Al-Qawl As-Sadid Sharh Kitab At-Tawheed
القول السديد شرح كتاب التوحيد ط الوزارة
Publisher
وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
Edition Number
الثانية
Publication Year
١٤٢١هـ
Publisher Location
المملكة العربية السعودية
Genres
[مقدمة]
القول السديد شرح كتاب التوحيد
Unknown page
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة بقلم العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي وهي تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة وخلاصتها المستمدة من الكتاب والسنة.
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد: فقد سبق أن كتبنا تعليقا لطيفا في موضوعات كتاب التوحيد لشيخ الإسلام (محمد بن عبد الوهاب) قدس الله روحه، فحصل فيه نفع ومعونة للمشتغلين، ومساعدة للمعلمين، لما فيه من التفصيلات النافعة مع الوضوح التام. وطبع بمطبعة الإمام ثم نفدت نسخه مع كثرة الطلب عليه. ودعت الحاجة الشديدة إلى إعادة طبعه ونشره، وفي هذه المرة بدا لي أن أقدم أمام ذلك مقدمة مختصرة تحتوي على مجملات عقائد أهل السنة، في الأصول وتوابعها، فأقول مستعينا بالله.
وذلك أنهم يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
1 / 3
فيشهدون أن الله هو الرب الإله المعبود، المتفرد بكل كمال، فيعبدونه وحده مخلصين له الدين.
فيقولون: إن الله هو الخالق البارئ المصور الرزاق المعطي المانع المدبر لجميع الأمور.
وأنه المألوه المعبود الموحد المقصود، وأنه الأول الذي ليس قبله شيء، الآخر الذي ليس بعده شيء، الظاهر الذي ليس فوقه شيء، الباطن الذي ليس دونه شيء.
وأنه العلي الأعلى بكل معنى واعتبار، علو الذات وعلو القدر، وعلو القهر.
وأنه على العرش استوى، استواء يليق بعظمته وجلاله، ومع علوه المطلق وفوقيته، فعلمه محيط بالظواهر والبواطن، والعالم العلوي والسفلي، وهو مع العباد بعلمه، يعلم جميع أحوالهم، وهو القريب المجيب.
وأنه الغني بذاته عن جميع مخلوقاته، والكل إليه مفتقرون في إيجادهم وإيجاد ما يحتاجون إليه في جميع الأوقات، ولا غنى لأحد عنه طرفة عين، وهو الرؤوف الرحيم، الذي ما بالعباد من نعمة دينية ولا دنيوية ولا دفع نقمة إلا من الله، فهو الجالب للنعم، الدافع للنقم.
1 / 4
ومن رحمته أنه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا يستعرض حاجات العباد حين يبقى ثلث الليل الآخر. فيقول: " لا أسأل عن عبادي غيري، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يسألني فأعطيه، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له حتى يطلع الفجر "، فهو ينزل كما يشاء ويفعل ما يريد.
﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾
ويعتقدون أنه الحكيم، الذي له الحكمة التامة في شرعه وقدره، فما خلق شيئا عبثا، ولا شرع الشرائع إلا للمصالح والحكم.
وأنه التواب العفو الغفور، يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات، ويغفر الذنوب العظيمة للتائبين والمستغفرين والمنيبين.
وهو الشكور الذي يشكر القليل من العمل، ويزيد الشاكرين من فضله.
ويصفونه بما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله ﷺ من الصفات الذاتية، كالحياة الكاملة، والسمع والبصر، وكمال القدرة، والعظمة والكبرياء، والمجد والجلال والجمال، والحمد المطلق، ومن صفات الأفعال المتعلقة بمشيئته وقدرته،
1 / 5
كالرحمة، والرضا، والسخط، والكلام، وأنه يتكلم بما يشاء كيف يشاء، وكلماته لا تنفد، ولا تبيد.
وإن القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ، وإليه يعود.
وأنه لم يزل ولا يزال موصوفا بأنه يفعل ما يريد، ويتكلم بما شاء، ويحكم على عباده بأحكامه القدرية وأحكامه الشرعية، وأحكامه الجزائية. فهو الحاكم المالك، ومن سواه مملوك محكوم عليه، فلا خروج للعباد عن ملكه ولا عن حكمه.
ويؤمنون بما جاء به الكتاب وتواترت به السنة: أن المؤمنين يرون ربهم تعالى عيانا جهرة، وأن نعيم رؤيته والفوز برضوانه أكبر النعيم واللذة.
