التفسير بالبيان المتصل في القرآن الكريم
التفسير بالبيان المتصل في القرآن الكريم
Genres
التفسير بالبيان المتصل في القرآن الكريم
«دراسة نظرية تأصيلية»
بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير في القرآن وعلومه
إعداد
بسمة بنت عبد الله بن حمد الكنهل
إشراف
أ. د. يوسف بن عبد العزيز الشبل
الأستاذ بقسم القرآن وعلومه
Unknown page
مقدمة
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، ونصلِّي على من أرسله الله رحمةً للعالمين، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فقد أنزل الله ﷿ القرآن الكريم حياةً للقلوب والأرواح، وفرض تدبُّره فقال: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (٢٩)﴾ [سورة ص: ٢٩].
والتدبّر المطلوب يكون بإمعان النَّظر والتفكر في الآيات، والربطِ بينها للوصول إلى معرفة المراد منها، ومن ثَمَّ ينتج العمل بها.
وقد جعل الله في القرآن الكريم علم الأوَّلين والآخِرين، يناله من رُزق فهمه والوقوف على معانيه، لذا أفنى العلماء أعمارهم في تفسيره وبيان أحكامه وحكمه، وسلكوا لذلك طرقًا أحسنها: تفسير القرآن بالقرآن نفسِه، فأفاضوا في بيان تفسير القرآن بالقرآن، وصنَّفوا فيه كثيرًا من المصنفات، ولعل الاهتمام الذي حظي به هذا النوع من التفسير كان منصبًا على ما كان بيانه خفيًا، أو واضحًا منفصلًا، ومعلومٌ أن من التفسير ما يكون بيانه واضحًا متصلًا، وأحسب هذا النوعَ لم يلق حظًا كافيًا من الدِّراسة والتَّنظير في كتب أهل العلم؛ لجلائه ووضوحه، غير أنِّي رأيت أهمية تناول هذا الموضوع بالتأصيل والتَّقعيد للحاجة إليه، لاسيما مع تنوُّع مشارب أهل التفسير، ودخول أهل البدع والأهواء فيه، إذ لم يألُوا جهدًا في استغلال الآيات وتطويعها لخدمة مذاهبهم، ومن ذلك استغلالهم لهذا النَّوع من التفسير.
ومن هنا جاءت فكرة هذا البحث الذي جعلت عنوانه: (التفسير بالبيان المتَّصل -دراسة نظرية تأصيلية-)، بهدف بيان المراد منه، وأصول هذا النوع من التفسير، وأهميته، والضوابط التي تحكمه، والتنبيه لما يرد فيه من لبس وخطأ وانحراف.
1 / 1
أهمية الموضوع وأسباب اختياره:
١. التَّنظير لجانب من أهم جوانب التفسير بالقرآن.
٢. حماية جناب القرآن الكريم بتسليط الضَّوء على بعض أسباب الخطأ في تفسيره.
٣. إظهار التَّكامل بين هذا النوع من التفسير، وبعض أبواب علوم القرآن.
أهداف البحث:
١. إبراز عناية الرسول ﷺ، وصحابته رضوان الله عليهم، بهذا النوع من التفسير، من خلال تطبيقهم له.
٢. استنتاج العلاقة بين التفسير بالبيان المتَّصل، وبعض علوم القرآن.
٣. بيان أثر الخطأ في التفسير بالبيان المتَّصل، من خلال دراسة بعض النماذج.
٤. إبراز تنوُّع أسلوب القرآن في البيان بالمتَّصل، بالوقوف على أهم طرق البيان المتَّصل.
حدود البحث:
١ - الاعتماد على كتب التفسير، وأصوله لأهل السنة والجماعة، وكتب علوم القرآن في جمع ما تناثر من جوانب هذا الموضوع؛ لأخرج بدراسةٍ نظريةٍ مترابطة من خلال أقوال العلماء المعتبرين، بعد نظمها في سلك واحد.
٢ - حصر أنواع، وطرق البيان المتَّصل في القرآن الكريم، مع عرض نماذج تطبيقيةٍ لكلٍ منها، بالاعتماد على كتب التفسير بالمأثور، وعلوم القرآن، ولا أخرج عنها إلا في حدود الحاجة.
الدراسات السابقة:
بعد البحث والاطلاع على فهارس الرسائل العلمية والدراسات التَّفسيرية، والبحث في مظانها بالرجوع إلى مراكز البحوث المتخصِّصة وسؤال أهل الخبرة
1 / 2
والاختصاص لم أجد من تعرض لبحث هذا الموضوع سوى دراستين وهما:
أولا: (ما اتصل به بيانه من القرآن الكريم)، للدكتور: ملفي الصاعدي - الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (بحث محكم، منشور في المجلة الإسلامية):
-البحث عبارة عن دراسةٍ تطبيقيةٍ، صدر منه الجزء الأول إلى سورة النحل، ويقع في مائة وثمان عشرة صفحة، وقد استقصى فيه الباحث خمسةً وثمانين موضعا.
