Al-Iḥkām fī uṣūl al-aḥkām
الإحكام في أصول الأحكام
Publisher
المكتب الإسلامي
Edition Number
الثانية
Publication Year
1402 AH
Publisher Location
(دمشق - بيروت)
Genres
Jurisprudence
التَّكَالِيفَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَصَالِحِ وَدَفْعِ الْمَفَاسِدِ، فَلَوْ تَعَبَّدْنَا بِاتِّبَاعِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْعَمَلِ بِهِ، فَإِذَا أَخْبَرَ بِخَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ بِسَفْكِ دَمٍ، وَاسْتِحْلَالِ بُضْعٍ مُحَرَّمٍ، مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِهِ كَاذِبًا، فَلَا يَكُونُ فِي الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ مَصْلَحَةٌ بَلْ مَحْضُ مَفْسَدَةٍ، وَهُوَ خِلَافُ وَضْعِ الشَّرْعِ.
وَلِهَذَا امْتُنِعَ وُرُودُ التَّعَبُّدِ؛ وَمَعْنَاهُ بِخَبَرِ الْفَاسِقِ وَالصَّبِيِّ، فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ إِجْمَاعًا (١) .
وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ التَّعَبُّدِ بِالْعَمَلِ بِقَوْلِ الشَّاهِدَيْنِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْخَبَرِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الشَّهَادَةَ إِنَّمَا تُقْبَلُ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ الصُّلْحُ، وَلَا كَذَلِكَ الْخَبَرُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَالرَّسُولِ فَكَانَتِ الْمَفْسَدَةُ فِي الشَّهَادَةِ أَبْعَدَ.
الثَّانِي: أَنَّ الْخَبَرَ يَقْتَضِي إِثْبَاتَ شَرْعٍ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ.
الثَّالِثُ: هُوَ أَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَ الشَّهَادَةِ إِنَّمَا يَثْبُتُ بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ، وَالشَّهَادَةُ شَرْطٌ لَا مُثْبِتٌ، بِخِلَافِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، فَإِنَّهُ عِنْدَكُمْ دَلِيلٌ مُثْبِتٌ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ.
ثُمَّ وَإِنْ سَلَّمْنَا دَلَالَةَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ عَلَى جَوَازِ التَّعَبُّدِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ إِلَّا أَنَّهُ مُعَارِضٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِهِ، وَبَيَانُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ.
أَمَّا الْمَنْقُولُ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ .
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ، فَمِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَوْ جَازَ وُرُودُ التَّعَبُّدِ بِقَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَنِ الرَّسُولِ عِنْدَ ظَنِّنَا بِصِدْقِهِ، لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مَصْلَحَةً، لَجَازَ وُرُودُ التَّعَبُّدِ بِقَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَذَلِكَ دُونَ اقْتِرَانِ الْمُعْجِزَةِ بِقَوْلِهِ مُحَالٌ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ جَازَ وُرُودُ التَّعَبُّدِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْفُرُوعِ، لَجَازَ وُرُودُ التَّعَبُّدِ بِهِ فِي
(١) إِذَا تَوَفَّرَ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ شُرُوطُ الْقَبُولِ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ، فَاحْتِمَالُ كَذِبِهِ لَغْوٌ، وَعَلَى ذَلِكَ يَكُونُ سَفْكُ الدِّمَاءِ وَاسْتِحْلَالُ الْفُرُوجِ وَنَحْوُهُمَا اسْتِنَادًا إِلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ مَصْلَحَةً، وَلَا مَفْسَدَةَ تَشُوبُهُ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مَفْسَدَةً مَحْضَةً، وَأَمَّا امْتِنَاعُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْفَاسِقِ وَالصَّبِيِّ فَلِرُجْحَانِ احْتِمَالِ الْكَذِبِ أَوِ الْغَلَطِ فِيهِ، أَوْ تَسَاوِي الِاحْتِمَالَاتُ لَا لِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ ذَلِكَ وَلَوْ مَرْجُوحًا.
2 / 46