Al-Nazarat Al-Mati'ah Fi Surat Al-Fatiha
النظرات الماتعة في سورة الفاتحة
Publisher
(المؤلف)
Edition Number
الثانية
Publication Year
١٤٢٥ هـ - ٢٠٠٥ م
Genres
النظرات الماتعة
في سورة الفاتحة
الطبعة الثانية (١٤٢٥ هـ)
بسم الله الرحمن الرحيم
النظرات الماتعة
في سورة الفاتحة
تأليف
مرزوق بن هيّاس آل مرزوق الزهراني
الأستاذ المشارك في قسم علوم الحديث
بكلية الحديث والدراسات الإسلامية
1 / 1
النظرات الماتعة في سورة الفاتحة
1 / 2
ح: مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني، ١٤٢٥ هـ
الزهراني، مرزوق بن هياس آل مرزوق.
النظرات الماتعة في سورة الفاتحة / مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني، المدينة المنورة، ١٤٢٥ هـ
ص؛ .. سم. ــ (رسائل دعوة وتوجيه؛ ٦)
ردمك: ٤ ــ ٨٩٨ ــ ٤٦ ــ ٩٩٦٠
١، ــ القرآن ــ التفسير الحديث ٢، ــ القرآن سورة الفاتحة تفسير.
أ. العنوان ب. السلسلة ... ديوي ٦٢٧٧ ... ٦٥٦٤/ ١٤٢٥
رقم الإيداع: ٦٥٦٤/ ١، ٤٢، ٥
ردمك: ٤ ــ ٨٩٨ ــ ٤٦ ــ ٩٩٦٠
حقوق الطبع محفوظة.
الطبعة الأولى: ص: ١٣٠ ... ٢١، × ١٤
١٤٢٥ هـ - ٢٠٠٥ م
الناشر: المؤلف.
مطابع أضواء المنتدى الإسلامي ــ الرياض.
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 4
النظرات الماتعة
في سورة الفاتحة
تأليف
مرزوق بن هيّاس آل مرزوق الزهراني
الأستاذ المشارك في قسم علوم الحديث
بكلية الحديث والدراسات الإسلامية
1 / 5
الإهداء
إلى كل مؤمن ومؤمنة، وكل مسلم ومسلمة، في أرجاء المعمورة.
الذين آمنوا بالله ربا وبمحمد ﷺ نبيا ورسولا، وبالإسلام دينا، يعبدون الله ﷿ وفق ما جاء به رسوله ﷺ، عقيدة وأحكاما وسياسة وحكما.
أقدم هذا الجهد، من خلال نظرات ماتعة، وتأملات واسعة، في سورة الفاتحة، بغية أن يتأملوا ما ورد فيها من الفهم النظري، ويعملوا ما تقرر من الجانب العملي، كيما يسعدوا في الدنيا والآخرة.
سائلا الله ﷿ أن يجعل عملي له خالصا، وسعيي فيه سعيا مشكورا، وأن يجعل خطئي مغفورا، ولا يحرمني ووالديّ أجره يوم الدين، ولا يحرم الأجر من أعان عليه نفقة وطباعة وتوزيعا ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ (١).
المؤلف
_________
(١) الآيتان (٨٨، ٨٩) من سورة الشعراء.
1 / 7
منهج البحث
قبل تحديد خطوات البحث تجدر الإشارة إلى أن هذه هي الطبعة الثانية لهذا السفر القيم، فقد كانت الطبعة الأولى في سنة (١٤٢٢ هـ ــ ٢٠٠١ م) وقد لقيت رغبة من المطالعين لها، وتواردت إليّ العديد من طلبات التزويد بها، بل طلب البعض من خارج المملكة السماح له بطباعتها، وقد أذنت بشرط الوقفية وعدم البيع، ولما تزايد الطلب أخبرت بعض من أعرف من أهل الخير، فحقق الرغبة لنا ولإخواننا المسلمين، أثابه الله وأحسن لنا وله العاقبه.