-بيَّن الباحث في مقدمته أن عمله في البحث حصر الآيات، وما ورد في تفسيرها من كتب التفسير، وقد التزم بذلك فلم يتطرق لما سواه من النواحي النظرية.
ودراستي تفترق عنها حيث إنها نظرية تأصيلية، فالباحث لم يتطرق للجانب النظري في بحثه، فلم يذكر أنواعه، ولم يذكر تصنيفًا لأوجه البيان المتَّصل، ولم يتطرق إلى أثر الخطأ فيه، ولا لعلاقته بعلوم القرآن الأخرى مما حوته هذه الدراسة.
ثانيا: (المجمل والمبين)، للباحث: عمر يوسف حمزة (رسالة ماجستير في الكتاب والسنة -جامعة أم القرى):
- تناول الباحث (البيان المتَّصل) كنوعٍ من بيان المجمل -لم يتطرق لما سواه من طرق البيان- وقد أفرد له فصلًا تطبيقيًا في بحثه (ذكر بعض الآيات، وتناولها بالتفسير والبيان).
-لم يتطرق الباحث للجانب النظري في بحثه، فلم يذكر أنواعه، ولم يذكر تصنيفًا لأوجه البيان المتَّصل، ولم يتطرق إلى أثر الخطأ فيه، ولا لعلاقته بعلوم القرآن الأخرى.
الجديد في البحث:
١ - هذا البحث دراسةٌ نظريةٌ تأصيلية، جمعتُ فيها أنواع البيان بالمتَّصل، من خلال استقراءٍ مسبق لمكامن وروده في القرآن الكريم، ثم صنَّفتها، واجتهدت في حصر كل ما يدخل فيه من طرق البيان، ووضَّحتها بتطبيقها على آيات مختارة، وأبرزتُ أسباب الخطأ في هذا النوع من التَّفسير، والآثار المترتبة عليه.
٢ - تناولتُ البيان بشكل عام، ولم أقتصر على بيان المجمل.
1 / 3
خطة البحث:
اقتضت طبيعة البحث أن أقسمه إلى: مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول، وخاتمة، وفهارس، على النحو التالي:
المقدمة: وفيها:
أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، وأهداف البحث، والدراسات السابقة، وخطة البحث، ومنهجه.
التمهيد: تفسير القرآن بالقرآن مفهومه، وأنواعه.
الفصل الأول: التفسير بالبيان المتَّصل، التعريف به، وأهميته، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: تعريف التفسير بالبيان المتَّصل، وعلاقته بالسياق، وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: تعريف التفسير لغةً واصطلاحًا.
المطلب الثاني: تعريف البيان لغةً واصطلاحًا.
المطلب الثالث: تعريف المتَّصل لغةً واصطلاحًا.
المطلب الرابع: تعريف التَّفسير بالبيان المتَّصل.
المطلب الخامس: علاقة (التَّفسير بالبيان المتَّصل) بالسِّياق.
المبحث الثاني: أهمية التَّفسير بالبيان المتَّصل، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: إعمال الرسول ﷺ، وسلف الأمة التفسير بالبيان المتَّصل.
المطلب الثاني: علاقة (التفسير بالبيان المتَّصل) بعلوم القرآن الأخرى.
الفصل الثاني: أنواع البيان المتَّصل، وطرق وروده في القرآن الكريم، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: أنواع الاتِّصال في القرآن الكريم، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: الاتِّصال في الآية نفسها.
المطلب الثاني: الاتِّصال بين آياتٍ متتالية.
المطلب الثالث: شبه الاتِّصال.
المبحث الثاني: طرق ورود البيان المتَّصل في القرآن الكريم، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: بيان المجمل.
1 / 4
المطلب الثاني: تخصيص العام.
المطلب الثالث: تقييد المطلق.
الفصل الثالث: ضوابط التفسير بالبيان المتَّصل، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: ضوابط التفسير بالبيان المتَّصل، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: لزوم التَّفصيل في قبول التفسير بالبيان المتَّصل.
المطلب الثاني: ترك العدول عن ظاهر القرآن، إلا بدليلٍ يجب الرجوع إليه.
المطلب الثالث: وصل معاني الكلام بعضه ببعض أولى ما وُجد إلى ذلك سبيل.
