Al-Sheikh Abdul Rahman bin Saadi and His Efforts in Clarifying the Doctrine

Abdul Razzaq bin Abdul Mohsin Al-Badr d. Unknown

Al-Sheikh Abdul Rahman bin Saadi and His Efforts in Clarifying the Doctrine

الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وجهوده في تو ضيح العقيدة

Publisher

مكتبة الرشد،الرياض

Publisher Location

المملكة العربية السعودية

Genres

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ١. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ ٢. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ ٣. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار٤. وبعد: فإن عقيدة التوحيد، وإفراد الله وحده بالعبادة هي أجل المسائل وأعظمها على الإطلاق، فمن أجلها خلق الله الخلق وأنزل الكتب وبعث الرسل، فجميع الأنبياء الذين بعثهم الله، إنما بعثهم للدعوة إلى عقيدة التوحيد وإفراده وحده بالعبادة. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ ٥. وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ ٦.

١ سورة آل عمران / الآية ١٠٢. ٢ سورة النساء/ الآية ١. ٣ سورة الأحزاب / الآيتان ٧٠، ٧١. ٤ هذه الخطبة تسمى (خطبة الحاجة) وهي تشرع بين يدي كل حاجة، وقد أفرد فيها العلامة الألباني رسالة خاصة جمع فيها الأحاديث الواردة فيها وطرقها، فلتراجع. ٥ سورة النحل/ الآية ٣٦. ٦ سورة الأنبياء/ الآية ٢٥.

1 / 3

وقال تعالى: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾ ١. وقد ختمهم الله سبحانه بمحمد ﷺ، البشير النذير، والداعي إلى الله بإذنه والسراج المنير، فعمل على ما كان عليه إخوانه المرسلون من العناية بعقيدة التوحيد فأخذ ينادي بهذه العقيدة في أرجاء قومه، الذين عكفوا على أصنام لهم متخذينها آلهة، يدعونها ويذبحون لها ويتوسلون بها ويقدمون لها أنواعًا لها كثيرة من العبادة، مع أنها حجارة لا تضر ولا تنفع، ولا تملك لنفسها ضرًا ولا رشدًا، فضلا عن أن تملك لغيرها شيئًا. فأخذ ينادي بينهم بهذه العقيدة، ويصدع بينهم بقوله: "قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا"٢. فما كان منهم إلا أن أنكروا دعوته، وردوا مقالته، فقالوا له متعجبين ولدعوته مستنكرين: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ ٣. فما استكان ولا توانى بل استمر ﷺ يدعو إلى هذه العقيدة، فدعا إليها ثلاثة عشر عاما في مكة، وواصل ذلك في المدينة بعد أن هاجر إليها. فنفع الله بدعوته، وأخرج به الناس من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلى الهدى، ومن الشرك إلى التوحيد، ومن عبادة الأوثان إلى عبادة الواحد الديان. وفتح الله به أعينًا عميًا وقلوبًا غلفًا وآذانًا صمًا. قال تعالى: ﴿قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ ٤. وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ

١ سورة النحل/ الآية ٢. ٢ أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد /٢٧ وابن حبان (موارد الظمآن: ١٦٨٣) والدارقطني ٣/٤٥، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة ٤/٧٦٠، والبيهقي ١/٧٦، ٢١٦، والحاكم ٢/٦١٢ عن طارق بن عبد الله المحاربي ﵁. ويروى عن غيره من الصحابة، قال الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وقال المحدث أبو الطيب أبادي في التعليق المغني على سنن الدارقطني (ورواته كلهم ثقات) . أ. هـ ٣ سورة ص/ الآية ٥. ٤ سورة الطلاق/ الآيتان ١٠، ١١.

1 / 4

وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ ١. ولم يمت ﷺ حتى أتم الله به الدين وأكمله، حيث أدى رسالة ربه وافية كاملة ممتثلًا بذلك أمر ربه حيث يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ ٢. قال الإمام ابن كثير ﵀: "يقول تعالى مخاطبًا عبده محمدًا ﷺ باسم الرسالة، وآمرًا له بإبلاغ جميع ما أرسله الله به. وقد امتثل عليه أفضل الصلاة والسلام ذلك، وقام به أتم القيام"٣. ثم ساق ما أخرجه البخاري في «صحيحه» عن عائشة ﵂ أنها قالت: "من حدثك أن محمدًا كتم شيئًا مما أنزل الله عليه فقد كذب، وهو يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ ٤" ٥. وقد أنزل الله في كتابه - تبيينًا وتنصيصًا على أن الرسول ﷺ ما مات حتى أتم الله الدين وأكمله - قوله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا﴾ ٦. وهذا الإنعام أعظم نعم الله تعالى على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه؛ ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء، وبعثه إلى الإنس والجن فلا حلال إلا ما أحله الله ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا ما شرعه. وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق، لا كذب فيه ولا خلف كما قال تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ ٧ أي صدقًا في الأخبار وعدلًا في الأوامر والنواهي. فلما أكمل لهم الدين تمت عليهم النعمة؛ ولهذا قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينًا﴾ ٨ أي

١ سورة الجمعة/ الآية ٢. ٢ سورة المائدة / الآية ٦٧. ٣ تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٢/٧٧. ٤ سورة المائدة/ الآية ٦٧. ٥ البخاري /٥/١٨٨. ٦ سورة المائدة/ الآية ٣. ٧ سورة الأنعام/ الآية ١١٥. ٨ سورة المائدة/ الآية ٣.

