياءُ.
1 / 10
قال هشام بن محمد، أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: أنزل الله آدم ومعه حين أهبط من الجنة الحجر الأسود، وكان أشد بياضا من الثلج وبكى آدم، وحواء على ما فاتهما من نعيم الجنة. مائتي سنة، ولم يأكلا ولم يشربا أربعين يوما. ثم أكلا وشربا، وهما يومئذ على بوذ الجبل الذي أهبط عليه آدم، ويقرب حواء مائة سنة.
عن أبي يحيى بائع القت قال: قال لي مجاهد ونحن جلوس في المسجد: هل ترى هذا؟ قلت: يا أبا الحجاج. الحَجَر قال: كذلك؟ تقول. قلت: أو ليس حجرًا قال فوالله لَحَدثني عبد الله بن عباس أنها ياقوته بيضاء، خرج بها آدم من الجنة، كان آدم يمسح بها دموعه. قلت له: يا أبا الحجاج، فمن أي شئ اسود قال: كان الحّيض يلمسنه في الجاهلية.
فخرج آدم من الهند يؤُم البيت الذي أمره بالمسير إليه حتى أتاه، فطاف به ونسك المناسك، فَذكر أنه التقى هو وحوّاء بعرفات فتعارفا بها. ثم ازدَلَف بها المُزلدفة، ثم رجع إلى الهند مع حوّاء، فاتخذا مغارة يأويان إليها في ليليهما ونهارهما، فأرسل الله إليهما مَلَكَّا فعلَّمهما ما يلبسانه ويستتران به، فزعموا أن ذلك كان من جلود الضأن والأنعام والسباع.
ويروي عن مجاهد أنه قال: لقد حدثني عبد الله بن عباس: أن آدم نزل حين نزل بالهند، ولقد حج منها أربعين حجة على قدميه. فقيل له: يا أبا الحجاج ألا كان يركب؟ وأي شئ كان يحمله، فوالله إن خطوة مسيرة ثلاثة أيام، وإن رأسه كاد ليبلغ السماء، فشكت الملائكة منه، فَهَمَزة الله همزة فتطأطأ مقدار أربعين سنة.
حدثنا هشام ابن محمد، عن ابي صالح، عن ابن عباس قال: نزل آدم ومعه ريح الجنة، فعلق بشجرها وأوديتها فامتلأ ما هنالك طيبًا. يعني على الجبل الذي أهبط عليه آدم بأرض الهند. فمنه كان أصلُ الطيب كلَّه، وكل فاكهة لا توجد إلا بأرض الهند.
وقالوا: نزل معه من طيب الجنة، وقالوا: وأنزل معه الحجر الأسود، وكان اشد بياضا من الثلج، وعصا موسى وكانت من آس الجنة، طولها عشرة أذرع على طول موسى ومرّ ولبان، ثم أُنزل عليه بعد السندان والمطرقة والكلبتان، فنظر آدم حين أُهبط على الجبل إلى قضيب من حديد نابت على الجبل فقال: هذا من هذا، فجعل يكسر أشجارًا قد عتقت ويبست بالمطرقة، ثم أوقد على ذلك القضيب حتى داب وكان أول شئ ضربه مُدية، وكان يعمل بها ثم ضرب التنور، وهو الذي ورثه نوح، وهو الذي فار بالعذاب بالهند، وكان آدم حين، أهبط يمسح رأسه السماء، فمن ثم صلع، وأورث ولده الصَّلع، ونفرت من طوله دواب البر، فصارت وحشًا من يومئذ، وكان آدم ﵇، وهو على ذلك الجبل اقائم يسمع أصوات الملائكة، ويجد من ريح الجنة، فَحط من طوله ذلك إلى ستين ذراعا، وكان ذلك طوله إلى أن مات، ولم يُجمع حُسن آدم لأحد من ولده إلا ليوسف ﵇.
قال: وكان آدم أمرد، وإنما نبتت اللحي بولده بعده، وكان طويلا كثير الشعر أجعد، جميل الصورة، ولما أُهبط الله آدم إلى الأرض حرث، وغزلت حواء الشعر، وحاكته بيدها.
وقيل إن من الثمار التي زَوَدَ الله، بها آدم حين هبط إلى الأرض ثلاثين نوعا، عشرة في القشور، وعشرة لها نوى، وعشرة لا قشور لها ولا نوى. فأما التي هي في القشور فمنها: الجوز، واللوز، والفستُق، والبندق، والخشخاش، والبلوط، والشاه بلوط، والنارنج، والرمان، والموز. وأما التي لها نوى فمنها: الخوخ والمشمش، والإجاص، والرطب، والغبير، والنبق، والسفرجل، والزعرور، والعُناب، والمقل، والشاهلوج. وأما التي لا قشور لها ولا نوى: فالتفاح، والسفرجل والكمثرى، والعنب، والتوت، والتين، والأترنج، والخروب، والخيار، والبطيخ.
1 / 11
وقيل. كان مما خرج به آدم معه من الجنة صرَّةٌ من حنطة، وقيل إن الحنطة إنما جاءه بها جبريل ﵇ بعد أن جاع آدم واستطعم ربه ﵎، فبعث الله إليه مع جبريل تسع حبات من حنطة، فوضعها في يد آدم ﵇، فقال آدم لجبريل: ما هذا؟ فقال جبريل: هذا الذي أخرجك من الجنة، وكان وزن الحبّة منها مائة ألف درهم، فقال آدم: ما أصنع بهذا؟ قال: انثره في الأرض. ففعل، فأنبته الله من ساعته، فجرت سُنة في ولده البذر في الأرض. ثم أمره فحصده، ثم أمره فجمعه وفركه بيده، ثم امره أن يذريه، ثم أتاه بحجرين فوضع أحدهما على الآخر فطحنه، ثم امره أن يعجنه، ثم أمره أن يخبزه ملة. وجمع له جبريل الحجر فقدحه فخرجت منه النار. فهو أول من خبز الملة.
قال أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري في هذا القول: وهذا الذي حكيناه عن قائل هذا القول خلاف ما جاءت به الروايات عن سلف أمة نبينا محمد ﷺ، وذلك ان المثنى بن إبراهيم الآملى: حدثني قال. حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق قال اخبرنا سفيان بن عيينة وابن المبارك عن الحسن عمارة عن المنهأل بن عمرو عن سعيد بن جُبير. عن ابن عباس قال: كانت الشجرة التي نهى الله تعالى عنه آدم وزوجته السُّنبلة، فلما أكلا منها بدت لهما سوءاتهما، وكان الذي وارى عنها سوءاتهما أظفارهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة - ورق التين - يلصقان بعضه إلى بعض، فانطلق آدم موليًا في الجنة، فأخذت برأسه شجرة من الجنة، فناداه ربه ﵎: يا آدم أمني تفر؟ قال: لا: وكني استحييت يا رب، فقال: أما كان لك فيما منحتك من الجنة وأبحتك منها مندوحة عما حرَّمت عليك؟ قال: بلى: ولكن وعزتك وجلالتك ما حسبت ان أحدًا يحلف بك كاذبًا، قال: وهو قول الله تعالى) وَقَاسَمهُما إني لكُما لَمِنَ النَّاصِحين (قال: فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض. فلا تنال العيش إلا كذا. قال فأهبط من الجنة، وكانا يأكلان فيها رغدا، فأهبط إلى رغد من طعام وشراب، فعُلَّم صنعه الحديد، وأمر بالحرث فحرث وزرع، ثم سقى حتى إذا بلغ حصده ثم داسه، ثم ذَرَّاه، ثم طحنه، ثم عجنه، ثم خبزه، ثم أكله.
