Mawaqif
المواقف في علم الكلام
Investigator
عبد الرحمن عميرة
Publisher
دار الجيل
Edition Number
الأولى
Publication Year
1417 AH
Publisher Location
بيروت
Genres
قال في نهاية العقول إن الآيات الدالة على إثبات الصانع وصفاته وإثبات النبوة والرد على المنكرين أكثر من أن تحصى فكيف يقال إن الرسول والصحابة لم يخوضوا في هذه الأدلة وكانوا منكرين للخوض فيها نعم إنهم يعني الصحابة لم يدونوه أي علم الكلام كما دوناه ولم يشتغلوا بتحرير الاصطلاحات وتقرير المذاهب وتبويب المسائل وتفصيل وتلخيص السؤال والجواب كما اشتغلنا نحن بهذه الأمور ولم يبالغوا في تطويل الذيول والأذناب كما بالغنا فيه وذلك أعني ترك التدوين والاشتغال والمبالغة لاختصاصهم بصفاء النفوس وقوة الأذهان وحدة القرائح ومشاهدة الوحي المقتضية لفيضان الأنوار على قلوبهم الزكية والتمكن من مراجعة من يفيدهم ويدفع عنهم ما عسى أن يعرض لهم من شك أو شبهة كل حين من الأحيان مع متعلق بالاختصاص أي اختصوا بما ذكر مع قلة المعاندين المشككين لهم ولم تكثر الشبهات معطوف على ما قبله بحسب المعنى كأنه قيل مع أنه قل المعاندون ولم تكثر الشبهات في زمانهم كثرتها في زماننا بما حدث من الشبه في كل حين من الأحيان السالفة فاجتمع لنا بالتدريج كل ما حدث في الأعصار الماضية فاحتيج في زماننا إلى تدوين الكلام لحفظ العقائد ودفع الشبه دون زمانهم وذلك أي عدم تدوينهم الكلام كما لم يدونوا الفقه ولم يميزوا أقسامه أرباعا هي العبادات والمبايعات والمناكحات والجنايات وأبوابا وفصولا كما ميزناها كذلك ولم يتكلموا فيها أي في أقسامه ومسائله بالاصطلاح المتعارف في زماننا من النقض وهو تخلف الحكم عما جعله علة في القياس والقلب وهو تعليق ما ينافي الحكم بعلته والجمع وهو أن يجمع بين الأصل والفرع بعلة مشتركة بينهما فيصح القياس والفرق وهو أن يفرق بينهما بما يختص بأحدهما فلا يصح وتنقيح المناط وهو إسقاط ما لا مدخل له في العلية وتخريجه وهو تعيين العلة بمجرد إبداء المناسبة إلى غير ذلك من اصطلاحات الفقهاء فكما لم يلزم مما ذكرناه قدح في الفقه لم يلزم منه أيضا قدح في الكلام وبالجملة فمن البدعة ما هي حسنة هذا إشارة إلى أن قوله نعم الخ منع لكلية الكبرى القائلة كل بدعة رد وتحرير الجواب أنك إن ادعيت أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يشتغلوا بالأبحاث الكلامية أصلا فالاشتغال بها مطلقا بدعة فهو ممنوع لما ذكرناه من التواتر الذي لا شبهة فيه وإن ادعيت أن الاشتغال بها على هذه الاصطلاحات والتفاصيل بدعة فهو مسلم لكنه بدعة حسنة لا مردودة كالاشتغال بالفقه وسائر العلوم الشرعية
وثانيهما يعني ثاني وجوه المعارضة أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن الجدل كما في مسألة القدر روي أنه صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه فرآهم يتكلمون في القدر فغضب حتى احمرت وجنتاه وقال إنما هلك من كان قبلكم لخوضهم في هذا عزمت عليكم أن لا تخوضوا فيه أبدا وقال عليه الصلاة والسلام إذا ذكر القدر فأمسكوا ولا شك أن النظر جدل فيكون منهيا عنه لا واجبا
قلنا ذلك النهي الوارد في حق الجدل إنما هو حيث كان الجدل تعنتا ولجاجا بتلفيق الشبهات الفاسدة لترويج الآراء الباطلة ودفع العقائد الحقة وإراءة الباطل في صورة الحق بالتلبيس والتدليس كما قال تعالى
﴿وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق﴾
Page 159