1 / 5

فارضوه أنتم لأنفسكم فإنه الدين الذي أحبه الله ورضيه وبعث به أفضل الرسل الكرام، وأنزل به أشرف الكتب١. ثم بعد موته ﷺ خلفه في الدعوة إلى هذا الدين، وفي نشر هذه العقيدة الصافية، ورثتُه من بعده وهم العلماء المصلحون الصحابة ومن اقتفى أثرهم وسار على نهجهم وترسَّم خطاهم، فالأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم. كما في حديث أبي الدرداء ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ "....إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر" ٢. وقال تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا....﴾ ٣ الآية فأهل العلم لهم جهد كبير، وأثر عظيم في نقل هذا الدين، وإيصاله إلى الناس صافيًا نقيًا. ولهم جهد في الذود عن حمى هذا الدين من دسائس المبطلين وتحريف الغالين من الملاحدة والزنادقة والمبتدعة وغيرهم. قال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى - في رسالة بعثها إلى مُسَدَّد بن مُسَرْهَد عندما سأله عن أمر الفتنة وما وقع فيه الناس من الاختلاف في القدر والرفض والاعتزال وخلق القرآن والإرجاء. قال: ".... الحمد لله الذي جعل في كل زمان بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، وينهون عن الردى، يحيون بكتاب الله الموتى، وبسنة النبي أهل الجهالة والردى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه. وكم من ضال قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس ينفون عن دين الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين الذين عقدوا ألوية البدع، وأطلقوا أعنَّة الفتنة، مختلفين في الكتاب يقولون على الله وفي الله. تعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا، وفي كتابه بغير علم، فنعوذ بالله من كل فتنة مضلة...." ٤. فعلى مر العصور واختلاف الأيام، يقيض الله لهذا الدين العلماء الأعلام، فيقومون بإرشاد الناس إلى الدين، ويهدونهم إلى الطريق المستقيم عن طريق الخطب، والمواعظ والدروس والمؤلفات النافعة.

١ فسير القرآن العظيم لابن كثير ٢/١٢. ٢ أخرجه أحمد ٥/١٩٦، والترمذي ٥/٤٩، وابن ماجه ١/٨١، وأبو داود ٣/٣١٧، والدارمي ١/٩٨. وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه ١/٤٣. ٣ سورة فاطر/ الآية ٣٢. ٤ مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي /٢١٧، وطبقات الحنابلة لابن أبي يعلى ١/٣٤٢. وانظر لزامًا درء التعارض لشيخ الإسلام ابن تيمية ١/٢٢١.

1 / 6

فيحيون ما اندرس من السنن، ويردون ما جد من الحوادث والبدع، ويكونون أئمة خير يهدون الناس بأمر الله إلى كل خير، وبهم يكون صلاح الدين والدنيا وبفقدهم فلا خير في الدنيا، بل هي سواهم وسوى ذكر الله ملعونة ملعون ما فيها. كما ورد في الحديث "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه، وعالمًا أو متعلمًا"١. وإن من هؤلاء الهداة الأعلام المبرزين في القرن الرابع عشر المنصرم، الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله آل سعدي المتوفى في عام ١٣٧٦هـ رحمه الله تعالى. فقد بذل ﵀ حياته، ونذر أوقاته لخدمة العلم، وقد عرف منذ حداثة سنه برغبته القوية، وحرصه الشديد على تحصيل العلم، فكان لا يصرفه عنه صارف، ولا يشغله عنه أي أمر من الأمور باذلًا له حياته صارفا فيه أوقاته، زاهدًا في كل ما يشغله عن العلم والتعلم. فحفظ القرآن عن ظهر قلب في الحادية عشرة من عمره، ثم أقبل على العلماء يواظب على دروسهم، وأكب على كتب أهل العلم يقرأها وينهل من معينها فانقطع ﵀ للعلم وتحصيله حفظًا وفهمًا ودراسة ومراجعة واستذكارًا وتطبيقًا، حتى نال في وقت مبكر من عمره علومًا كثيرة وفنونًا مختلفة. وقد بارك الله فيه وفي أوقاته ونفع به، فاستفاد منه خلق كثير في حياته، ولا يزالون ينتفعون من مؤلفاته بعد وفاته، فله ﵀ مؤلفات كثيرة تربو على أربعين مؤلفًا في سائر فنون الشريعة، فله مؤلفات عديدة في العقيدة الإسلامية وفي التفسير وعلومه وفي الفقه وأصوله وفي محاسن الدين وآدابه وغير ذلك، وهي سهلة الأسلوب قريبة المأخذ، واضحة المعاني، جامعة شاملة. وقد كان له ﵀ عناية بالغة بالعقيدة الإسلامية، كشأن علماء أهل السنة والجماعة. وقد خصها بمؤلفات عديدة أفردها لبيان العقيدة وتوضيحها وللرد على من خالفها، ومؤلفاته التي أفردها في العقيدة تربو على عشرة مؤلفات، ثم إنه يُعنى بالعقيدة في سائر مؤلفاته، وكتابه "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان" يعد مرجعًا هامًا في بيان العقيدة وتوضيحها والرد على من خالفها، وكذلك خلاصة هذا التفسير المسمى بـ "تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن". وغيرهما من مؤلفاته.

١ أخرجه الترمذي ٤/٥٦١ وابن ماجه ٢/١٣٧٧، وحسنه الألباني، انظر صحيح الجامع ٣/١٥٢.

