Al-qawāʿid waʾl-ḍawābiṭ al-fiqhiyya al-qarāfiyya zumrat al-tamlīkāt al-māliyya

القواعد والضوابط الفقهية القرافية زمرة التمليكات المالية

Publisher

دار النشر الإسلامية

Edition Number

الأولى

Publication Year

1425 AH

Publisher Location

بيروت

مِنْ قَوَاعِدِ الفِقْهِ المَالِكِيِّ

القَوَاعِدُ وَالضَّوَابِطُ الفِقْهِيَّةُ القَرَافِيَّةُ

زُمرةُ التَّمليكاتِ المَالِيَّةِ

استخرجها وشرحها وقدم لها

الدكتور عَادِلُ بْنُ عَبْدِ القَادِرِ بن محمد ولي قوته

جامعةُ المَلِكِ عَبْدِ العَزِيزِ - كُلِّيَةُ الآدَابِ - جَدَّة

قرأها وعَرَّفَ بها

مَعَالِي الشَّيْخِ

عَبْدُ اللهِ بْنُ بَيَّهْ

الأستاذ الدكتور

عَبْدُ الوَهَّابِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَبُو سُلَيْمَان

الأستاذ الدكتور

مُحَمَّدُ بْنُ الهَادِي أَبُو الأَجْفَان

الجُزْءُ الأَوَّلْ

دَارُ البَشَائِرِ الإِسْلَامِيَّة

1

مِنْ قَوَاعِدِ الفِقْهِ المَالِكِيِّ

القَوَاعِدُ وَالضَّوَابِطُ الفِقْهِيَّةُ القَرَافِيَّةُ

زُمرةُ التَّمليكاتِ المَالِيَّةِ

استخرجها وشرحها وقدم لها

الدكتور عَادِلُ بْنُ عَبْدِ القَادِرِ بن محمد ولي قوته

جامعةُ المَلِكِ عَبْدِ العَزِيزِ - كُلِّيَةُ الآدَابِ - جَدَّة

قرأها وعَرَّفَ بها

مَعَالِي الشَّيْخِ

عَبْدُ اللهِ بْنُ بَيَّهْ

الأستاذ الدكتور

عَبْدُ الوَهَّابِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَبُو سُلَيْمَان

الأستاذ الدكتور

مُحَمَّدُ بْنُ الهَادِي أَبُو الأَجْفَان

الجُزْءُ الأَوَّلْ

دَارُ البَشَائِرِ الإِسْلَامِيَّة

2

أصل هذا الكتاب

رسالة علميّة نال المؤلِّف بها درجة الدكتوراه في الفقه الإِسلامي، من كلية الشريعة - جامعة أم القرى - مكّة المكرّمة.

وقد نوقشت بتاريخ ١٠/٣/١٤٢٢ هـ، وأجيزت بتقدير: ((ممتاز مع التوصية بطبع الرسالة))، وهو أعلى تقدير تمنحه الجامعة المذكورة.

وكان أعضاء لجنة الحكم والمناقشة:

أ. د. عبد الوهاب بن إبراهيم أبو سليمان، عضو هيئة كبار العلماء، مشرفاً.

معالي الشيخ: عبد الله بن بيّه، وزير العدل والشؤون الإسلامية الأسبق، بجمهورية موريتانيا.

أ. د. محمد بن الهادي أبو الأجفان، أستاذ الدراسات العليا، بكلية الشريعة، جامعة أم القرى.

