Al-Talwih fi Kashf Haqaiq al-Tanqih

Sa'd al-Din al-Taftazani d. 792 AH
7

Al-Talwih fi Kashf Haqaiq al-Tanqih

التلويح في كشف حقائق التنقيح

Publisher

مطبعة محمد علي صبيح وأولاده بالأزهر

Edition Number

١٣٧٧ هـ

Publication Year

١٩٥٧ م

Publisher Location

مصر

الْأَوَّلُ رِيحُ الصِّبَا (عَلَى أَنْ جَعَلَ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ مُمَهَّدَةَ الْمَبَانِي وَفُرُوعَهَا رَقِيقَةَ الْحَوَاشِي) أَيْ لَطِيفَةَ الْأَطْرَافِ وَالْجَوَانِبِ وَدَقِيقَةَ الْمَعَانِي (بُنِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ قَصَرَ الْأَحْكَامَ وَأَحْكَمَهُ ــ [التلويح] شَجَرَةٌ لَهَا أَصْلٌ هُوَ الْإِيمَانُ وَالِاعْتِقَادَاتُ وَفُرُوعٌ هُوَ الْأَعْمَالُ وَالطَّاعَاتُ وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَمْدَ، وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ فِعْلَ اللِّسَانِ خَاصَّةً إلَّا أَنَّ حَمْدَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيرِهِ لَيْسَ قَوْلَ الْقَائِلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، بَلْ مَا يُشْعِرُ بِتَعْظِيمِهِ وَيُنْبِئُ عَنْ تَمْجِيدِهِ مِنْ اعْتِقَادِ اتِّصَافِهِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالتَّرْجَمَةِ عَنْ ذَلِكَ بِالْمَقَالِ وَالْإِتْيَانِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ الْأَعْمَالِ فَالِاعْتِقَادُ أَصْلٌ لَوْلَاهُ لَكَانَ الْحَمْدُ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اُجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ وَالْعَمَلُ فَرْعٌ لَوْلَاهُ لَمَا كَانَ لِلْحَمْدِ نَمَاءٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقَبُولٌ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ دَوْحَةٍ لَا غُصْنَ لَهَا وَشَجَرَةٍ لَا ثَمَرَةَ عَلَيْهَا، إذْ الْعَمَلُ هُوَ الْوَسِيلَةُ إلَى نَيْلِ الْجَنَّاتِ وَرَفْعِ الدَّرَجَاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: ١٠]، وَفِي الْحَدِيثِ «فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَمَلٌ صَالِحٌ لَمْ يُقْبَلْ» فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ لِشَجَرَةِ الْمَحَامِدِ أَصْلًا ثَابِتًا هُوَ الِاعْتِقَادُ الرَّاسِخُ الْإِسْلَامِيُّ الْمُبْتَنَى عَلَى عِلْمِ التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ وَفَرْعًا نَامِيًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى مَقْبُولًا عِنْدَهُ هُوَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ الْمُوَافِقُ لِلشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ الْمُبْتَنَى عَلَى عِلْمِ الشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ وَأَشَارَ إلَى الِاخْتِصَاصِ وَالدَّوَامِ بِقَوْلِهِ إلَيْهِ يَصْعَدُ بِتَقْدِيمِ الظَّرْفِ الْمُفِيدِ لِلِاخْتِصَاصِ وَلَفْظِ الْمُضَارِعِ الْمُنْبِئِ عَنْ الِاسْتِمْرَارِ. قَوْلُهُ (عَلَى أَنْ جَعَلَ) تَعْلِيقٌ لِلْمَحَامِدِ بِبَعْضِ النِّعَمِ إشَارَةً إلَى عِظَمِ أَمْرِ الْعِلْمِ الَّذِي وَقَعَ التَّصْنِيفُ فِيهِ وَدَلَالَةً عَلَى جَلَالَةِ قَدْرِهِ وَالشَّرِيعَةُ نِعْمَ الْفِقْهُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأُمُورِ الثَّابِتَةِ بِالْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ كَمَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ وَالْمَعَادِ وَكَوْنِ الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ حُجَّةً وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَأُصُولُ الشَّرِيعَةُ أَدِلَّتُهَا الْكُلِّيَّةُ وَمَبَانِي الْأُصُولِ مَا تُبْتَنَى هِيَ عَلَيْهِ مِنْ عِلْمِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَالنُّبُوَّاتِ وَتَمْهِيدُهَا تَسْوِيَتُهَا وَإِصْلَاحُهَا بِكَوْنِهَا عَلَى وَفْقِ الْحَقِّ وَنَهْجِ الصَّوَابِ وَفُرُوعُ الشَّرِيعَةِ أَحْكَامُهَا الْمُفَصِّلَةُ الْمُبَيِّنَةُ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ وَمَعَانِيهَا الْعِلَلُ الْجُزْئِيَّةُ التَّفْصِيلِيَّةُ عَلَى كُلِّ مَسْأَلَةٍ وَدِقَّتهَا كَوْنُهَا غَامِضَةً لَطِيفَةً لَا يَصِلُ إلَيْهَا كُلُّ أَحَدٍ بِسُهُولَةٍ وَجَمِيعُ ذَلِكَ نِعَمٌ تَسْتَوْجِبُ الْحَمْدَ، إذْ بِالشَّرِيعَةِ نِظَامُ الدُّنْيَا وَثَوَابُ الْعُقْبَى وَبِدِقَّةِ مَعَانِي الْفِقْهِ رِفْعَةُ دَرَجَاتِ الْعُلَمَاءِ وَنَيْلُهُمْ الثَّوَابَ فِي دَارِ الْجَزَاءِ، وَفِي هَذَا الْكَلَامِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عِلْمَ الْأُصُولِ فَوْقَ الْفِقْهِ وَدُونَ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْأَحْكَامِ الْجُزْئِيَّةِ بِأَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ أَحْوَالِ الْأَدِلَّةِ الْكُلِّيَّةِ مِنْ حَيْثُ تُوَصِّلُ إلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الْبَارِي وَصِفَاتِهِ وَصِدْقِ الْمُبَلِّغِ وَدَلَالَةِ مُعْجِزَاتِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ عِلْمُ الْكَلَامِ الْبَاحِثُ عَنْ أَحْوَالِ الصَّانِعِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْإِمَامَةِ وَالْمَعَادِ وَمَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ عَلَى قَانُونِ الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ (بُنِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ) بِمَنْزِلَةِ الْبَدَلِ مِنْ الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ شَبَّهَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِقَصْرٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُلْتَجِئَ إلَيْهَا يَأْمَنُ مِنْ غَوَائِلِ عَدُوِّ الدِّينِ وَعَذَابِ النَّارِ

1 / 8