فمبلغ الإحساس بالعظمة هو مبلغ الإحساس بالعقيدة الدينية، وصغر الكون في نظر الإنسان نقص في الشعور بظاهره وخافيه، ونقص من أجل ذلك في طبيعة الاعتقاد وطبيعة الإيمان.
ومن هنا تكون الحاسة الدينية مجاوبة صحيحة للوجود العظيم الذي يحيط بالإنسان، سرمديا بعيد الأغوار عميق القرار.
فليس الكيان الصحيح هو الذي يمر بهذا الوجود السرمدي كأنه لا يراه ولا يهتز له ولا يستجاش من أعماقه إذا سبر غوره فقصر عن مداه.
وإنما الكيان الصحيح هو الذي يجيش بتلك الحاسة القوية، فيستهول الكون ويستقبله بالحيرة والتقديس؛ لأنه في الواقع هائل محير جامع لمعاني القداسة من حيث نجمت في لغة اللسان أو لغة الضمير.
وعلى هذا تكون العقيدة من مصدر الصحة؛ لأنها تجاوب الوجود المحيط بالنفس الإنسانية، ولا تكون من مصدر النقص والغفلة عن حقائق الأمور.
وإذا رجح العقل بأن العقيدة «ظاهرة اجتماعية» يتلقاها الفرد من الجماعة فليس الضعف إذن بالعامل الملح في تكوين الاعتقاد؛ لأن الجماعة تحارب الجماعة بالسلاح المصنوع وقوة الجنان مع القوة العددية، وتقيس النصر والهزيمة بهذا المقياس المعلوم، فلا تلجأ إلى مقياس العقيدة المجهول إلا إذا آمنت به لباعث غير باعث التسلح والاستقواء.
ورأي فرويد
Freud
قريب من رأي هؤلاء الذين يردون العقيدة الدينية إلى شعور الخوف في وسط العناصر الطبيعية، وربما اختلط به مزيج من الغريزة الجنسية في بعض المتهوسين وذوي الأعصاب السقيمة، فإن حب الله - كما يفسره فرويد عند هؤلاء - هو بمثابة الحب الجنسي في حالة «التسامي» أو حالة الحماسة، وتتشابه العوارض كلها مع هذا الفارق بين الحبين.
قال فرويد في مقاله مستقبل وهم: «ومتى نما الطفل ورأى أنه قد كتب عليه أن يظل طفلا ما طوال حياته، وأنه لن يستغني عن حماية في وجه القوى الجبارة المجهولة - خلع عليها صورة الأبوة، وخلق لنفسه الآلهة التي يخافها ويرجو أن يستميلها، ولا بد له من أن يكل إليها أن تحميه وترعاه، ومن هنا يصبح تفسير الشوق إلى الأبوة مقرونا بالباعث الآخر وهو حماية الإنسان من جرائر ضعفه، فتؤدي حالة الطفل الذي يشعر بقلة حيلته ولا يقوى على الحرمان من حنان الأبوة - إلى حالة الرجل الكبير الذي يشعر بقلة الحيلة أيضا ويفتقر إلى نوع من الحنان الأبوي، فيصيبه في الديانة.»
Unknown page