فقالت سلمى: نعم، ولكنه درزي، وفوق ذلك فأنا لا أميل إليه مهما كان.
فقالت أمها: وأبوك لا يرضى بمجيد لأنه شاب خليع.
فقالت سلمى: ومن قال إني أريده؟! أنا لا أريد أحدا، ولا أريد أن أفارقك وأفارق أبي.
الفصل الرابع
ما وراء الستار
في دار فخيمة من دور الأستانة العلية التي تطل على البسفور، اجتمع جماعة من وكلاء الدولة وكبار العلماء، أتوها خفية الواحد بعد الآخر، وأوصدوا الأبواب وجلسوا ينظرون في أحوال السلطنة وما آلت إليه من الضعف، وجعل كل منهم يقص القصص المختلفة عن أحوال البلاد التي له فيها أصدقاء يكاتبونه منها أو التي كان مأمورا فيها.
وبعد أن نظروا في الداء مليا في قلة موارد الخزينة، وفيما آلت إليه حال الجيش بعد عودته من حرب القرم، وفي الاعتداء على الحدود؛ أخذوا ينظرون في الدواء، فأشار واحد منهم أن يعيدوا قراءة الفاتحة، وقسم اليمين المغلظة بأن لا يبوح أحد منهم بكلمة مما قيل ويقال في ذلك الاجتماع، فقرءوها وأقسموا كلهم على الكتمان واتباع الخطة التي يقع الإجماع عليها، ولا يعلم حتى الآن ما هي الأقوال التي قالوها، والآراء التي ارتأوها، ولكن يعلم أنهم أجمعوا أخيرا على أن يعملوا عملا يغيظ الدولة الأوروبية، ويجعلها تساعدهم على تغيير الحالة، وكان بعض المأمورين في سورية من حزبهم، فبعثوا إليهم من أطلعهم على القرار الذي أجمعوا عليه، وأهالي سورية غافلون، وسكان لبنان منهم لا ينبذون ضغائنهم وأحقادهم التي أضعفتهم وأذلتهم، فتعبث بهم الأهواء وينقادون صاغرين إلى كل من يدعي زعامتهم، وكيف لا تكون الحال كذلك وقد تسلط عليهم الجور والظلم قرونا طوالا ولسان حالهم يقول:
أحيا الضغائن آباء لنا سلفوا
فلن تبيد وللآباء أبناء
فاتفقت الكلمة في ذلك الاجتماع على إيقاد نار الثورة، وأن يكون القصد منها التنكيل بالنصارى لا انتقاما منهم، بل لغرض سياسي، وهذا شأن رجال السياسة في كل زمان يبيعون النفوس بيع السماح لأغراض يقصدونها، ولولا ذلك ما كان لنصف الحروب والثورات سبب معقول، وهم على هذا النمط من سالف عهدهم، وإنما يختلفون في الأساليب التي يبتدعونها، وقل من يستطيع أن يجاهر بالشكوى منهم أو يقول كما قال ذلك الأعرابي لعمر بن عبد العزيز:
Unknown page