1 / 7

فكان ﵀ يُعنى بأمر العقيدة ويرى أنه أعظم المسائل وأكبرها وأهمها وأجدرها بالتوضيح والبيان. وقد استفاد كثيرًا من كتب من سبقه من علماء الإسلام المتقدمين، ولا سيما من كتب العالمين الجليلين شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن قيم الجوزية اللذين ظهر تأثره بهما في مؤلفاته، فقد نهج ﵀ نهجهما في تأصيل القواعد وتقريرها، وفي الردود على المخالفين لهذه العقيدة، كما اعتنى ﵀ بمؤلفاتهما شرحًا وتوضيحًا وتبيينًا. ولما كان على كل طالب في الدراسات العليا أن يقدم بحثًا علميًا في مجال تخصصه فقد رأيت أن أقوم بدراسة علمية لجهود هذا العالم الجليل في توضيح العقيدة، واستخرت الله في ذلك وشاورت بعض أهل العلم من تلاميذه وغيرهم فوجدت التأييد التام ممن سألته، فعزمت أمري وتوكلت على الله، وباشرت الكتابة في هذا الموضوع وجعلته بعنوان: "الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وجهوده في توضيح العقيدة" وجعلته في مقدمة وبابين وخاتمة: أما المقدمة: فهي هذه وقد جعلتها تمهيدًا لهذا البحث وبينت فيها أهميته، والخطة التي سرت عليها فيه. أما الباب الأول: فقد خصصته للحديث عن حياة الشيخ عبد الرحمن بن سعدي، وقسمته إلى فصلين: الفصل الأول: عن حياته الشخصية وقسمته إلى ثمانية مباحث. تحدثت فيها عن نسبه، ومولده، ووفاة والديه، ونشأته، وصفاته الخلقية والخُلقية وأعماله ومرضه، ووفاته، ورثائه. الفصل الثاني: عن حياته العلمية وقسمته أيضا إلى ثمانية مباحث. تحدثت فيها عن طلبه للعلم وحرصه عليه، وشيوخه، وعنايته بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وتأثره بهما، وجلوسه للتدريس، وطريقته فيه، وتلاميذه، وعقيدته، وتنوع ثقافته، ومؤلفاته، وثناء العلماء عليه. وأما الباب الثاني: فخصصته للحديث عن جهوده في توضيح العقيدة، وقسمته إلى أربعة فصول: الفصل الأول: عن جهوده في توضيح الإيمان بالله وفيه تمهيد وثلاثة مباحث:

1 / 8

المبحث الأول: عن توحيد الربوبية. المبحث الثاني: عن توحيد الأسماء والصفات. المبحث الثالث: عن توحيد الألوهية. الفصل الرابع: عن جهوده في توضيح الإيمان بالنبوات وضمنته الحديث عن الإيمان بالملائكة والكتب. الفصل الثالث: عن جهوده في توضيح الإيمان باليوم الآخر وفيه تمهيد وخمسة مباحث: المبحث الأول: الإيمان بأشراط الساعة. المبحث الثاني: الإيمان بفتنة القبر وعذابه ونعيمه. المبحث الثالث: الإيمان بالنفخ في الصور. المبحث الرابع: الإيمان بالبعث والنشور. المبحث الخامس: الإيمان باليوم الآخر بعد البعث. الفصل الرابع: عن جهوده في توضيح تعريف الإيمان وما يتعلق به من مسائل كالاستثناء في الإيمان وزيادة الإيمان ونقصانه، وحكم مرتكب الكبيرة وغير ذلك. وأما الخاتمة: فقد عرضت فيها ملخصًا موجزًا للنقاط الهامة في هذا البحث. هذا وقد بذلت جهدي في هذا البحث، فاستقصيت جميع مؤلفات الشيخ بعد أسفار متعددة إلى عنيزة والرياض، واتصلت بعدد من تلاميذه، وعكفت على كتبه وقرأت منها ما يتعلق بالعقيدة، ثم سطرت هذه الرسالة. مستفرغًا فيها وُسعي باذلًا فيها طاقتي، وهي في الحقيقة بضاعة متواضعة من شخص مقل، حسبه فيها أنه قدم جهده، وتوخى أن تصل إلى درجة مرضية. وإتمامًا للفائدة من هذه الرسالة قمت بعزو الآيات القرآنية إلى أماكنها، وتخريج الأحاديث النبوية باختصار، ووثقت النقول بذكر مصادرها، وأما ما أهملت توثيقه من أقوال بعض المعاصرين فلأني أخذته منهم مشافهة. ثم إني في ختام هذه المقدمة لا يفوتني أن أتقدم بجزيل شكري وتقديري - بعد شكر الله تعالى على وافر نعمه وعظيم مننه - إلى جميع من أسهم معي في إخراج هذا البحث. وأخص بالذكر والدي الكريم الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله ورعاه، وشيخي الفاضل علي بن ناصر فقيهي المشرف على إعداد هذه الرسالة، والشيخين

1 / 9

الكريمين اللذين قاما بمناقشة وتقويم هذه الرسالة وهما: فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، وفضيلة الشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان، فقد استفدت منهم فوائد جمة فأسأل الله الكريم أن يتقبل هذا الجهد بقبول حسن، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، فهو حسبي ونعم الوكيل. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. كتبه عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد المدينة النبوية في ٢١ رمضان ١٤٠٧هـ

1 / 10

الباب الأول: حياة الشيخ عبد الرحمن بن سعدي الفصل الأول: حياته الشخصية ... الباب الأول حياة الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وفيه فصلان: الفصل الأول: حياته الشخصية. الفصل الثاني: حياته العلمية.