ثم أنبه أنني سأقتصر في المنهج على ما يلي:
في توثيق المعلومات على (جامع البيان في تأويل القرآن) للإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري إمام المفسرين، فهو عمدة من جاء بعده، فالذين كتبوا التفسير بعد ابن جرير ﵀ هم حول ما روى، أو دون بقلمه يدندنون، وعلى ما في تفسيره يعتمدون، ويليه في الأهمية (الجامع لأحكام القرآن) تفسير الإمام القرطبي أبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري، فإنه أجاد استخراج المسائل فهو في نظري التفسير الثاني بعد (جامع البيان) وما دعت إليه الحاجة في قضايا محدودة فما كان في غيرهما من أمر يلزم تدوينه لأهميته في
1 / 8
البحث، وتوثيق المعلومات، فلن أغفله وبمصدره أوصله.
لم أشتغل ببحث القضايا اللغوية، كاشتقاق الأسماء، واختلاف القراءات ومعانيها، والأبلغ منها، وأقوال العلماء واختلافهم في المسائل، من أجل عدم إشغال القارئ بأمور لا يدرك دقتها إلا المتخصص، فراعيت حال القراء وما هم محتاجون إلى معرفته، أما الباحث الناقد المتخصص فله مراجعة المصادر، وإمعان النظر فيما دونه الأئمة، من دقائق وملاحظات لغوية وبلاغية ومناقشات، وردود على بعضهم في المسائل الخلافية.
1 / 9
المقدمة
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا﴾ (١)، والصلاة والسلام على البشير النذير الذي جلب بإذن ربه لأمته الخير الكثير، وحذرها من الشر والتدمير ﷺ وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن كتاب الله ﷿، وسنة نبيه محمد ﷺ هما صراط الله المستقيم، من اعتصم بهما نجا، ومن خالفهما هلك، يزداد كل مؤمن بهديهما بصيرة، ومن ابتعد عنهما زاد عماه وكثر تدميره.
وإن من فضل الله ﷿ على هذه الأمة أن جمعها على تلاوة قدر عظيم من كلامه في كل يوم سبع عشرة مرة تلاوة واجبة وذلك فيما فرض على عباده من الصلوات الخمس في اليوم والليلة.
إنها سورة الفاتحة السورة العظيمة المشتملة على معاني الخير والبركة، فكان لزاما على كل مسلم أن يعلم ما فيها من الخير، فيستزيد من تلاوتها بإضافة ما حث عليه رسول الله ﷺ من المحافظة على السنن الراتبة
_________
(١) الآية (١،) من سورة الكهف.
1 / 10
المجموعة في ثلاث عشرة ركعة في اليوم والليلة، فإذا ما استوعب العابد فضلها ومناجاة ربه بها قام بها ماشاء الله من الليل، واستن بها في صلاة الضحى، وغير ذلك من القربات كتحية المسجد وركعتي الطواف، وصلاة الجنازة، وصلاة العيدين، إنها أم الكتاب تقود العبد إلى معرفة الثناء على الله ﷿، وفضله على عباده، وتوحيده بأسمائه وصفاته في عبوديته والاستعاذة به، والاعتصام به بطلب الهداية والبعد عن الضلال، وما يوجب غضبه، ﷾.
فهاهي الفاتحة قليلة الألفاظ واسعة الدلالة، عظيمة المعاني، شافية كافية، رمت تقديمها لكل مسلم ومسلمة في أسلوب رصين يكشف عن بعض لطائفها وعظيم قدرها، وسعة دلالتها، إنها جنة كل مؤمن ومؤمنة، وهي نار حارقة لجميع العصاة ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (١).
_________
(١) الآية (٧٠) من سورة الفرقان.
1 / 11
سبب اختيار البحث
لما قال الله ﷿: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (١)، دلَّ على أمر المؤمنين بقراءة الفاتحة على نحو ما سلف بيانه إن ذلك تطبيق عملي لما يجب أن يكون عليه وضع المسلمين تجاه كل آية من كتاب الله ﷿، فحبل الله هو كلامه الذي أنزله على عبده ورسوله نبينا محمد ﷺ لهذا شغفت بالكتابة عن هذا المثال الحي الذي اجتمع على العمل به كل من آمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد ﷺ نبيا ورسولا، وقد علم كل فرد منهم أن صلاته لا تقبل إلا بتلاوة هذه السورة العظيمة وتدبر ما فيها من الدلالة والخير، إلا من عذر يعفيه من ذلك، فكان هذا أمرا باعثا على جمع
_________
(١) الآية (١٠٣) من سورة آل عمران.