وأن من مات على غير الإيمان والتوحيد فهو مخلد في نار جهنم أبدا، وأن أرباب الكبائر إذا ماتوا على غير توبة ولا حصل لهم مكفر لذنوبهم ولا شفاعة فإنهم وإن دخلوا النار لا يخلدون فيها، ولا يبقى في النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان إلا خرج منها.
وأن الإيمان يشمل عقائد القلوب وأعمالها، وأعمال الجوارح وأقوال اللسان، فمن قام بها على الوجه الأكمل فهو المؤمن حقا، الذي استحق الثواب وسلم من العقاب، ومن انتقص منها شيئا
1 / 6
نقص من إيماله بقدر ذلك. ولذلك كان الإيمان يزيد بالطاعة وفعل الخير، وينقص بالمعصية والشر.
ومن أصولهم السعي والجد فيما ينفع من أمور الدين والدنيا، مع الاستعانة بالله. فهم حريصون على ما ينفعهم ويستعينون بالله.
وكذلك يحققون الإخلاص لله في جميع حركاتهم، ويتبعون رسول الله في الإخلاص للمعبود، والمتابعة للرسول، والنصيحة للمؤمنين واتباع طريقهم.
ويشهدون أن محمدا عبده ورسوله أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهو خاتم النبيين، أرسل إلى الإنس والجن بشيرا ونذيرا، إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، أرسله بصلاح الدين وصلاح الدنيا، وليقوم الخلق بعبادة الله ويستعينوا برزقه على ذلك.
ويعملون أنه أعلم الخلق وأصدقهم وأنصحهم، وأعظمهم بيانا، فيعظمونه ويحبونه، ويقدمون محبته على محبة الخلق كلهم، ويتبعونه في أصول دينهم وفروعه.
ويقدمون قوله وهديه على قول كل أحد وهديه.
ويعتقدون أن الله جمع له من الفضائل والخصائص والكمالات ما لم يجمعه لأحد، فهو أعلى الخلق مقاما وأعظمهم جاها.
1 / 7
وأكملهم في كل فضيلة، لم يبق خير إلا دل أمته عليه، ولا شر إلا حذرهم منه.
وكذلك يؤمنون بكل- كتاب أنزله الله، وكل رسول أرسله الله، لا يفرقون بين أحد من رسله.
ويؤمنون بالقدر كله، وأن جميع أعمال العباد- خيرها وشرها- قد أحاط بها علم الله، وجرى بها قلمه، ونفذت فيها مشيئته، وتعلقت بها حكمته، حيث خلق للعباد قدرة وإرادة، تقع بها أقوالهم وأفعالهم بحسب مشيئتهم، لم يجبرهم على شيء منها بل مختارين لها، وخص المؤمنين بأن حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان بعدله وحكمته.
ومن أصول أهل السنة: أنهم يدينون بالنصيحة لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة، ويأمرون ببر الوالدين وصلة الأرحام، والإحسان إلى الجيران والمماليك والمعاملين، ومن له حق، وبالإحسان إلى الخلق أجمعين.
ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسنها، وينهون عن مساوئ الأخلاق وأرذلها.
1 / 8
ويعتقدون أن أكمل المؤمنين إيمانا ويقينا أحسنهم أعمالا وأخلاقا، وأصدقهم أقوالا، وأهداهم إلى كل خير وفضيلة، وأبعدهم من كل رذيلة.
ويأمرون بالقيام بشرائع الدين، على ما جاء عن نبيهم فيها وفي صفاتها ومكملاتها، والتحذير عن مفسداتها ومنقصاتها.
ويرون الجهاد في سبيل الله ماضيا مع البر والفاجر، وأنه ذروة سنام الدين. جهاد العلم والحجة. وجهاد السلاح. وأنه فرض على كل مسلم أن يدافع عن الدين بكل ممكن ومستطاع.
ومن أصولهم الحث على جمع كلمة المسلمين، والسعي في تقريب قلوبهم وتأليفها، والتحذير من التفرق والتعادي والتباغض والعمل بكل وسيلة توصل إلى هذا.
ومن أصولهم النهي عن أذية الخلق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم، والأمر بالعدل والإنصاف في جميع المعاملات، والندب إلى الإحسان والفضل فيها.