وقيل أهبط إلى آدم ثور أحمر، وكان يحرث عليه ويمسح العرق عن جبينه نفهو الذي قال الله) فَلا يُخرِجَنَّكما من الجنة فتشقى (واكن ذلك شقاوة، قال أبو جعفر فهذا الذي قاله فهو اولى بالصواب، وأشبه بما دلَّ عليه كتاب الله ﷿.
وقد قيل إن آدم نزل ومعه السَّندان والمطرقة والكلبتان والميعة.
وأول من زرع وغرس وتكلم بالعربية آدم ﵇ فلما عصى ربه أُنسي العربية، وكان كلامه السُّريانية، فلما تاب الله عليه بعد مائتي عام ورحمه رَدَّ عليه العربية.
أبو عثمان: أُهبط آدم إلى الهند، وهي أقرب الأرض إلى السماء، وعليه إكليل من الجنة، فتحات منه، فوقع، فنبت منه هذا العود اليلنجوج الذي في الهند.
سعيد بن جبير قال: لما أُهبط آدم إلى الأرض كان فيها نسر وحُوت ولم يكن غيرهما. فلما رأى النسر آدم. وكان يأوى إلى الحوت فيبيت عنده كل ليلة، قال: يا حوت، لقد هبط اليوم من يمشي على رجليه ويبطش بيديه، فقال له الحوت: لئن كنت صادقا مالي في البحر ماحأكا ولا لك في البر منجرٌ.
وقيل والله أعلم: إن آدم أُهبط إلى الأرض وحرث، قال: فضرب يوما الثور الذي كان يحرث عليه، فقال له الثور: يا آدم ولم تضربني؟ قال: لأنك عصيت، فقال: يا آدم كل من عصى استحق العقاب؟ قال: ففطن آدم ﵇، أو كما قيل والله أعلم.
وقيل خُلق آدم يوم الجمعة، ومكث في الجنة ستة أيام. وكان أول شئ أكلاه في الجنة العنب، والشجر التي نُهِيَا عنها البُرَّ.
وقال ابن عباس،: خلق آدم مختُونًا ونُوحٌ وسام بن نوح وإسماعيل ولوط وعيسى ومحمد ﷺ وعليهم أجمعين.
قصة قَابِيل وهَابِيل ابني آدم
اختلف أهل العلم في اسم قابيل بن آدم، قال بعضهم: هو قَبن بن آدم وقال بعضهمهو قابين بن أدم وقال بعضهم هو قابيل وكذلك في اسم هابيل، قال بعضهم: هو هابيل، وقال بعضهم: هو هائيل.
1 / 12
وكان من قصة قابيل وهابيل ابني آدم صلوات الله أنه كان لا يولد لآدم مولودٌ إلا وُلد معه جارية، فكان يُزوج غلام هذا البطن من جارية البطن الآخر. حتى وُلد له ابنان، يقال لأحدهما قابيل وللآخر هابيل، وكان قابيل صاحب زرع، وكان هابيل صاحب ضرع، وكان قابيل أكبرهما، كانت له أخت أحسن من أخت هابيل، وإن هابيل طلب أن ينكح أخت قابيل فأبى عليه، وقال: هي أختي، ولدت معي، وهي أحسن من أختك، وأنا أحق أن أتزوجها. فقال له أبوه: يا بني تُقرب قُربانا ويقرب أخوك هابيل قُربانا، فأيكما قَبِل الله قربانه فهو أحق بها. وكان قابيل على حرث الزرع، وكان هابيل على رعاية الماشية. فقرّب قابيل قمحًا وقرب هابيل أبكار غنمه. وقيل كبشا، وبعضهم يقول: قرب بقرةً. فأرسل الله نارا بيضاء فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل، وبذلك كان يُتَقبَّل القربان.
وكانا قربا القربان. بمنى. ثم صار مذبح الناس هناك إلى اليوم.
وفي موضع آخر فقرب هابيل جذعة سمينة، وقرب قابيل حُزمة سُنبَل، فوجد فيها سُنبُلة عظيمة ففركها فنزلت النارفأكلت قربان هابيل وتركت قُربان قابيل، فغضب قابيل وقال: لأخيه هابيل:) لأقتلنك (حتى لا تنكح أختي. ف " قال " هابيل) إنما يَتَقبَّل الله مِن المتقين لئِن بَسَطتَ إلى يَدَكَ لِتَقُتلَني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين (إلى قوله فطوعت له نفسه قتل أخيه فطلبه ليقتله فراغ الغلام منه في رؤوس الجبال، فأتاه يوما من الأيام وهو يرعى غَنَمه في جبل وهو نائم فوضع صخرة فشدخ بها رأسه فمات، فتركه بالعراء ولا يعلم كيف يدفن، فبعث الله غُرابا فوقع على الحجر الذي دفع به، فجعل يَمْسَح الحَجَر بمنقاره، وبعث الله غرابًا من السماء فأقبل يهوى حتى وقع بين يدي الغُراب الأولّ، فوثب العرابُ الأوَل على الغراب الآخر فقتله، ثم رجع يَحْفُر بمنقاره، ويبحث برجليه في الأرض لُيريَه كيف يُّوارِي سَوْأة أخيه، ثم اجْتَّرهُ حتى وَارَاهُ. وابن آدم ينظر إلى أخيه، ثم فندم على ما صنع به، فقال) ياَوَيْلَتي أعَجَزْتُ أنْ أَكَونَ مثلَ هذا الغراب فأُواَرِي سَوْأهَ أخِي، فأصْبَحَ مِنَ النَّادِمِين (فلم يُوَارِه واحتملهُ هاربًا حتى أتى به واديًا من أودية اليَمَن في شَرِقي عَدَن، وبلغ الخْبر إلى آدم فأقبل فوجده قتيلًا والأرض قد نشَّفت دَمَه فلعنها. فمن أجل لعنته لا تُنَشِّف الأرضُ دمّا بعد دَمِ هابيل إلى يوم القيامة، وأنبتت الشَّوْكَ زَمَاناَ للعنته.
