198

Al-ḥikma fīʾl-daʿwa ilā Allāh Taʿālā

الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى

Publisher

وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٣هـ

Publisher Location

المملكة العربية السعودية

Genres

فأبى عمر أن يجلس، فلما تكلم أبو بكر أقبل الناس إليه وتركوا عمر، فجلس عمر ﵁ فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه، وقال: أما بعد، فمن كان منكم يعبد محمدًا ﷺ فإن محمدًا ﷺ قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت، قال الله - تعالى -: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾ [الزمر: ٣٠] (١) وقال: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٤] (٢).
فوالله لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزل الآية حتى تلاها أبو بكر ﵁، وقال عمر. والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي ﷺ قد مات.
وقال الراوي: " فتلقاها الناس كلهم، فما أسمع بشرًا من الناس إلا يتلوها، ونشج الناس يبكون " (٣).
إن المصيبة عظيمة، والأمر كبير، والحادث جليل، والخلاف واقع؛ ولكن أبا بكر ﵁ بفضل الله تعالى - حل الخلاف، وألف بين القلوِب وثبّتها، ولا يقدر على هذا إلا من أُوتي قلبًا ثابتًا، وشجاعة فائقة، وعقلاَ راجحًا، وحكمة بالغة، ﵁ وأرضاه.

(١) سورة الزمر، الآية ٣٠.
(٢) سورة آل عمران، الآية ١٤٤.
(٣) انظر: البخاري مع الفتح، وقد صغت هذه الألفاظ من مواضع متفرقة منه، من كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت إذا أدرج في أكفانه، ٣/ ١١٣، وكتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي ﷺ: لو كنت متخذًا خليلًا، ٧/ ١٩، وكتاب المغازي، باب مرض النبي ﷺ ووفاته، ٨/ ١٤٥، وانظر: البداية والنهاية لابن كثير ٥/ ٢٤١، ٢٤٢، وحلية الأولياء ١/ ٢٩.

1 / 216