المبحث الثاني: أسباب الخطأ في التَّفسير بالبيان المتَّصل، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: مخالفة طرق التفسير المعتمدة.
المطلب الثاني: تقديم مقرراتٍ سابقة.
المطلب الثالث: الجهل بالتفسير اللغوي.
المبحث الثالث: أثر الخطأ في التفسير بالبيان المتَّصل، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الانحراف العقدي.
المطلب الثاني: التشكيك في الأحكام الشرعية.
الخاتمة.
فهارس البحث: وتتضمن الفهارس التالية:
فهرس الآيات الكريمة.
فهرس الأحاديث.
فهرس الآثار.
فهرس الأعلام.
فهرس الفرق.
ثبت المصادر والمراجع.
فهرس الموضوعات.
1 / 5
منهج البحث:
سلكتُ في بحثي المنهج الوصفيَّ الاستقرائيَّ (١) على النحو التالي:
١) عند الشروع في ذكر طرق البيان المتَّصل في القرآن الكريم، بدأتُ بمقدمة لهذا الأسلوب القرآني، بالرجوع لكتب التفسير وعلوم القرآن، ثم ذكرتُ الآيات المختارة على النحو التالي:
- رتبتُ الآيات بحسب ترتيب المصحف.
- حددتُ المبيَّن، والبيان المتَّصل (المبيِّن).
- ذكرتُ تفسير الآية من خلال كتب التفسير بالمأثور.
- ذكرتُ اللّطائف التفسيرية والبلاغية الواردة في كتب التفسير وعلوم القرآن، بحسب ما يتيسر لي من ذلك.
٢) قمتُ بجمع وصياغة ما يتبين لي تعلقه بضوابط التفسير بالبيان المتَّصل، أو بأسباب الخطأ فيه، من خلال أقوال العلماء في كتب التفسير، وأصوله، وعلوم القرآن.
٣) لتوضيح أثر الخطأ في هذا النوع من التفسير، انتقيتُ نماذج من التفسير الخاطئ لآياتٍ مختارة، وعرضتُها على النحو التالي:
- رتبتُ الآيات بحسب ترتيب المصحف.
- ذكرتُ لكل نموذج عنوانًا مناسبًا بحسب موضوعها.
- ذكرتُ الآية، متبوعةً بالتفسير الخاطئ من مظانِّه.
- عقبتُ ببيان الصَّواب في هذه الدراسة.
٤) كتبتُ الآيات القرآنية وفق الرسم العثماني، على رواية حفص عن عاصم، ورقمت الآيات بالعد الكوفي، وعزوتها إلى السورة الواردة فيها.
_________
(١) وقد استقرأت غالب الأمثلة الواردة في القرآن الكريم، بالاستعانة ببحث (ما اتصل به بيانه من القرآن الكريم) ج: ١، للدكتور: ملفي الصاعدي، واكتفيت ببعض الأمثلة؛ للاختصار، حيث إنَّ البحث دراسة تأصيلية.
1 / 6
٥) خرّجتُ الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في البحث من مصادرها الأصلية، فإن كانت في الصحيحين أو أحدهما اكتفيتُ بذلك، وإن كانت في غيرهما عزوتُها إلى مصدرها مع ذكر قول المحدِّثين فيها وحكمهم عليها.
وأما الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين فاكتفيتُ بعزوها إلى مصادرها الأصلية.
٦) لم أستشهد بالأحاديث الموضوعة أو الضعيفة التي أجمع العلماء على وصفها بذلك.
٧) نسبتُ الأقوال إلى قائليها، وعزوتُها إلى موضعها مكتفيةً باسم الكتاب وجزئه وصفحته، وعدم النقل بالواسطة إلا إذا تعذر الوصول إلى أصل المصدر.
٨) أعزو إلى المصدر في حال النَّقل منه بالنَّص، بذكر اسمه والجزء والصفحة، وفي حال النقل بالمعنى أُصدِّر ذلك بكلمة: (يُنظر).
٩) نسبتُ الأبيات الشعرية إلى قائلها، مع عزوها إلى مصادرها، متَّبعةً المنهج الآتي:
- إن كان لصاحب الشِّعر ديوانٌ وثقت شعره من ديوانه.
- إن لم يكن له ديوان وثقتُ مما تيسر من دواوين الأدب وكتب اللُّغة العربية.
١٠) عرَّفتُ تعريفًا موجزًا في الحاشية بغير المشهور من الأعلام، والفرق، التي يرد ذكرها في متن البحث في أوَّل موضع، علمًا أن الشهرة أمرٌ نسبيٌ تختلف فيه وجهة نظر الباحثين.