4

وقف أساس ٧٩ / سجل ٦٨ / صفحة ٤٤

لمزيد من المعلومات أو التبرّع والاستعلام:
على أرقام الهاتف: ٠١/٣٠٩٤٠٣ - ٠١/٦٥٤٧٦٠
بيروت، لبنان - ص.ب: ٥٧٢٧/١٤

القواعد والضوابط الفقهية القرافية

زُمرة التَمليكات المالية

3

وقف الكتاب

لمجتمع قارئ، وقارئ مثقف

حتى يبقى للكتاب بريقه، وتبقى للقراءة متعتها، ويبقى للعقل قيمة

«وقف الكتاب»، هو وقفٌ يُعنى بنشرِ الثقافة العربيّةِ والإِسلامية بما ينفع المجتمع ويساهم في تنميته، من خلال: نشر الكتاب فيه وتوزيعه على أكبر عددٍ ممكنٍ من قطاعاتِ المجتمع. كما ويهدفُ إلى ترميم ما يراه ثغرةً معرفيّةً في ثقافة المجتمع المسلم، دينيّة كانت هذه الثغرة أم غير دينيّة.

جَمِيعُ الْحُقُوقِ مَحْفُوظَةٌ

الطَّبْعَةُ الأولى

١٤٢٥ هـ - ٢٠٠٤م

شركة دار البشائر الإسلاميّة

لِلطَبَاعَةِ وَالنَّشْرِ وَالتّوزيْعِ ش. م.م

أنها الشيخ رمزي دمشقية رحمه الله تعالى سنة ١٤٠٣هـ - ١٩٨٣م

بَيروتُ - لبنانُ ص.ب: ١٤/٥٩٥٥ هَاتفٌ: ٧٠٢٨٥٧

e-mail: bashaer@cyberia.net.lb

فَاكس : ٧٠٤٩٦٣ / ٠٠٩٦١١

4

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾

مُسْتَخْلَصُ البَحْثِ

عنوان هذا البحث هو: «القَوَاعِدُ وَالضَّوَابِطُ الفِقْهِيَّةُ القَرَافِيَّةُ - زُمْرَةُ التمليكات الماليّة».

وقد جاء البحث في قسمين اثنين:

القسم الأوّل: الترجمة - المنهج - المصطلحات، وتمّ في ثلاثة مقاصد:

الأوَّل: التعريف بالإِمام القرافي، حياته، ومؤلفاته: وتمّ فيه تحقيق جملةٍ ممّا يتعلّق بترجمته، من ذلك: تحرير نَسَبه، وتاريخ مولده ووفاته، وحَصْر شيوخه وتلاميذه، ثم عرض مؤلفاته، وتقسيمُها وحَصْرها، وخدمةُ ذلك من حيث تحرير العنوان، وتوثيق نسبته، وتاريخ تأليفه، وبيان موضوعه، ونشره أو نُسَخه الخطية، ثم نفي المتوهَّمات ممّا نسب إلى الإِمام.

الثاني: منهج الإِمام القرافي في تأصيل علم القواعد الفقهية، وفيه: شرف علم القواعد الفقهية وأهميته، وبيان منهج الإِمام في تصنيف القواعد

5

وترتيبها، ومنهجه في شرح القواعد وتوضيحها، ومقومات القاعدة لدى الإِمام، وبيان مشمولات مُصْطَلَحَيْ ((القاعدة)) و((الضابط)) لدى الإِمام، وإطلاقاته لهما، ثم التطبيق للقواعد والتخريج عليها والفرق بينهما، والاستثناء من القواعد ومخالفتها.

وحملة هذا المقصد من كلام الإِمام القرافي، استللته من ثنايا كلامه المنتشر في جملة كتبه الفقهية، ثم خاتمةٌ بذكر الأصول الفكرية المؤثرة في تكوين الفكر القواعدي لدى الإِمام وتأصيله هذا العلم.

الثالث: مبادىء ومصطلحات في علم القواعد الفقهية وفيه: التعريف بالقاعدة الفقهية، وبِعِلْم القواعد الفقهية، وأقسام القاعدة، والتعريف بالضابط، والفرق بينه وبين القاعدة، والتعريف بالكلّيات الفقهية، وبالأصل، والأشباه والنظائر، والتقاسيم، والمدارك، والمآخذ والعلل.

