123

Amin Rihani

أمين الريحاني: ناشر فلسفة الشرق في بلاد الغرب

Genres

ورأيت في الثانية، وما أجمل ما رأيت!

رأيت من الشعور الوطني المتدفق حياة ما يحيي موات النفس، وينهض بها إلى أسمى الذرى. رأيت الأدب كله يسيل من قلب مصر الخافق، فينعش القلوب الصلدة، فتدب فيها جميعها حياة الأدب، رأيت أدب مصر في كأس قاطرة تطوف الحواري والمدن والعواصم والبلاد والأمم والشعوب، فتسقيها جميعها قطرة قطرة ولا ترتوي.

رأيت، وما أعظم ما رأيت!

رأيت العلم والفضل والكرم، صفات مصر الأزلية تذيع مجد أبي الهول الصامت، وتنشر حكمته للعالمين.

رأيت، وما أعجب ما رأيت!

رأيت الشاعر يغرد بقيثارته في سماء خياله، يطاول النسر بعزيمته ووثباته، فيحلق من مصر إلى أرز لبنان إلى أميركا.

ورأيت الأديب ينثر علينا من الدرر الغوالي ما يبهج النفس، ويشرح الصدر.

ورأيت الخطيب يصف لنا الماضي كأنه حاضر، ويحضر أمامنا ببلاغته وسحر بيانه صور العصور الخالية فنتعظ بها.

ورأيت الريحاني كالنحلة ينتقل من زهرة إلى زهرة، ومن غصن إلى غصن، ومن دوحة إلى دوحة، ومن حفلة إلى أخرى.

ورأيته شاكيا ألما بمعدته، وسمعته يقول: معدتي تلفت، معدتي تلفت، ارحموا معدتي، ارحموها ترحموني. فلم ألتفت إلى شكواه، ولم أعرها شأنا مع عظم اهتمامي بسلامة جسمه النحيل، ووجود شروط الوقاية من دائي التلبك وسوء الهضم في ذهني، بل على طرف لساني قامرت بمعدته وراحة جسمه على حساب المنفعة.

Unknown page