١١) ضبطتُ بالشكل ما يُظَنُ التباسه، وأوضحتُ الغريب من الألفاظ والمصطلحات من خلال المعاجم اللُّغوية والتخصُّصِية.
١٢) طبَّقتُ قواعد البحث العلمي، واللُّغوي، والرسم الإملائي، وعلامات الترقيم.
صعوبات البحث:
١ - تَفَرُّع مادة هذا البحث واتِّساع دائرته؛ لارتباطه بعلومٍ شتى، كأصول الفقه، والعقيدة، والنحو والبلاغة، والتفسير، وأنواعٍ عدَّة من علوم القرآن، كالمناسبات، والنزول، والوقف والابتداء.
1 / 7
٢ - انتقاء النَّماذج المناسبة التي تبيِّن الخطأ في التفسير، من مظانّها؛ وذلك للُطف الموضوع ودقته.
٣ - كون البحث دراسة تأصيلية، احتجتُ معه إلى بذل مجهودٍ أكبر في الجمع والتقعيد.
وفي الختام أشكر الله تعالى وأحمده حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه، على ما منّ عليّ به من إتمام هذا البحث، وأثّني بالشكر لوالديّ الفاضلين على جميل إحسانهما، وصادق دعواتهما، فمتعهما الله بالصحة والعافية وأطال في أعمارهما على طاعته، وجزاهما عنّي خير ماجزى والدًا عن ولده.
وأخص بوافر الشّكر والامتنان شيخي ومشرفي الفاضل الأستاذ الدكتور: "يوسف بن عبد العزيز الشبل " الأستاذ بقسم القرآن وعلومه، الذي أمدّني بالتوجيه والإرشاد، والتدقيق والتصويب في كل مرحلة من مراحل البحث؛ فشكر الله له، وجعله في موازين حسناته، وأمدّ في عمره على طاعته، وبارك له في علمه ووقته وولده.
ولا أنسى أن أشكر مرشدتي في الخطة الدكتور: نادية بنت إبراهيم النفيسة على ما بذلت من وقت وجهد خلال إعداد الخطة، فجزاها الله عني خيرًا.
وأشكر أعضاء لجنة المناقشة على تفضّلهم بقبول مناقشة البحث، وقراءة البحث وتصويبه، فجزاهم الله عنّي خيرًا.
والشّكر موصولٌ لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وأخصّ بذلك كلية أصول الدين ممثلة في عميدها ووكلائها، وقسم القرآن وعلومه ممثلًا برئيس القسم ووكيله، ومشايخي الكرام في القسم.
وأتقدم بالشكر والامتنان لكلّ من أعانني في هذا البحث بدعوة أو معلومة أو توجيه، فأسأل الله أن يجزيهم خير ما يجزي عباده الصالحين.
وآخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.
1 / 8
تمهيد
تفسير القرآن بالقرآن من أهم طرق التفسير المأثور للقرآن الكريم، استخدمه الرسول ﷺ، والصحابة من بعده، واعتنى به سلف الأمة، والمفسّرون، الذين ساروا على نهجهم، من المتقدمين والمتأخرين.
أولا: مفهوم تفسير القرآن بالقرآن
المعنى الإفرادي:
تعريف التفسير:
التفسير لغة: الكشف، والإبانة، والإيضاح، وإظهار المعنى. (١)
التفسير اصطلاحا: "بيان معاني القرآن الكريم" (٢).
تعريف القرآن:
القرآن لغة: مصدر مرادف للقراءة، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾ (٣)، ثم نُقل من هذا المعنى المصدريّ، وجُعل اسمًا للكلام المعجِز المنزَّل على النبي ﷺ من باب إطلاق المصدر على مفعوله. (٤)
القرآن اصطلاحا: "كلام الله المنزَّل على نبيه محمد ﷺ المتعبَّد بتلاوته" (٥).
_________
(١) يُنظر: العين، للخليل بن أحمد (٧/ ٢٤٧) حرف السين، الثلاثي الصحيح، باب السين والراء والفاء، مادة (فسر) وتهذيب اللغة، للأزهري (١٢/ ٢٨٣) أبواب السين والراء، مادة (فسر)، ومقاييس اللغة، لابن فارس (٤/ ٥٠٤)، كتاب الفاء، باب الفاء والسين وما يثلثهما، مادة (فسر) ولسان العرب، لابن منظور (٥/ ٥٥)، فصل الفاء، مادة (فسر).
(٢) أصول في التفسير، لابن عثيمين (ص: ٢٣).
(٣) سورة القيامة: ١٧.
(٤) ذهب إليه اللّحياني وجماعة، واختاره الزرقاني. مناهل العرفان في علوم القرآن، للزرقاني (١/ ١٤).
