168

وقلت لها: أكون أسعد الناس يا منى إذا وعدت أن أكون دائما صديقك القديم.

فقالت في بساطة: وهل أنت في حاجة إلى وعد جديد؟ لا فضل لي إذا قررت هذه الحقيقة.

فقلت بصوت متهدج: وما يترتب عليه؟

فقالت متهانفة بضحكة صغيرة: أن تزورنا مثلا كلما كنت هنا؟ لا تنس أنت.

فقلت في حرارة: هذا واجبي أنا، أو حقي أنا، وأما واجبك أنت أو حقك فهو أن تفترضي دائما أني واقف إلى جنبك.

تعرفين عنواني طبعا إذا جد ما يدعو إلى وجودي هنا، وأما أنا فعنوانك هناك أبعث إليه رسالات في الصباح والمساء وفي كل ساعة من ساعات الأيام.

وأشرت إلى السماء الصافية في ضوء البدر الكامل، وكنا قد وصلنا إلى الشارع فتركت منى ذراعي وركبت عربتها وعدت إلى بيتي كأني أسبح فوق الهواء، لم تقل لي شيئا صريحا عن خطبة محمود خلف، ولكنها كانت عندها أمرا غير جدير بأن تفكر فيه، ألا يكفيني هذا؟ ألا يكفيني أنها تركت يدها في يدي كل هذه المسافة بين البيت والشارع؟ ألا يكفيني أنها دعتني إلى زيارة كلما عدت إلى دمنهور؟ ها هو ذا غرض نبيل أعيش من أجله إذا أردت أن يكون لحياتي مقصد نبيل؛ لأنه هو الذي يجعلني أقدم على كل عمل نبيل، سأعيش لها.

الفصل الثاني والعشرون

عدت في الصباح التالي إلى القاهرة، وذهبت قصدا إلى دار الجريدة، وقبل أن أفرغ من كتابة المقالة النارية التي كنت أكتبها سمعت طرقا على الباب، وكانت دهشتي عظيمة عندما رأيت أمامي حمادة الأصفر. «ماذا جاء بك إلى هنا؟»

هذا ما صحت به في عنف يشبه التهديد.

Unknown page