Almaniya Naziyya
ألمانيا النازية: دراسة في التاريخ الأوروبي المعاصر (١٩٣٩–١٩٤٥)
Genres
ومما أوقد حفيظة الألمان، أن هذه الجريدة السرية، أخذت على عاتقها بيان أضاليل السادة النازيين وفضح أكاذيبهم، وأكاذيب الدعاية النازية، وزيادة على ذلك أتقنت الجريدة أساليب السخر بمروجي الدعاوة من أجل جذب القلوب نحو السادة الألمان، وحث الأهلين على التعاون معهم، كما أنها صارت تحذر النرويجيين من الانخداع بطرائق النازيين الذين حرصوا في هذه الآونة على استمالة أهل البلاد وكسب صداقتهم، أضف إلى هذا أنها أخذت تكشف عن حقيقة الاتفاقات التي عقدها الكويسلنجيون مع الضباط الألمان من أجل ترويج الثقافة الألمانية في البلاد في نظير الحصول على أجر مالي كبير، أو الاستفادة من هذا التعاون مع الغزاة الفاتحين في نواح أخرى، ثم لم تقتصر الجريدة على توجيه النقد اللاذع لسلطات الاحتلال عموما، بل صار «أولاف» على وجه الخصوص ينشر الدعوة في صحيفته السرية إلى مستقبل زاهر عند هزيمة الألمان المحتومة، على أساس إرجاع الملك هاكون إلى عرش بلاده، ثم تأليف كتلة اتحادية كبيرة تضم النرويج إلى مجموعة الدول الديموقراطية في العالم، على أن تتخلى كل دولة من أعضاء هذا الاتحاد عن بعض حقوق السيادة، بحيث لا يترتب على ذلك أن يفقد عضو الاتحاد المزمع تأليفه ذلك الطابع الشخصي الذي يحفظ للدولة كيانها القومي في النهاية.
ولكن الدعوة إلى إنشاء مجموعة اتحادية من الدول، كانت رأيا جريئا. ومنذ نشر «أولاف» هذا الرأي، قرر الألمان أنه قد بات من الضروري القضاء على هذه الجريدة، والقبض على «أولاف» وإسكات صوته. فجدد من ثم النازيون محاولتهم ، وشمر الجستابو عن ساعد الجد. ولما كان توزيع الجريدة قد زاد زيادة عظيمة، فقد أصبح من الميسور نوعا ما على الجستابو أن يقفوا على هوية الأشخاص المشتركين في تحرير الجريدة وطبعها وتوزيعها. وذات يوم هاجم الجستابو المكان الخفي الذي اتخذه «أولاف» وجماعته مقرا لجريدتهم، ولكن هؤلاء كانوا قد عرفوا نية الجستابو فاستطاعوا الفرار قبل الهجوم بيومين اثنين! وفي الأيام التالية ازداد الخطر على «أولاف» حتى اضطر إلى ترك عمله وتدبير الهرب من النرويج، وبعد محاولات متعددة والتعرض لمخاطر كثيرة، استطاع الفرار إلى إنجلترا.
ومع هذا فإن جريدة «نريد وطننا!» لم تكن الجريدة السرية الوحيدة في النرويج، بل سرعان ما ظهرت صحف أخرى، على غرار صحيفة «أولاف»، فكانت هناك صحيفة
Eidsvold ، وهذه زينت صفحتها الأولى برسم المكان الذي صدر فيه دستور النرويج القديم في عام 1814، ثم كانت هناك صحيفة «البريد الملكي
KongsPosten »، «علامة الزمان
Tideus Tegn »، «حركة اتحاد العمال الحر
Fri Fagbevegelae »، وأخيرا صحيفة «الراديو
Radioavisin »، وهذه كانت مخصصة لنشر أنباء الإذاعات البريطانية والأجنبية. •••
هذه قصة الصحف السرية في أوروبا المحتلة، التي كانت من أكبر دعامات الدعاية الخفية في القلعة الهتلرية، وهي إن دلت على شيء، فإنما تدل على أن الأهلين في البلدان المقهورة، وقد تذوقوا طعم الأساليب النازية عند تطبيق النظام الجديد، وشهدوا عن كثب ضخامة الأكاذيب التي روجتها الدعاية النازية، وهالهم إذلال أوطانهم تحت نعال الفاتحين الطغاة، صار لا يهدأ لهم بال حتى يروا أوطانهم محررة من نير النازيين وسلطانهم. وقد يظن إنسان أن الشعوب المحتلة وحدها هي التي كانت تئن من حكم هتلر وطغمته، وأنها وحدها هي التي لجأت إلى أساليب المقاومة لمحاربة الطغيان النازي، وأن النظام الجديد قد أخفق في أوروبا المحتلة فحسب، وأن ألمانيا قلعة هتلر كانت موطدة الدعائم متينة الأساس، ولكن الواقع كان على خلاف ذلك، وكما فشل هتلر ونظامه الجديد في أوروبا المحتلة، فقد فشل كذلك في داخل ألمانيا ذاتها، ولم يكن ثمة مناص من أن تتصدع أركان القلعة الهتلرية المتداعية قصر الزمن أو طال.
الفصل السادس
Unknown page