القسم الثاني: القواعد والضوابط الفقهية في أبواب التمليكات المالية ، وجاء في ثلاثة أبواب:

الأول : القواعد الفقهية التي يتخرج عليها كثير من مسائل المعاملات المالية.

الثاني : القواعد الفقهية في أبواب التمليكات المالية.

الثالث : الضوابط الفقهية في أبواب التمليكات المالية.

ومجموع ما تمّ دراسته في ذلك اثنتان وثلاثون قاعدة، وعشرون ضابطاً، هي المستلات المستخرجات من كتابيه الذخيرة والفروق، واندرج تحت جملةٍ من هذه القواعد جملةٌ كبيرةٌ أخرى من القواعد الفرعية.

وتمّتْ دراسة جميع هذه القواعد والضوابط دراسةً وافيةً موعَبةٌ؛ بجمع كلام الإِمام القرافي عليها، وشرحها شرحاً منهجياً من حيثُ تأصيلها،

6

وبيان مفرداتها ومعناها، وذكر القواعد ذات الصلة - إن كانت - والاستدلال لها، وتوضيح شروط تطبيق القاعدة حيث احتاجت لذلك، ثمَّ ذكر تطبيقات القاعدة أو مشمولات الضابط، من أبواب المعاملات المالية، وآخر ذلك الاستثناءاتُ إن وجدت، مع الاهتمامِ في كلِّ ذلك ببيانِ المذهب المالكي، وكلام أئمته من أصحاب القواعد وغيرهم، وتوضيح المذهب مشهوراً أو راجحاً أو خلافاً، نصوصاً في ذلك أو عَزْواً، ووضع ذلك كله من قواعد وضوابط تحت وحداتٍ موضوعيةٍ مناسبةٍ، جامعةٍ للقاسم المشترك بينها.

وقد خرج البحث بعد ذلك كله بعدّة نتائج، أهمها:

١ - سَعَةُ ورقيُّ قواعد الإِمام القرافي، وأنها أصلٌ وَجِذْمٌ لجملةٍ كبيرة مما جاء بعدها من كتب القواعد في المذهب المالكي، كما كانت هي في ذاتها خلاصةً، وثمرةً، ونتيجةً لما قبلها من مدوّنات المذهب.

٢ - علو شأن المذهب المالكي في فقه المعاملات المالية، وسَعة دائرته، وخصوبة قواعده الحاكمة لذلك، والمعبّرة عن طبيعته فيها.

والحمد لله على ما وفق وهدى، والذي بإحسانه ونعمته وفضله تتمّ الصالحات.

وكتبه:

عَادِلُ بْنُ عَبْدِ القَّادِرِ بْنِ مُحمَّدَ وَلِي قُوتَهْ

7

شكر وتقدير

إلى الذين أسدوا إليَّ معروفاً، لا طاقة لي بشكره، في هذا البحث وغيره، وشملوا هذا البحث وصاحبه بالعناية والرعاية والتوجيه، أدعو وأقول: أحسن الله تعالى إليكم، وجعل آثاركم من الباقيات الصالحات.

إلى العلامة الكبير، أصولي العصر، شيخ الحنفية، الأستاذ الدكتور: أحمد فهمي أبو سنة، رحمه الله تعالى، وأعلى درجته في علِّيين، المشرف الأوّل على هذا البحث.

ثم إلى العالم الفقيه الفاضل الأستاذ الدكتور: عبد الرحمن عبد القادر العَدَوي، المشرف السابق على هذا البحث.

ثم إلى أستاذ الجيل، العلاَّمة البخَّاثة الجليل، معالي الشيخ الأستاذ الدكتور: عبد الوهاب بن إبراهيم أبو سليمان، الذي أنعم على هذا البحث وصاحبه، وتفضَّل بالإِشراف عليه، فضمّ بهذه اليد البيضاء - إلى سالف أياديه - ما طوقني أَسْراً، وألزمني دعاءً وشكراً.