1 / 11

الفصل الأول حياته الشخصية وفيه ثمانية مباحث:- أولا: نسبه. ثانيا: مولده ووفاة والديه. ثالثا: نشأته. رابعا: صفاته الخَلقية. خامسا: صفاته الخُلقية (أخلاقه) . سادسا: أعماله. سابعا: مرضه ووفاته. ثامنا: رثاؤه.

1 / 12

حياته الشخصية١ أولا: نسبه: هو العلامة الورع الزاهد، الفقيه الأصولي المحقق المدقق الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر بن حمد آل سعدي. من نواصر بني تميم، من بني عمرو أحد

١ مصادر ترجمة الشيخ ابن سعدي:- (١) روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين للشيخ محمد بن عثمان القاضي ١/٢١٩. (٢) علماء نجد خلال ستة قرون للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام ٢/٤٢٢. (٣) مشاهير علماء نجد وغيرهم للشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ ٣٩٢. (٤) علماء آل سليم وتلاميذتهم للشيخ صالح بن سليمان بن محمد العمري ٢/٢٩٥. (٥) ترجمة في آخر كتاب المختارات الجلية لابن سعدي، طبعة المدني بقلم الشيخ سليمان بن عبد الكريم السناني (٦) ترجمة في آخر المختارات الجلية لابن سعدي، طبعة السعدية بقلم أحد تلاميذ الشيخ، هي حرفية أو شبه حرفية من مشاهير علماء نجد لآل الشيخ. (٧) مقدمة كتاب الرياض الناضرة لابن سعدي بقلم أحد تلاميذ الشيخ. (٨) سيرة الشيخ عبد الرحمن السعدي جمع وتقديم محمد حامد الفقي. وهي جملة من المقالات لابن الشيخ المترجم له ولأحد تلاميذه ولغيرهما قام بجمعها الشيخ محمد حامد الفقي. (٩) الأعلام لخير الدين الزركلي ٣/٣٤٠. (١٠) معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة ٣/٣٩٦. (١١) مجلة الجامعة الإسلامية س: ١١، ع: ٤، ص٢٠٥. مقال للدكتور عبد الرحمن العدوي. (١٢) مجلة العرب س: ٧ عدد ربيع الأول سنة ١٣٩٣هـ، ص ٦٩٠ بعنوان: معجم المطبوعات العربية تحدث فيه عن مؤلفات ابن سعدي. (١٣) مجلة الحج الحجازية س: ١١، ع١، سنة ١٣٧٦هـ، ص: ١٢٥. (١٤) مقدمة كتاب شرح القصيدة التائية بقلم عبد الغني عبد الخالق.

1 / 13

البطون الكبار من قبيلة بني تميم الشهيرة١. المكنى بأبي عبد الله، الشهير بعلامة القصيم. نزح جدهم من قفار قرب حائل٢، وقيل من المستجدة وهي قريبة من حائل أيضا٣ إلى عنيزة حوالي عام ١١٢٠هـ٤.أما نسبه من قبل أمه، فأمه من آل عثيمين ابنة سليمان العثيمين، وآل عثيمين من آل مقبل من آل زاخر من الوهبة من بني تميم، وهم شقراء، نزح جدهم منها إلى عنيزة وطاب له السكنى فيها٥. ثانيا: مولده، ووفاة والديه: ولد في عنيزة في القصيم، وذلك بتاريخ ١٢ المحرم سنة ألف وثلاثمائة وسبع من الهجرة النبوية. وتوفيت أمه سنة ١٣١٠هـ وله أربع سنوات، وتوفي والده سنة ١٣١٣هـ وله سبع سنوات، فعاش يتيم الأبوين٦. ثالثا: نشأته: كان والد الشيخ عبد الرحمن، من طلبة العلم الحريصين على الطلب، الملازمين

١ روضة الناظرين للقاضي ٢/٢١٩، وعلماء نجد للبسام ٢/٤٢٢، وغيرهما. ٢ روضة الناظرين للقاضي ١/٣١٩. ٣ علماء نجد للبسام ٢/٤٣٣. ٤ المصدران المتقدمان وغيرهما. ٥ المصدران المتقدمان. ٦ آخر كتاب المختارات الجلية طبعة المدني بقلم السناني ص: أ، مقدمة كتاب الرياض الناضرة بقلم أحد تلاميذ الشيخ، وغيرهما. وفي آخر كتاب المختارات الجلية طبعة السعدية ترجمة للشيخ بقلم أحد تلاميذه /٤١٠، ذكر فيها أن والده توفي وله ثمان سنوات، وفي مشاهير علماء نجد لآل الشيخ /٣٩٢ ذكر أن والده توفي وله اثنتا عشرة سنة وهو خطأ؛ لأن جميع من ترجم له يذكر أن والده توفي وله سبع سنوات، وكذا ابنه عبد الله ذكر ذلك في ترجمته لوالده. انظر سيرة عبد الرحمن السعدي، جمع محمد الفقي/١٨.

