Al-Sabr in Hadith Studies
السبر عند المحدثين
Publisher
مكتبة دار البيان
Edition Number
الثانية
Publication Year
١٤٣٩ هـ - ٢٠١٨ م
Publisher Location
دمشق
Genres
١ - اجْتِزاءُ أقوالِ الأئمَّةِ، والأخذُ ببعضهِا دونَ البعضِ الآخرِ، أَوْ فَهْمُهَا بِغَيرِ مَا هِيَ عَلَيه: إنَّ مَا تمسَّكَ المستشرقونَ بأذيالِهِ منْ كلامِ أئمَّةِ الحديثِ، هوَ كلامٌ إمَّا مجزوءٌ أو مُقتطعٌ، غرضهُمْ منْ ذلكَ نسفُ صرحِ هذا العلمِ، وتقويضُ بنيانِهِ، للطَّعنِ في سنَّةِ النَّبيِّ ﷺ، فابنُ مَهديٍّ «ت ١٩٨ هـ» الذي قالَ بأنَّ هذا العلمَ إلهامٌ، هو منْ قالَ: «إِنْكَارُنَا الحَدِيثَ عِنْدَ الجُهَّالِ كَهَانَةٌ» (^١). وقيلَ لهُ: إنَّكَ تقولُ للشَّيءِ هذا يصحُّ وهذا لمْ يثبتْ، فعمَّنْ تقولُ ذلكَ؟ فقالَ: «أَرَأَيتَ لَو أَتَيتَ النَّاقِدَ فَأَرَيتَهُ دَرَاهِمَكَ، فَقَالَ: هَذَا جَيِّدٌ وَهَذَا بَهْرَجٌ، أَكُنْتَ تَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ تُسَلِّمُ الأَمْرَ إِلَيهِ؟ قَالَ: لا بَلْ كُنْتُ أُسَلِّمُ الأَمْرَ إِلَيهِ، فَقَالَ: فَهَذَا كَذَلِكَ». لكنْ ذيَّلَ كلامَهُ هذَا مُبيِّنًَا العواملَ الَّتي تبنِي الملكةَ عندَ المُحدِّثِ، بقولِهِ: «لِطُولِ المُجَادَلَةِ والمُنَاظَرَةِ وَالخِبْرَةِ» (^٢).
بالإضافةِ إلى أنّهمْ حَمَلُوا كلامَ الأئمَّةِ على غيرِ مُرادِهِ، فالأئمَّةُ شبَّهُوا معرفتَهُمْ للحديثِ بمعرفَةِ الصَّيرفيِّ للجوهَرِ، وهذِهِ المعرفَةُ مُكتسَبَةٌ عنْ طولِ خِبرةٍ، وكثرةِ ممارسَةٍ، ولا تأتِي منْ بابِ التَّخرُّصِ أو التَّخمِينِ.
٢ - الخبرةُ والمُمَارَسَةُ وطُولُ المُذَاكَرَةِ هِيَ العَامِلُ فِي أَحْكَامِ الرُّوَاةِ، لا التَّخَرُّصُ والتَّخمِينُ: لا يكونُ الإلهامُ إلا لأهلِ الخِبرةِ الطَّويلَةِ والتَّخَصُّصِ المكينِ في هذَا العلمِ، لذا نرى الأئمَّةَ يُشبِّهونَ تَمييزَهُمْ للحديثِ، بتمييزِ الصَّيارِفَةِ للجوهَرِ المُزيَّفِ منَ غيرِهِ،
(^١) علل الحديث لابن أبي حاتم ١/ ١٠. (^٢) جامع العلوم والحكم ١/ ٢٥٦.
1 / 77