لِئِنْ جحدتُكَ ما أَوْليتَ مِنْ مننٍ إنِّي لفي اللؤم أَولى منكَ في الكرمِ

وما أُبالي - وخير القول أصدقُه ـ حقنتَ لي ماءَ وَجْهي أو حقنتَ دمي

والحمدُ لله تعالى أولاً وآخراً، هو وليُّ كلّ نعمةٍ، ومُسْدي كلّ خيرٍ.

8

صُوىً وَمَنَارَاتٌ

((الجَمْعُ بين النصوص والقواعدِ هو المنهج القويم)).

الإِمام القرافي (الفروق ٨٤/٤)

***

((مَنْ كان أَعْلم بالأصل كان أَعْلم بالفرع)).

الإِمام القرافي (الذخيرة ١/ ٣٤)

***

((كلّ فِقْهِ لم يُخرَّجْ على القواعد فليسَ بشيءٍ)).

الإِمام القرافي (الذخيرة ٥٥/١)

***

((أصولُ مالكِ في البيوع أجودُ مِنْ أصولٍ غيرِهِ)).

شيخ الإسلام ابن تيمية الحنبلي (مجموع الفتاوى ٢٦/٢٩)

***

((مَنْ تدبَّر أصولَ الإِسلام وقواعدَ الشريعة وجدَ أصولَ مالكِ وأهلِ المدينة أصحَّ الأصول والقواعد)).

شيخ الإسلام ابن تيمية الحنبلي (مجموع الفتاوى ٣٢٨/٢٠)

***

9

((... قد ألهمني الله تعالى بفضله أن وضعتُ ... من هذه القواعد شيئاً كثيراً مفرَّقاً ... ، ثمَّ أوجد الله تعالى في نفسي أنَّ تلك القواعد لو اجتمعتْ في كتابٍ، وزِيْدَ في تلخيصها وبيانها، والكشف عن أسرارها وحكمها: لكان ذلك أظهرَ لبهجتها ورونقها، وتكيَّتْ نفسُ الواقف عليها بها مجتمعةً أكثر ممَّا إذا رآها مفرَّقةً، وربَّما لم يقف إلاَّ على اليسير منها هنالك، ... وأينما يقفُ على قاعدةٍ ذهبَ عن خاطره ما قبلها، بخلاف اجتماعها وتظافرها.

فوضعتُ هذا الكتاب للقواعد خاصَّةً، وزدتُ قواعد كثيرة ... ، وزدتُ ما وقع منها .. بسطاً وإيضاحاً ... ، فأستوعبُ ما يفتح الله به إن شاء الله تعالى ..)).

الإِمام القرافي (الفروق ٣/١)

■■■

10

تصدير

بقلم معالي الشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بَيَّه

وزير العدل والشؤون الإسلامية الأسبق بجمهورية موريتانيا الإِسلامية
والأستاذ بجامعة الملك عبد العزيز

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه.

وبعد:

فهذا تصديرٌ لكتاب أخينا العالم الفقيه الشيخ الدكتور عادل بن عبد القادر قوته، الموسوم بـ:

«القَوَاعِدُ وَالضَّوَابِطُ الفِقْهِيَّةُ القَرَافِيَّةُ - زُمْرةُ التمليكاتِ الماليّة»

لقد سُئل مالكٌ عن اثنين من تلامذته: ابنِ القاسمِ وابنِ وهبٍ، فقال عن الأول: فقيهٌ، وقال عن الثاني: عالمٌ.

فأُعجِب أهل المغرب الإِسلامي بفقه الأوّل فقلّدوه، وشُغِف أهل المشرق بعلم الثاني فحدّثوا عنه.

وإنّ أخانا وزميلنا الدكتور عادل يمكن أن يُحلَّى بالنعتين ويُوصف بالصفتين، مع الاحتفاظ بالنسبيّة لفارق الزمان والأوان، والاختلاف بين شركة الوجوه وشركة العنان.

