المستشرقون والسنة
المستشرقون والسنة
Publisher
مكتبة المنار الإسلامية ومؤسسة الريَّان
Edition Number
بدون تاريخ
Publisher Location
بيروت - لبنان
Genres
ومسلم - رَحِمَهُمَا اللهُ - عن عاثشة ﵂ قالت: صَنَعَ النَّبِيُّ ﷺ شَيْئًا فَرَخَّصَ فِيهِ، فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنْ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً» (١).
وجاء السيوطي، فأفرد الأفعال عن الأقوال .. وجاء بعده المُتَّقي الهِنْدِي، فجمع القِسْمَيْنِ من كتاب السيوطي مرة أخرى في ترتيبٍ مُخَالِفٍ (٢) ..
شُبُهَاتٌ مُتَهَافِتَةٌ:
ومع هذا يزعم «جُولْدْتسِيهِرْ» أنَّ السُنَّة: هي جوهر العادات، وتفكير الأُمَّة الإسلامية قديمًا، فهي العادة المقدَّسة والأمر الأول (٣)!.
وأنه ما من أمر أو فعل يوصف عندهم بالفضل أو العدالة، إلاَّ إذا كان له أصل في عاداتهم الموروثة أو مُتَّفقًا معها، وهذه العادات التي تتألَّف منها السُنَّة تقوم عندهم مقام القانون أو الديانة، كما أنهم كانوا يرونها المصدر الأوحد للشريعة والدِّينِ، ويعدُّون اطراحها خطأ جسيمًا، ومخالفة خطيرة للقواعد المعروفة، والتقاليد المرعية التي لا يَصِحُّ الخروج عليها، وما يصدق عن الأفعال أيضًا يصدق عن الأفكار الموروثة، والجماعة يَتَحَتَّمُ عليها أنْ لا تقبَلَ في هذا المجال شيئًا جديدًا لا يتَّفق مع آراء أسلافها الأقدمين.
ثم يضيف قائلًا بأنَّ فكرة السُنَّة يمكن إدراجها بين الظواهر التي سمَّاها «سْبَنْسِرْ» بـ: «العواطف القائمة مقام غيرها»، وهي النتائج العضوية التي جمعتها بيئة من البيئات خلال الأجيال والأحقاب، والتي تركَّزت وتجمَّعت في غريزة وراثية تتألف منها الصِفَةُ أو الصفات التي توارثها أفراد هذه البيئة.
وقد نقل العرب فيما بعد فكرة السُنَّة إلى الإسلام الذي أوهم بمخالفة سُنَّتهم
_________
(١) " البخاري ": ٧٨، الأدب (٦١٠١) - الاعتصام (٧٣٠١)، ومسلم: ٤٣ - الفضائل ١٢٧، ١٢٨ (٢٣٥٦).
(٢) انظر كتابنا " الفَهَارِسْ عِنْدَ المُحَدِّثِينَ ": ص ٢٦٢ وما بعدها.
(٣) " المُسْتَشْرِقُونَ وَمَصَادِرِ التَشْرِيعِ الإِسْلاَمِي ": ص ٨١ - ٨٢. نقلًا عن " العَقِيدَةُ وَالشَرِيعَةُ ": ص ٤٩.
.
1 / 29