47

الصوم جنة

الصوم جنة

Genres

«لو مُدَّ لنا الشهرُ لواصلْنا وِصالًا يَدَعُ المتعمِّقون تعمُّقَهم، إنكم لستم مثلي، (أو قال): إنِّي لستُ مثلَكم، إني أَظَلُّ يُطعِمُني ربِّي ويَسْقِيني» (٧٠) . ٨- ... صوم الدهر (صوم العمُر)، إلا الأيام التي يحرم صومُها، وهي العيدان وأيام التشريق. ويكره صوم الدهر لما قد يكون فيه من إضعافٍ للصائم عن الفرائض والواجبات، والكسب الذي لا بدّ منه. قال ﷺ: «لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد» (٧١) . وقال عمر ﵁: يارسول الله، كيف بمن يصوم الدهر كلَّه؟ فقال ﷺ: «لا صام ولا أفطر (أو قال): لم يصم ولم يفطر» (٧٢) . والمعنى - والله أعلم -: أنه لم يؤجر على صومه الدهر؛ لمخالفته الهَدْي النبويَّ في الصيام المشروع، وكذلك فإنه لم يُفطِر - وهذا هو واقع حاله - فقد صام كلَّ نهارٍ، فشقَّ بذلك على نفسه.

(٧٠) متفق عليه من حديث أنس ﵁: أخرجه البخاري، كتاب: التمني، باب: ما يجوز من اللَّوْ، برقم (٧٢٤١) . ومسلم بلفظه، كتاب: الصيام، باب: النهي عن الوصال في الصوم، برقم (١١٠٤) . ... فائدة: تزول كراهة الوصال بأكل تمرة ونحوها، كذلك تزول بأكلة السَّحَر، لقوله ﷺ: «فَأَيُّكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ» . أخرجه البخاري، برقم (١٩٦٣)، لكنِ المواصلةُ إلى السَّحَر، فيها ترك سنة تعجيل الفطر، فترك المواصلة بهذه الصفة أولى محافظة على السُّنَّة، والنهي عن الوصال إنما كان رأفةً ورحمةً بالمؤمنين، - كما في حديث السيدة عائشة ﵂: الذي أخرجه البخاري برقم (١٩٦٤): (نهى رسول الله ﷺ عن الوصال رحمةً لهم) . ... أما نفي التماثل - في الحديث - بين النبيِّ ﷺ وأفراد أمته، فهو من حيث الهيئة في اضطرارهم إلى المأكل والمشرب، بيد أنه ﷺ يظل عند ربّه سبحانه يطعمه ويسقيه مما يؤتى به من الجنة، أو مما يُعطاه من قوة الآكل الشارب بما يخلق الله فيه من الشبع والريِّ ما يغنيه عن الطعام والشراب، والحاصل فيه أن من أكل وشرب منهم انقطع وصاله في صومه، ولا تنقطع مواصلة النبيِّ ﷺ، فطعامه وشرابه على غير طعامهم وشرابهم صورة ومعنى. انظر: فتح الباري لابن حجر (٤/٢٤٤) . (٧١) جزء من حديث متفقٍ عليه من حديث عبد الله بن عمرو ﵄: أخرجه البخاري؛ كتاب الصوم، باب: حق الأهل في الصوم، برقم (١٩٧٧) . ومسلم؛ كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر، برقم (١١٥٩) . وتكرار العبارة: «لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَد» ثلاثًا عند مسلم، ومرتين عند البخاري. (٧٢) أخرجه مسلم، كتاب الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، برقم (١١٦٢)، عن أبي قتادة ﵁.

1 / 52