1 / 14

على العبادة المحافظين على الديانة بأنواعها، وكان إمامًا في مسجد المسوكف بعنيزة١ فعني بابنه عبد الرحمن وسعى في تربيته تربية صالحة. فلمّا توفاه الله عطفت عليه زوجة والده وكفلته وأحبته أكثر من حبها لأولادها وصار عندها موضع العناية والرعاية، فلما شب صار في بيت أخيه الأكبر حمد بن ناصر، فنشأ نشأة صالحة كريمة٢. وكان والده قد أوصى به إلى ابنه الأكبر حمد فقام برعايته وتربيته خير قيام، وكان حمد رجلًا صالحًا ومن حملة القرآن ومن المعمرين٣. هذا وإن الشيخ عبد الرحمن كان منذ نشأته صالحًا مثارًا للإعجاب محافظًا على الصلوات الخمس مع الجماعة، واشتهر منذ حداثته بفطنته وذكائه ورغبته الشديدة في طلب العلم وتحصيله٤. فتوفرت له البيئة الصالحة، والرغبة الشديدة في طلب العلم، فاجتهد في طلب العلم وجد فيه وسهر الليالي وواصل الأيام ومضى في طريقه قُدُمًا لا يلوي على شيء غير العلم ولا يريد شيئًا غير تحصيل العلم. فلا يكاد الواصفون يصفون شدة حرصه وإقباله على العلم والتعلم، وهكذا حتى نال حظًا وافرًا في العلوم الشرعية٥. رابعًا: صفاته الخَلقية: كان ذا قامة متوسطة، شعره كثيف، ووجهه مستدير ممتلئ طلق، ولحيته كثيفة، ولونه أبيض مشرب بالحُمرة، وكان شعره في شبيبته في غاية السواد. وفي شيخوخته في غاية البياض يتلألأ كأنه فضة، ووجهه حسن عليه نور في غاية الحسن وصفاوة اللون٦

١ آخر المختارات الجلية، طبعة المدني بقلم سليمان السناني ص أ، وروضة الناظرين للقاضي ١/٣١٩. ٢ علماء نجذ للبسام ٢/٤٣٣، ومشاهير علماء نجد لآل الشيخ /٣٩٢. ٣ روضة الناظرين للقاضي ١/٣١٩. ٤ روضة الناظرين للقاضي ١/٣١٩، سيرة السعدي جمع الفقي بقلم أحد تلاميذ الشيخ/٩. ٥ سيرة السعدي جمع الفقي بقلم أحد تلاميذه الشيخ/١٠، وآخر الكتبا المختارات الجلية بقلم السناني/أ. ٦ روضة الناظرين للقاضي ١/٢٢٥، وآخر كتاب المختارات الجلية، طبعة المدني، بقلم السناني، ص هـ.

1 / 15

خامسا: صفاته الخُلقية (أخلاقه): أـ (له أخلاق أرق من النسيم وأعذب من السلسبيل لا يعاتِب على الهفوة ولا يؤاخذ بالجفوة، يتودد ويتحبب إلى البعيد والقريب، يقابل بالبشاشة، ويُحَّيِ بالطلاقة، ويعاشر بالحسنى ويجالس بالمنادمة، ويجاذب أطراف أحاديث الأنس والود، ويعطف على الفقير والصغير ويبذل طاقته ووسعه، ويساعد بماله وجاهه وعلمه ورأيه ومشورته ونصحه بلسان صادق، وقلب خالص، وسر مكتوم، ومهما أردت أن أُعدد فضائله ومحاسنه في مجال الأخلاق الكريمة والشيم الحميدة التي يتحلى بها فإني مقصر وقلمي عاجز، ولا يدرك هذا إلا من عاشره وجالسه؛ لذا فإن الله سبحانه أعطاه محبة في القلوب وثقة في النفوس، فأجمعت البلاد على وده، واتفقت على تقديمه، فصار له زعامة شعبية، فإشارته نافذة وكلمته مسموعة وأمره مطاع) . هكذا وصفه تلميذه عبد الله البسام١. ب - وكان ﵀ ذا دعابة يتحبب إلى الخلق بحسن خلقه مرحًا للجليس لا يرى الغضب في وجهه طلق الوجه، كريم المحيا، وكان يكثر الحج ويصوم البيض وغيرها ويتكلم مع كل فرد بما يناسب حاله٢ ويعاشر الخلق معاشرة تامة كل بحسب حاله من يعرف ومن لا يعرف، الصغير والكبير، والخاص والعام، والرجال والنساء، محبًا للخير مُقْدمًا عليه٣. جـ - ولم يُرَ قط إلا مبتسمًا بادية أسارير وجهه، ولم يقابله أي شخص إلا بادره بالسلام واللطافة الصغير والكبير، ومن يعرف ومن لا يعرف، وقل من يراه إلا ويعرفه، ويباسط كل أحد بحسب حاله مباسطة تؤلف القلوب وتمكن المودة٤. د - وكان على جانب كبير من التواضع ولين الجانب يندر مثله، تحس إذا جالسته كأنك من أقرب الناس إليه. متواضعًا للصغير والكبير والغني والفقير٥، وكان لا ينقطع عن زيارتهم ومشاركتهم في مجتمعاتهم٦ يجيب دعوتهم ويزور مريضهم ويشيع جنائزهم٧.

١ علماء نجد ٢/٤٢٩. ٢ روضة الناظرين للقاضي ١/٣٣٤. ٣ آخر كتاب المختارات الجلية، طبعة المدني بقلم السناني: د. ٤ آخر كتاب المختارات الجلية، طبعة المدني بقلم السناني ص: د. ٥ مقدمة الرياض الناضرة لأحد تلاميذ الشيخ /٦ وعلماء آل سليم للعميري ٢/٢/٢٩٥. ٦ علماء نجد للبسام ٢/٤٢٤. ٧ روضة الناظرين للقاضي ١/٢٢٣.