ثم أن آدم حمل ابنه على عاتقه يدور به في البلاد أربعين عاما لا تجف دُمُوعه، ثم دفنه، فكلن أول نَسْمَة دُفنت في الأرض.
وفي قابيل وفي أبليس نزلت) رَبَّنا أَرِنَا اللَّذَيْن أَضَلاَّنَا مِنَ الجِنّ والإنْسِ (الأية. يعني قابيل لأنه أول من سن القتل وكُلُّ مقتول إلى يوم القيامة له فيه شِرْك، وقيل: إنه لما قتل قابيل أخاه هابيل بَكاه آدم ﵇ فقال:
تَغَيَّرت البلادُ ومنَ عليها ... فوجهُ الأرض مغُّبر قَبيح
تغَير كُلَّ ذي لَوْن وطَعْم ... وقَلَّ بشاشهُ الوَجه الصبيح
أهابِلُ إنْ قُتِلْتَ فإن قَلْبي ... عليك اليومَ مُكْتَئِبُ قَرِيحَ
وقتل قابيل هابيلًا أخاه ... فوا أسفا عَلَى الوَجه المليح
وَيا أسفًا على هَابيلَ ابني ... قتيلًا قَد تَضَمَّنهُ الضَّريح
وجاوزنا لَعِيُن ليس يَعْني ... عَدُوَّ ما يموت فنستريح
قيل فأجابه إبليس اللعين فقال:
تَنَحَّ عَن البِلادِ وسَاكِنها ... ففي الفِرْدوس ضَاقَ بك الفسيح
وكنتَ بها وزوُجك في رخاء ... وقلبُك من أذى الدنيا مَريح
فما انفكت مُكَاَيَدَتي ومَكْرِي ... إلى إن فاتك الثَمنُ الرّبيح
ولوْلاَ رَحْمةُ الجَبار أضحى ... بِكَفكَ مِن جِنان الخُلْدِ ريح
" ذكر أولاد آدم ﵇ "
قال: كان لا يولد لآدم مولود إلا وُلِد مَعَهُ جارية، وكان يُزَوَّج غلام هذا البطن بجارية البطن الآخر ويزوج غلام هذا البطن جارية هذا البطن، حتى وُلَدَ له قابيل وهابيل وكان من أمرهما ما ذكرنا.
1 / 13
قال وهب: إن آدم يولد له في كل بكن ذكَرُّ وأنثى، وكان الرجل منهم يتزوج إلى أخواته من شاء إلا تَوْأمته، حتى كان من أمر قابيل وهابيل حين عزم هابيل أن يتزوج إقليما أخت قابيل ما كان وكانت حواء فيما يُذكر لا تحمل إلا توأمًا ذكرا وأنثى، فولدت حواءُ لآدم أربعين ولدًا توأما لصُلْبه من ذكر وأنثى في عشرين بطنا، فكان الرجل منهم أيَّ أخواته شاء يتزوج إلا توأمته التي تولد معه، فإنها لا تحل له وذلك أنه لم تكن نِساء يومئذ إلآ أخواتهم، وأمهم حواء.
وذكر بعضهم: أن حّواء ولدت لآدم عشرين ومائة بطن، أولهم قابيل وتوأمته إقليما، وآخرهم عبدُ المغيث وتوأمته أم المغيث.
وأما ابن إسحاق فذكر: إن جميع ما ولدته حواء لآدم لصلبه أربعون ذكرًا وأنثى في عشرين بطنا. قال: وقد بلغنا اسماء بعضهم ولم يبلغنا بعض، وكان مما بلغنا اسمه خمسة عشر رجلا وأربع نِسْوة. منهم، قابيل وتوأمته إقليما، وهابيل وتوأمته ليوذا، وأشون بنت آدم وتوأمها، وشيت وتوأمته، وحزورة وتوأمها، على ثلاثين ومائة سنة من عمره. ثم إباد بن آدم وتوأمته ثم أثان بن آدم وتوأمته ثم توبه ابن آدم وتوأمته ثم هدر بن آدم وتؤامته ثم بيان ابن آدم وتؤامته ثم شبوب بن آدم وتؤامته ثم حيان بن آدم وتؤامته، ثم ضرابيس بن آدم وتؤامته، ثم يجود بن آدم وتؤامته، ثم سندل بن آدم وتؤامته، ثم بارق بن آدم وتؤامته. كل رجل منهم تولد معه امرأة في بطنه الذي يحمل به فيه.
" مولد شيث "
وولدت حواء لآدم شيث، وقد مضى من عمره مائة وثلاثون سنة، وكان ذلك بعد قتل قابيل لهابيل بخمسين سنة.
وعن هشام بن صالح عن ابن عباس قال: ولدت حواء لآدم شيث وأخته حزورا، فَسُمَّي هبة الله، اشتُقَّ له من قابيل، أي أنه خلف من هابيل. قال لها جبريل حين ولدته: هذا هبة الله بدل هابيل، وهو بالعربية شث وبالسريانية شاث، وبالعبرانية شيث، واليه أوصى آدم وعهد إليه، وكان آدم يوم ولد له شيث ابن ثلاثين ومائة سنة.
وإلى شيث أنساب بني آدم كلهم، وذلك أن نسل ولد آدم غير نَسْل شيث انْقَرضوا وبادوا، ولم يبق منهم أحد، وأنساب الناس كلهم إلى شيث. وكان آدم مع ما أعطاه الله من ملك الأرض والسلطان فيها. قد نبَّاهُ الله وجعله رَسُولًا إلى ولده، وأنزل عليه إحدى وعشرين صحيفة، كتبها آدم بخطه، علَّمه إياها جبريل ﵇.
وروى عن أبي ذر الغفاري أنه قال: دخلت المسجد فإذا رسول الله ﷺ جالس وَحْدَهُ فجلست إليه، فقال لي: يا أبا ذرٍ، إن للمسجد تحية وتحيته ركعتان، فقم فاركَعْهما. قال فلما ركعتهما جلستُ إليه فقلت: يا رسول الله، إنك أمرْتَني بالصلاة، فما الصلاة؟ قال: الصلاة خَيّرُّ موضوعٌ فمن شاء فَلْيُقْلل ومن شاء فَلْيُكْثر. ثم ذكر قصة طويلة. قال فيها فقلت: يا رسول الله، كم الأنبياء؟ قال: مائِة ألف وأربعة وعشرون ألفا. قلت: يا رسول الله كم الرسل من ذلك؟ قال: ثلاثمائة وثلاثة عشر. جما غفيرا. أي كثيرا طيبا. قلت: يا رسول الله مَنْ كان أولهم؟ قال: آدم، قلت، يا رسول الله وآدم نَبِيُّ مرسل؟ قال: نعم، خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، ثم سَوَّاه قبلا.
