232

Al-Shādh waʾl-munkar wa-ziyādat al-thiqa - mawāzana bayn al-mutaqaddimīn waʾl-mutaʾakhkhirīn

الشاذ والمنكر وزيادة الثقة - موازنة بين المتقدمين والمتأخرين

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٦ هـ - ٢٠٠٥ م

Publisher Location

بيروت - لبنان

Genres

وقد حدا هذا التوسع بالطرق والروايات ببعض المتأخرين إلى تخطئة أئمة الحديث المتقدمين، ومخالفتهم، اعتمادًا على تلك المرويات والطرق، كتصحيح ما أعلوه اعتمادًا على طرق واهية، غريبة، وقد أجاد الحافظ ابن رجب الحنبلي بقوله:" ونجد كثيرًا ممن ينتسب إلى الحديث، لا يعتني بالأصول الصحاح كالكتب الستة ونحوها، ويعتني بالأجزاء الغريبة، وبمثل مسند البزار، ومعاجم الطبراني، وأفراد الدارقطني، وهي مجمع الغرائب والمناكير " (١).
ثانيًا: في المتن:
الصحابة الكرام باعتبارهم بشرًا يتفاوتون في قابلية الحفظ، فأحدهم سريع الحافظة قويها، والآخر دون ذلك، كانوا يؤدون ما سمعوا من رسول الله ﷺ.
وكان بعضهم مكثرين من الرواية كأبي هريرة وأنس وجابر وعائشة، وبعضهم مقلين كبلال، وخالد بن الوليد، وغيرهما، ﵃ أجمعين.
وإنما أقلوا في روايتهم عن رسول الله ﷺ إما لانشغالهم في أمور ذات بالٍ تتعلق بقيام الإسلام كالجهاد والفتوحات، أو لخوفهم من الوقوع في الخطأ على رسول الله ﷺ إذا ما حدثوا الحديث. أو لاكتفائهم بالحفظة الضابطين الذين يحدثون الأحاديث.
وكان قسم منهم يقولون بعد تحديثه الحديث:" أو كما قال رسول ﷺ " (٢)، أو بعبارة مقاربة، كأن يقول: "أو قال .. "، على شك منه.
وهذا التحوط كله مندفع من عمق دينهم وتقواهم، لئلا يقعوا في الخطأ، فيقولوا على رسول الله ما لم يقل.
وهكذا كانت روايات التابعين لهم بإحسان، وتابعيهم، وهلمّ جرًا من الثقات المتقنين الذين لا يشك في ثقتهم وضبطهم.
وهكذا كانت الرواية الواحدة في المجلس الواحد تأخذ أكثر من لفظ، فكل صحابي يؤديها على حسب حفظه، فبعضهم يؤديها بلفظ هو اللفظ النبوي عينه، وبعضهم يرويها بالمعنى، لذا تجدك في بعض الأحيان تقف أمام حديث واحد في حادثة واحدة تروى بأكثر

(١) شرح العلل ٢/ ٦٢٤.
(٢) انظر صحيح البخاري (٦٠٢) و(١٤٦٥)،وصحيح مسلم (١٩١) و(٢٨٥). ونظائرها كثيرة لمن يتتبع.

1 / 239