في بغداد سنة ٦٥٦ هـ فوجد الفروق هائلة أيضًا، غير أن قادة جيش العباسيين كانوا مشغولين عن الحرب ومتطلباتها، بجمع الأموال، والتطاول في البنيان، وحبّ الشهوات، فدبّ بينهم الفساد، وهانت نفوسهم عليهم، كما هانت عليهم كرامة الناس وأعراضهم .. كانوا لا يتسنّمون المناصب الرفيعة لكفايتهم العسكرية، ومزاياهم الإنسانية السامية، ولتجربتهم الطويلة في معاناة الحروب، وإنما لأنهم من (شلّة) أصحاب السلطة، فباؤوا بالخذلان.
بينما كان جيش قطز خرج مهاجرًا إلى الله ورسوله ﷺ، ليست له غاية سوى إدراك رضا الله تعالى، والجهاد بالأموال والأنفس لإعلاء كلمته، فانتصر على التتار، وهذا يؤكد أهمية العقيدة في إحراز النصر.
وقد أكد الكاتب هذه المعاني في بحثه التالي (التدين من مزايا القائد المنتصر) فركز على العقيدة كمزية من مزايا القائد المنتصر في تاريخنا أولًا، وفي المصادر الأجنبية ثانيًا .. وعاد واستشهد بما كتبه مونتكمري عن علاقة الدين بالقيادة.
وفي بحث (شجاعة النبيّ ﷺ) ذكر أهمية السيرة النبويّة بما تقدّمُ من النماذج الرائعة الفذّة عن شجاعة الرسول القائد في أيام السلم وأيام الحرب معًا، وذكر بعضها في (بدر)، و(أحد)، و(الخندق)، و(حنين)، وقال: إن الرسول القائد ﷺ كان يقود رجاله من (الأمام) يقول لهم: " اتبعوني اتبعوني "، ولم يكن يقودهم من (الخلف)، ويقول لهم: " تقدّموا .. تقدّموا " ثم يأوي إلى مقر آمن مريح، كما فعل ويفعل القادة المخذولون.
ثم قدّم درسًا في بناء الرجال، استخلصه من سيرة الرسول القائد ﷺ الذي كان يبني الرجال ولا يحطّمهم، ويقوّم المعوجّ ولا يكسره، ويضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ويوظّف إمكانات كلٍّ منهم