Al-Zawājir ʿan Iqtirāf al-Kabāʾir
الزواجر عن اقتراف الكبائر
Publisher
دار الفكر
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٠٧هـ - ١٩٨٧م
Genres
Shāfiʿī Law
[الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ وَالثَّانِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ سُوءُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَتِهِ]
الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالثَّانِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ سُوءُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَتِهِ أَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ ﷺ قَالَ: «أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ سُوءُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ ﷿» . وَقَالَ - عَزَّ قَائِلًا: ﴿وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ﴾ [الحجر: ٥٦] . تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذَيْنِ كَبِيرَتَيْنِ مُغَايِرَتَيْنِ لِلْيَأْسِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ هُوَ مَا وَقَعَ لِلْجَلَالِ الْبُلْقِينِيِّ وَغَيْرِهِ وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا إلَى مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ مِنْ التَّلَازُمِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: فِي مَعْنَى الْإِيَاسِ الْقُنُوطُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْهُ لِلتَّرَقِّي إلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ﴾ [فصلت: ٤٩] انْتَهَى، وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّ سُوءَ الظَّنِّ أَبْلَغُ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ يَأْسٌ، وَقُنُوطٌ، وَزِيَادَةٌ لِتَجْوِيزِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَشْيَاءَ لَا تَلِيقُ بِكَرَمِهِ وُجُودِهِ.
وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - قَالَ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ نَحْوُهُ.
فَإِنْ قُلْت: يُنَافِي هَذَا إطْبَاقُ أَئِمَّتِنَا عَلَى أَنَّ تَحْسِينَ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَنْدُوبٌ لِلْمَرِيضِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّحِيحِ، فَقِيلَ الْأَوْلَى لَهُ تَغْلِيبُ خَوْفِهِ عَلَى رَجَائِهِ. وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُهَذَّبِ: الْأَوْلَى لَهُ اسْتِوَاؤُهُمَا. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إنْ أَمِنَ دَاءَ الْقُنُوطِ فَالرَّجَاءُ أَوْلَى، أَوْ أَمِنَ الْمَكْرَ فَالْخَوْفُ أَوْلَى.
قُلْت: الْكَلَامُ فِي مَقَامَيْنِ: أَحَدُهُمَا: شَخْصٌ يَجُوزُ وُقُوعُ الرَّحْمَةِ لَهُ وَالْعَذَابُ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي تَعَرَّضَ لَهُ الْفُقَهَاءُ، فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا نُدِبَ لَهُ تَغْلِيبُ جَانِبِ الرَّجَاءِ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا اخْتَلَفُوا فِيهِ كَمَا رَأَيْت. ثَانِيهِمَا: شَخْصٌ أَيِسَ مِنْ وُقُوعِ شَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الرَّحْمَةِ لَهُ مَعَ إسْلَامِهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي كَلَامُنَا هُنَا فِيهِ، فَهَذَا الْيَأْسُ كَبِيرَةٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَكْذِيبَ النُّصُوصِ الْقَطْعِيَّةِ الَّتِي أَشَرْنَا إلَيْهَا، ثُمَّ هَذَا الْيَأْسُ قَدْ يَنْضَمُّ إلَيْهِ حَالَةٌ هِيَ أَشَدُّ مِنْهُ، وَهِيَ التَّصْمِيمُ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ الرَّحْمَةِ لَهُ، وَهُوَ الْقُنُوطُ بِحَسَبِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ (فَهُوَ يَئُوسٌ
1 / 150