Al-Wajīz fī fiqh al-Imām al-Shāfiʿī
الوجيز في فقه الإمام الشافعي
Editor
علي معوض وعادل عبد الموجود
Publisher
شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم
Edition Number
الأولى
Publication Year
1418 AH
Publisher Location
بيروت
Genres
الله عنهم - حُكْمُهُمْ بإسلام طوائفَ من أجلافِ العَرَب، كانوا مشغولين بعبادةِ الوَثَن، ولم يشتغلوا بعلْمِ الدليل، ولو اشتغلُوا به، لم يفهمُوهُ، ومَنْ ظنَّ أن مدرك الإيمانِ الكلامُ، والأدلَّةُ المجرّدةُ،َ والتقسيماتُ المرتَبة، فقد أبْدَعَ جِدَّ الإبداعِ، بل الإيمانُ نُورٌ يقذفُهُ الله في قلوب عبيدِهِ، عطيَّةً وهديَّةً من عنده، تارةً ببيِّنةٍ من الباطنِ لا يُمْكِنُهُ التعبيرُ عنها، وتارةً بسبب رؤيا المنام، وتارةً بمشاهدةِ حالٍ رجلٍ متديِّن، وسرايَةِ نوره إلَيْه؛ عند صحبتِهِ، ومجالستِهِ، وتارةً بقرينةِ حَالٍ ..))
ويستطردُ قائلاً:
(نَعَمْ؛ لستُ أنكرُ أنَّه قد يجوزُ أن يكون ذكْرُ أدلَّة المتكلِّمين أحدَ أسبابِ الإيمانِ في حقِّ بعضٍ الناسِ، ولكنْ ليس بمقْصُورٍ عليه، وهو أيضاً نادرٌ، بل الأنفعُ الكلامُ الجارِي في معرضِ الوعْظِ؛ كما يشتملُ عليه القرآنُ، فأما الكلامُ المحرَّر على رِسْمِ المتكلِّمين، فإنَّه يشعر نفوسَ المستمِعِينَ بأنَّ فيه صنعةً وجدلاً ليعجز عنه العامِّيُّ، لا لكونه حقّاً في نفسه، وربَّما يكونُ ذلك سبباً لرسوخ العنادِ في قَلْبه؛ ولذلك لا ترَى مجلس مناظرةٍ للمتكلِّمينَ ولا للفُقَهَاءِ ينكشفُ عن واحدٍ أَنْتَقَلَ من أَلاعتزالٍ أو بدعةٍ إلى غيره، ولا عن مذهَبِ الشافعيِّ إلى مذهب أبي حنيفَةً، ولا على العَكْس، وتجرى هذه الانتقالاتُ بأسبابِ أُخَرَ حتَّى في القتالِ بالسَّيْف، ولذلك لم تجر عادةُ السَّلَفِ بالدَّعْوَة لهذه المجادَلاَت، بَلْ شدّدوا القولَ علَى من يخوضُ في الكلامِ، ويشتغُل بالبَحْثِ والسُّؤال).
وهكذا لم يساير الغَزَّاليُّ المتكلِّمين في جميع أنِّجاهاتِهِمْ، فقد أدرك بفكْرِهِ الثّاقب، وثقافته الواسعَةِ؛ أنَّ عِلْمَ الكلامِ علَاجٌ مؤقّتٌ لمن عنده شكوكٌ وشُبَهٌ؛ إذْ إنَّ الطبائعَ السَّليمَةَ والفِطَرَ الصحيحَةَ لا تحتاجُ إلى مثل هذه العِلَاَجَاتِ.
أمَّا أُسْلُوبُ القرآنِ في الإِقْنَاعِ والعِلَاجِ، فهو عامٌ، وأشملُ، وأنجعُ؛ إذ لا ضَرَرَ فيه، ولا خَطَر.
وقد عبَّر عن وجْهَةِ نَظَرَه تلْك في كتابه إِلْجَامِ العَوَامِّ عن علْمِ الكلامِ بقوله:
(فأدلّة القرآنِ مثلُ الغذاءِ؛ ينتفعُ به كلُّ إنسانُ وأدلَّة المتكلِّمين مثْلُ الدواءِ؛ ينتفعُ به آحادُ النَّاس، ويستضرُّ به الأكثرون، بل أدلَّةُ القرآنِ كالمَاءِ الذي ينتفعُ به الصبي الرضيع، والرجل القويّ، وسائر الأدلّة كالأطعمة التي ينتفع بها الأقويَاءُ مرَّةً، ويمرضُونَ بها أخرَى، ولا ينتفعُ بها الصِّبْيَان أصلاً ...).
ثم يقولُ:
(والدليلُ علَى تضرُّر الخلْقِ به: المشاهدةُ، والعِيَانُ، والتجْرِبَةُ، وما ثار من الشرِّ منذ نبَغَ المتكلِّمون، وفَشَتْ صناعة الكلام، مع سلاَمَة العنْصُرِ الأوّل من الصحابةِ عن مثلِ ذلك ..).
وتمثَّل نقدِهِ لمنْهَج المتكلِّمين من ناحية أُخْرَى، وهي أَنَّ هذا المنهج غيْرُ كافٍ لِكَشْفِ الحقائقِ ومعرفتها تَمَاماً؛ وها هو يُعَبِّر عن ذلك بقوْلِهِ :
وأمَّا منفعتُهُ، فقد يُظَنُّ أنَّ فائدتَهُ كشْفُ الحقائقِ ومعرفتُهَا علَى ما هي عَليْهِ، وهيهاتَ فليس في
49