148

Amin Rihani

أمين الريحاني: ناشر فلسفة الشرق في بلاد الغرب

Genres

وماذا يضر السوري لو دفع اليوم دولارا واحدا لإغاثة إخوانه في الوطن؟ دولارا واحدا على كل سوري، الفقير والغني سواء.

إني من أصحاب الرأي لا أصحاب السيادة؛ لذلك لا أستطيع أن أضرب ضريبة - هي حق والله - على كل سوري، ولكني عملت بطريقتي وبحقي، فدعوت إخواني في المهجر في مقال سبق إلى الصوم يوما واحدا؛ يدفعون ما يوفرون في هذا اليوم إعانة للمنكوبين، وقلت: إننا إذا خبرنا الجوع نرثى لحال الجائع، فنسرع لإغاثته.

وكي لا يقال: إني أبشر بما لا أفعل بدأت بنفسي عاملا برأيي، فإني محاسب لقلبي إذا مال، وللساني إذا قال؛ لذلك صمت عن الأكل والشرب والتدخين يومين وصالا، ودفعت نفقة اليومين إلى اللجنة، وجئت في هذا المقال أطلع القارئ على ما خبرته من نتائج الصوم ومفعول الجوع.

فإذا كانت كلمتي في الصوم ذهبت أدراج الرياح، عسى أن يؤثر عملي، فيحمل إخواني في المهجر على الاقتداء بي.

من الساعة السابعة مساء حين بدأت أصوم حتى الساعة الثالثة بعد ظهر اليوم الثاني لم أشعر قط بالجوع، ولكنني أحسست بطنين في أذني، وبتجفف في لساني، وبشيء من المرة في فمي، على أني في الساعة السابعة، أي بعد مرور أربع وعشرين ساعة، بدأت أشعر نوعا بالجوع وبالعطش وبشيء من الدوار.

كنت أصيل هذا النهار أتمشى وصديق لي في أحد شوارع المدينة، فمررنا بمطعم صفت في شباكه أنواع الخبز والكعك والحلويات، فوقفت أمام الزجاج الحائل دوني وتلك الجنة ناسيا ذاتي، أمثل في نفسي ولدا فقيرا جائعا لا فلس في يده يفثأ به ثورة جوعه. اخترقت الزجاج عيناي وما فيهما من نهمة إلى الأكل، فتحلب اللعاب في فمي، فغصصت بمر مذاقه، وترغرغت عيناي بالدموع. هذا وأنا لا أشعر حقا بمضض الألم في معدة فارغة، وقلب يقتر شواء؛ لأني أجوع مختارا، والمسكين الذي صورته أمامي، بل أمام تلك المآكل المصفوفة وراء الزجاج، يجوع مكرها. إن جوعي ينتهي ساعة أريد، وأما جوعه فلا يزول إلا ساعة يتصدق عليه أحد المحسنين.

فقلت في نفسي: إن حالة اجتماعية توجد مثل هذا المسكين الجائع لحالة ذميمة، منكرة، فاسدة، جهنمية، وإذا كانت كذلك فكيف بها والمسئولون عنها يجوعون عمدا أمة بأسرها؟

لقد شاركتك جوعك يا أخي، فتعال أقاسمك كسرتي؛ عله - تعالى - يبعدني من ذل الحاجة والاستجداء، الذي هو أشد ويلا من مضض الألم الذي يولده الجوع. ألا فليردد كل سوري هذا الكلام، هذا الابتهال، وليمثل حول مائدته الفاخرة صبيا فقيرا عضه الجوع، أنهكه، أقعده، أضناه، أورثه الهزال والخبل، فيسارع إلى إغاثته.

ومن غريب أمر الصوم أن صاحبه لا يشعر بالجوع إلا في الساعات التي اعتاد أن يأكل فيها؛ فإني بعد أن أتت الساعة العاشرة استفقت نصف الليل ولا أثر في نفسي للصوم كأني قضيت البارحة وقد أكلت على عادتي ثلاث مرات.

ولكنني نهضت صباح اليوم الثاني وفي - ساعة الفطور - نهمة إلى الأكل، وهذا لا شك من قبيل العادة.

Unknown page