حاول أن يمانع ولكن كيف؟ إنه أمام أمه التي لم يرفض لها طلبا في حياته. وهو أيضا يدرك أنه لو مانع فلن تستمع له وستنفذ ما تريد أن تنفذ مهما يحاول أن يتأبى، قد تخرج وتترك البيت فيشيع ما ينبغي له أن يستر. لأول مرة يريد شيئا ولا يستطيع بلوغه، أو هو لأول مرة يريد شيئا ولا يستطيع منعه.
عرف الحقد والكره لأول مرة، وكان عجيبا أن أول شعور بالحقد والكره يداخله، يداخله تجاه أمه لا تجاه شخص آخر.
غضب على صالح ولكن كان يعرف أن أمه هي التي تريد، ومع ذلك لم يستطع أن يمنع شعور الغضب.
تولته ثورة، يريد أن يصنع شيئا، يريد أن يخرج من المصيدة، يصنع أي شيء. لم يذهب إلى منيرة فهي لا تستطيع أن تخرجه من المصيدة، ترك أمه وخرج من الغرفة دون أن يجيبها بنعم أو بلا؛ فقد كان يعرف أن كلتا الكلمتين لا داعي لهما فقد قررت، إنها تبدو أنها تستأذنه ولكنه وثق في أثناء حديثها أنها إنما تخبره، فما لا؟ وما نعم؟ وماذا تجدي هذه أو تلك؟ خرج من الغرفة وذهب إلى سيارته وانطلق بها لا يدري إلى أين، وإنما انطلق في سرعة مجنونة عاتية يلتهم الطريق كأنما يحس أنه إذا قطعه فسيخرج من المصيدة، وأسرع وأسرع لا يدري لنفسه متجها، وترك القاهرة وراح يسوط الطريق بعجلاته كأنما ينتقم من الطريق الذي لا يستطيع أن يخرجه من المصيدة، غير عابئ بالسيارات الأخرى أو الناس أو الحيوانات، عليها هي أن تتفاداه أما هو فيريد أن ينطلق في هذه السرعة الغاضبة المجنونة وليكن بعد ذلك ما يكون، تفكيره حريق ونفسه اشتعال وغضبه الذي يعرفه لأول مرة دمار.
ووجد نفسه أخيرا أمام قصره بالإسكندرية، فنزل ودلف إلى البيت لم يوجه إلى الخدم حديثا، وإنما انهار على أول كرسي استقبله وأطلق آهة عميقة، ثم أسلم نفسه إلى الصمت، نعم إنني ما أزال في المصيدة.
19
حين عادت نادرة من رحلتها كانت قد أعدت كل شيء، وحين وجدت زواج أمها في انتظارها أصبح الأمر أكثر يسرا. - سوف يشهر اسلامه. - أتعقلين ما تقولين؟ - إذا كنت أنت تتزوجين ممن تريدين، فلماذا لا يكون لي هذا الحق؟ - ألم تفكري في أخيك ومنصبه؟ - أراك أيضا لم تفكري في ابنك ومنصبه. ••• - لا أريد أن أرى وجهها ولا وجه نعيم. - هذا لا يغير شيئا من المشكلة. - لا أريد أن أرى أحدا منهما. - لا بد أن يعلن الخبر. - لا أراهما. - الأمر معهما مختلف؛ فأنا لم أعلن عن زواجي. - أنت أمها افعلي ما تشائين. - وأنت أخوها. - لا أريد أن أكون أخا أحد.
وصمت قليلا ثم قال: ولا ابن أحد. - لا تغلط. - العجيب أنني لم أجن حتى الآن. - لا بد للحياة أن تسير في طريقها. - أهذا هو الطريق الطبيعي للحياة. - هذه هي الحياة. - قبيحة دميمة. - إنني أنا المخطئة. - أنت طبعا المخطئة. - أنا مخطئة لأنني لم أجعلك ترى من الحياة إلا وجهها الجميل. - وها أنا ذا أرى وجهها الفظيع. - أنت لم تر شيئا. - أهناك أفظع من هذا؟ - أنت لم تر شيئا. •••
إذا كنت أنت تتزوجين ممن تريدين، فلماذا لا يكون لي هذا الحق؟
أصبح نادر خجلا من أمه ومن أخته؛ فزواج أمه شاع بين الناس وإن لم يعلن عنه، وزواج أخته أذيع في جميع الجرائد والمجلات، ونادر لا يريد أن يرى أحدا، ولولا أنه مضطر أن يوجد في مكتبه بالوقف منذ الصباح ما نزل إلى الوقف أيضا. كان يحس أن الناس لا تتحدث إلا عن أمه.
Unknown page