423

Al-Kifāya fī al-tafsīr biʾl-maʾthūr waʾl-dirāya

الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية

Publisher

دار القلم

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م

Publisher Location

بيروت - لبنان

Genres

والثالث: أن المراد: أولو الأمر ابتداء بآدم-﵇-ومرورًا بمن قام مقامه في ذلك من ولده إلى انقضاء العالم (١).
وقد اختلفت عبارات أهل العلم في حكاية هذا القول:
فقال ابن عطية: "وقال ابن مسعود: إنما معناه خليفة مني في الحكم بين عبادي بالحق وبأوامري، يعني بذلك آدم-﵇-ومن قام مقامه بعده من ذريته" (٢).
وقال القرطبي: " وهو خليفة الله في إمضاء أحكامه وأوامره لأنه أول رسول في الأرض" (٣).
وقال البيضاوي: "المراد به آدم لأنه كان خليفة الله في أرضه" (٤).
وقال الشنقيطي: " لأنه خليفة الله في تنفيذ أوامره" (٥).
وتجدر الإشارة بأن لفظ الخليفة يقال لمن استخلفه غيره، ولمن خلف غيره، فآدم-﵇-وبنوه القائمون مقامه في ولاية الأمر ليسوا خلفاء ونوابًا عن الله-﷿-وإنما الله-﷿-استخلفهم في ذلك عمن سبقهم تشريفًا وتكريمًا لهم، فولي الأمر يقوم بما أوجبه الله-﷿-عليه من سياسة الأرض بالدين، فبالله تعالى يَخْلُفُ وهو-سبحانه-لا يُخْلَف ولا يُنَاب عنه لأنه-سبحانه-مشاهِد قريب بصير سميع مدبر فمحال أن يَخْلِفَه غيره، بل العبد هو الذي يحتاج إلى من يخلفه لغيبته أو موته أو عجزه ولذا جاء في صحيح مسلم: "اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل" (٦).
وقد اختلف أهل العلم في جواز إطلاق لفظ خليفة الله على العبد بين مانع ومجيز، وفصل ابن القيم في مفتاح دار السعادة القول فقال بعد إيراده لأدلة الفريقين: "قلت: إن أريد بالإضافة إلى الله أنه خليفة عنه فالصواب قول الطائفة المانعة، وإن أريد بالإضافة أن الله استخلفه عن غيره ممن كان قبله فهذا لا يمتنع فيه الإضافة، وحقيقتها خليفة الله الذي جعله الله خلفًا عن غيره" (٧).
والرابع: أن المراد: بنو آدم لأن كل قرن منهم يخلف القرن الذي سلفه (٨).
ويدل لهذا القول: قول الله-﷿: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ [البقرة: ٣٠] وقوله-﷿: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ﴾ [فاطر: ٣٩]، وغير ذلك من الآيات، و(خَلِيفَة) على هذا القول يجوز أن تكون بمعنى فاعل أو مفعول، فالقرن من البشر خالف لمن قبله وهو مخلوف بمن بعده (٩)، ومال إلى هذا القول ابن جرير (١٠)، وكل هذه الأقوال محتملة، وأظهرها قول من قال المراد بالخليفة آدم وبنوه، وأفرد لفظ (خَلِيْفَة) استغناء بذكر آدم عن ذكر بنيه سواء أكانت الخلافة في سكنى الأرض أم في عمارتها وسياستها بالدين.
قوله تعالى: ﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا﴾ [البقرة: ٣٠]، "أي قالوا على سبيل التعجب والاستعلام: كيف تستخلف هؤلاء، وفيهم من يفسد في الأرض بالمعاصي" (١١).
قال ابن سابط: " يعنون الحرام" (١٢).

(١) ونسبه الماوردي في النكت والعيون: ١/ ٩٥، وأبو حيان في البحر المحيط: ١/ ١٤٠ وبيان الحق النيسابوري في وضح البرهان: ١/ ١٣٥ لابن مسعود، وذهب إليه ابن عاشور في التحرير والتنوير: ١/ ٣٩٩.
(٢) في المحرر الوجيز: ١/ ١٦٤.
(٣) في الجامع لأحكام القرآن: ١/ ٢٦٣.
(٤) أنوار التنزيل: ١/ ٤٥.
(٥) أضواء البيان: ١/ ٥٧.
(٦) صحيح مسلم: ٢/ ٩٧٨ رقم: ١٣٤٢.
(٧) مفتاح السعادة: ١/ ٤٧٢، وانظر: منهاج السنة لابن تيمية: ١/ ٥٠٧ - ٥١٠، المفردات للراغب: ١٥٦، معجم المناهي اللفظية لبكر أبو زيد: ١٥٦ - ١٥٧.
(٨) وهو قول الحسن البصري كما في جامع البيان للطبري: ١/ ٤٥١، والنكت والعيون للماوردي: ١/ ٩٥ وغيرهما، وقال به ابن كثير في التفسير: ١/ ٩٠، والقاسمي في محاسن التأويل: ٢/ ٩٤.
(٩) انظر: المحرر الوجيز لابن عطية: ١/ ١٦٤.
(١٠) انظر: جامع البيان: ١/ ٤٤٨.
(١١) صفوة التفاسير: ١/ ٤١.
(١٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٢٠): ص ١/ ٧٧.

2 / 164