Amira Dhat Himma
الأميرة ذات الهمة: أطول سيرة عربية في التاريخ
Genres
تنهدت الرباب: رباه.
فالله وحده يعلم ما بها من آلام الحمل والخوف من مخاطر الطريق وشروره، لكن ما باليد حيلة إزاء رغبة زوجها المتلهف للرحيل إلى مكة، ودون أدنى اعتبار لما وصل إليه من وهن
كيف العمل وآلام حملها هي أصبحت لا تترك لها لحظة صفاء، وكأن وليدها - الذي وافقها زوجها جندبة على تسميته بالصحصاح - يعاني هو الآخر في أحشائها معركة ضارية في سبيل تحقيق تواجده وبقائه.
وحين تذكرت الرباب وليدها القادم الصحصاح انفرجت أساريرها فرحة مستبشرة، وهبت من فورها في حماس مفاجئ، معطية أوامرها بالإسراع بالرحيل. •••
بل إن الغريب في الأمر أن «جندبة» كلما خاض معركة في حرب أو منازلة فروسية وألم به جرح كبير أو بسيط، يدفع به إلى ملازمة فراشه، نهبا للآلام القاسية التي يعانيها، لم يكن يسمح للرباب بإحضار حكيم أو طبيب مداو. وما أكثرهم على طول مضارب القبائل!
فكانت في كل مرة تقارب فراشه سائلة: لا حل لجرحك وما تعانيه يا جندبة سوى الإسراع باستحضار الطبيب، إلا أن جندبة ظل على الدوام، وكما لو كان بينه وبينهم عداء، لا أمل من التئامه يوما.
لكم تذكر الرباب جراحه التي ألمت به على طول ما خاضه من معارك ومنازلات على طول الثغور والموانئ، التي كان جندبة يعاني الأمرين في أهمية تأمينها ضد كل غاصب.
هي تذكر جراحه في الأناضول، وتذكرها في الحمراء وغرناطة، وكريت ... وآمد ... وعمورية.
لكم عانت الأمرين وزوجها وابن عمها مستلق طريح فراشه، يتألم في صمته وفي وحدته دون حتى أن يسمح لزواره من شيوخ القبائل ورسل الخليفة أمير المؤمنين في دمشق بزيارته وهو في أقصى حالات آلامه، مطلقا العنان لأفكاره وهواجسه المصاحبة لمسير المعارك واتجاه الحرب الطاحنة الدائرة، التي لم تكن لتغيب عنه وعن مخيلته أحداثها وأطوارها لحظة بلحظة.
إلا أن الرباب لن تنسى ما حيت لحظات عودة جندبة المنتصر مجللا بأقواس النصر، ودماؤه تنزف على جسده وساعديه كمثل أرجوان أحمر دام. •••
Unknown page