ويؤمنون بأن أفضل الأمم أمة محمد ﷺ، وأفضلهم أصحاب رسول الله ﷺ خصوصا الخلفاء الراشدون والعشرة المشهود لهم بالجنة وأهل بدر، وبيعة الرضوان والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار. فيحبون الصحابة ويدينون لله بذلك.
1 / 9
وينشرون محاسنهم ويسكتون عما قيل عن مساوئهم.
ويدينون لله باحترام العلماء الهداة وأئمة العدل، ومن لهم المقامات العالية في الدين والفضل المتنوع على المسلمين، ويسألون الله أن يعيذهم من الشك والشرك والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، وأن يثبتهم على دين نبيهم إلى الممات.
هذه الأصول الكلية بها يؤمنون ولها يعتقدون، وإليها يدعون.
1 / 10
[كتاب التوحيد] [قول الله تعالى وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ]
وقول الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ وقوله: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾
وقوله: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا - وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾
وقوله: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾
وقوله:
1 / 11
﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ - وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ - وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾
1 / 12
قال ابن مسعود: " من أراد أن ينظر إلى وصية محمد ﷺ التي عليها خاتمه فليقرأ قوله تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ إلى قوله: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا﴾ الآية ".
1 / 13
«وعن معاذ بن جبل ﵁، قال: كنت رديف النبي ﷺ على حمار، فقال لي: " يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله "؟ قلت: الله ورسوله أعلم؟ قال: " حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شينا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به
1 / 14
شيئا " قلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال: " لا تبشرهم فيتكلوا» . أخرجاه في الصحيحين.
فيه مسائل: الأولى: الحكمة في خلق الجن والإنس.
الثانية: أن العبادة هي التوحيد: لأن الخصومة فيه.
الثالثة: أن من لم يأت به لم يعبد الله، ففيه معنى قوله: ﴿وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ﴾
الرابعة: الحكمة في إرسال الرسل.
الخامسة: أن الرسالة عمت كل أمة.
السادسة: أن دين الأنبياء واحد.
السابعة: المسألة الكبيرة: أن عبادة الله لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت، ففيه معنى قوله- تعالى-: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ الآية [البقرة: ٢٥٦] .
الثامنة: أن الطاغوت عام في كل ما عبد من دون الله.
التاسعة: عظم شأن ثلاث الآيات المحكمات في سورة الأنعام عند السلف، وفيها عشر مسائل.
1 / 15
أولاها: النهي عن الشرك.
العاشرة: الآيات المحكمات في سورة الإسراء.
وفيها ثماني عشرة مسألة بدأها الله بقوله:
﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا﴾
وختمها بقوله:
﴿وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا﴾
ونبهنا الله سبحانه على عظم شأن هذه المسائل بقوله: ﴿ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ﴾
الحادية عشرة: آية سورة النساء التي تسمى آية الحقوق العشرة، بدأها الله- تعالى- بقوله:
﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾
الثانية عشرة: التنبيه على وصية رسول الله ﷺ عند موته.
الثالثة عشرة: معرفة حق الله علينا.
الرابعة عشرة: معرفة حق العباد عليه إذا أدوا حقه.
الخامسة عشرة: أن هذه المسألة لا يعرفها أكثر الصحابة.
السادسة عشرة: جواز كتمان العلم للمصلحة.
1 / 16
السابعة عشرة: استحباب بشارة المسلم بما يسره.
الثامنة عشرة: الخوف من الاتكال على سعة رحمة الله.
التاسعة عشرة: قول المسؤول عما لا يعلم: الله ورسوله أعلم.
العشرون: جواز تخصيص بعض الناس بالعلم دون بعض.
الحادية والعشرون: تواضعه ﷺ لركوب الحمار مع الإرداف عليه.
الثانية والعشرون: جواز الإرداف على الدابة.
الثالثة والعشرون: فضيلة معاذ بن جبل.
الرابعة والعشرون: عظم شأن هذه المسألة.
كتاب التوحيد هذه الترجمة تدل على مقصود هذا الكتاب من أوله إلى آخره.
ولهذا استغني بها عن الخطبة، أي أن هذا الكتاب يشتمل على توحيد الإلهية والعبادة بذكر أحكامه، وحدوده وشروطه، وفضله وبراهينه، وأصوله وتفاصيله، وأسبابه وثمراته ومقتضياته، وما يزداد به ويقويه، أو يضعفه ويوهيه، وما به يتم أو يكمل.
