Al-Sahib and Caliph Abu Bakr Al-Siddiq

Ragheb El-Sergany d. Unknown
97

Al-Sahib and Caliph Abu Bakr Al-Siddiq

الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق

Genres

الشجاعة أولًا: شرط الشجاعة والقوة والنجدة؛ لابد لخليفة المسلمين أن يكون شجاعًا قويًا وإلا ضاعت هيبة البلاد، فقرار الحرب يحتاج إلى رجل شجاع لا يهاب الموت، بل يطلبه، فإذا تردد الخليفة في نفسه ساعة أو ساعتين أو يومًا أو يومين فقد تضيع البلاد نتيجة التردد والجبن، فأين الصديق ﵁ وأرضاه في صفة الشجاعة؟ روى البخاري عن عروة بن الزبير ﵀ قال: سألت عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ عن أشد ما صنع المشركون برسول الله ﷺ فقال: رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي ﷺ وهو يصلي فوضع رداءه في عنقه فخنقه خنقًا شديدًا، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه فقال: أتقتلون رجلًا أن يقول: ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟ هذا الموقف العصيب فيه محاولة لقتل رسول الله ﷺ، فأتى أبو بكر الصديق دون غيره من الصحابة ودافع عن رسول الله ﷺ في موقف من أشد المواقف خطورة على حياة الرسول وعلى حياة الصديق نفسه، فإذا انتهكت حرمة الدين أو حرمة رسول الله ﷺ فإن الصديق لا ينظر لنفسه أبدًا. وتعالوا بنا نرى هذه الرواية اللطيفة التي رواها البزار في مسنده، وذكرها ابن حجر العسقلاني في فتح الباري عند شرحه للحديث السابق، هذه الرواية: عن علي بن أبي طالب ﵁ وأرضاه قال: أخبروني من أشجع الناس؟ وفي ذلك الوقت كان علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، قالوا: أنت؟ قال: أما إني ما بارزت أحدًا إلا انتصفت منه، ولكن أخبروني من أشجع الناس؟ يعني: أنا شجاع لكن هناك من هو أكثر شجاعة مني، فقال الناس: لا نعلم، فمن؟ قال علي: أبو بكر، شيء غريب جدًا، من كل الصحابة اختار أبا بكر الصديق ﵁ وأرضاه ليكون أكثر الناس شجاعة في رأي علي بن أبي طالب، فبدأ علي بن أبي طالب ﵁ يفسر لهم قال: إنه لما كان يوم بدر جعلنا لرسول الله ﷺ عريشًا فقلنا: من يكون مع رسول الله ﷺ؛ لئلا يهوي إليه أحد من المشركين؟ فوالله! ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهرًا بالسيف على رأس رسول الله ﷺ لا يهوي إليه أحد إلا هوى إليه، فهو أشجع الناس، ولقد رأيت رسول الله ﷺ وقد أخذته قريش فهذا يجؤه وهذا يتلتله وهم يقولون: أنت الذي جعلت الآلهة إلهًا واحدًا؟ يقول سيدنا علي: فوالله! ما دنا منا أحد إلا أبو بكر يضرب هذا ويجأ هذا ويتلتل هذا وهو يقول: ويلكم أتقتلون رجلًا أن يقول: ربي الله؟ ثم رفع علي ﵁ وأرضاه بردة كانت عليه فبكى حتى اخضلت لحيته ثم قال: أنشدكم الله أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر؟ فسكت القوم، فقال: ألا تجيبوني؟ فوالله! لساعة من أبي بكر خير من ألف ساعة من مثل مؤمن آل فرعون. يعني: لأن ذاك رجل يكتم إيمانه، أي: مؤمن آل فرعون، ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ﴾ [غافر:٢٨]، والصديق أعلن إيمانه. فـ الصديق ﵁ وأرضاه شهد مع رسول الله ﷺ كل المشاهد والغزوات بما في ذلك أحد وحنين، حيث فر معظم القوم، ولم يبق معه إلا القليل، وكان أبو بكر الصديق ﵁ وأرضاه من هؤلاء القليل. وهنا شيء مهم: شرط الشجاعة في الخليفة يقصد به الشجاعة في القلب والتي تؤدي إلى قرار شجاع غير متردد، وليس بالضرورة أن يكون صاحب الرأي الشجاع هو أمهر الناس في القتال أو هو أقواهم جسدًا، ولكن المراد أن يأخذ القرار الشجاع المناسب في الموقف حتى وإن كان على حساب حياته، ولا يشترط في الخليفة أن يقاتل بنفسه حتى يشترط أن يكون أمهر الناس وأقواهم جسدًا، وإن كان أبو بكر كان يقاتل بنفسه أحيانًا ﵁ وأرضاه وهو خليفة إذا تطلب الأمر ذلك، ففي حروب الردة خرج في حرب عبس وذبيان بنفسه لما غزوا المدينة المنورة، فـ أبو بكر الصديق ﵁ وأرضاه وإن كان رجلًا نحيلًا ضعيفًا في بنيته إلا أنه كان أشجع الصحابة، كما في قرار حروب الردة وقرار فتح فارس والروم. نعم هناك من الصحابة من هو أقوى منه جسدًا وهناك من هو أمهر منه حربًا ورميًا لكن هذا لا يشترط في الخليفة، إنما يشترط في قائد الجيوش أو الممارس للقتال، لذلك ولى رسول الله ﷺ عمرو بن العاص على أبي بكر في موقعة ذات السلاسل؛ لأن عمرو بن العاص في هذه الجزئية يتفوق، لكن في شمول معنى القيادة

9 / 7