165

قال صاحبي: أليس عجزا أن نشقى وفي الوسع ألا نشقى؟! أليس عيبا أن نقصر عن الكمال، وفي الوسع أن يكمل الكمال؟!

قلت: وكيف يكون في الوسع أن يكمل المتعددون؟! إنما يكون الكمال للواحد الدائم الذي لا يزول.

قال صاحبي: قل ما شئت، فليس الألم مما يطاق، وليس الألم من دلائل الرحمة وآيات الخلود الرحيم.

قلت: على معنى واحد إن هذا لصحيح! ...

إنه لصحيح إذا كانت حياة الفرد هي نهاية النهايات، وهي المقياس لما كان وما يكون، لكن إذا كانت حياة الفرد عرضا من الأعراض في طويل الأزمان والآباد - فما قولك في بكاء الأطفال؟ ... إن الأطفال أول من يضحك، لبكائهم حين يعبرون الطفولة، وإنهم أول من يمزح في أمر ذلك الشقاء، وليس أسعد الرجال أقلهم بكاء في بواكير الأيام ...

يا صاحبي هذا كون عظيم، هذا كل ما نعرف من العظم، وبالبصر أو البصيرة لو نظرنا حولنا لا نعرف العظم إلا من هذا الكون، ماذا وراء الكون العظيم مما نقيسه به أو نقيسه عليه؟ ... فإن لم نسعد به فالعيب في السعادة التي ننشدها، ولك أن تجزم بهذا قبل أن تجزم بأن العيب عيب الكون، وعيب تدبيره وتصريفه، وما يبديه وما يخفيه. ولك أن تنكر منه ما لا نعرف، ولكن ليس لك أن تزعم أنه منكر؛ لأنه مجهول لديك. •••

وبسط صاحبي ذراعيه وهو ينظر حوله بالبصر والبصيرة معا في أجواز الفضاء السرمد، ويخيل إلى من يراه في تلك الساعة أنه يفتح بصيرته وسعها كما يفتح المشدوه عينيه وسع الأجفان، حين يحب أن يملأ العينين مما تريان، وكأنه أغمض بعد إعياء من التأمل والاستقصاء فقال: هذه آفاق شاسعة! ... هذه أغوار لا يسبر لها قرار. وتساءل: أليس إلى معرفة الحقيقة من طريق غير هذه الطريق؟! أليس للرياضة الروحانية مسلك إلى هذه الآفاق والأغوار؟! إن نساك الهند - على ما يبدو لي - لأخبر بهذه المسالك، وأهدى في هذه الدروب ... إنهم لا يصدعون رءوسهم بالبحوث والفروض، ولكنهم يعرفون! ...

قلت: بل أحسب أن الطريقين مختلفان، إن نساك الهند لا يطلبون المعرفة ولا يجعلونها غاية الغايات؛ فإن المعرفة قد تنال من إقرار الجسد كما تنال من إنكاره، وقد تنجم من الإقبال على الدنيا كما تنجم من الإعراض عنها، ولكنهم طلبوا الطمأنينة والراحة، أو طلبوا الرضوان، وشتان بين من يطلب الرضوان ومن يطلب المعرفة حيثما وصل إليها أو وصلت إليه ... •••

قال: أي رضوان وأي راحة؟! ... إنهم ليعذبون أبدانهم، ويقدعون نفوسهم، ويشلون أعضاءهم بمشيئتهم، فكيف ينشدون الرضوان والراحة بهذا العذاب ...؟!

قلت: هل يعذبون أبدانهم إلا لأنهم راضون بهذا العذاب ومطمئنون إلى عقباه؟! وهل يشاء الإنسان أمرا لا يشاؤه، أو يختار أمرا لا يختاره، أو يرضى بأمر لا يرضاه؟! •••

Unknown page