وقيل: إنه كان مما أنزل الله على آدم تحريم الميته والدم ولحم الخنزير، وحروف المعجم في إحدى وعشرين ورقة، وهو أول كتاب كان في الدنيا. أخذ الله الألسنة كلها عليه.
" وفاة آدم صلى الله عليه "
عن أُبي بن كعب: أن آدم لما احتضر اشتهى قطفا من قُطُف الجنة، فأنطلق بنوه ليطلوا له، فلقيتهم الملائكة، فقالوا: أين تريدون يا بني آدم؟ قالوا: إن أبانا اشتهى قطفا من قطف الجنة. فقالوا: ارجعوا فقد كُفَيتُمُوه، فانتهوا إليه فقبضوا روحه وغَسّلُوه وحَنطوه وكفنوه وصلّى عليه جبريل ﵇، والملائكة خلف جبريل، وبنوه خلف الملائكة، فقالوا: هذه سنتكم في موْتَاكم يا بني آدم.
قال وهب: وحُفِر له في موضع في جبل أبي قبيس يقال له غار الكنز فدفنوه فيه: فلم يزل آدم في ذلك الغار حتى كان زمن الغرق فاستخرجه نوح ﵇ وجعله معه في تابوت في السفينة، فلما نضب الماء وبدت الأرضُ لأهل السفينة رَدَّهُ نوح إلى مكانه.
قال ابن قُتَيْبة: ووجدت في التوراة أن جميع ما عاش آدم تسعمائة سنة وثلاثون سنة.
قال وهب: عاش آدم ألف سنة.
1 / 14
وعن ابن عباس قال: عمر آدم تسعمائة سنة وست وثلاثون سنة.
" شيث بن آدم "
قال وهب: كان شيث بن آدم أجمل ولد آدم، وأفضلهم وأشبههم به. وأحبهم إليه، وكان وَصى أبيه، ووليَ عهده، وهو الذي وَلَد البشر كلَّهم، وإليه انتهت أنساب الناس، وهو الذي بنى الكعبة بالطين والحجارة، وكانت الكعبة خيمة لآدم ﵇، وضعها الله له من الجنة. وأنزل الله على شيث بن آدم خمسين صحيفة، وإليه صارت الرياسة بعد وفاة أبيه آدم.
وذكر أن آدم صلوات الله عليه مرض قبل أحد عشر يوما، وأوصى إلى ابنه شيث، وكتب وصيته ثم دفع كتاب وصيته إلى شيث، وأمره أن يخفيه من قابيل وولده، لأن قابيل قد كان قتل هابيل حسدًا منه حين خصّه آدم بالعلم، فاستخفى شيث وولده بما كان عندهم من العلم ولم يكن عند قابيل وولده علم ينتفعون به.
وإلى شيث أنساب بني آدم كلهم اليوم، وذلك أن نسل ولد آدم غير نسل شيث انقرضوا وبادوا، ولم يبق منهم أحد، فأنسابُ الناس كلهم إلى شيث. وعاش شيث تسعمائة سنة واثنى عشر سنة، وولد لشيث أنوش.
" خبر قينان بن أنوش بن شيث "
ثم وُلِد لأنوس بن شيث بن آدم ابنه قّيْنان من أخته نعمة بنت شيث. بعد مضي تسعين سنة من عمر أنوش.
وأما ابن اسحاق فذكر عنه أنه قال: نطح أنوش بن شيث أخته نعمة وبنت شيث فولدت له قَيْنَان بن أنوش وأنوش يومئذ ابن تسعين سنة، فعاش أنوش بعد ما وُلِدَ له قينان ثمانمائة سنة وخمس عشرة سنة، وكان جميع ما عمر أنوش بن شيث تسعمائة سنة وخمسين سنة.
وعن ابن عباس قال: ولد أنوشُ بن شيث قينان، ونفرا كثيرا، واليه الوصية، ثم ولد لقينان مهلائل بن قينان
وقدمت خبر قينان على أنوش.
" وهذا خبر أنوش "
وولد لشيث بن آدم بعد أن مضى من عمرخ ستمائة سنة وخمس سنين أنوش بن شيث - فيما يزعم أهل التوراة.
وأما ابن اسحاق فإنه يوجد عنه أنه قال: نحك شيثُ بن آدم أخته فرورة بنت آدم، فولدت له أنوش بن شيث، ونعمة بنت شيث. وشيث يومئذ ابن مائة سنة وخمس سنين فعاش بعدما وُلدَ له أنوش ثمانمائة سنة وسبع سنين.
وعن هشام، عب أبي صالح، عن ابن عباس قال: ولد شيث أنوش ونغرًا كثيرا، وإليه أوصى شيث، وقيل إن شيث لما مرض أوصى إلى ابنه أنوش، ومات فدفن مع أبويه في غار أبي قُبَيْس، وقام أنوش بن شيث بعد مُضيِّ أبيه لسبيله بسياسة المُلْكِ وَتَدْبير مَنْ تَحت يده من رعيته مقام أبيه شيث فيهم، ولم يزل - فيما ذكر - على منهاج أبيه لا يُوقفُ منه على تغيير ولا تَبْدِيل، ثم وُلِد له قَيْنَان.
" مهلائِل بن قَيْنَان "
نكح قينان بن أنوش بن شيث بن آدم وهو ابن سبعين سنة دينه بنت براكيل بن مخويل بن أخنوخ بن قابيل بن آدم، فولدا له ملائيل بن قينان، فعاش قينان بعد ماوْلِد له ملائِل ثمانمائة سنة وأربعين سنة وكان جميع ما عاش قينان تسعمائة سنة وعشرين سنة.
وأما في التوراة فيما ذكره أهل الكتاب: أنه فيها: أن مولد مهلائيل بعد أن مضى من عمر قينان سبعون سنة. وعن ابن عباس: أنه قال وَلَدَ قينان مهلائيل ونفرا معه وإليه الوَصية ثم ولد لمهلائل يارد.
" اليارد من مهلائل "
ثم نكح مهلائل بن قينان بن أنوش بن شيث ابن آدم خالته سمعن بنت براكيل بن مخويل بن اخنوخ بن قابيل ابن آدم، فولدت له يارد بن مهلائل، فعاش مهلائيل بعد ما ولد له يارد ثمانمائة سنة وثلاثين سنة، وولد له بنون وبنات، فكان جميع ما عاش مهلائيل ثمانمائة وخمسا وتسعين سنة، ثم مات.
وأما في التوراة فإنه ذكر أنه كان على منهاج أبيه قينان، غير أن الأحداث بدت في زمانه.
وعن ابن عباس أنه قال: ولد مهلائيل يَرَد. وهو اليارد. ونفرًا معه واليه الوصية، وكان وصى أبيه وخليفته، وفيما كان والد مهلائيل أوصى إلى مهلائيل واستخلفه عليه بعد وفاته، وكانت ولادةُ أمَّه إياه بعد ما مَضَى من عمر أبيه مهلائيل فيما ذكروا خمس وستون سنة، فقام من بعد مهلك أبيه من وصية أجداده وآبائه بما كانوا يقومون به أيام حياتهم، وولد اليارد أخنوخ، وهو إدريس ﵇.
