فانزويت منه رعبا إذ أدركت أنه قد استطار صوابه.
وإذا به يندفع في ثورة مجنونة صائحا بي: أنت وفية.؟ إذا كنت قد أقمت لي على الوفاء فما ذلك إلا لأنني حفظتك كذلك وصنتك. نعم، أنت زوجي ولن أدعك تنسين ذلك، فهذا نذيري! إن ذلك المخلوق لن يراك ما بقيت لي في هذه الدنيا حياة، أفاهمة ما أقول؟
وتولى عني معرضا، فأخذتني نوبة حنق لكرامتي، فتلفعت بلفاعتي ونهضت له، فقلت: لمن تحسبك تتكلم؟ لقد كنت مضحكا في غيرتك قبل اليوم، ولكني لم أكن أظنك ستنسى أدبك في حقي إلى هذا الحد.؟ أنت ترى أن الدعوة قد تمت وهو قادم الليلة إلى هذا البيت، وقد أنبأني أن لديه أمرا يريد أن يتحدث إليك في شأنه.
فدار على عقبيه وصاح بي: تقولين أمرا! أي أمر له معي؟ سأريه أمري معه.
وانطلق في ثورة الجنون، فدفع الباب خلفه وأدار المفتاح في قفله، فلم أكد أصدق سمعي ... يا لله.! لقد حبسني زوجي في حجرتي.!
وعدوت إلى الباب مشدوهة، فعالجت أكرته وسمعت الباب الخارجي يغلق بعنف، فكدت من الهم تغشاني الغاشية، ولكني تذكرت أن طفلتنا نائمة في سريرها في الحجرة المقابلة للشرفة، ولا بد لي من الخروج من حجرتي في الحال لأعد لها فطورها وإلا خنقت الوليدة من فرط النحيب إذا أنا لم أسارع إليها.
وكأنما قد أيقظها صياح أبيها فسمعتها من خلف الباب تصرخ قائلة: ماما ... ماما ... طاب الصباح ...
يا إلهي كيف العمل ... لقد جن جنون زوجي من أثر غيرته، وما أحسبه سيعود فيفتح الباب، فتلفت حولي في الحجرة يائسة، فتذكرت أن النافذة، وكانت الوحيدة في الغرفة، تطل على فناء البيت، فإذا صحت وناديت فلعل أحد السكان سيسمع صيحتي وندائي فيهيب بالبواب فيجيء هذا لإخراجي، فأستطيع الذهاب إلى طفلتي في الحجرة الأخرى.
ولكني ترددت لحظة أسائل خاطري: أينبغي الصياح بالجيران ليعلموا أن زوجي قد حبسني في مخدعي وانطلق في سبيله؟ كلا! آخر الحياة. يجب أن أحتال للخروج من هذا المازق بوسيلة أخرى.
وكان ألمي الدفين في أعماق نفسي أن يكون زواجي به قد بدا غلطة شنعاء وغصة أليمة لنا، والناس لا يعرفون عن ذلك قليلا ولا كثيرا، أو الجيران يعتقدون أننا من خير الأزواج وأصلحهم حالا وأسعدهم عيشا، أفكان ظهور ذلك الرجل في أفق حياتنا سبب هذه المأساة التي وقعت لي اليوم.
Unknown page