1 / 16

هـ - وكان على جانب كبير من الأدب والعفة والنزاهة والحزم في كل أعماله، زاهدًا متعففًا عزيز النفس على قلة ذات يده١ـ ذا شفقة على الفقراء والمساكين والغرباء، مادًا يد المساعدة لهم بحسب قدرته. ويستعطف لهم المحسنين ممن يعرف عنهم حب الخير في المناسبات٢، ويدفع للفقراء من الطلبة الأموال ليتجردوا عن الانشغال بوسائل المعيشة٣. وـ وكان محبًا لإصلاح ذات البين. فما من مشكلة تعرض عليه إلا ويحلها برضا الطرفين، لما ألقى الله في قلوب الخلق من مودته والانقياد لمشورته والإصغاء لقوله مهما كانت الحال، ولا يكاد يوجد من يرى مخالفته في أي حال من الأحوال٤. ز - وكان ملبسه متوسط الحسن مجانبًا للشهرة، لا يرغب ملابس الشهرة، فملابسه حسنة طيبة بعيدة عن الشهرة٥. سادسا: أعماله: وأعني بأعماله، ما قام به الشيخ من مشاريع خيرية، أو ما تولاه من أعمال دينية. وقد كان ﵀ محبًا للمشاريع الخيرية العامة والخاصة آمرًا بها، مساعدًا عليها، وله أفعال كثيرة حسنة جهرية وسرية، لم يظهر بعضها إلا بعد وفاته وهي كثيرة جدًا٦. وفيما يلي أعرض بعض المشاريع التي قام بها، والأعمال التي تولاها: أـ كان مرجع بلاده وعمدتهم في جميع أحوالهم وشئونهم، فهو مدرس الطلاب وواعظ العامة وإمام الجامع وخطيبه، ومفتي البلاد وكاتب الوثائق ومحرر الأوقاف والوصايا وعاقد الأنكحة ومستشارهم في كل ما يهمهم٧. كل ذلك خدمة لوجه الله.

١ مقدمة الرياضة الناضرة لأحد تلاميذ الشيخ/ ٦، وروضة الناظرين للقاضي ١/٢٢٣. ٢ مقدمة الرياض الناضرة لأحد تلاميذ الشيخ/٦. ٣ روضة الناظرين للقاضي ١/٢٢٤. ٤ آخر كتاب المختارات الجلية، طبعة المدني بقلم السناني ص: د وسيرة السعدي، جمع الفقي/ ١٣. ٥ آخر كتاب المختارات الجلية، طبعة المدني بقلم السناني ص: هـ. ٦ المصدر المتقدم ص: د. ٧ علماء نجد للبسام ٢/٤٢٤.

1 / 17

قام في سنة ١٣٦٠هـ بتأسيس المكتبة الشهيرة بالوطنية في عنيزة على نفقة الوزير ابن حمدان، وجلب لها آلاف الكتب في شتى الفنون، وصارت هذه المكتبة مجمعًا لطلاب العلم يقرؤون عليه فيها، وكانت المراجع متوفرة فيها١. جـ - رشح لقضاء عنيزة عام ١٣٦٠هـ وامتنع منه تورعًا٢، ولم يدخل في أي وظيفة لا قضاء ولا غيره. وعرض عليه القضاء أكثر من مرة ولكن سهل الله له الفكاك منه٣. د - عين إمامًا وخطيبًا للجامع الكبير بعنيزة في رمضان عام ١٣٦١هـ بأمر من الشيخ عبد الرحمن بن عودان، وهي حسنة من حسناته أحبه الناس عليها وحفظوها له٤. هـ - قام في سنة ١٣٦٣هـ، بجمعية خيرية لعمارة مقدم الجامع الكبير، بعنيزة وانتهت على ما يرام بمساعيه المشكورة٥. زـ عين مشرفًا على المعهد العلمي بعنيزة سنة ١٣٧٣هـ، يقول الشيخ عبد الرحمن العدوي - أحد المدرسين في المعهد إذ ذاك بعد أن ذكر خبر تعيينه مدرسًا هناك - (وفي نفس الوقت بلغنا أن الشيخ عبد الرحمن السعدي قد عين مشرفًا على المعهد من الناحية العلمية، وكان تعيينه براتب شهري قدره ألف ريال. ولكن الشيخ رحمه الله تعالى أرسل إلى رئاسة المعاهد العلمية أنه على استعداد للإشراف على المعهد حسبة لوجه الله تعالى، وأنه لا يريد أن يكون له على ذلك أجر مادي وقبلت الرئاسة شاكرة له هذا الصنيع الذي لا يصدر إلا من عالم زاهد يبتغي وجه الله) ٦. ثم قال: (كان ﵀ يأتي إلى المعهد بانتظام يوم الثلاثاء من كل أسبوع، ثم

١ روضة الناظرين للقاضي ١/٢٢٣. ٢ روضة الناظرين للقاضي ١/٢٢١. ٣ آخر كتاب المختارات الجلية، طبعة المدني بقلم السناني ص: ج. ٤ روضة الناظرين للقاضي ١/٢٢٣، وعبد الرحمن بن عدوان هو قاضي عنيزة إذ ذاك. ٥ روضة الناظرين، للقاضي ١/٢٢٣. ٦ مجلة الجامعة الإسلامية، سنة: ١١، ع: ٤، ص: ٢٠٥.

