بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله منتهى أمل الآملين. مضاعف عمل العلماء العاملين، الذي رفع منازل الرجال على قدر رواياتهم لعلوم النبي والآل، عليهم أشرف الصلوات من الله الكبير المتعال.
وبعد: فيقول الفقير إلى الله الغني محمد بن الحسن بن علي الحر العاملي المشغري: قد خطر في خاطري وبالي ومر بفكري وخيالي ان أجمع علماء جبل عامل ومؤلفاتهم وباقي علمائنا المتأخرين ومصنفاتهم، إذ لم أجدهم مجموعين في كتاب، وإن وجد بعضهم في كتب الأصحاب. والله الهادي إلى الصواب.
وينقسم الكتاب إلى قسمين، وتنتظم جواهره في سمطين، وسميته (أمل الآمل في علماء جبل عامل)، وان شئت فسمه (تذكرة المتبحرين في العلماء المتأخرين)، وان شئت فسم القسم الأول بالاسم الأول والقسم الثاني بالاسم الثاني.
وقد أتعبت الفكر في جمعه وترتيبه، وبذلت الجهد في تحقيقه وتهذيبه وصرفت النظر نحو تحريره، أنفقت مدة طويلة في تحبيره، تسهيلا للاخذ والتناول، وتقريبا للتحصيل والتداول، وصرحت باسم المؤلفين والمؤلفات وما انقل منه من الإجازات والتصنيفات، لكثرة وقوع الاشتباه في الرموز والإشارات.
ولابد من تقديم مقدمة فيها فوائد اثنتي عشرة تناسب المقصود:
Page 3
(الأولى) (في أنه ينبغي معرفة الرجال الذين يروون أحاديث النبي والأئمة) (عليهم السلام)
| (الأولى) (في أنه ينبغي معرفة الرجال الذين يروون أحاديث النبي والأئمة) (عليهم السلام)
لا يخفى على المنصف ان أحوال الرواة من كونهم ثقات يؤمن منهم الكذب وكونهم علماء صلحاء زهادا عبادا فضلاء صادقين مؤلفين ونحو ذلك من القرائن الدالة على ثبوت رواياتهم وصحة أحاديثهم، فقد يكون خبر واحد واثنين من هؤلاء مفيدا للعلم، وقد يكون خبر الثلاثة والأربعة تواترا مفيدا للعلم فضلا عما زاد على ذلك العدد.
وهذا أمر وجداني يجزم به العاقل في أخبار الدنيا والدين إذا خلا ذهنه عن شبهة وتقليد، ولا نقول انه كلي، فلا يرد علينا اعتراض.
وقد صرح صاحب المعالم وغيره من المحققين بأن أحوال الرواة من جملة القرائن المفيدة للعلم (1)، وقد ورد في النص المتواتر عنهم عليهم السلام: (ان طلب العلم فريضة على كل مسلم، ألا وان الله يحب بغاة العلم) (2) وقال الصادق عليه السلام: (اعرفوا منازل الرجال منا على قدر رواياتهم عنا) (3).
وكتب صاحب الزمان عليه السلام إلى بعض الشيعة: (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله)
Page 4
رواه الطبرسي في الاحتجاج والصدوق في إكمال الدين والشيخ في الغيبة وغيرهم (1).
وقال الصادق عليه السلام: (لولا زرارة ونظراؤه لظننت أن أحاديث أبي ستذهب) (2).
وقال عليه السلام: (اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنا) (3).
وسئل أبو جعفر عليه السلام عن قوله تعالى: (فلينظر الانسان إلى طعامه) قال: (علمه الذي يأخذه عمن يأخذه) (4).
وقال أبو الحسن عليه السلام: (لا تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا، فإنك ان تعديتهم أخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم) (5).
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم إرحم خلفائي).
قيل: يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال: (الذين يأتون من بعدي يروون حديثي وسنتي ويعلمونها الناس بعدي) - رواه الصدوق في آخر الفقيه (6)
Page 5
وروي (هل الدين إلا معرفة الرجال؟) وهذا يحتمل أن يراد به معرفة الأنبياء والأئمة عليهم السلام، ويحتمل العموم بحيث يشمل العلماء.
وجملة الكتاب والسنة والاخبار في ذلك كثيرة جدا.
(الثانية) في أنه يجوز الخوض في أحوال الرجال من الرواة والمصنفين ومدحهم وذمهم، بل يجب، وقد أشرنا إليه سابقا.
| (الثانية) في أنه يجوز الخوض في أحوال الرجال من الرواة والمصنفين ومدحهم وذمهم، بل يجب، وقد أشرنا إليه سابقا.
ومن نظر في كتب الرجال - خصوصا كتاب الكشي - وفي سائر كتب الحديث علم أن الأئمة عليهم السلام كانوا يعتنون ويهتمون بمدح الرواة والثقات وتوثيقهم والامر بالأخذ عنهم والعمل برواياتهم، وذم المخالفين لأهل البيت عليهم السلام فقد تجاوز حد التواتر، وورد النهي البليغ المستفيض عن الأئمة عليهم السلام عن تتبع طريقهم وكتبهم ورواياتهم (1)
(الثالثة)
| (الثالثة)
قال الشهيد الثاني الشيخ زين الدين قدس سره في شرح دراية الحديث:
تعرف عدالة الراوي بتنصيص عدلين عليها أو بالاستفاضة، بأن تشتهر عدالته بين أهل النقل وغيرهم من أهل العلم كمشايخنا السالفين من عهد الشيخ محمد ابن يعقوب الكليني وما بعده إلى زماننا هذا، ولا يحتاج أحد من هؤلاء المشهورين إلى تنصيص على تزكيته ولا تنبيه على عدالته، لما اشتهر في كل
Page 6
عصر من ثقتهم وضبطهم وورعهم زيادة على العدالة، وانما يتوقف على التزكية غير هؤلاء [من الرواة الذين لم يشتهروا بذلك، ككثير ممن سبق على هؤلاء، وهم طرق الأحاديث المدونة في الكتب غالبا] (1) - انتهى (2) وهو كلام جيد جدا يظهر صدقه بالتتبع.
والجماعة الذين تأخروا عن زمان الشهيد الثاني إلى زماننا هذا أيضا كذلك بل بعضهم أوثق من بعض المتقدمين عليه - فليفهم.
وروي عدة أحاديث في مدح الشيعة الذين يكونون في زمن الغيبة كما يأتي.
(الرابعة)
| (الرابعة)
قال ابن إدريس في آخر السرائر: لا ينبغي لمن استدرك على من سلف أو سبق إلى بعض الأشياء أن يرى لنفسه الفضل عليهم، لانهم إنما زلوا حيث زلوا لأجل انهم كدوا أفكارهم وشغلوا زمانهم في غيره ثم صاروا إلى الشئ الذي زلوا فيه بقلوب قد كلت ونفوس قد سئمت وأوقات ضيقة ومن جاء بعدهم قد استفاد منهم ما استخرجوه ووقف على ما أظهروه من غير كد ولا كلفة، وحصلت له بذلك رياضة واكتسب قوة، فليس بعجب إذا صار إلى حيث زل فيه من تقدم، وهو موفور القوى متسع الزمان لم يلحقه ملل ولا خامره ضجر أن يلحظ ما لم يلحظوه ويتأمل ما لم يتأملوه، ولذلك زاد المتأخرون على المتقدمين، ولهذا كثرت العلوم بكثرة الرجال
Page 7