" إدريس النبي ﷺ "
1 / 15
وهو أخنوخ بن اليارد، ثم نكح اليارد بن مهلائيل ابن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم. وهو ابن مائة سنة وستين سنة بركيا بنت الدرمسيل بن مخويل بن أخنوخ بن قابيل، فولدت له أخنوخ بن اليارد وهو إدريس النبي صلى الله عليه. وكان أول نبي بعد آدم أُعْطَي النبوَّة. فيما زعم ابن اسحاق - وخط بالقلم، فعاش يارد بعد ما وُلِدَ له أخنوخ ثمانمائة سنة وستين سنة، وولد بنين وبنات، وكان جميع ما عاش اليارد تسعمائة سنة واثنين وستين سنة ثم مات.
وقال غيره من أهل التوراة إن الله أنزل عليه ثلاثين صحيفة، وهو أول من خط بالقلم بعد آدم، وجاهد في سبيل الله، وقطع الثياب وخاطها، وذكر أنه كان أول من رَكِبَ الخَيْل، لأنه اقتفى رسْمَ أبيه في الجهاد، وسلك في أيامه العَمْلَ بطاعة الله، طريق آبائه، وكان عمر إدريس إلى أن رفع ثلاثمائة وخمسا وستين سنة. وولد له مُتَوشْلَح بعد ما مضى من عمره خمس وستون سنة.
قال وهب: كان إدريس رجلا طويلا ضخم البطن عريض الصدر، قليل شعر الجسد كثير شعر الرأس. وكانت إحدى أذنيه. أعظم من الأخرى، وكان في جسده نكته بيضاء من غير برص. وكان رقيق الصوت دقيق المنطق، قريب الخُطى إذا مشى، وإنما سمى إدريس لكثرة ما كان يدرس من كتب الله وسنن الإسلام، وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة، وهو أول من خط بالقلم، وأول من خاط الثياب ولبسها، وكان من قَبْله يلبسون الجلود، واستجاب له ألف إنسان ممن كان يدعوه، فلما رفعه الله إليه اختلفوا بعده وأحدثوا الأحداث إلى زمن نوح ﵇
قال: وهو أبو جد نوح، ورِفُع وهو ابن ثلاثمائة سنة وخمس وستين سنة.
وولد لإدريس متَوشْلح على ثلاثمائة من عمره قال: وفي التوراة إن الله رفع إدريس بعد ثلاثمائة سنة وخمس وستين سنة مضت من عمره، وعاش أبوه بعد ارتفاعه أربعمائة سنة وخمسا وثلاثين سنة تمام تسعمائة سنة واثنين وستين سنة، وكان عمر يارد تسعمائة واثنين وستين سنة، ومولد أخنوخ وقد مضى من عمر يارد مائة واثنتان وستون سنة.
وحدثنا هشام بن محمد بن أبي صالح، عن ابن عباس قال: في زمان يارد عُمِلَت الأصنام وَرَجَعَ من رجع عن الإسلام.
" متُوشْلخ بن أخنوخ "
ثم نكح أخنوخ وهو إدريس بن اليارد بن مهلائل قَيْتان بن نوش بن شيث بن آدم هَدَّانَة. ويقال أدّانة. بنت تاويل بن مخويل بن أخنوخ بن قابيل بن آدم. وهو ابن خمسين وستين سنة، فولدت له متوشْلَخ بن أخنوخ، فعاش بعدما وُلِدَ له متوشلْخ ثلاثمائة سنة، وولد له بنون وبنات، وكان جميع ما عاش أخنوخ ثلاثمائة سنة وخمسا وستين سنة، ثم رفعه الله إليه.
وأما غيره من أهل التوراة فإنه قال فيما ذكروا عن التوراة: ولد لأخنوخ متوشْلخ، فاستخلفه أخنوخ على أمر الله، وأوصاه وأهل بيته قبل أن يُرْفع، وأعلمهم أن الله سيعذب ولد قابيل ومن خالطهم ومال إليهم، ونهاهم عن مخالطتهم.
" لَمْك بن متُوشْلَخ "
ثم نكح متوُشْلَخ بن أخنوخ. وهو إدريس. بن اليارد بن مهلائل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عَرْبَا بنت عزازيل بن أنوشيل بن أخنوخ بن قابيل بن آدم، وهو ابن مائة سنة وثلاثين سنة، فولدت له لمك بن متوشلخ، فعاش بعدما وَلَد لمك سبعمائة سنة، وولدت له بنين وبنات، وكان جميع ما عاش متُوشْلخ تسعمائة سنة وتسع عشرة سنة، ثم مات.
وقال أهل التوراة: ولد لمتوشلخ لمك، فأقام على ما كان عليه آباؤه من طاعة الله، وحفظ عهوده.
قالوا: فلما حضرت متُوشلخ الوفاة استخلف لَمْك على قومه، وأمره وأوصاه بمثل ما كان آباؤه يوصون به.
قالوا: وكان لمك يَعظُ قومه وينهاهم عن النزول إلى ولد قابيل، فلا يتعظون حتى نزل جميع من كان في الجبل إلى ولد قابيل. وقيل إنه كان لمتُوشْلخ ولدْ آخر غير لمْك يقال له صابي. وقيل إن الصابئين به سموا صابئين، وقيل غير ١لك. وكان عمر متُوشلْخ تسعمائة سنة وستين سنة، وكان مولد لمْك بعد أن مضى من عمر متُوشْلخ مائة وسبع وثمانون سنة.
" نوح ﵇ "
1 / 16
ونكح لَمْك بن متُوشلْخ بن أخنوخ. وهو إدريس بن اليارد بن مهلائيل ابن قيتان بن أنوش بن شيث بن آدم قينوش بنت براكيل بن مخويل بن أخنوخ بن قابيل بن آدم، وهو ابن مائة وسبع وثمانين سنة، فولدت له غلامًا، فسماه نُوحًا، فعاش لمك بعدما وُلِد له نوح خمسمائة سنة وخمسا وتسعين سنة، وولد له بنون وبنات، وكان جميع ما عاش لمْك سبعمائة سنة واثنين وثمانين سنة، ثم مات.
وقيل إنه لما أدرك نوح قال له لمك: قد علمت أنه لم يبق في هذا الموضع غيرنا، فلا تستوحش ولا تتبع الأُمة الخاطئة، فكان نوح يدعو إلى ربه ويعظ قومه فيستخفون به، فأوحى الله إليه: أن أمهلهم وأنظرِهم لُيراجِعوا ويتوبوا مُدَّةَ، فانقضت المُدَّة قبل أن يتوبوا وينيبوا.
وحدِّثنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: ولد متُوشلْخ لمْكَ ونفرا معه، وإليه الوصيَّة، فولد لمْكَ نوحًا، وكان للمْكَ يوم ولد نوح اثنان وثمانون سنة، ولم يكن في ذلك الزمان أحدٌ ينهى عن مُنكر، فبعث الله نوحًا إلى قومه وهو ابن أربعمائة سنة، ثم دعاهم في نُبُوَّتِه مائة وعشرين سنة، ونكح عمرزة بنت براكيل بن مخويل بن أخنوخ بن قابيل بن آدم وهو ابن خمسمائة سنة، فولدت له بنيه سام وحام ويافث ويام بني نوح: ثم أمره الله بصنعه السفينة فصنعها وركبها وهو ابن ستمائة سنة، وغرق من غرق، ثم مكث بعد السفينة ثلاثمائة وخمسين سنة.
قال وهب: إن نوحًا أوّل نبي نبأه الله بعد إدريس، وكان نجارًا. وكان إلى الأدمة دقيق الوجه، في رأسه طول عظيم العينين، غليظ الفصوص. وهي أطراف العظام. دقيق الساقين، كثير لحم الفخذين، دقيق الساعدين، ضخم السرة، طويل اللحية عريضها، طويلا جسيما، وكان في غضبه وانتهاره شِدَّة، فبعثه الله إلى قومه وهو ابن خمسين سنة، فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، ثلاثة قرون في قومه عايشهم وعَّمر فيهم، وهو يدعوهم فلا يجيبونه ولا يتبعه منهم إلا القليل، كما قال الله ﷿.
قال ابنُ قُتَيْبة. وكان بين آدم إلى أن عرفت الأرض ألفا سنة ومائتا سنة واثنان وأربعون سنة.
وفي التوراة: إن نوحًا عاش بعد الطوفان ثلاثمائة سنة وخمسين سنة، وكان عمر نوح تسعمائة وخمسين سنة.
قال وهب: وكان عمره ألف سنة لأنه بُعِث إلى قومه وهو ابن خمسين سنة، ولبث يدعوهم إلى أن مات تسعمائة وخمسين سنة. قال: وإنما سُّمِيَ الطوفان لأنه طفا فوق كل شيء.
" قصة نوح ﵇ حين بعثه الله إلى قومه والطوفان "
حدثنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: بعث الله نوحا إلى قومه وهو ابن أربعمائة سنة، ولم يكن في ذلك الزمان أحدُ ينْهَى عن منكر. فدعاهم في نبوته مائة وعشرين سنة، ونكح نوح عمرزة بنت براكيل بن مخويل بن أخنوخ بن قابيل بن آدم. وهو ابن خمسمائة سنة، فولدت له بنيه سام وحام ويام ويافث بني نوح، ثم أمره الله بصنعةِ السفينة، فصنعها وركبها وهو ابن ستمائة سنة، وغرق من غرق، ثم مكث ثلاثمائة سنة وخمسين سنة.
قال: فبعث الله نوحا إلى قومه فخوَّفهم بأسه وحذرهم سطوته، وداعيًا لهم إلى التوبة والمُراجعة إلى الحق، والعمل بما أمر الله به رسله، وأنزله في صحف آدم وشيث وأخنوخ. ونوح يوم بعثه الله نبيا لهم فيما ذكروا ابن خمسين سنة. وقيل أيضا: إن الله أرسل نوحا إلى قومه وهو ابن خمسين وثلاثمائة سنة، فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، ثم عاش بعد ذلك خمسين سنة وثلاثمائة سنة.
وعن ابن عباس قال: بعث الله نوحا إليهم وهو ابن أربعمائة وثمانين سنة، ثم دعاهم في نُبُوَّته مائة وعشرين سنة، وركب السفينة وهو ابن ستمائة سنة، ومكث بعد ذلك ثلاثمائة سنة وخمسين سنة.
1 / 17
قال أبو جعفر الطبري: فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما. كما قال الله تعالى، يدعوهم سرا وعلانية، يمضي قَرْنٌ بعد قرن فلا يستجيبون له، حتى مضى قرون ثلاثة على ذلك من حاله وحالهم، فلما أراد الله هلاكهم دعا عليهم فقال) رَبِّ إنَّهُمْ عَصَوني وَأتَّبُعوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهْ وَوَلَدَه إلاَّ خَسَارا (إلى آخر القصة، فأمره الله تعالى أن يغرس شجرة، فغرس شجرة، فنبت ساجة عظيمة فعظمت وذهبت كل مذهب، ثم أمره أن يقطعها بعد ما غرسها بأربعين سنة، فيتخذ منها سفينة كما قال الله تعالى) وَأصْنَعْ الفُلْكَ بأَعْيِننا ووَحْيِنا (فقطعها وجعل يعملها فُرويَ عن عائشة زوج النبي ﷺ أنها أخبَرَت أن رسول الله ﷺ قال " لو رَحِمَ الله أحدًا من قومِ نوح لَرَحم أمَ الصَّبي ".
وقال رسول الله ﷺ: كان نوح مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله حتى كان آخر زمانه غَرَس شجرَةً وعَظُمَت وذَهَبَت كلَّ مذهب، ثم قطعها وجعل يعمل السفينة فيمرون به قومه فيسألونه عنها فيقول: أعْمَلُها سفينة، فيسخرون منه، ويقولون: تعمل سفينة في البَرِّ فكيف تجرى؟! فيقول: فسوف تعلمون!! فلما فرغ منها وفار التنور، وكثر الماء في السكك، خَشِيَت أمُّ الصبيّ عليه - وكانت تحبه حبا شديدا - فخرجت به إلى الجبل حتى بلغت ثلثه ولما بلغها الماءَ خرجت حتى بلغت ثلثي الجبل، فلما بلغها الماء خرجت حتى استوت على رأس الماء فلما بلغ الماء رقبتها رَفَعَتَه بيدها حتى ذهب به الماء. فلو رحم الله احدا لرحم أم الصبي.
وعن الضحاك قال: عمل نوح السفينة بعد أن مضى من عمره أربعمائة سنة - وأنبت الساجَ أربعين سنة - حتى كان طولها ثلاثمائة ذراع فعمل نوح السفينة بوحي الله إليه وتعليمه إياه، فكان طول السفينة ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسون ذراعا، وطولها في السماء ثلاثون ذراعا، وبابها في عرضها.
وعن هشام، عن أبي صالح عن ابن عباس قال. نَجَّر نوح السفينة بجبل فود ومن عم يبدأ الطوفان. قال: وكان طول السفينة ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسين ذراعا وطولها في السماء ثلاثين ذراعا، وخرج منها في السماء ستة أذرع، وكانت مطبقة لها ثلاث طبقات، وجعل لها ثلاثة أبواب، بعضها أسفل من بعض.