1 / 18

يدخل إلى آخر صف ويجلس فيه كأنه أحد طلاب هذا الفصل. ويكرر هذا العمل في أكثر من فصل ويستمع إلى أكثر من مدرس ولم يكن في المعهد من المدرسين المصريين إلا أنا وزميل آخر، أما بقية المدرسين فكانوا من أبناء الشيخ علمهم في المسجد الجامع إلى درجة تسمح لهم بالقيام بتدريس المواد التي تعلموها على يديه) ١. وهو أول من أدخل مكبر الصوت في عنيزة، وله خطبة في منافعه قالها حين وضعه في المسجد واستنكره بعض الناس قال فيها: (وكذلك إيصال الأصوات والمقالات النافعة إلى الأمكنة البعيدة من برقيات وتلفونان وغيرهما، داخل في أمر الله رسوله بتبليغ الحق إلى الخلق، فإن إيصال الحق والكلام النافع بالوسائل المتنوعة من نعم الله، وترقية الصنائع والمخترعات لتحصيل المصالح الدينية والدنيوية من الجهاد في سبيل الله) ٢. ط - وله أعمال خيرية سرية كثيرة عرف بعضها بعد وفاته: منها: أن امرأة أرملة لها بيت، أصبحت مدينة بمال كثير، فرهنت بيتها، وليس لها عمل تقتات به، فأحس بذلك الشيخ فصار يتعهدها ويعطيها أرسالًا مما يأتيه من أهل الخير، فكانت تدفع أكثر ما يصلها إلى صاحب الدين وتبقي قليلًا من المال تقتات به. فبقيت على تلك الحال مدة من الزمن فخلص الدين بأجمعه وذلك قبل وفاة الشيخ بأشهر، فلما توفي ﵀ ظهر الخبر من المرأة، وكانت دائمًا تذكره وتدعو له، وأمثالها في ذلك كثير فرحمه الله رحمة واسعة٣. سابعا: مرضه ووفاته: أصيب عام ١٣٧١هـ أي قبل وفاته بخمس سنوات بمرض ضغط الدم، وتصلب الشرايين فكان يعتريه مرة بعد مرة وهو صابر عليه، وكانت أعراض المرض تبدو عليه بعض الساعات في الكلام فيقف ولو كان يقرأ القرآن ثم يتكلم٤.

١ المصدر السابق / ٢٠٦، بتصرف. ٢ الخطب المنبرية /٨١. وانظر مجلة الجامعة الإسلامية سنة ١١، ع: ٤، ص:٢٠٧ فيها ذكر سبب إدخال مكبر الصوت. ٣ آخر كتاب المختارات الجلية، طبعة المدني بقلم السناني، ص: هـ. ٤ علماء نجد للبسام ٢/٤٢٩، ومشاهير علماء نجد لآل الشيخ / ٣٩٦ وغيرهما.

1 / 19

فاهتمت به الحكومة، حيث أرسل له الملك سعود ﵀ طائرة خاصة، وفيها طبيبان، قررا بعد الكشف عليه سفره للعلاج في لبنان وصحباه في السفر١. فسافر إلى بيروت في عام ١٣٧٣هـ وبقي هناك شهرًا، يعالج حتى شفاه الله، ونصحه الأطباء بالراحة وقلة التفكير والاجهاد٢. واجتمع في سفره هذا بعدد من العلماء، وتعرف بجملة من الفضلاء٣، منهم الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني كما حدثني بذلك. ثم رجع إلى عنيزة فباشر فيها أعماله، ولم يصبر على ترك العلم فقام فيها تعليمًا وإمامةً وخطابةً وتأليفًا وبحثًا؛ لأن هوايته العلم وكان يقول إن راحتي في مزاولة عملي٤. فصار المرض يعاوده ثم يشفى، ولا يصده عن الخروج، ويحدث معه رعدة وسكتة لا يقدر معها على الكلام وتبقى دقيقة واحدة ثم تزول بدون تألم سوى برد يتلوه عرق٥. وفي شهر جمادى الآخرة سنة ١٣٧٦هـ اشتد عليه المرض أكثر مما كان وصار معه مثل البرد والقشعرية. وفي ليلة الأربعاء ٢٢ من الشهر المذكور، وبعد فراغه من الدرس اليومي المعتاد، وبعد فراغه من صلاة العشاء، أحس بثقل وضعف في الحركة فأشار إلى أحد تلاميذه بأن يمسكه ويذهب معه إلى البيت ففعل وهرع معه أناس من الحاضرين، فلم يصل إلى البيت إلا وقد أغمي عليه، ثم أفاق بعد ذلك فحمد الله وأثنى عليه، وتكلم مع أهله الحاضرين بكلام حسن طيب، ثم عاوده الإغماء مرة أخرى فلم يتكلم بعد ذلك. فلما أصبحوا صباح الأربعاء دعوا الطبيب فقرر أن معه نزيفًا في المخ، وإن لم يتدارك فورًا فإنه يموت. فأبرقوا لابنه وللملك فيصل - لما كان وليا للعهد - فأصدر أمره الكريم عاجلًا

١ روضة الناظرين للقاضي ١/٢٢٥، وآخر كتاب المختارات الجلية، طبعة المدني ص: ز. ٢ علماء نجد للبسام ٢/٤٢٩٢، وروضة الناظرين للقاضي ١/٢٢٥، وغيرهما. ٣ آخر كتاب المختارات الجلية، طبعة المدني، ص: ز. ٤ علماء نجد للبسام ٢/٤٣٩، روضة الناظرين للقاضي ١/٢٢٥، مشاهير علماء نجد لآل الشيخ /٣٩٦. وغيرها ٥ روضة الناظرين للقاضي ١/٢٢٥.

