Al-Iḥkām fī uṣūl al-aḥkām
الإحكام في أصول الأحكام
Publisher
المكتب الإسلامي
Edition Number
الثانية
Publication Year
1402 AH
Publisher Location
(دمشق - بيروت)
Genres
Jurisprudence
الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَاجِبَ الْقَبُولِ، لَتَعَذَّرَ تَحْقِيقُ بَعْثَةِ الرَّسُولِ إِلَى كُلِّ أَهْلِ عَصْرِهِ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ إِلَى تَعْرِيفِ أَهْلِ عَصْرِهِ إِلَّا بِالْمُشَافَهَةِ أَوِ الرُّسُلِ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى الْمُشَافَهَةِ لِلْكُلِّ لِتَعَذُّرِهِ. وَالرِّسَالَةُ مُنْحَصِرَةٌ فِي عَدَدِ التَّوَاتُرِ وَالْآحَادِ، وَالتَّوَاتُرُ إِلَى كُلِّ أَحَدٍ مُتَعَذَّرٌ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَبَرُ الْوَاحِدِ مَقْبُولًا، لَمَا تَحَقَّقَ مَعْنَى التَّبْلِيغِ وَالرِّسَالَةِ إِلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ فِيمَا أُرْسِلَ بِهِ، وَهُوَ مُحَالٌ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ، أَنْ لَوْ كَانَ التَّبْلِيغُ إِلَى كُلِّ مَنْ فِي عَصْرِهِ وَاجِبًا، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ فِي عَصْرِهِ مُكَلَّفٌ بِمَا بُعِثَ بِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ بَلْ إِنَّمَا هُوَ مُكَلَّفٌ بِالتَّبْلِيغِ إِلَى مَنْ يَقْدِرُ عَلَى إِبْلَاغِهِ إِمَّا بِالْمُشَافَهَةِ أَوْ بِخَبَرِ التَّوَاتُرِ (١) .
وَكَذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأُمَّةِ إِنَّمَا كُلِّفَ بِمَا أُرْسِلَ بِهِ الرَّسُولُ إِذَا عَلِمَهُ، وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ بِهِ؛ فَلَا، وَلِهَذَا فَإِنَّ مَنْ كَانَ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ فِي الْبِلَادِ النَّائِيَةِ وَالْجَزَائِرِ الْمُنْقَطِعَةِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى إِعْلَامِهِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا بِتَبْلِيغِهِ، وَلَا ذَلِكَ الشَّخْصُ كَانَ مُكَلَّفًا بِمَا أُرْسِلُ بِهِ.
الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ: قَالُوا قَدْ ثَبَتَ أَنَّ مُخَالَفَةَ أَمْرِ الرَّسُولِ سَبَبٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ، فَإِذَا أَخْبَرَ الْوَاحِدُ بِذَلِكَ عَنِ الرَّسُولِ، وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ، فَإِمَّا أَنْ يَجِبَ الْعَمَلُ بِالِاحْتِمَالِ الرَّاجِحِ وَالْمَرْجُوحِ مَعًا أَوْ تَرْكِهِمَا مَعًا، أَوِ الْعَمَلُ بِالْمَرْجُوحِ دُونَ الرَّاجِحِ، أَوْ بِالْعَكْسِ بِالِاحْتِمَالِ لَا سَبِيلَ إِلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ مُحَالٌ، فَلَمْ يَبْقَ سِوَى الرَّابِعِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا الْمَانِعُ مِنَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ، وَلَا يَجِبُ تَرْكُهُ، بَلْ هُوَ جَائِزُ التَّرْكِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ مُخَالَفَةَ أَمْرِ الرَّسُولِ مُوجِبَةٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ مُسَلَّمٌ فِيمَا عُلِمَ
(١) الْبَلَاغُ وَاجِبٌ عَلَى الرَّسُولِ ﷺ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ مُشَافَهَةً أَوْ كِتَابَةً أَوْ بِالرُّسُلِ مُطْلَقًا تَوَاتُرًا أَوَ آحَادًا لَا تَوَاتُرًا فَقَطْ، بِدَلِيلِ مَا تَوَاتَرَ مِنْ بَعْثِهِ لِلرُّسُلِ وَالْوُلَاةِ وَالْمُعَلِّمِينَ لِلْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ آحَادًا، وَمَنْ بَلَغَهُ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ شَرْعُ اللَّهِ أُصُولًا أَوْ فُرُوعًا عِلْمًا أَوْ ظَنًّا غَالِبًا وَجَبَ عَلَيْهِ اعْتِقَادُهُ وَالْعَمَلُ بِمَا اقْتَضَاهُ مِنَ الْأَحْكَامِ.
2 / 55