الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية
الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية
Publisher
دار القلم
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م
Publisher Location
بيروت - لبنان
Genres
وهذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: " ﴿ألا﴾، و"إن"، وضمير الفصل: ﴿هم﴾، وهو أيضًا مفيد للحصر" (١).
قوله تعالى: ﴿ولكن لاَّ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٢]، أي: "ولكن لا يعلمون بحالهم في الضلالة والجهل" (٢).
قال ابن عباس: " ولكن لا يعقلون" (٣).
قال الثعلبي: أي: لايعلمون"بأنهم كذلك" (٤).
قال ابن عثيمين: " أي لا يعلمون سفههم" (٥).
وإذا قيل: ما الفرق بين قوله تعالى هنا: ﴿ولكن لا يعلمون﴾، وقوله تعالى فيما سبق: ﴿ولكن لا يشعرون﴾؟
فالجواب: أن الإفساد في الأرض أمر حسي يدركه الإنسان بإحساسه، وشعوره؛ وأما السفه فأمر معنوي يدرك بآثاره، ولا يُحَسُّ به نفسِه (٦).
و(السفه) لغة: خِفَّة الحِلْمِ أو نَقِيضُه أو الجَهْلُ، والسَّفَهُ نَقْصٌ في العَقل وأصله الخِفَّة، من سفه سفهًا من باب تعب، وسفه بالضم سفاهة وسَفاهًا، أي: صار سَفِيهًا، فهو سفيه، والأنثى سفيهة، والجمع سفهاء. وسفه الحق جهله، وسَفِهه تسفيهًا: نسبه إلى السَّفَه (٧).
واصطلاحا: السَّفَه: نقيض الحِلْم وهو سرعة الغضب، والطَّيش مِن يسير الأمور، والمبادرة في البطش، والإيقاع بالمؤذي، والسَّرف في العقوبة، وإظهار الجزع مِن أدنى ضررٍ، والسَّبُّ الفاحش (٨).
وقال الجرجاني: "السَّفَه: عبارة عن خِفَّة تعرض للإنسان مِن الفرح والغضب، فتحمله على العمل بخلاف طور العقل، وموجب الشَّرع" (٩)، وقال ابن القيِّم: "السَّفَه غاية الجهل، وهو مركَّبٌ مِن عدم العلم بما يُصْلِح معاشه ومعاده، وإرادته بخلافه" (١٠).
وفي اصطلاح الفقهاء السفه: خِفة تبعث الإنسان على العمل في ماله بخلاف مقتضى العقل والشرع، مع قيام العقل حقيقة؛ قال الحنفية: فالسفه لا يوجب خللًا، ولا يمنع شيئًا من أحكام الشرع (١١)، وقيل: السفه: صفة لا يكون الشخص معها مطلق التصرُّف، كأن يكون مبذرًا، يضيِّع المال في غير وجهه الجائز، وأما عُرفًا، فهو بذاءة اللسان، والنطق بما يُستحيى منه (١٢)، (١٣)، وفي جواهر الإكليل: السفيه: البالغ العاقل الذي لا يُحسن التصرف في المال، فهو خلاف الرشيد (١٤)، (١٥)، قال ابن كثير: " والسفيه: هو الجاهل الضعيف الرّأي القليل
(١) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٤٩.
(٢) صفوة التفاسير: ١/ ٣٠.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (١٣١): ص ١/ ٤٦.
(٤) تفسير الثعلبي: ١/ ١٥٥.
(٥) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٤٩.
(٦) أنظر: تفسير ابن عثيمين: ١/ ٤٩.
(٧) انظر: لسان العرب: ١٣/ ٤٩٧، والصحاح للجوهري: ٦/ ٢٢٣٤ - ٢٢٣٥. والقاموس المحيط، الفيروزآبادي: ١٦٠٩. والمصباح المنير، الفيومي: ١/ ٢٨٠.
(٨) تهذيب الأخلاق/ الجاحظ: ٢٩.
(٩) التعريفات: ١١٩. وقال الراغب: "السفه خفة البدن، ومنه قيل: زمام سفيه: كثير الاضطراب، وثوب سفيه: رديء النسج. واستعمل في خفة النفس لنقصان العقل، وفي الأمور الدنوية والأخروية". (مفردات القرآن: ٤١٤).
والفرق بين السفيه والأحمق هو أن الحُمْق قلَّة العقل وفَسَادٌ فِيه، واصطلاحا هو: " وضع الشَّيء في غير موضعه مع العلم بقُبْحه" (النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير: ١/ ٤٤٢) وقيل أن " حقيقة الأَحْمَق: مَن يعمل ما يضرُّه مع علمه بقُبْحه" (شرح النووي على مسلم: ١٨/ ١٣٦).
(١٠) بدائع الفوائد: ٥/ ١٨٣.
(١١) ابن عابدين (٢/ ٤٢٦ - ٤٢٧)، ومجلة الأحكام، م (٩٤٥).
(١٢) ابن عابدين (٢/ ٤٢٣)، وكشف الأسرار (٤/ ٣٦٩)، والمصباح المنير مادة: (سفه).
(١٣) القليوبي (٣/ ٣٦٤).
(١٤) جواهر الإكليل (١/ ١٦١)، ط دار المعرفة.
(١٥) الموسوعة الفقهية الكويتية (١٦/ ١٠٠).
2 / 83