Al-Kifāya fī al-tafsīr biʾl-maʾthūr waʾl-dirāya
الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية
Publisher
دار القلم
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م
Publisher Location
بيروت - لبنان
Genres
الأكم: الجبال الصغار، جعلها سجدا للحوافر لقهر الحوافر إياها وأنها لا تمتنع عليها. وعين ساجدة، أي فاترة عن النظر، وغايته وضع الوجه بالأرض (١).
والسجود أصله: الانحناء والتذلل، وجعل ذلك عبارة عن التذلل لله وعبادته، وهو عام في الإنسان، والحيوانات، والجمادات، وذلك ضربان: سجود باختيار، وليس ذلك إلا للإنسان، وبه يستحق الثواب، نحو قوله: ﴿فاسجدوا لله واعبدوا﴾ [النجم: ٦٢]، أي: تذللوا له، وسجود تسخير، وهو للإنسان، والحيوانات، والنبات، وعلى ذلك قوله: ﴿ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال﴾ [الرعد: ١٥]، وقوله: ﴿يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله﴾ [النحل: ٤٨]، فهذا سجود تسخير، وهو الدلالة الصامتة الناطقة المنبهة على كونها مخلوقة، وأنها خلق فاعل حكيم، وقوله: ﴿ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون﴾ [النحل: ٤٩]، ينطوي على النوعين من السجود، التسخير والاختيار، وقوله: ﴿والنجم والشجر يسجدان﴾ [الرحمن: ٦]، فذلك على سبيل التسخير، وقوله: ﴿اسجدوا لآدم﴾ [البقرة/٣٤]، قيل: أمروا بأن يتخذوه قبلة، وقيل: أمروا بالتذلل له، والقيام بمصالحه، ومصالح أولاده، فائتمروا إلا إبليس، وقوله: ﴿ادخلوا الباب سجدا﴾ [النساء: ١٥٤]، أي: متذللين منقادين، وخص السجود في الشريعة بالركن المعروف من الصلاة، وما يجري مجرى ذلك من سجود القرآن، وسجود الشكر، وقد يعبر به عن الصلاة بقوله: ﴿وأدبار السجود﴾ [ق: ٤]، أي: أدبار الصلاة، ويسمون صلاة الضحى: سبحة الضحى، وسجود الضحى، ﴿وسبح بحمد ربك﴾ [طه: ١٣٠] قيل: أريد به الصلاة (٢)، والمسجد: موضع الصلاة اعتبارا بالسجود، وقوله: ﴿وأن المساجد لله﴾ [الجن: ١٨]، قيل: عني به الأرض، إذ قد جعلت الأرض كلها مسجدا وطهورا كما روي في الخبر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "نصرت بالرعب، وأوتيت جوامع الكلم، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وبينا أنا نائم أتيت بمفاتح خزائن الأرض فتلت في يدي" (٣).
وقيل: المساجد: مواضع السجود: الجبهة والأنف واليدان والركبتان والرجلان، وقوله: ﴿ألا يسجدوا لله﴾ [النمل/٢٥] (٤) أي: يا قوم اسجدوا، وقوله: ﴿وخروا له سجدا﴾ [يوسف/١٠٠]، أي: متذللين، وقيل: كان السجود على سبيل الخدمة في ذلك الوقت سائغا، ومنه قول الشاعر (٥):
وافى بها لدراهم الإسجاد ... من خمر ذي نطف أغن منطق
عنى بها دراهم عليها صورة ملك سجدوا له (٦).
والإسجاد: إدامة النظر، قال أبو عمرو: وأسجد إذا طأطأ رأسه، قال (٧):
فضول أزمتها أسجدت ... سجود النصارى لأحبارها
يقول: لما ارتحلن ولوين فضول أَزمَّة جمالهن على معاصمهن أَسْجدت لهن.
قال أبو عبيدة: وأنشدني أعرابي من بني أسد (٨):
وقلن له أسجد لليلى فأسجدا
يعني بعيرها أنه طأطأ رأسه لتركبه (٩).
(١) انظر: تفسير القرطبي: ١/ ٢٩١.
(٢) (أخرج عبد الرزاق وغيره عن ابن عباس في الآية قال: هي الصلاة المكتوبة).
(٣) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام ١٣/ ٢٠٩؛ وانظر: شرح السنة ١٣/ ١٩٨).
(٤) (هي بتخفيف ألا، على أنها للاستفتاح، وبها قرأ الكسائي ورويس وأبو جعفر. الإتحاف ٣٣٦).
(٥) البيت للأسود بن يعفر، ورد في المفضليات ص ٢١٨؛ والمجمل ٢/ ٤٨٦).
(٦) انظر: مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني: ١/ ٣٥٨.
(٧) البيت لحميد بن ثور يصف النساء، انظر: اللسان: مادة (س ج د). قال ابن بري صواب إِنشاده:
فلما لَوَيْنَ على مِعْصَمٍ ... وكَفٍّ خضيبٍ وأَسوارِها،
فُضولَ أَزِمَّتِها، أَسْجدت ... سجودَ النصارى لأَحْبارِها
(٨) انظر: اللسان مادة (س ج د)، والمزهر: ١/ ٢٣٨.
(٩) انظر: اللسان: مادة (س ج د)، وتفسير القرطبي: ١/ ٢٩١.
2 / 182