هذا العنوان واسع الدلالة، ولو أخذته بهذا العنوان الشامل لدخل فيه أشياء كثيرة، فتشمل تاريخ المصحف وكتابته في جميع العصور، وما لحق هذه الكتابة من عناية بالغة فائقة في طريقة الخط، وطريقة التنسيق، بل تعدى الأمر عند بعض المسلمين إلى الاعتناء بالتزويق، والتذهيب، والتجليد، واختيار المداد، وغير ذلك مما يطول ذكره.
غير أن المراد بالعناية هنا ما قام به علماء الصحابة من رسمهم للمصحف، ثم ما أضافه علماء الأمة بعدهم من أمور متعددة، خصوصًا ضبط المرسوم وقراءته، وهو ما سُمِّي (علم الضبط)، وتجزئته ووقوفه.
وقد سبق الحديث عن كتابة المصحف في عهد الرسول ﷺ، وفي عهد أبي بكر ثم عثمان بن عفان ﵄، وفي عهد عثمان استقرَّ رسم المصحف على ما اتفق عليه الكَتَبَةُ الذين عيَّنهم عثمان ﵁، وصار بمثابة الإجماع على هذا الرسم.
لكن المصحف مرَّ بمراحل بعد استقرار هذا الرسم حتى وصلنا بهذا الشكل الذي نراه، وهو ما سيقع الحديث عنه في هذا الفصل من هذا الكتاب، وسأقسم الحديث عنها حسب التسلسل التاريخي - حسب المستطاع - للأصل الذي هو رَسْمُه، وللزيادات التي لحِقته من ضبط ونقط وشكل.