Al-Kharaj
الخراج
Investigator
طه عبد الرءوف سعد، سعد حسن محمد
Publisher
المكتبة الأزهرية للتراث
Edition Number
طبعة جديدة مضبوطة - محققة ومفهرسة
Publication Year
أصح الطبعات وأكثرها شمولا
فصل: "فِي حكم الْمُرْتَد عَن الْإِسْلَام" والزنادقة
قَالَ أَبُو يُوسُف: وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ عَنِ الإِسْلامِ إِلَى الْكُفْرِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى اسْتِتَابَتَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الزَّنَادِقَةُ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ وَقَدْ كَانُوا يُظْهِرُونَ الإِسْلامَ، وَكَذَلِكَ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ وَالْمَجُوسِيُّ يُسْلِمُ، ثُمَّ يَرْتَدُّ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ؛ فَيَعُودُ إِلَى دِينِهِ الَّذِي كَانَ خَرَجَ مِنْهُ، وَكُلٌّ قَدْ رَوَى فِي ذَلِكَ آثَارًا وَاحْتَجَّ بِهَا؛ فَمن رأى أَن لَا يُسْتَتَاب فَيَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الهل عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ".
وَمن رأى أَن يُسْتَتَاب فَيَحْتَجُّ بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مَنْ قَوْلِهِ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلا اللَّهَ؛ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ". وَيَحْتَجُّونَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي مُوسَى ﵃ وَغَيْرِهِمْ وَيَقُولُونَ: إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ"، وَهَذَا الْمُرْتَدُّ الَّذِي قَدْ رَجَعَ إِلَى الإِسْلامِ لَيْسَ بِمُقِيمٍ عَلَى التَّبْدِيلِ.
وَمَعْنَى حَدِيثِ النَّبِيِّ ﵊: أَيْ من أَقَامَ عَلَى تَبْدِيلِهِ؛ أَلا تَرَى أَنَّهُ قَدْ حَرَّمَ دَمَ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهَ وَمَالَهُ، وَهَذَا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهَ؛ فَكَيْفَ أَقْتُلُهُ، وَقَدْ نَهَى ﷺ عَنْ قَتْلِهِ؟ "، وَهُوَ ﵊ يَقُولُ لأُسَامَةَ: "يَا أُسَامَةَ أَقَتَلْتَهُ بعد قَول لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ؟ "؛ فَقَالَ أُسَامَةُ: إِنَّمَا قَالَهَا فَرَقًا مِنَ السِّلاحِ١ فَقَالَ "هَلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟ "؛ فَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ لَيْسَ يَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِهِ، وَأَنَّ قَتْلَهُ لَمْ يَكُنْ مُطْلَقًا لَهُ بِتَوَهُّمِهِ أَنَّهُ؛ إِنَّمَا قَالَهَا فَرَقًا مِنَ السِّلَاح.
قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أُسَامَةَ قَالَ: "بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي سَرِيَّةٍ فَصَبَّحْنَا الْحُرُقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ؛ فَأَدْرَكْتُ رَجُلا فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ "أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟ " قَالَ فَقُلْتُ: يَا رَسُول اله غنما قَالَهَا فَرَقًا مِنَ السِّلاحِ، قَالَ: "فَهَلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حِينَ قَالَ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا فَرَقًا مِنَ السِّلاحِ أَوْ لَا؟ " فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أسلمت يَوْمئِذٍ٢.
١ أَي خوفًا من الْقَتْل. ٢ لِأَن الْإِسْلَام يقطع مَا كَانَ قبله من الذُّنُوب.
1 / 196