(٥) النبأ العظيم، لمحمد دراز (١/ ٤٣)، للاستزادة يُنظر: مناهل العرفان (١/ ١٩)، ودراسات في علوم القرآن، للرومي (ص: ٢١).
1 / 9
تفسير القرآن بالقرآن بمعناه المركب: "بيان معاني القرآن بالقرآن" (١).
ثانيا: أنواع تفسير القرآن بالقرآن:
ذكر الشنقيطي (٢) في كتابه (أضواء البيان) أنواعًا من تفسير القرآن بالقرآن، ومن أبرزها ما يأتي:
١ - بيان المجمل.
٢ - تقييد المطلق.
٣ - تخصيص العام.
٤ - تفسير لفظةٍ بلفظة.
٥ - تفسير معنىً بمعنى.
٦ - تفسير أسلوبٍ في آية بأسلوبٍ في آية أخرى (٣).
١ - بيان الإجمال:
كقوله تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧)﴾ (٤)، فقوله تعالى: ﴿كَلِمَاتٍ﴾ مجملة، وبيَّنها الله ̧ بقوله: ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا
_________
(١) تفسير القرآن بالقرآن تأصيل وتقويم، للدكتور: محسن المطيري (ص: ٣٣).
(٢) هو محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي: مفسر مدرّس من علماء شنقيط بموريتانيا، ولد سنة ١٣٢٥ هـ، من مؤلفاته: "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن"، و"دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب"، توفي سنة ١٣٩٣ هـ. يُنظر: الأعلام للزركلي (٦/ ٤٥)، ومعجم المفسرين «من صدر الإسلام وحتى العصر الحاضر»، لعادل نويهض (٢/ ٤٩٦).
(٣) يُنظر: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، للشنقيطي، ط: مجمع الفقه (ص: ١٠، وما بعدها)، وفصول في أصول التفسير، للطيار (ص: ٤٠ - ٤٢).
(٤) سورة البقرة: ٣٧.
1 / 10
لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٢٣)﴾ (١) (٢).
٢ - تقييد المطلق:
كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ (٣)، قيل: توبتهم عند الموت (٤).
وهذا التفسير يشهد له قوله تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ (٥)، فالإطلاق الذي في الآية الأولى قُيِّد في الآية الثانية (٦).
٣ - تخصيص العام:
كقوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ (٧).
فهذا حكمٌ عامٌ في جميع المطلقات، ثم أتى ما يخصِّص من هذا العام الحوامل، وهو قوله تعالى: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ (٨)، فخصّ من عموم المطلقات أولات الأحمال (٩).
٤ - تفسير لفظة بلفظة:
كقوله تعالى في شأن قوم لوط: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢)﴾ (١٠)،
_________
(١) سورة الأعراف: ٢٣.
(٢) ينظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (١/ ٢٣٨).
(٣) سورة آل عمران: ٩٠.
(٤) جامع البيان، للطبري (٦/ ٥٧٩).
(٥) سورة النساء: ١٨.
(٦) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (١/ ٢٠٢).
(٧) سورة البقرة: ٢٢٨.
(٨) سورة الطلاق: ٤.
(٩) ينظر: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (١/ ٩٦).
(١٠) سورة هود: ٨٢.
1 / 11
وقال في موضعٍ آخر: ﴿لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣)﴾ (١) (٢).
٥ - تفسير معنى بمعنى:
كتفسير قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ﴾ (٣)، بقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (٤٠)﴾ (٤) (٥).
٦ - تفسير أسلوب قرآني في آية بآية أخرى:
كقوله تعالى: ﴿وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (٥٨)﴾ (٦)، أي: دخولنا ذلك سجدًا حطةٌ لذنوبنا، فهو مثل قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٦٤)﴾ (٧)، أي: موعظتنا إيّاهم معذرةً إلى ربكم، فالأسلوب في الآيتين متشابه في قوله: ﴿حِطَّةٌ﴾، و﴿مَعْذِرَةً﴾ (٨).
وقد فصَّل العلماء في بيان تفسير القرآن بالقرآن بشكلٍ عام، لا سيما ما كان تفسيره منفصلًا عنه في موضع آخر من القرآن الكريم، وقد خصّصتُ هذا البحث فيما جاء من تفسير القرآن بالقرآن متصلًا به.
_________
(١) سورة الذاريات: ٣٣.
(٢) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (٤/ ٣٤٠).
(٣) سورة النساء: ٤٢.
(٤) سورة النبأ: ٤٠.
(٥) أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن (١/ ٢٤١).
(٦) سورة البقرة: ٥٨.
