Al-Madhhab al-Ḥanbalī: A Study in its History and Characteristics
المذهب الحنبلي دراسة في تاريخه وسماته
Publisher
مؤسسة الرسالة ناشرون
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٢ م
Genres
إن "مسند الإمام أحمد" هو أجلّ كتاب في الحديث في عصر المؤلف وما بعده، وهو المورد الثجاج لحديث رسول الله ﷺ، وفيه من الأسانيد والمتون شيء كثير مما يوازي كثيرًا من أحاديث مسلم، بل البخاري، وليست عندهما ولا عند أحدهما، بل لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الأربعة.
وقد شهد لهذا "المسند" المحدثون في القديم والحديث بأنه أجمع كتب السنة للحديث، وأوعاها لكل ما يحتاج إليه المسلم في زاده ومعاده، فهو كتاب لا تزال بركاته شاملة، يقدره من يعرف قدر السنة النبوية الفاضلة، ولا يزال هذا العمل مشكورًا للإمام أحمد، فجزاه الله خير الجزاء.
وهو الكتاب النفيس الذي يُرغب في سماعه وتحصيله، وكان يرحل إليه، إذ كان مصنفه الإمام -المقدم- في معرفة هذا الشأن، والمعترف بفضله عند الفرق في سائر الأزمان.
ومع جلالة قدر كتاب "المسند" وحسن موقعه عند ذوي الألباب، فالوقوف على المقصود منه متعسر، والظفر بالمطلوب منه بغير تعب متعذر، لأنه غير مرتب على أبواب السنن، ولا مهذب على حروف المعجم لتقريب السنن، وإنما هو مجموع على مسانيد الرواة من الرجال والنساء، لا يسلم من طلب منه حديثًا من نوع من الملال والعناء (١).
وفي هذا المضمار يقول الشيخ عبد القادر بن بدران: واعلم أيها الطالب للحق أن البحر الزاخر في هذا الموضوع، والمورد العذب، والوابل الصَّيِّب، إنما هو مسند الإمام أحمد بن محمد بن حنبل ﵁ وأرضاه، وجعل الجنة منقلبه ومثواه، وإنما منع من الإشتغال به اشتغالًا كالإشتغال بالسنن أمور:
أحدها: كونه مرتبًا على أحاديث الصحابة، وهذا الترتيب أصبح غير مألوف عند المتوسطين والمتأخرين، فصار بحيث لو أراد محدث أن يجمع أحاديث باب منه احتاج إلى مطالعته من أوله إلى آخره، وهذا أمر عسير جدًا. ثانيها: عزة وجوده لطوله؛ فإنه قد ضمّ ثلاثين ألف حديث، وزاد عليه ولده الإمام عبد الله عشرة آلاف حديث، فصار أربعين ألفًا. ثالثها: أن عزة وجوده كانت سببًا لعدم خدمته كما خُدمت السنن وغيرها من كتب الحديث (٢).
(١) من مقدمة ابن عساكر في كتابه "ترتيب أسماء الصحابة الذين أخرج حديثهم أحمد بن حنبل في المسند" ص ٢٩ وما بعدها.
(٢) المدخل ص: ٤٧١ - ٤٧٢. باختصار.
1 / 124