وكانت كريمة تزور نازك في كل يوم وكانت منيرة دائما معها، ولم يمنع الحزن نادر أن يلقي نظرات إلى منيرة ولكنها كانت مجرد نظرات.
وقام صالح بكل ما هو منتظر منه من واجبات، وأصبح الرجل الأول في الوقف بحكم قربه من ناظر الوقف الجديد.
ومرت الأيام لتكتمل شهورا وحزن نازك لا يريد أن يخف؛ فهي دائما أمام ابنها وابنتها صامتة ساهمة. وهما بالطبع لا يريان أمهما حين تكون مع كريمة إذا خلت بهما الغرفة وابتعدت عنهما منيرة لتجلس إلى نادرة، وهما بالطبع لم يسمعا. - أريده جميعا في يدي. - وهل هذا الحزن يمكنك مما تريدين. - ويمكنك أنت أيضا مما تريدين. - كيف؟ لعلها المرة الأولى التي لا أفهم فيها ما تقصدين. •••
كانت نازك جالسة إلى نادر ونادرة في صالونها الخاص حين جاءت كريمة ومنيرة. وراحت كريمة تقص عليهم أخبار الناس وتحاول أن ترمي النكات بين الحين والآخر؛ فكان نادر ونادرة ومنيرة يضحكون وتظل نازك معبسة الوجه بل قد تلقي إليهم نظرة استهجان لضحكهم.
وفجأة صمتت كريمة. - وآخرتها؟
والتفتت إليها نازك وكأنها مندهشة مما تقول. - أليس لها آخر؟
وهوم الصمت. - اسمع يا نادر باشا. - باشا؟ - ستصبح باشا فورا. ألست ناظر الوقف. - نعم. - ما رأيك تدعونا جميعا أن نسافر إلى الخارج؟ - نسافر؟! - إن والدتك لن تستطيع أن تظل على هذا الحال، ولا بد لها أن تغير المكان والزمان وتسافر. - إلى أين؟ - إلى حيث تريد. - مثلا؟ - نلف في أوروبا لفة. - والله لا مانع عندي إذا وافقت نينا. - وهل هذا يصح؟
وتقول كريمة: بل لا يصح إلا هذا، نبعد عن الأحزان ونقضي فترة في الخارج. - وتترك الوقف يا نادر؟ - إذا أردت يا نينا فإنني أستطيع أن أدبر الأمر. - على كل حال تستطيع أن تترك صالح. - إنني فعلا أستطيع أن أعتمد عليه. - إذن نسافر، حدد اليوم يا باشا.
وتقول نادرة كلمة عجيبة : ولكنك يا نادر ستزهق من رفقتنا. - أنا، لا. أبدا. - يحسن أن تصحب معك صديقا يسليك إذا أردنا نحن أن نخرج لشراء الأشياء في أوروبا. - وهو كذلك يا ستي، نصحب نعيم. ••• - ستصبح ناظر الوقف. - لفترة. - لقد قصدتها خصيصا. - أنت؟ - طبعا، أريد أن يعرف الجميع أنك الشخص الأول بعد الناظر. - هذا ما أنتظره منك. - أما ما أنتظره أنا منك فهو أهم. - خيرا؟ - ليس هذا وقته. - أنا تحت أمرك دائما. - أرجو أن تظل كذلك. - وهل أملك إلا أن أكون كذلك؟ - حين أعود، وأنفذ ما أفكر فيه. - فيم تفكرين؟ - في أشياء كثيرة. - الآن، فيم تفكرين؟ - أفكر أن يكون نادر في يدي. - والوسيلة؟ - هذا ما أصنعه الآن. - ثم بعد هذا؟ - سأخبرك. - هل أنا ضمن هذه المشروعات؟ - أنت من أهمها. - لا أدري لماذا أحس بخوف. - وأنت بجانبي؟ - لا أدري. - كن بجانبي ولن تشعر بالخوف. - أنا دائما هنا. - كن هنا دائما.
17
Unknown page