وعن ابن اسحاق، عمن لايتهم: أنه كان يحدث: أن قوم نوح كانوا يبطشون بنوح فيخنقونه حتى يغشى عليه، فإذا أفاق قال: اللهم أهْد قومي فإنهم لا يعلمون.
وقال ابن اسحاق: حتى إذا في غَيَّهم في المعصية، وعظُمت في الأرض منهم الخطيئة، تطاول عليه وعليهم الشأن، واشتد عليه منهم البلاء وانتظر النجل بعد النجل ولا يأتي قرن بعد قرن إلا كان أخبث من الذي قبله، حتى ان كان الآخر منهم ليقول: إن هذا كان مع آبائنا وأجدادنا. هكذا. مَجْنُونًا!، فلا يقبلون منه شيئا، حتى شكا ذلك من أمرهم إلى الله ﵎، فقال كما قص الله علينا في كتابه) رَبِّ إنّي دَعَوْتُ قَوْمي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزْدِهُم دُعَائِي إلاَّ فِرارَا (إلى آخر القصة، حتى قال) رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الكَفِرِين دَيَّارًا، إنَّكَ إنْ تَذّرْهُمْ يُضِلُّوا عَبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إلا فاجرًا كَفَّاراَ (إلى آخر القصة. فلما شكا ذلك منهم نوح إلى الله استنصر عليهم، وأوحى الله إليه) وَاَصْنع الفُلْك بأعْيُنِنا ووَحْيِنَا وَلاَ تُخاطِبني في الذين ظَلَموا إنَهُمْ مُغْرَقون (. فأقبل نوحُ على عمل الفُلك ولها عن قومه، وجعل يقطع الخشب ويضرب الحديد، ويهييء عُدَّة الفلك من القار وغيره مما لا يصلحه إلا هو، وجعل قومه يمُرُّون عليه. وهو في ذلك من عمله. فيسخرون منه ويستهزؤن به، ويقول) إنْ تَسْخَروُا مِنَّا فإنا نَسْخرُ مِنْكم كَما تَسْخَرون فَسَوفَ تَعْلمُون مَنْ يأتيه عَذَابٌ يُخْزِيه وَيَحَلُ عليه عَذابٌ مُقيم (قال: ويقولون فيما بلغنا: يا نوح قد صِرت نجارًا بعد النبوة! قال: وأعقمَ الله أرحام النساء فلا يَلِدن لهم.
1 / 18
قال: ويزعم أهل التوراة أن الله أمره أن يصنع الفلك من خشب الساج وأن يصنعه أذورَ وأن يُطْلِيَه بالقار من داخله وخارجه، وأن يجعل طول ثمانين ذراعا وعرضه خمسين، وأن يجعله ثلاثة أطباق سُفلا ووسطًا وعُلْوًا، وأن يجعل فيه كُوّى، ففعل نوح كما أمره الله، حتى إذا فرغ منه. وكان قد عهد الله إليه إذا جاء أمْرُنا وفَاَرَ التَنُّورُ قلنا أحمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القولُ ومن آمن، وما آمن معه إلاقليل (وقد جعل الله التنور آية فيما بينه وبينه. فقال) فإذَا جَاءَ أمْرُنا وَفَارَ التُّنُّورُ فاسلُك فيها من كُلَّ زَوْجَيْنِ اثْنِين (أي أرْكب، فلما فار التُّنُّور وحمل نوح في الفلك من أمَرَهُ الله به وكانوا قليلا كما قال الله) احْمِلْ فِيها مِنْ كُلُّ زَوْجَيْن اثْنَيْن (مما فيه الرُّوح والشجر ذكرا وأنثى، فحمل فيه بينه الثلاثة سام وحام ويافث، ونساءهم. وستة أناس ممن كان آمن به وكانوا عشرة نفر، نوح وبنوه، وأزواجهم، ثم أدخل مما أمرَ الله من الدواب، وتخلف عنه ابنه يام، وكان كافرا.
وعن ابن عباس قال: أرسل الله المطرَ أربعين يوما، أربعين ليلة، فأقبلت الوحوش حين أصابها المطر والدَّواب والطير كلها إلى نوح، شجرت له، فحمل منها. كما أمره الله) من كُلَّ زَوْجَيْن اثْنين (وحمل معه جسد آدم، وجعله حاجزا بينه وبين الرجال والنساء.
قال، كان ابن عباس يقول: أوّل ما حَمَل نوح في الفُلْك من الدَّوَابّ الذَّرَّة، وآخر ما حمل الحِمَار فلما أدْخَلَ تعلّق إبليس بذَنَبِه فلم تستقلِ رجلاه، فجعل يقول: وَيُحَل ادْخُل. فينهض فلا يستطيع. فقال نوح: ادخل وإن كان الشيطان مَعك. قال كلمةً زلَّت عن لسانه، فلما قالها نوح خلَّى الشيطان سبيله فدَخَل ودخَل الشيطان معه، فقال له نوح: ما أدْخَلَك عليَّ يا عَدُوّ الله؟ فقال ألم تَقُل وإنْ كانَ الشيطان معك؟ قال: أخرُجْ عني يا عَدُوَّ الله. فقال: مالَكَ بُدَّ مِن أن تحملني. فكان - فيما يَزْعُمُون - في ظهر الفُلْك وغطاها عليه. فلما اطمأنّ نوح في الفلك وأدخل معه مَنْ آمَنَ به، وكان ذلك في الشهر من السنة التي دخل فيها نوح بهد ستمائة سنة من عُمْرِه عشرة ليلة خلت من الشهر.
فلما دخل وحمل معه في السفينة من حمل تحرك ينابيع الغوط الأكبر، وفتحت أبواب السماء، كما قال الله لنبيه محمد ﷺ فَفَتحنَا أبواب السَّماء بماءٍ مُنهمر وفجرنا الأرض عُيونًا فألتقى الماء على أمر قد قُدر (. فدخل نوح ومن معه في الفلك، وغطّى عليه وغطّى على من معه بطبقة، فكان بين أن أرسل الله الماء. وبين أن احتمل الماءُ الفلكَ أربعون يومًا، وأربعون ليلة، ثم احتمل الماءُ الفلك كَمَا زَعَم أهلُ التَّوراة، وكثر واشتد وارتفع، يقول الله لنبيه محمد ﷺ وَحَمْلَناهُ عَلَى ذّاتِ ألَوْاحٍ ودُسُر (والدُّسُر المَسامِيرُ، مسامير الحديد، فجعلت الفُلْكُ تجري به وبمن معه في مَوْج كالجبال، ونادى نوح ابنه الذي هَلَك فِيمنْ هَلَك، وكان في مَعْزِلٍ حين رَأى نُوح مِنْ صِدْق مَوْعِد رَبَّه مارأى، فقال) يَابُنّيْ أرْكَبْ مَعَنا وَلاَ تَكُنْ مَعَ الكَافِرِينَ (وكان شقيًا قد أظهر كُفْرًا. فقال) سآوِى إلى جَبِلٍ يَعْصُمنِي مِنَ الْمَاءِ (وكان عهد الجبال وهي حِرز من الأمطار، إذا كانت فظن ذلك كما كان يكون. قال نوح) لاَعَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أمْرِ اللهِ إلاَّ مَنْ رِحَم وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْج وَكَانَ مِنَ المُغْرقِينَ (وكثر الماء وطفى، وارتفع فوق الجبال. كما يزعم أهل التوراة. خمسة عشر ذِراعا، فبادَ ما على وَجْهِ الأرض من الخلق، من كل شيء فيه الروح، أو شجر، فلم يَبْقَ من الخلائق إلا نوح ومَنْ معه في الفلك، والأعوج بن عنق. فيما يزعم أهل الكتاب.
