176

وأشهر المذاهب الأمريكية وأجمعها لوجهات النظر المختلفة عندهم ثلاثة، وهي:

مذهب وليام جيمس 1842-1910.

ومذهب جوسيا رويس 1855-1916.

ومذهب جورج سانتيانا 1863-1948.

فوليام جيمس

William James

هو صاحب مذهب البراجمية أو مذهب الذرائع كما عرف في اللغة العربية، والواقع في رأي وليام جيمس هو مقياس الصحة في كل شيء، فمقياس الصحة في المسائل العلمية هو تكرار التطبيق وتكرار النتيجة، ومقياس الصحة في مسائل الأخلاق والآداب هو تكرار التطبيق وتكرار المنفعة الكبرى منه لأكبر عدد من الناس، وقياسا على ذلك يحق لنا أن نؤمن بالله في المسائل التي لا تثبت بالتجربة العلمية ولا بالبراهين المنطقية؛ إذ كان الإيمان يريح ضمائرنا ويطابق أشواقنا النفسية وعواطفنا الحيوية، وما دامت طبائعنا قد أشرجت على وفاق تركيب الكون فإن العقيدة التي تستمد من تلك الطبائع لن تخلو من حقيقة كونية، فما من حقيقة حسية لها عندنا دليل غير الانفعال بها على نحو من أنحاء الحس والتعقل، وما من حقيقة روحية تحتاج إلى أكثر من هذا الانفعال الذي يتم به التجاوب بيننا وبين حقائق الكون، وقد خطب وليام جيمس جماعة من العلماء المثقفين فقال لهم: إن الإيمان من أمثالهم يحتاج إلى شجاعة خلقية يحسن بهم أن يروضوا عليها العقول والضمائر، وقال لهم في مقدمة خطابه: إنه لو كان يتحدث في العقائد إلى جماعة من عامة الجند لنصح لهم بالتشجع على قبول النقد والأدلة العقلية في دراسة الأديان ؛ لأنهم أحوج ما يكونون إلى الحرية الفكرية في شئون العقيدة، ولكنه إذا خطب العلماء والفلاسفة فأحوج ما يراهم محتاجين إليه هو الشجاعة على احتمال تبعة الاعتقاد، وإن لم تؤيده التجربة العلمية والبراهين المنطقية، فإنهم يخسرون إذا كانت العقيدة صحيحة وجبنوا عنها في انتظار تجربة أو برهان.

إلا أن المقدمات التي يستند إليها وليام جيمس لم تمنع عنده أن يكون في الوجود أكثر من إله واحد، أو أن يكون قصارى الإله الواحد أنه أكبر من الإنسان وأقدر على معونته من سائر الموجودات، فهو يقول في كلامه على صحائح الدين: «ويبدو لي أن معالجة الديانة ومطالبها العملية تجد كفايتها في الاعتقاد بوجود قوة أكبر من الإنسان تصادقه وتعطف على آماله، وكل ما تستلزمه الوقائع التي بين أيدينا أن تكون تلك القوة غير أنفسنا الواعية وأكبر منها وأوسع وأقوى، فكل قوة بهذه الصفة تغني إذا كانت فيها الكفاية للاعتماد عليها في الخطوة التالية، ولا يلزم من ذاك أن تكون قوة غير متناهية أو قوة منفردة، فقد يكون قصاراها أنها نفس أكبر وأقدس من نفس الإنسان تمثلها نفس الإنسان هذه تمثيلا ناقصا، ولا يكون الكون كله إلا مجموعة من تلك الأنفس الكبرى القدسية على درجات وأقدار مختلفة لم يجمع بينها كيان لا نهائي على الإطلاق، ويعرض لنا هنا تعدد الآلهة على نوع من التعدد لا أدافع عنه في هذه الآونة لأنني أحصر مقصدي الآن في إقرار التجربة الدينية في حدودها الصحيحة ...» •••

فمسألة الاعتقاد في رأي جيمس مسألة «بخت» قد يعبر عنها البيتان المشهوران للمعري أحسن تعبير حيث يقول:

قال المنجم والطبيب كلاهما

Unknown page