11

لكنَّه لكلِّ عصرٍ قومُ والدهرُ منه أَمْسُه واليومُ

كما قال شيخنا العلامة محمد بن حماه الله.

ومع ذلك ((فأبو إبراهيم)) في هذا الزمان من الصنف العزيز الذي جمع بين الحفظ والفهم.

وما الكتاب الذي نصدّر له اليوم، وقد جاء مصلِّیاً بعد كتابه البديع: ((العرف))، وفي كليهما قد كان مجلِّياً، إلاَّ دليلٌ ناطقٌ على فقهه وعلمه وتفتُّنه.

فقد كان الكتاب الأول حنبليّ النِّجار، بيد أنه ألقى نظرةً دقيقةً على المذاهب الفقهية الأخرى تأصيلاً وتفصيلاً.

أما هذا الكتاب ((القَوَاعِدُ وَالضَّوَابِطُ الفِقْهِيَّةُ القَرَافِيَّةُ))، فهو وإن كان مالكيّ الأُرومة، قرافيّ الأُبرَّة والأمومة، فقد نشر أجنحته على مختلف المذاهب، فاحتضنتْها جوانحُه، واتسعتْ لها مساربُه ومسارحُه.

فأحيا من قواعد المذهب المالكيّ مواتاً، ونشر منها رفاتاً، بعد أن کادت رسومها تندرس، ورواسمها تحتبس.

فكانت هذه الدراسة درساً نافعاً في منهجه، ناجعاً في فروعه، مستوفياً في فصوله، مقارناً أحياناً كثيرةً في تفاصيله.

ثم أسدى في خاتمته نصائح سديدة، وقدّم مقترحاتٍ جدّ مفيدة، تستنهض الدارسين من ذوي الهمم، وتقول بلسان حالها: ((المنزل أمامك فتقدّم)).

وأقف عند هذا الحدّ من التصدير؛ حتى لا أخدش حسَّ حيائه ورقّة أديم تواضعه، فيتحوَّل هذا التصدير إلى تصدير صيدح ذي الرُّمَّة :

12

أخا تَنَائِفَ أَغْفَى عند ساهمةٍ بأَخْلَقِ الدفّ مِنْ تصديرها جُلَبُ(١)

والكتاب - إن شاء الله - ليس بحاجةٍ إلى تصديرٍ ولا تذنيبٍ، فهو لقواعد القرافيّ ((تهذيب التهذيب)).

و کتبه :

عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيّه

١٤٢٥/٣/١٢هـ

(١) البيتُ من قصيدةٍ هي أشهر قصائد ذي الرُّمة، غَيلان بن عقبة العدوي (ت ١١٧ هـ)، أمضغ الشعراء للشِّيح والقيصوم، والتي مطلعها:

ما بالُ عينك منها الماءُ ينسكبُ كأنه مِنْ كُلَى مَفْرِيَةٍ سَرِبُ

وفي البيت المثبت من كلام شيخنا، يصف الشاعر نفسه، وقوله فيه: ((أخا تنائف .. )) منصوبٌ بما قبله، وهو قوله:

زار الخيالُ لميٍّ هاجعاً لِعِبتْ به التنائفُ والمهريةُ النُّجُبُ معرّساً في بياض الصبح وقعتُه وسائرُ السير إلاَّ ذاك منجَذِبُ

والتنائف جمع تنوفةٍ، وهي: القَفْر من الأرض، وأغفى: نام، عند ساهمةٍ، الساهمة: الناقة الضامرة المتغيرة، وهي ناقته ((صیدح)).

والأخلق: الأملس الذي ذهب موضع وبره. والدفّ: الجَنْب، وأراد أسفل إبط الناقة هنا. والمراد بأخلق الدفّ: الموضع الأخلق من الدفّ. والجُلَبُ، ومفرده جُلْبَة: الجرح الذي قد جفَّ وعليه جلدةٌ غليظةٌ عند البُزْء. والتصدير: حزام الرحل. وأراد: بأخلق الدفّ جُلَبٌ من تصديرها.