(٧) سورة الأعراف: ١٦٤.
(٨) يُنظر: جامع البيان (٢/ ١٠٧).
1 / 12
الفصل الأول
التفسير بالبيان المتّصل: التعريف به وأهميته
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: تعريف التفسير بالبيان المتَّصل وعلاقته بالسِّياق.
المبحث الثاني: أهمية التفسير بالبيان المتَّصل.
1 / 13
المبحث الأول
تعريف التفسير بالبيان المتّصل، وعلاقته بالسّياق
وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: تعريف التفسير لغة واصطلاحا.
المطلب الثاني: تعريف البيان لغة واصطلاحا.
المطلب الثالث: تعريف المتَّصل لغة واصطلاحا.
المطلب الرابع: تعريف "التفسير بالبيان المتَّصل".
المطلب الخامس: علاقة (التفسير بالبيان المتَّصل) بالسِّياق.
1 / 14
المطلب الأول
تعريف "التفسير" لغة واصطلاحا
أولا: "التفسير" لغة:
يعود المعنى اللغوي للتفسير إلى الكشف، والإبانة، والإيضاح، وإظهار المعنى (١).
قال تعالى: ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (٣٣)﴾ (٢).
قال الأزهري (٣): الفَسرُ: كَشفُ المغطَّى (٤).
قال ابن فارس (٥): (فسر) الفاء والسين والراء كلمة واحدة تدل على بيان شيءٍ وإيضاحه، ومن ذلك الفَسْر، يقال: فسَّرتُ الشيء وفَسَرتُه. والفَسْرُ والتَّفْسِرَة: نظر الطبيب إلى الماء، وحكمه فيه (٦).
_________
(١) يُنظر: العين (٧/ ٢٤٧) حرف السين، الثلاثي الصحيح، باب السين والراء والفاء، مادة (فسر)، وتهذيب اللغة، (١٢/ ٢٨٣) أبواب السين والراء، ومقاييس اللغة، (٤/ ٥٠٤)، كتاب الفاء، باب الفاء والسين وما يثلثهما، مادة (فسر)، ولسان العرب، (٥/ ٥٥)، فصل الفاء مادة (فسر).
(٢) سورة الفرقان: ٣٣.
(٣) هو محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة الأزهري الهروي اللغوي، أبو منصور، كان فقيها شافعي المذهب، ولد سنة ٢٨٢ هـ ـ، ومن مؤلفاته: "تهذيب اللغة"، و"علل القراءات"، توفي سنة ٣٧٠ هـ.
يُنظر: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لابن خلكان (٤/ ٣٣٥)، وسير أعلام النبلاء، للذهبي (١٢/ ٣٢٨).
(٤) تهذيب اللغة (١٢/ ٢٨٣)، أبواب السين والراء، مادة (فسر).
(٥) هو أحمد بن فارس بن زكرياء بن محمد بن حبيب الرازي اللغوي المحدث، أبو الحسين، ولد سنة ٣٢٩ هـ، أصله من قزوين، له تصانيف كثيره منها: " المجمل" في اللغة، و"حلية الفقهاء"، وتوفي سنة ٣٩٥ هـ. يُنظر: وفيات الأعيان (١/ ١١٨)، وإنباه الرواة على أنباه النحاة، للقفطي (١/ ١٢٩).
(٦) مقاييس اللغة (٤/ ٥٠٤)، كتاب الفاء، باب الفاء والسين وما يثلثهما، مادة (فسر).
1 / 15
قال ابن منظور (١): " الفَسْرُ بمعنى: البيان، وفَسَر الشيء يفسِره (بالكسر)، ويفسُره (بالضم) فسرًا، وفَسَّره: أبانه، والتّفسِير مثله، والفَسْر: كشف المغطى، والتّفسِير: كشف المراد عن اللّفظ المشكِل" (٢).
قال الخليل (٣): "التفسير: هو بيانٌ وتفصيلٌ للكِتاب، وفَسَره يفسِره فسرًا، وفسَّره تفسيرًا" (٤).
ثانيا: "التفسير" اصطلاحا:
عرَّفه العلماء بعدة تعريفات، نورد أبرزها:
عرَّفه الزركشي (٥) بقوله: " علمٌ يُعرف به فهم كتاب الله المنَزَّل على نبيه محمد ‘، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحِكَمه" (٦).
_________
(١) هو محمد بن مكرم بن علي، أبو الفضل، ابن منظور الأنصاري الرويفعي الإفريقي، الإمام اللغوي الحجة، ولد سنة ٦٣٠ هـ بمصر، من أشهر مصنفاته "لسان العرب"، و"مختار الأغاني"، توفي سنة ٧١١ هـ. يُنظر: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، لابن حجر (٦/ ١٥)، والأعلام (٧/ ١٠٨).