اعلم أن التوحيد المطلق: العلم والاعتراف بتفرد الرب بصفات الكمال، والإقرار بتوحده بصفات العظمة والجلال، وإفراده وحده بالعبادة.
وهو ثلاثة أقسام: أحدها: توحيد الأسماء والصفات: وهو اعتقاد انفراد الرب- ﷻ بالكمال المطلق من جميع الوجوه بنعوت العظمة، والجلال والجمال التي لا يشاركه فيها مشارك بوجه من الوجوه، وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله ﷺ من جميع الأسماء والصفات ومعانيها وأحكامها الواردة في الكتاب والسنة على الوجه اللائق بعظمته وجلاله من غير نفي لشيء منها ولا تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل، ونفي ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله ﷺ من النقائص والعيوب، وعن كل ما ينافي كماله.
الثاني: توحيد الربوبية: بأن يعتقد أن الله هو الرب المتفرد بالخلق والرزق والتدبير الذي ربى جميع الخلق بالنعم وربيى خواص خلقه- وهم الأنبياء وأتباعهم- بالعقائد الصحيحة، والأخلاق الجميلة، والعلوم النافعة، والأعمال الصالحة، وهذه هي التربية النافعة للقلوب والأرواح المثمرة لسعادة الدارين.
الثالث: توحيد الإلهية ويقال له توحيد العبادة: وهو العلم والاعتراف بأن الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، وإفراده وحده بالعبادة كلها وإخلاص الدين لله وحده، وهذا الأخير يستلزم القسمين الأولين ويتضمنهما، لأن الألوهية التي هي صفة تعم أوصاف الكمال وجميع أوصاف الربوبية والعظمة، فإنه المألوه المعبود لما له من أوصاف العظمة والجلال، ولما أسداه إلى خلقه من الفواضل والأفضال، فتوحده تعالى بصفات الكمال وتفرده بالربوبية يلزم منه أن لا يستحق العبادة أحد سواه.
* ومقصود دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم: الدعوة إلى هذا التوحيد.
فذكر المصنف في هذه الترجمة من النصوص ما يدل على أن الله خلق الخلق لعبادته والإخلاص له، وأن ذلك حقه الواجب المفروض عليهم.
فجميع الكتب السماوية وجميع الرسل دعوا إلى هذا التوحيد، ونهوا عن ضده من الشرك والتنديد، وخصوصا محمد ﷺ.
وهذا القرآن الكريم، فإنه أمر به وفرضه وقرره أعظم تقرير، وبئنه أعظم بيان، وأخبر أنه لا نجاة ولا فلاح ولا سعادة إلا بهذا التوحيد، وأن جميع الأدلة العقلية والنقلية والأفقية والنفسية أدلة وبراهين على هذا الأمر بهذا التوحيد ووجوبه.
فالتوحيد هو حق الله الواجب على العبيد، وهو أعظم أوامر الدين وأصل الأصول كلها، وأساس الأعمال.
1 / 17
[باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب]
وقوله الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾
عن عبادة بن الصامت قال: قال قال رسول الله ﷺ: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل» . أخرجاه.
1 / 18
ولهما في حديث عتبان: «فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله» .
وعن أبي سعيد الخدري ﵁، عن رسول الله ﷺ قال: «قال موسى ﵇: يا رب علمني شيئا أذكرك وأدعوك به، قال: قل يا موسى لا إله إلا الله، قال: يا رب كل عبادك يقولون هذا. قال: يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة، ولا إله الله في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله» . رواه ابن حبان والحاكم وصححه.
1 / 19
وللترمذي - وحسنه - عن أنس: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «قال الله تعالى: يا ابن آدم، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا: لأتيتك بقرابها مغفرة» .
فيه مسائل: الأولى: سعة فضل الله.
1 / 20
الثانية: كثرة ثواب التوحيد عند الله.
الثالثة: تكفيره مع ذلك للذنوب.
الرابعة: تفسير الآية التي في سورة الأنعام.
الخامسة: تأمل الخمس اللواتي في حديث عبادة.
السادسة: أنك إذا جمعت بينه وبين حديث عتبان وما بعده تبين لك معنى قول: " لا إله إلا الله " وتبين لك خطأ المغرورين.
1 / 21