ومعنى البيت: أنه أخو أسفارٍ أغفى عند ناقته ((صيدح)) بموضعٍ أملسٍ من جنبها، الذي به جُلَبٌ من أثر تصدیرها/ عادل.

13

هذا الكتاب

بقلم معالي الأستاذ الدكتور عبد الوهاب بن إبراهيم أبو سليمان

عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية الأسبق، بجامعة أم القرى،
وعضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، والمشرف على هذا البحث

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الذخيرة والفروق)، للإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، كتابان من أجلِّ ما ألّف في الفقه المالكي وقواعده، ولهما الشأن العظيم بين الفقهاء والباحثين:

الأول: كتاب فقهٍ استدلالي، نثر فيه - رحمه الله تعالى - من علومه الفقهية ما دلَّ على عظيم قدره، ورفيع شأنه في علم الفقه، حوى من القواعد والضوابط الفقهية والأصولية الكثير، منها ما يندر وجوده في مثيله من الكتب والمدونات الفقهية.

عزّ على الإمام القرافي - رحمه الله تعالى - أن تظلّ تلك القواعد الفقهية مطويةً بين المسائل والمذاهب، فهي جديرةٌ أن تنفرد بالتأليف، فهي المفتاح لحلِّ ما يستجدُّ من القضايا والنوازل، وهي التي تُبرز للفقيه المقاصد الشرعية في جلاءٍ ووضوحٍ، ولا يتمُّ هذا إلاَّ بإظهارها بصورةٍ مستقلةٍ لينتبه إلى أهميتها الفقهاء، فيستفيدوا منها في توقيع الأحكام.

14

حقَّق هذه الرغبة، وأنجز هذه الخطّة بجمعها في كتابٍ واحدٍ؛ لتعظم الإفادة منها، فأخرجها في صورةٍ منهجيةٍ فريدةٍ في كتابه (الفروق).

ويأتي الخلَف العلميّ الصالح الدكتور عادل بن عبد القادر بن محمد ولي قوته - حفظه الله تعالى - ليخطو بهذا العمل العلمي الجليل خُطواتٍ متقدِّمة، على مستوى منهج البحث العلمي الحديث في العصر الحاضر، بصورةٍ علميَّةٍ بديعةٍ، فجعل من رسالته العلمية للدكتوراه منطلق بداية مشروع شاملٍ لكافة الأبواب الفقهية في سلسلةٍ من الدراسات المستقبلة، بإذن الله.

ومن ثمَّ استبدل بعنوان رسالة الدكتوراه؛ (القَوَاعِدُ وَالضَّوَابِطُ الفِقْهِيَّةُ في أبواب التمليكاتِ الماليّة، عند الإِمام القرافيّ، من خلال كتابيه الذخيرة والفروق، جمعاً ودراسة) عنواناً جديداً:

((القَوَاعِدُ وَالضَّوَابِطُ الفِقْهِيَّةُ القَرَافِيَّةُ - زُمْرةُ التمليكاتِ المالِيَّة))

وبحثه هذا عبارةٌ عن دراسةٍ علميةٍ متأنيةٍ متعمّقةٍ لكلا الكتابين الموسوعتين الآنفي الذكر، تمّ له فيه استخراج القواعد والضوابط الفقهية، وتتبُّعُ عباراتها واختلاف صياغتها، في مدوّنات المذهب المالكيّ للقاعدة والضابط الواحد، بطريقةٍ استقرائيةٍ لبيان تطوّرها لفظاً ومعنىً.

عمل في هذا الموضوع على جوانب عديدةٍ، بصورةٍ علميةٍ رائدة، تجلّ بعضها في الجوانب التالية:

  1. توثيق أحكام المتقدّمين في المذهب المالكيّ، ثمَّ مقارنته بما في الكتب المعتمدة للمذهب عند المتأخرين.