(٢) لسان العرب (٥/ ٥٥)، فصل الفاء، مادة (فسر).
(٣) هو الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي الأزدي اليحمدي، أبو عبد الرحمن، ولد في سنة ١٠٠ هـ، وكان إمامًا في اللغة والنحو، استنبط علم العروض وأخرجه إلى الوجود، من مصنفاته: كتاب "العين" في اللغة، وكتاب "العروض"، توفي سنة ١٧٠ هـ. يُنظر: الطبقات الكبرى، لابن سعد (ص: ٢٣)، إنباه الرواة على أنباه النحاة (١/ ٣٧٦).
(٤) العين (٧/ ٢٤٧)، حرف السين، الثلاثي الصحيح، باب السين والراء والفاء، مادة (فسر).
(٥) هو محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي، أبو عبد الله، عالم بفقه الشافعية والأصول، تركي الأصل، ولد بمصر سنة ٧٤٥ هـ، له تصانيف كثيرة في عدة فنون، منها: (الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة) و(لقطة العجلان)، توفي سنة ٧٩٤ هـ. يُنظر: شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبلي (٨/ ٥٧٢)، والدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (٥/ ١٣٣).
(٦) البرهان في علوم القرآن، للزركشي (١/ ١٣).
1 / 16
وعرَّفه الكافِيَجي (١)، فقال: "هو كشف معاني القرآن، وبيان المراد" (٢).
وعرَّفه الزُّرقاني (٣) بقوله: " علمٌ يُبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطَّاقة البشرية" (٤).
وعرَّفه ابن عثيمين (٥) بأنه: "بيان معاني القرآن الكريم" (٦).
التعريف المختار: تعريف ابن عثيمين (٧).
سبب الاختيار: أنه من أجمع تلك التعاريف، وأخصرها، ولموافقته المعنى اللغوي الذي يدور حول البيان وإيضاح المعنى، وفيه تمييز للتفسير عن بقية العلوم المتعلقة به كعلم النحو، والبلاغة، والفقه ... وغيرها من العلوم التي يتوسع فيها البعض، فتخرج بالتفسير عن دائرة البيان.
_________
(١) هو محمد بن سليمان بن سعد بن مسعود الرومي الحنفي الكافِيَجي، من كبار العلماء بالمعقولات، رومي الأصل، ولد سنة ٧٨٨ هـ، وعرف بالكافِيَجي لكثرة اشتغاله بالكافية في النحو، له تصانيف منها: "شرح قواعد الإعراب" و"التيسير في قواعد التفسير"، توفي سنة ٨٧٩ هـ. يُنظر: بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، للسيوطي (١/ ١١٧)، والضّوء اللامع لأهل القرن التاسع، للسخاوي (٧/ ٢٥٩).
(٢) التيسير في قواعد التفسير، للكافيَجي (ص: ٢١).
(٣) هو محمد عبد العظيم الزرقاني من علماء الأزهر بمصر، تخرج بكلية أصول الدين، وعمل بها مدرسا لعلوم القرآن والحديث، من كتبه "مناهل العرفان في علوم القرآن"، و"بحث في الدعوة والإرشاد"، توفي بالقاهرة سنة ١٣٦٧ هـ. يُنظر: الأعلام (٦/ ٢١٠).
(٤) مناهل العرفان (٢/ ٣).
(٥) هو محمد بن صالح بن سليمان بن عبد الرحمن بن عثمان الوهيبي التميمي، أبو عبد الله، ولد في القصيم عام ١٣٤٧ هـ، وتتلمذ على يد الشيخ ابن سعدي، كان عالما فقيها، وله جهود في الدعوة والعمل الخيري، والكثير من المؤلفات والدروس، ومنها: "أصول التفسير"، و"شرح العقيدة الواسطية"، توفي عام ١٤٢١ هـ. يُنظر: الجامع لحياة العلامة محمد بن صالح العثيمين، لوليد الحسين (ص: ١٠، وما بعدها).
(٦) أصول في التفسير، لابن عثيمين (ص: ٢٣).
(٧) وقد اختاره الدكتور: محسن المطيري، يُنظر: تفسير القرآن بالقرآن تأصيل وتقويم (ص: ٢٩).
1 / 17
المطلب الثاني
تعريف "البيان" لغة واصطلاحا
أولا: "البيان" لغة:
الْبَيَانُ اسم مصدَرِ من الفعل (بَيَّنَ) تدور معانيه حول:
"الإبانة، والفصاحة، والإيضاح، والكشف عن المشكل" (١).
