Mawaqif
المواقف في علم الكلام
Investigator
عبد الرحمن عميرة
Publisher
دار الجيل
Edition Number
الأولى
Publication Year
1417 AH
Publisher Location
بيروت
Genres
إن كلا من التصور والتصديق بعضه ضروري بالوجدان فإن كل عاقل يجد من نفسه أن بعض تصوراته وكذا بعض تصديقاته حاصل له بلا قدرة منه ولا نظر فيه وإذ لولاه أي لولا أن بعضا من كل منهما ضروري لزم الدور أو التسلسل إذ حينئذ يكون كل واحد من التصور وكذا كل واحد من التصديق نظريا فإذا حاولنا تحصيل شيء منهما كان ذلك التحصيل مستندا إلى تصور أو تصديق آخر هو أيضا نظري مستند إلى غيره من التصورات أو التصديقات فإما أن يدور الاستناد في مرتبة من المراتب أو يتسلسل إلى ما لا يتناهى وهما يمنعان الاكتساب لأنهما باطلان ممتنعان كما سيأتي فما يتوقف عليهما كان باطلا ممتنعا وحينئذ يلزم أن لا يكون شيء من التصور والتصديق حاصلا لنا وهو باطل قطعا لا يقال إذا فرض أن الكل نظري فهذا الذي ذكرته من لزوم الدور أو التسلسل وكونهما مانعين من الاكتساب ومفضيين إلى أن لا يكون شيء من الإدراكات حاصلا لنا أيضا نظري على ذلك التقدير وحينئذ يمتنع إثباته لأن إثباته إنما يكون بنظري آخر فيلزم الدور أو التسلسل لما ذكرتم بعينه والحاصل أن دليلكم على بطلان كون الكل نظريا ليس يتم بجميع مقدماته لأن كونه تاما كذلك يستلزم المحال المذكور ولأنا نقول ما ذكرنا في دليلنا من التصورات والتصديقات نظري وغير معلوم على ذلك التقدير لا في نفس الأمر بل هو معلوم لنا في نفس الأمر فيبطل ذلك التقدير لاستلزامه خلاف الواقع أعني كون تلك القضايا معلومة في نفس الأمر والحق أن هذا الدليل الذي ذكرناه حجة قائمة على من اعترف بالمعلومات أي اعترف بأن تلك القضايا المذكورة في الدليل معلومة في نفس الأمر وزعم أنها كسبية على ذلك التقدير ولا تكون معلومة عليه فكيف يجوز التمسك بها في إبطاله إذ حينئذ يجاب بأن الاستدلال بها يتوقف على معلومية صدقها وهي في الواقع واقعة فإن جامعها ذلك التقدير فلا كلام وإن لم يجامعها كان ذلك التقدير غير واقع في نفس الأمر وهو المطلوب لا على من يجحدها مطلقا أي يجحد معلومية تلك القضايا على ذلك التقدير وفي نفس الأمر أيضا فإن هذه الحجة لا تقوم عليه قطعا لأن كل ما يورد في إثبات معلومية صدق مقدماتها يتجه عليه منع المعلومية إذلم يثبت بعد ضروري لا يقبل المنع وقد يقال أراد أن ما ذكرناه في امتناع كسبية الكل إنما يقوم حجة على من اعترف بأن لنا معلومات تصورية وتصديقية إلا أنها بأسرها كسبية وذلك لأنا إذا أثبتنا حينئذ أن الكل من كل منهما ليس كسبيا لزم أن يكون بعض كل منهما ضروريا وأما من يجحد المعلومات ولا يعتر ف بشيء منها فله أن يقول امتناع كسبية الكل لا يستلزم ضرورية البعض لجواز امتناع الحصول وقد مر نظيره في الاستدلال الثاني على أن تصور العلم ضروري وبعضه نظري بالضرورة الوجدانية أيضا فإن كل عاقل يجد من نفسه احتياجه في تصور حقيقة الروح والملك والتصديق بأن العلم حادث إلى نظر وكسب
المقصد الرابع
في بعض مذاهب ضعيفة في هذه المسألة وهي أن تلك المذاهب بتأويل الطرائق أربع
Page 65