  2. اجتهاده في البحث خارج نطاق المذهب المالكيّ، فيما لم يعثر عليه من تطبيقات للقواعد لدى المالكيّة، ثمَّ تنزيلها على تلك القواعد.

15

٣ - استحداثه عناوين جديدة لبعض مجموعاتٍ من الموضوعات الفقهيّة، ذات الموضوع الواحد.

٤ - ربط بعض القواعد والضوابط بالمصطلحات الفقهيّة الحديثة، مثل: «الشخصية الاعتبارية»، وغير ذلك من الأمثلة.

وهناك الكثير العديد ممَّا ينوَّه عنه في هذا الكتاب، من الناحيتين العلمية والمنهجية، التي سيقف عليها القارىء بنفسه، فيقدِّر جهده حقَّ قدره.

وممَّا يميِّز هذا الكتاب (الرسالة العلمية) عن كثيرٍ من الرسائل العلمية الأخرى، ويفوقها، أمران مهمان:

(أ) أسلوبها العلميّ الأدبيّ، فقد أبرز فيها الدكتور عادل قوته - حفظه الله تعالى - مهارته اللغوية، وقدراته الأدبية، ممّا يجعله في عداد الفقهاء المتأدّبين.

ولا يخفَى على الباحثين أنَّ الأسلوب الأدبيّ عزيزٌ ونادرٌ في الكتابات والدراسات الفقهية.

(ب) تطرّق إلى موضوعاتٍ ليست في حسبان كثيرٍ من الباحثين، وبهذا فتح لهم آفاقاً جديدةً من البحوث، وأثار تساؤلاتٍ وطروحاتٍ عديدةً مفيدةً، تتقدَّم بالبحث الفقهي لو تناولها الدارسون.

وهو ما يعتبره علماء منهج البحث العلمي: مقياس نجاح العمل في البحوث العلمية الحديثة.

أما المؤلّف العالم الدكتور عادل قوته - حفظه الله تعالى - وقد عهدتُه أعواماً عديدةً في أروقة الدَّرْس والتحصيل، بالدراسات العليا الشرعية: فإنِّي أعدُّه بين مجموعةٍ من الباحثين الدارسين الذين كانوا موضع الإِعجاب والتقدير علماً وتحصيلاً، وخلقاً رفيعاً.

16

بل إنَّ الإِنصاف يقضي بكلمةٍ في جانبه، مقارنةً بمن نوّهتُ عنهم من الدارسين بأنه: يتميّز عن مجموعهم بأسلوبٍ أدبيٍّ رفيع، وحساسيةٍ علميةٍ شفّافةٍ، تجلَّت في كتاباته وتعليقاته، بعيداً عن النمطيّة التعبيرية في الكتب الفقهية.

إنَّ أبرز ما في هذا الكتاب: شخصية الباحث العلمية، مع كمال الأدب في إيراد الاعتراضات، والمناقشة للآراء.

كُلّ هذه الخصائص مظهرٌ واضحٌ لحبِّه لبحثه وعشقه له، فلم يبخل عليه بوقتٍ، أو جهدٍ.

وهو بهذا يتحقَّق بمدلول القاعدة الفقهيّة التي أرساها الإِمام القرافيّ: ((شأن كلِّ عظيم لا يحصل بالطرق السهلة))، فنحن أمام عملٍ رفيعٍ بكلِّ المقاييس العلمية.

نسأل المولى جلّ وعلا أن يديم على صاحبه توفيقه، ويحقّق آماله في إكمال دراساته الجادّة، في المجال الفقهيّ بعامَّة، والقواعد المستخرجة من مؤلَّفات الإِمام أحمد بن إدريس القرافيّ خاصة، إنه سميع مجيب.

