وقد أُظهر ذلك في قوله: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ [الإسراء: ١١١]، وهذا تعليمٌ مِن اللَّه عزَّ وعلا لعباده كيفيةَ حمدِه وثنائِه.
وقال بعضُهم: هو على الإخبارِ، ومعناه: أنَّ حمدَ جميعِ الحامدين ومدحَ جميعِ المادحين وشكرَ جميعِ الشاكرين وذِكْرَ جميعِ الذاكرين للَّهِ ﷿، وبالفارسية: (حمد خداي داما نداي راشيد وخداي راسد ها وجن وردل نشود).
وذلك لأنَّ المُنعِم هو اللَّهُ تعالى، فالشكر له، قال اللَّهُ تعالى: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ ومَن أَنعمَ عليكَ مِن خَلْقه فبتوفيقِه وعونِه، وأمَّا الابتداءُ فحمدٌ (^١) مِن اللَّه تعالى لنفسِه لأنه يحبُّ الحمد.
قال النبيُّ ﷺ: "لا أحدَ أحبُّ للمدح مِن اللَّه تعالى، فلذلك مَدَح نفسَه فقال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ " (^٢).
وقال أصحابُ المعاني: حَمدَ اللَّهُ تعالى نفسَه فقال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾، واستَحمَدَ مِن خَلْقه فقال: ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ [النمل: ٥٩]، ونزَّه نفسَه فقال: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ﴾ [المؤمنون: ٩١] واستَنْزه مِن خَلْقه فقال: ﴿وَسَبِّحُوُه﴾ [الأحزاب: ٤٢]، وشَهدَ بوحدانيتِه فقال: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [آل عمران: ١٨]، واستَشْهَد مِن خَلْقه فقال: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١]، وأَظهر بذلك محبّتَه الحمدَ (^٣) والتنزيهَ والشهادةَ.
ولأنَّه لمَّا خَلَقَ الخلقَ وربَّاهم، وفهَّمهم وهداهم، وجبَ عليهم شكرُه بذلك
(^١) في (أ): "بحمد".
(^٢) رواه بنحوه الطبري في "تفسيره" (١/ ١٣٧) عن الأسود بن سريع، وإسناده منقطع. ورواه البخاري (٤٦٣٤)، ومسلم (٢٧٦٠)، من حديث ابن مسعود ﵁ بلفظ: "ليس أحدٌ أَحبَّ إليه المدحُ من اللَّهِ من أَجْلِ ذلك مَدحَ نَفْسَه".
(^٣) في (ف): "للحمد".