1 / 12
ما ورد فيها من المقاصد والدلالة، وبسطها لعباد الله الصالحين، هذا أولا.
أما الأمر الثاني:
فلأن الله ﷿ امتن بالفاتحة على عبده ورسوله نبينا محمد ﷺ قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ (١)، فجعلها قسيمة لبقية السور، وكان الأمر كذلك لأنها جمعت أقسام القرآن وحوتها.
الأمر الثالث:
إن معرفة معانيها ودلالاتها من العلم الضروري الذي يجب على كل مسلم أن يلم به كيما تصح صلاته وعقيدته ودعاؤه، وثناؤه على ربه ﷿، واستشفاؤه بهذه السورة العظيمة، المباركة والقرآن كله عظيم مبارك عظيم.
الأمر الرابع:
إنها تدريب عملي على اجتماع المسلمين على الحق، ومن هذا المثال وجب عليهم أن يكونوا موحدين لله ﷿ بالعبادة، فالفاتحة تدعوهم إلى رب واحد هو معبودهم لا معبود بحق سواه.
والذي جاء بها هو محمد ﷺ فوجب أن يوحدوه في القدوة وفي الاتباع، وأن لا يخالفوا أمره، ولا يتجاوزوا
_________
(١) الآية (٨٧) من سورة الحجر.
1 / 13
نهيه ﷺ، ولذلك قال تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ (١)، وقال الله ﷾: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (٢)، وقال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (٣)، والفاتحة حددت لهم المنهج العملي من خلال دلالاتها ومعانيها فوجب أن يكون منهجهم واحدًا كتاب الله وسنة نبيه محمد ﷺ، قال الله ﷾: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
_________
(١) الآية (٧) من سورة الحشر.
(٢) الآية (٦٣) من سورة النور.
(٣) الآية (٦٥) من سورة النساء.
1 / 14
الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ (١)، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ (٢).
ومن البواعث على هذا البحث أنني طالعت ما كتبه حول الفاتحة بعض الفضلاء، فألفيت أن الفاتحة لازالت مشرعةً أبوابها للمزيد من البحث والدراسة، ولا أدعي الكمال فيما قمت به من عمل ولكن
قدمت بعض ما وقفت عليه من كلام أهل العلم، ورمت الاختصار، فتجنبت الغوص، واكتفيت بالإبحار في لجج المعرفة والنصوص والأخبار، فاقتطفت ما تيسر من الثمار، وقدمتها للمسلمين من القارئين النظار، والسامعين الأخيار، رجاء أن ينتفعوا بها ويكونوا من الأبرار، بإذن الله الواحد القهار.
النظرة الأولى
حول سورة الفاتحة:
الفاتحة مستهل كتاب الله العزيز، أنزلت بمكة على القول الراجح، عظّم الله شأنها، وخص بها نبيه ورسوله محمدًا ﷺ وأمته، أوجز فيها ما فصله في القرآن العظيم.
_________
(١) من الآية (٣) من سورة المائدة.
(٢) من الآية (٤٤) من سورة المائدة، وفي التي بعدها (الظالمون) وفي (٤٧) الفاسقون.
1 / 15
آياتها سبع، وكلماتها خمس وعشرون كلمة، وحروفها مائة وثلاثة وعشرون حرفا (١) تضمنت جميع علوم القرآن الكريم (٢) أسماؤها كثيرة، ذكر الفيروز آبادي أنها قريبة من ثلاثين (٣) وقال القرطبي: اثنتان وعشرون (٤) وقال الأ لوسي: لهذه السورة الكريمة أسماء، أوصلها البعض إلى نيف وعشرين (٥).
النظرة الثانية
لماذا تعددت أسماء الفاتحة؟
تنوعت أسماء الفاتحة بحسب تنوع ما فيها من الدلالة، وما فيها من الفضل، وما اشتملت عليه من المقاصد، وما فيها من البركة والخير، وبيان ذلك على النحو التالي:
_________
(١) وللعلم فإن الفاتحة لا تشمل سبعة أحرف وهي (ث، ج، خ، ز، ش، ظ، ف) انظر: (روح المعاني ١/ ٣٦).
(٢) انظر: (الجامع لأحكام القرآن ١/ ١١٠).
(٣) انظر: (بصائر ذوي التمييز ١/ ١٢٨).