1 / 20

بكل ما يلزم فقامت طائرة خاصة وفيها طبيب مخ ومهرة من الأطباء والعلاجات إلى مدينة عنيزة وكان فيها ابنه عبد الله. ولكن الجو كان ملبدًا بالغيوم والرعد والبرق والعواصف الشديدة وفيه أمطار قد تتابعت أكثر من شهر، تهدمت منها البيوت ونزلت أخشاب سطوح المساجد، فلم يساعد الجو على هبوط الطائرة. فتلقت المكالمة وهي في الجو بوفاته فرجعت من حيث أتت. حيث إنه توفي ﵀ قبل طلوع فجر يوم الخميس الموافق ٢٣ جمادى الآخرة سنة ١٣٧٦هـ، عن تسع وستين سنة١. وصُلي عليه بعد صلاة الظهر في الجامع الكبير، دفن في مقابر الشهوانية شمال عنيزة٢ وأخروا الصلاة عليه إلى الظهر لعل أحد أبنائه يدركه، فلم يدركه أحد منهم، وصلى عليه الشيخ عبد العزيز بن محمد البسام. في حشد كبير لم يشهد له مثيل جمع أهل البلد قاطبة والقرى والمدن المجاورة٣. والحقيقة أن عنيزة منذ تأسست لم تصب عامة مثل مصيبتها به، وظهر ذلك في البكاء والحزن الشديد من كل المواطنين، كما ظهر في الازدحام الشديد على الجنازة التي لم يبق كبير ولا صغير لم يشهدها. وبموته فقدت البلدة أعز وأغلى شخص يعيش فيها وأحس المواطنون بفراغ واسع بفقده، وحتى الآن وذكره في الألسن، ومحبته في القلوب وأحاديثه وإرشاداته وفتاويه هي حديث المجالس وأنس المحافل ﵀ رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته٤. وخلَّف ﵀ ثلاثة أبناء وهم عبد الله ومحمد وأحمد، وهم يشتغلون بالتجارة بالرياض والدمام وعبد الله هو أكبرهم سنًا وله يد في طلب العلم، وقد اعتنى بطبع بعض مؤلفات والده وتوزيعها مجانًا ٥، وقد توفي عبد الله في ٢٤/٤/١٤٠٥هـ في حادث سيارة غفر الله له ولوالديه ووالدينا وجميع المسلمين. ثامنا: رثاؤه: وقد رثاه ﵀ كثير من العلماء والأدباء بمراث عديدة نظمًا ونثرًا.

١ روضة الناظرين للقاضي ١/٢٢٦، ومشاهير علماء نجد لآل الشيخ/٣٩٦،٣٩٧ وغيرهما. ٢ علماء نجد للبسام ٢/٤٢٩. ٣ روضة الناظرين للقاضي ١/٢٢٧. ٤ علماء نجد للبسام ٢/٤٢٩، ٤٣٠. ٥ علماء نجد للبسام ٢/٤٣٠.

1 / 21

ـ فمن القصائد التي قيلت في رثائه قصيدة طويلة للدكتور عبد الله بن صالح العثيمين منها: مهج تذوب وأنفس تتحسر ولظى على شغف القلوب تسعر الحزن أضرم في الجوانح والأسى يصلي المشاعر بالجحيم ويصهر ملأ الضمائر حسرة وكآبة لا شيء يبرئها ولا هي تجبر اليوم ودعنا أبًا ومهذبا والحزن يغلي في الدماء ويزخر كل امرئ في الكون غايته الردى الموت حتم للنفوس مقدر لكن من اتخذ الصلاح شعاره تفنى الخليقة وهو حي يذكر ما مات من نشر الفضيلة والتقى وأقام صرحا أسه لا يكسر ما مات من غمر الأنام بعلمه الكتب تشهد والصحائف تخبر يا زاهدا عرف الحياة فما هوى في المغريات ولا سباه المظهر نم في جنان الخلد يا علم التقى وانعم بظل وارف لا يحسر١ ب - ومن هذه القصائد، قصيدة للشيخ صالح بن عبد العزيز العثيمين منها: رزء عظيم الحزن والأسفا فالدمع فيه على الخدين قد وكفا اليوم حقا فقدنا للهدى علما اليوم حقا فقدنا الزهد والشرفا بقت عنيزة دهرًا وهي رافعة لواء فخر له كل الورى عرفا ظلت به العرب دهرًا وهي فاخرة واليوم أضحت تعزى فيه واأسفا فذي تصانيفه قد قام قائمها يدعو العباد عليها الكل قد عكفا لهفي بذا العالم قد حق العزاء لنا في فادح لو أصاب الطود لارتجفا فالله يلهمنا صبرًا فقد عظمت مصيبة أثقلت في حملها الكتفا والله يجزيه عن إحسانه حسنا والله يسكنه من جنة غرفا٢ جـ - وقد رثى ﵀ بقصائد أخرى منها مرثية للشيخ محمد بن عثمان القاضي، ومرثية للشيخ صالح بن عبد الشبل، وقصيدة في الثناء عليه لمزيد الخطيب وغيرهم٣

١ روضة الناظرين للقاضي ١/٢٢٧، وعلماء نجد للبسام ٢/٢٩٩. ٢ روضة الناظرين للقاضي ١/٢٢٨، سيرة الشيخ السعدي جمع محمد حامد الفقي/٢٩. ٣ روضة الناظرين للقاضي للقاضي ١/٢٢٧، وسيرة الشيخ عبد الرحمن السعدي جمع محمد حامد الفقي/٢٦.

1 / 22