1 / 19
وكان نوح ركب في السفينة ومن معه لعشر ليال مضَيْن من شهر رجب، وخرجوا منها يوم عاشوراء من المحرم، فلذلك صام من صام يومَ عاشورا، وخرج الماء نصفين، فلذلك قوله تعالى) فَفَتَحْنَا أبْواَبَ السَّماَءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِر (يقول مُنْصَبّ) وَفَجَّرْنَا عُيُونًا فالُتَقَى الماءُ عَلَى أمْرٍ قَدْ قُدِر (فصار الماءُ نِصفين. نصف من السماء ونصف من الأرض، وارتفع الماءُ على أطول جبل في الأرض خمسة عشر ذٍراعًا، فسترت بهم السفينة فطافت بهم الأرض كلها في ستة أشهر لا تستقر على شيء حتى أتَت الَرَم، فلم تدخله فكانت بالحرم أسبوعا، وقد رفع الله البَيْتَ من الغَرَق والحَجر الأسود على جبل أبي قبيس، فلما درات السفينة بالحرم ذَهبت في الأرض تسير على وجه الماء حتى انتهت إلى الجُودِيّ. وهو جبل بالحصين من أرض المُوْصِل. فاستقرت بعد ستة أشهر لتمام السبع، فقيل بعد الستة الأشهر) بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالمين (فغرق بنو قابيل كلُّهم. وما بين نوح إلى آدم، ومن كان أبى عن الإسلام. فلما اسْتَقَّرت السفينة على الجُوِدي) قيلَ يَا أرْضُ أبْلَعي مَاءَك (يقول أنْشِفي مَاءَك) وّيَا سَمَاءُ أقْلِعي (يقول احبسي ماءَك) وَغِيضَ الماء (نَشَّفَتْه الأرضُ، فصار ما نزل من السماء هذه البحور التي ترون في الأرض. ويقال ما بقي في الأرض من ماء الطوفان إلاَّ ماء بِحِسْمَى بَقَيَ أربعين يوما ثم ذهب وقيل ما كان زمن نوح شبِر، من الأرض إلا وله من يدعيه. وقيل أرسلَ الله الطوفان لِتَمَامَ ألْفَي سنة ومائتي سنة وخمسين سنة من لَدُن أهْبَطَ الله آدم من الجنة.
وعن رسول الله ﷺ أنه قال " في أوَل يوم من رَجَب رَكِبَ نوحٌ في السفينة، فصار هو ومَنْ معه وجَرَت بهم السفينة ستة أشهر. فانتهى ذلك إلى المحرم، فأرست السفينة على الجُودِيّ يومَ عاشوراء، فصار نوح وأمَرَ جميع مَن مَعهُ مِن الُوحُوشِ والدَّوَابِّ فصاموا شكرا للِه ".
وعن ابن جُرَيجْ: قال كانت السفينة أعْلاَها الطْيُر، وأوسطها الناسُ وأسفلها السِّبَاعُ: وكان طولها في السماء ثلاثين ذِرَاعًا.
وبإسناد عن ابن عباس قال: قال الحواريون لعيسى بن مريم أبعث لنا رَجُلًا مِمِّنْ شَهِدَ سفينة نوح يحدثنا عنها. قال: فانطلق بهم حتى إذا انتهى إلى كثيب مِنْ تُرَابٍ فأخذ كفًَّا من ذلك التراب بكفه فقال: أتدرون ما هذا؟ قالوا الله ورسوله أعْلَم. قال: هذا حَامُ بنُ نوحٍ. قال فضرب الكَثِيبَ بِعَصاه وقال: قم بإذن اللهِ، فإذا هو قائم يَنْفضُ التُّرابَ عن رأسه وقدْ شَاب. فقال له عيسى: هكذا هلكت؟ قال: لا، ولكني مُتُّ وَأنَا شابُّ، ولكني ظَنُنْتُ أنَّها الساعة فمن ثَمَّ شِبْتُ. قال: حدثنا عن سفينة نوح: قال: كان طولها ألف ومائتي ذراع، وعرضها ستمائة ذراع، وكانت ثلاث طبقات، فطبقة فيها الدَّوَاب والوَحْش، وطبقة فيها الإنس، وطبقة فيها الطير. فلما كثر أرواث الدَّوَابَ أوحى الله تعالى إلى نوح أن اغمز ذنب الفيل فوقع منه خنزير وخنزيره فأقبلا على الروث فلما وقع الفأر يخرز السفينة بقرضه أوحى الله إلى نوحأن اضْرِب بِيْن عَيْنَي الأسِدَ، فضرب بين عينيه فخرج من منخره سِنَّورْ وسِنَّورَة فاقتتلا على الفأر. فقال له عيسى: كيف علم نوح أن البلاد قد غرقت؟ قال: بعث بالغُراَب يأتيه بالخبر، فوجد جيفة فوقع عليها فدعا عليه بالخَوْف، فلذلك لا يألف البُيُوت. قال: ثم بعث بالحَمَامَةِ فجاءت بوَرَقِ زَيْتُون بِمِنْقَارها وطين برجليها، فعلم أن البلاد قد غرقت، فطوَّقها الخضرة في عُنُقِها، فدعا لها أن تكون في أُنْسِ، فمن ذلك تألف البُيُوت. قال، فقلنا: يا رسول الله ألا ننْطَلقُ به معنا إلى أهْلِنَا فيجلس مَعَنا ويُحَدَّثنا؟ قال: كيف يتبعكم مَنْ لاَرزْقَ له؟ قال، فقال: عُدْ بإذْن الله. فعاد تُرَابًا، قال: فلما خَرَج نوحٌ ﵇ من السفينة أتَّخذَ بناحية قَرَدى من أرضِ الجَزِيَرة مَوْضِعًا، وابتنى هنالك قرية سماها " ثمانين " لأنه كان بنى فيها لكل إنسان بيتا ممن آمن معه، وكانوا ثمانين. فهي إلى اليوم تُسَمى " سوق ثمانين ".
1 / 20