(٤) انظر: (الجامع لأحكام القرآن ١/ ١١١).
(٥) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (١/ ٣٤).
1 / 16
سميت الفاتحة: لأنها يفتتح بكتابتها المصاحف، ويقرأ بها في الصلوات فهي فواتح لما يتلوها من سور القرآن، في الكتابة والقراءة (١).
سميت أم القرآن: لتقدمها على سائر سور القرآن غيرها، في القراءة والكتابة (٢).
وهي أم الكتاب لأن أم الشيء: أصله وعماده كما سميت مكة؛ أم القرى لأنها توسطت الأرض (٣).
وهذا ليس زعمًا، فقد ثبت علميا في عصرنا هذا، والفاتحة لا شك أنها أم الكتاب (القرآن) لأنها جمعت ما فصل فيه، وقد ثبت في الصحاح تسميتها بذلك (٤) ونقل القرطبي كراهة ذلك عن أنس والحسن وابن سيرين، والجمهور على الجواز؛ وإذا صح الخبر عن رسول الله ﷺ فلا عبرة بقول غيره (٥).
سميت السبع المثاني: لأن جميع القراء والعلماء لم يختلفوا على أنها سبع آيات، ولكونها المثاني التي امتن
_________
(١) جامع البيان عن وجوه تأويل القرآن (١/ ١٠٧ - ١٠٩) انظر: (تفسير الفاتحة والبقرة للسمعاني ١/ ٣٥١ - ٣٥٣) ومعالم التنزيل (١/ ٣٧) وغيرها من التفاسير التي ارتكزت على ما عند إمام المفسرين الطبري.
(٢) جامع البيان عن وجوه تأويل القرآن (١/ ١٠٧).
(٣) ترتيب القاموس (١/ ١٧٩).
(٤) انظر صحيح مسلم (١/ ٢٩٦ رقم ٣٩ - ٤١) وروح المعاني في تأويل القرآن العظيم والسبع المثاني (١/ ٣٥).
(٥) انظر: (الجامع لأحكام القرآن ١/ ١١١).
1 / 17
الله ﷿ بها على عبده ورسوله محمد ﷺ في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ (١)، كما فسرها الإمام الحسن البصري ﵀ بذلك، ووصف رسول الله ﷺ آياتها السبع بأنهن مثان، فلأنها تثنى قراءتها في كل صلاة تطوعا أو مكتوبة (٢)، وعلل مجاهد ﵀ هذه التسمية: بأن الله تعالى استثناها لهذه الأمة، كأنه أوحاها لهم ولم يعطها أحدًا من الأمم (٣)، ومعلوم أن هذه السورة العظيمة تثنى قراءتها في كل ركعة وتثنى في كل صلاة فالتثنية مضاعفة.
قال أبو جعفر الطبري: وليس في وجوب اسم (السبع المثاني) لفاتحة الكتاب ما يدفع صحة وجوب اسم (المثاني) للقرآن كله، لأن لكل وجها ومعنى مفهوما (٤)،
_________
(١) الآية (٨٧) من سورة الحجر، وانظر جامع البيان عن وجوه تأويل القرآن (١/ ١٠٩) منه حديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم) أخرجه الإمام البخاري، حديث (٤٧٠٤) وأخرجه الطبري بسند صحيح (جامع البيان ١/ ١٠٧).
(٢) جامع البيان عن وجوه تأويل القرآن (١/ ١٠٩).
(٣) تفسير الفاتحة والبقرة للسمعاني (١/ ٣٥٣) وانظر: (الكشاف ١/ ٤).
(٤) جامع البيان (١/ ١١٠) باختصار.
1 / 18
قلت: كقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ (١)، أطلق الله ﷿ هذا على كتابه، لأن الأخبار تثنى فيه (٢).
سميت الوافية: لأنها لا تتنصف، فلا يجوز أن يُقرأ نصفها في ركعة والنصف الآخر في ركعة أخرى، وهذه خصوصية الفاتحة فهي لا تقبل التنصيف ولا الاختزال بخلاف بقية سور القرآن فإن ذلك جائز فيها (٣).
سميت الكنز: لقوله ﷺ: (إنها أنزلت من كنز تحت العرش) (٤).