قال تعالى: ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (١)﴾ (٢).
قال ابن فارس: "بان الشيء وأبان إذا اتضح وانكشف. وفلان أبينُ من فلان، أي أوضحُ كلامًا منه" (٣).
قال ابن منظور: البيان إظهار المقصود بأبلغ لفظٍ، وهو من الفهم وذكاء القلب مع اللَّسَن (٤)، وأصله الكشف والظهور. (٥).
والبيان: ما يتبيَّن به الشيء من الدلالة وغيرها، وبَان الشيء بيانًا: اتّضح فهو بيِّن، والجمع أَبْيِنَاء، مثل: هيِّن وأَهْيِنَاء. وكذلك أبان الشَّيءَ فهو مبِين، وتَبَيَّن الشيءُ: وَضَح وظَهَر، والتَّبيِين: الإيضاح والوضوح (٦).
_________
(١) يُنظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، للجوهري (٥/ ٢٠٨٣)، باب النون، فصل الباء، مادة (بين)، ومقاييس اللغة (١/ ٣٢٨) كتاب الباء، باب الباء والياء وما يثلثهما، مادة (بين)، ولسان العرب (١٣/ ٦٩) فصل الباء الموحدة، مادة (بين).
(٢) سورة يوسف: ١.
(٣) مقاييس اللغة (١/ ٣٢٨) كتاب الباء، باب الباء والياء وما يثلثهما، مادة (بين).
(٤) اللَّسَن: مصدر، يقال: رجل لَسِنٌ، أي: بَيِّنُ اللَّسَن؛ إِذا كان ذا بيان وفصاحة. يُنظر: جمهرة اللغة، لابن دريد (٢/ ٨٦٠)، مادة (سلن)، ولسان العرب (١٣/ ٣٨٦)، مادة (لسن).
(٥) لسان العرب (١٣/ ٦٩) فصل الباء الموحدة، مادة (بين).
(٦) الصحاح (٥/ ٢٠٨٣) باب النون، فصل الباء، مادة (بين).
1 / 18
والْمُبَيِّن في اللغة: الْمُظْهِرُ، من (بان)، إذا ظهر، يقال: "بيَّن فلان كذا"، إذا أظهره، وأَوضَحَ معناه (١).
ثانيا: "البيان" اصطلاحًا:
عند البلاغيين:
عرَّفه الجُرجاني (٢) بأنه: " النطق الفصيح المعرب، أي المُظهِر عمَّا في الضمير" (٣).
وقال: هو "إظهار المعنى وإيضاح ما كان مستورًا قبله" (٤).
وعرَّفه السُّيوطي (٥) بقوله: "إخراج الشَّيء عن حيرة الإشكال إلى فضاء الوضوح" (٦).
_________
(١) إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، للشّوكاني (٢/ ١٣).
(٢) هو علي بن محمد بن علي السيد الزين، أبو الحسن الحسيني الجُرجاني الحنفي، من كبار العلماء بالعربية. ولد في تاكو (قرب استراباد) ولم أقف على سنة مولده، له تصانيف كثيرة، منها: "التعريفات" و" مقاليد العلوم"، توفي سنة ٨١٦ هـ. يُنظر: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع (٥/ ٣٢٨)، والأعلام (٥/ ٧).
(٣) التعريفات، للجرجاني (ص: ٤٧).
(٤) المرجع السابق.
وقد ذكر الجرجاني أنواعا للبيان منها: "بيان التفسير"، وهو: بيان ما فيه خفاء من المشترك، أو المشكل، أو المجمل، أو الخفي، لكني لم أرتضه لهذا النوع من التفسير، حيث أنه اكتفى بتلك الأوجه (المشترك، والمشكل، والمجمل، والخفي) دون غيرها، كما أخرج التخصيص وغيره من أوجه البيان المعتبرة في التفسير، حيث جعلها في أنواع أخرى من البيان.
(٥) هو الحافظ جلال الدّين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين أبي بكر السّيوطي الشافعي المسند المحقّق المدقّق، ولد سنة ٨٤٩ هـ، له مؤلفات تزيد عن خمسمائة مؤلف منها: "الإتقان في علوم القرآن"، و"الاقتراح" في أصول النحو"، توفي سنة ٩١١ هـ. يُنظر: شذرات الذهب في أخبار من ذهب (١٠/ ٧٤)، والأعلام (٣/ ٣٠١).
(٦) البرهان في أصول الفقه، للجويني (١/ ٣٩)، ومعجم مقاليد العلوم في الحدود والرسوم، للسيوطي (ص: ٦٣).
1 / 19