196

Al-muntakhab min kutub Shaykh al-Islām

المنتخب من كتب شيخ الإسلام

Publisher

دار الهدى للنشر والتوزيع

Edition

الأولى

Publication Year

١٤١٩ هـ - ١٩٩٨ م

Publisher Location

الرياض

Genres

الذي قد تختلف فيه الشرائع، بخلاف الباب الأول؛ فإن جنسه مما لا يمكن اختلاف الشرائع فيه وإن اختلفت في أعيانه، بل ذلك ثابت في العقل، كما يقال: ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين، وينشد:
إن اللبيب إذا بدى من جسمه مرضان مختلفان داوى الأخطرا
...
ويرجحون وجود السلطان مع ظلمه على عدم السلطان، كما قال بعض العقلاء: ستون سنة من سلطان ظالم خير من ليلة واحدة بلا سلطان ...
... ثم الولاية وإن كانت جائزة أو مستحبة أو واجبة؛ فقد يكون في حق الرجل المعين غيرها أوجب أو أحب، فيقدم حينئذ خير الخيرين وجوبًا تارة واستحبابًا أخرى.
ومن هذا الباب تولي يوسف الصديق على خزائن الأرض لملك مصر، بل ومسألته أن يجعله على خزائن الأرض، وكان هو وقومه كفارًا؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جاءَكُمْ يوسُفُ مِنْ قَبْلُ بالبَيِّناتِ فَمَا زِلْتُمْ في شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ ...﴾ (١) الآية، وقال تعالى عنه: ﴿يا صاحِبَيَّ السِّجْنِ أأرْبابٌ مُتَفَرِّقونَ خَيْرٌ أمِ اللهُ الواحِدُ القَهَّارُ. ما تَعْبُدونَ مَنْ دونِهِ إلاَّ أسْماءً سَمَّيْتُمُوها أنْتُمْ وآباؤكُمْ ...﴾ (٢) الآية، ومعلوم أنه مع كفرهم لا بد أن يكون لهم عادة وسنة في قبض الأموال وصرفها على حاشية الملك وأهل بيته وجنده ورعيته، ولا تكون تلك جارية على سنة الأنبياء وعدلهم، ولم يكن يوسف يمكنه أن يفعل كل ما يريد وهو ما يراه من دين الله؛ فإن القوم لم يستجيبوا له، لكن فعل الممكن من العدل والإحسان، ونال بالسلطان من

(١) غافر: ٣٤.
(٢) يوسف: ٣٩ - ٤٠.

1 / 205