ويدخل في مسمى (أم الكتاب، أم القرآن) قول من سماها (الأساس) جاء ذلك من قول الشعبي ﵀ لما شكا إليه رجل وجعا بخاصرته: عليك بأساس القرآن، فاتحة الكتاب، سمعت ابن عباس يقول: لكل شيء أساس،
_________
(١) الآية (٢٣) من سورة الزمر.
(٢) انظر: (الجامع لأحكام القرآن ١/ ١١٤).
(٣) قاله سفيان بن عيينة في تفسيره، نقل عنه القرطبي (الجامع لأحكام القرآن ١/ ١١٣).
(٤) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (١/ ٩) والحديث أخرجه إسحاق بن راهويه - كما في الدر المنثور (١/ ١٦) - عن علي ﵁ وعزاه المتقي في الكنز (٢/ ٢٩٧) رقم (٤٠٥٠) إلى إسحاق والواحدي، وقد أورد البوصيري إسناد إسحاق في إتحاف الخيرة (١/ ٥) وفيه انقطاع بين فضيل بن عمرو، وعلي ﵁، وله شواهد تقويه، عن أبي أمامة، وأنس، وعلي، ومعقل بن يسار ﵃ (موسوعة فضائل سور وآيات القرآن ١/ ٢٤ - ٦٢).
1 / 19
وأساس الدنيا مكة لأن منها دحيت (١) وأساس السموات (عريبًا) وهي السماء السابعة، وأساس الأرض (عجيبا) وهي الأرض السابعة السفلى، وأساس الجنان (جنة عدن) وهي سرّة الجنان عليها أسست الجنة، وأساس النار (جهنم) وهي الدركة السابعة السفلى، عليها أسست الدرجات، وأساس الخلق (آدم) وأساس الأنبياء (نوح) وأساس بني إسرائيل (يعقوب) وأساس الكتب (القرآن) وأساس القرآن (الفاتحة) وأساس الفاتحة (بسم الله الرحمن الرحيم) فإذا اعتللت أو اشتكيت، فعليك بالفاتحة تُشفى (٢)، وذكره السيوطي مختصرا فقال: وأخرج الثعلبي عن الشعبي أن رجلا شكا إليه وجع الخاصرة (٣) فقال: عليك بأساس القرآن، قال: وما أساس القرآن؟، قال: فاتحة الكتاب (٤).
_________
(١) وها نحن نسمع اليوم من علماء الجغرافية والمساحات: أن الكعبة هي نقطة الارتكاز لدائرة الأرض (الكعبة مركز العالم ص ٢٠٤).
(٢) لم يجزم الفعل لأن الطلب جاء باسم الفعل (عليك) وشرط جزم جواب الطلب أن يكون الطلب بالفعل، وانظر: (الجامع لأحكام القرآن ١/ ١١٣).
(٣) الخاصرتان: جانبا البطن مما يلي الظهر، قال ابن الأثير: قيل: إنه وجع الكليتين (النهاية ٢/ ٣٧).
(٤) الدر المنثور (١/ ١٢).
1 / 20
الحق أن الفاتحة رقية كلها، خلافا لمن قصرها على قول الله ﷾: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾.
سميت سورة الحمد والشكر والدعاء، وتعليم المسألة: لاشتمالها عليها (١)، وقد تضمنت معاني هذه الألفاظ أفضل ما يكون به الثناء، وأصدق ما يكون الطلب.
سميت الصلاة: لوجوب قراءتها فيها (٢).
أما قول الزمخشري: لأنها تكون فاضلة أو مجزئة فيها (٣)، فأقول: هي فاضلة في الصلاة وغيرها، والصواب ما تقدم؛ لأنها ركن في الصلاة، فلا تصح الصلاة إلا بقراءتها، قال ﷺ: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) (٤)، وفي القدسي: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي) (٥)، والمراد بالصلاة الفاتحة، عندما يقرؤها العبد في الصلاة وغيرها.
_________
(١) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (١/ ٩) وانظر: روح المعاني (١/ ٣٥).
(٢) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (١/ ٩) ولأن الله سماها صلاةً في الحديث القدسي.
(٣) الكشاف (١/ ٤).
(٤) أخرجه الإمام البخاري، حديث (٧٥٦).
(٥) أخرجه الإمام مسلم، حديث (٣٩٥).
1 / 21