والعقل قد خلق ليدرك الأشياء مركبة ثم يحللها متى سنحت له حاجة إلى تحليلها، فهو يعول في إدراكه على ما يسمونه البصيرة أو الفطنة النافذة، وليس تعويله الأكبر - كما وقر في الأذهان قبل ذلك - على أشتات الإحساس وأجزاء المفردات.
فإن لم تكن ثمة فطنة نافذة تبادر بإدراك «الكل» فلا إدراك ولا تذكر ولا خيال، والحيوان الأعجم - كالقطة مثلا - نعلمها أن تحل الشبكة بيديها فتحلها بأسنانها إذا عاق يديها عائق، ولولا أنها نفذت إلى «الشيء» جملة واحدة لما اهتدت إلى هذا الابتكار، فليست العقدة في كمين إدراكها حركة يد تلامس خيطا ولا تعدو هذه الحركة، ولكنها شيء تنفذ إليه جملة بإدراكها جملة فلا يتوقف على الإحساس بالمفردات.
ومن العبث أن تقصر الالتفات إلى جزء واحد وتضم إليه جزءا من هنا وجزءا من هناك وتزعم أنك قد أحطت «بالكل» من طريق الأجزاء، وإنما الطريق المستقيم أن تنفذ إلى الكل وتعرف موضع الأجزاء منه ومرجعها إليه؛ إذ لا يقف جزء قط على انفراد، ولا يخلو جزء قط من علاقة يؤثر بها في غيره ويتأثر بها من غيره وتتجاوب فيها جميع الأجزاء كما تؤلف بينها التركيبة الكاملة أو البنية المتماسكة.
وارتباط هذا المذهب بالحكمة الإلهية أنه مرتبط بكنه العقل وكنه الجسد، وأنه يضع العقل في الموضع الوسط بين جماعة الآليين وجماعة القصديين أو القائلين بإمكان عزل العقل عن العوارض الجسدية.
فالآليون - وعلى رأسهم العالمان الروسيان بافلوف وبخترو
Bechterow
يردون كل فكرة إلى الفواعل الجسدية حاضرة وماضية، ومعلومة لنا أو مجهولة لدينا يدل عليها المعلوم، ويكررون تجاربهم في الحيوان لإثبات العلاقة بين التصورات والحركات العضوية والإفرازات الجسدية، وتعرف المدرسة المعتدلة من دعاة هذا المذهب بالمدرسة السلوكية
Behaviourism
لأنها تفسر السلوك بضرورات التجاوب بين المؤثرات والأعضاء، وليس للعقل المجرد مكان عند هذه المدرسة سواء في الإنسان أو في الطبيعة أو فيما وراءها.
والقصديون وعلى رأسهم وليم مكدوجال الأمريكي
Unknown page