حرّر في ١٩ ربيع الأول عام ١٤٢٥ هـ

کاتبه:

عبد الوهاب بن إبراهيم أبو سُليمان

مكة المكرمة - المملكة العربية السعودية

17

تقديم

بقلم أ . د. محمد بن الهادي أبو الأجفان

الأستاذ بقسم الدراسات العليا الشرعية - كلية الشريعة

جامعة أم القرى - مكة المكرمة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وصلَّى الله على نبيّه الكريم، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً

إنَّ الدعوة المحمدية كانت الحافز لانطلاق الحركة العلمية في المجتمع الإِسلامي الناشىء في المدينة، ولظهور حضارته التي ازدهرت وتألَّقت عبر عصور تاريخه في أرجاء بلاده المترامية الأطراف، بفضل هذه الدعوة نشأت العلوم الإِسلامية المختلفة وتطورتْ، وأسعدت أجيالاً.

ومن أوائل تلك العلوم ظهوراً في العهد النبوي علمُ الفقه الذي بدأ يبرز مع انبثاق التشريع الإِلهي الذي تضمنته آياتُ الأحكام النازلة على رسولنا ﷺ، وأحاديثُ الأحكام التي ينطق بها عليه الصلاة والسلام، وهو الذي لا ينطق عن الهوى فيما يبلغ عن ربه سبحانه، وفيما يجيب به عن أسئلة المستفتين من أصحابه رضوان الله تعالى عنهم.

وكان للصحابة ثم للتابعين دورهم في التبليغ عن رسول الله ﷺ، وللقراء والمجتهدين منهم دورٌ في التفسير والبيان والتأويل والاستنباط، حتى أُثر عنهم من الآثار ما زخرتْ به كتب السنن، وما عرف بفقه السلف الذي كان منتشراً في الأمصار، وكان من موارد أئمة المذاهب التشريعية،

18

يعتمدونه في اجتهادهم ويتناقلونه بالرواية ممحِّصين، وينظرون فيه بالدراية مستنبطين.

وبفضل الاجتهاد المطلق تأسّست المذاهب، والتفَّ حول مؤسس كلِّ مذهبٍ أتباعٌ، فيهم طبقةٌ من مجتهدي التقييد الملتزمين بأصول الإِمام المؤسِّس، وفيهم طبقةٌ أوسع من المقلِّدين، ولئن اندثرتْ بعضُ تلك المذاهب، فإنَّ البعض الآخر ما زال قائماً.

دخل تلاميذُ الأئمة من العلماء المجتهدين بالفقه مجال الاستبحار في التفريع، فكثرت المسائل واتسعت، مما جعل استقصاءها في كل بابٍ ليس ميسوراً في كلِّ حين.

وهنا ظهرتْ فكرةُ التقعيد، وذلك بربط مجموعة أحكام بزمام، يُعرف بالقاعدة إذا كان متسعاً لعدة أبواب، وبالضابط إذا كان مقتصراً على بابٍ معينٍ، ولم يكن اللجوء إلى التأصيل بالغريب عن الفقه الذي عرف قواعد أساسية واسعة الشمول منذ تاريخه بما نطقتْ به نصوصُ الوحي من مبادىء كليةٍ، كمراعاة المصلحة ودرء الضرر.

ولمعت في مجال التقعيد أسماءُ أعلام اشتهروا في كل مذهب بإبراز القواعد وخدمة الأشباه والنظائر والعناية بالفروق الفقهية، وذلك ما يقتضي تعليلاً وتنظيراً وغوصاً في بحث الأسرار والمقاصد، وتخريجاً على الأصول، وهو عملٌ ارتقى بالفقه إلى أعلى مستوى فكريٍّ، ويسَّر تناول أحكامه، وفَهْم الكثير من مقاصده، وأتاح للعقل أن يستكنه وأن يتدبر.

ولعلَّ أبرز هؤلاء الأعلام في المذهب المالكي العلامة شهاب الدين أبو العباس أحمد القرافي (ت ٦٨٤هـ)، الذي اعتنى بقواعد مذهبه وضوابطه وسعى لربطها بفروعه، فضمَّن موسوعته الفقهية الموسومة بالذخيرة كثيراً من

19